لماذا اكتب؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يمكن ان أكون قد طرحت هذا السؤال على نفسي مرات كثيرة ولم اتوصل الى جواب محدد عنه، او يمكن اني لم أتأمل فيه، ولم يطرح علي احد مثل هذا السؤال طالما انا اكتب، ما الفائدة اذن من طرح مثل هكذا سؤال؟.

اريد ان افتح نافذة على داخلي، واترك الضوء ينهمر من خلالها ربما يضيء تلك العتمة التي اختبئ خلفها، وربما استطيع الإجابة على هذا السؤال: لماذا اكتب؟.

الحب والمرأة ربما هما البداية الأولى لكل كلماتنا اللاهثة والمبعثرة والجامحة على جدران المراهقة، قد يكون يكون واقع حال او تجربة مشتهاة في الخيال، او صورة نطمح لها ان تتحقق..

مثل كل الخطوات الأولى في العشق والتي تكون مرتبكة خجلة غير واثقة من نفسها، تكون الكلمات الأولى.. غير مرتبة او دقيقة، او هي ربما محض هذيان كمن أصيب بالحمى، اليس العشق والكتابة هي حمى متواصلة لا يبرء العاشق او الكاتب منها؟.

كثيرا ما يتم وصف الكتابة بالعشق، ووصف الكاتب بالعاشق، واللغة المطاردة هي المعشوقة..كل عشق لابد ان يتوفر على ما يسمى بالشغف، وهو اكثر الحاحا من الحنين او الشوق لرؤية من نعشق.

لماذا اكتب؟

في السنوات الأولى كنت ابحث عن الاعجاب من قبل الاخرين، أصدقاء او زملاء دراسة، وان أكون المبرّز بينهم، وسنوات العمر الأولى وانا اخطوها بين المراهقة والشباب تبيح لي ما احلم به..

لمن كنت اكتب نصوصي الأولى؟

لنفسي أولا..

بعد ذلك، وهذه (البعد) ليست فاصلة زمنية قصيرة بين لحظة ماضية وأخرى قادمة، انها بعد عمر طويل وبعد مكان وجغرافية واسعة وممتدة، ساهمت التجربة الحياتية في رسم الكثير من سطور الكتابة وكلماتها اللاحقة..

الان، وانا في راهن اللحظة التي اكتب فيها، واللحظة القادمة، والتي لا أضمن بقائي على قيد الحياة لمعانقتها، لماذا اكتب؟

لكي انعتق واتحرر.

لماذا اذن هذا الاستمرار في الكتابة بعد انعتاقي وتحرري؟ هل اطلب المزيد من كسر القيود والحواجز، ام اني ابحث عن شيء اخر، ربما هو الخلود مثلا؟

ماهو الخلود؟

ان يبقى اثر خطواتي خلفي..

ما الفائدة وانا وقتها ساكون بعيدا عن مشاهدة تلك الخطوات، والتي هي أصلا ستضيع في هذا الثقب الكبير من العدم الذي اسمه مجرة الانترنت.. اليس في هذا تشابه اخر مع الثقوب السوداء التي تبتلع كواكب ونجوم عملاقة في هذا الفضاء اللامتناهي..

عن أي خلود اتحدث والاثر لا يلحظه الا القاريء وهو بدوره في طريقه الى هذا الغياب والابتلاع والفناء؟

لماذا اكتب؟

ربما اكتب تحديا لهذا الموت الذي يترصد خطواتي وخطوات كل الاحياء..

حين اكتب اعلن اني لازلت موجودا وحيا، ولا زلت اتنفس واتمتع بكل الأشياء الجميلة، لكن الحياة فيها أيضا كل هذا القبح وهذا الزيف الذي يحيط بالجمال نفسه..

اعود مرة أخرى لفكرة الانعتاق والتحرر..

اكتب كي اتحرر مما هو قبيح وزائف، حتى لو لم اتحدث عنهما، مجرد المحاولة في التحرر والانعتاق تكفي..

اكتب كي احرر ذاكرتي من النسيان، واحرضها على التذكر، رغم الم الذكريات.

اكتب كي أكون نفسي، التي ابحث عنها في العتمة وحيدا ليس امامي غير خطوات متعثرة في غابة من اشباح الظنون والهواجس..

اكتب كي تقرأني نفسي مرة وعاشرة وحتى الف من المرات..

اكتب كي اتدثر بدفء اللغة، واحرك جمرها المختبيء  تحت الحروف والكلمات..

اكتب لكي اروّي عطشي لما لايرتوى منه، مثال بعيد في الخيال..

يطرح احد الكتاب الغربيين سؤال لمن نكتب؟

يجيب قائلا:

بعد كتابة شيء تكون كالبندقية بعد الإطلاق، مرتجفا يتصاعد منك الدخان، وبعد أن تطهرت نفسك تماما لأنك أطلقت ليس على ما تعرفه عن نفسك بل على ما تشك به وتفترضه، أي أشباحك وانفعالاتك، وكل الحياة المجهولة، وفعلت هذا في حالة توتر وجهد بالغ وكلك يقظة وخوف وسط الاكتشافات الفجائية والهزائم بأسلوب كما لو الحياة كلها قد تكثفت في نقطة واحدة، فإنك تلحظ فجأة ألا وجود لكل هذا طالما لا معين له ولا تنفخ فيه الحياة إشارة بشرية، كلمة، حضور. وهكذا تموت في البرودة، وتنطق في الصحراء، وتكون ليل نهار وحيدا كالميت ...

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/كانون الأول/2013 - 27/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م