في حديث على الهواء مباشرة لقناة الانوار من امام الحائر الحسيني
الشريف، قلت:
ان الشعوب الغربية تحب الامام الحسين (ع) ولو انها تعرف حقائق نهضته
المباركة وأسباب ثورته الخالدة لتشيع العالم، والغرب لا يحارب الحسين
(ع) وشعائره المقدسة، وإنما الذي يحاربها هم المحسوبون على الاسلام من
التكفيريين الارهابيين الذين تحرضهم فتاوى التكفير التي يصدرها فقهاء
بلاط نظام القبيلة الحاكم في الجزيرة العربية، وكذلك بعض الذين يدعون
التشيع والانتماء لأهل بيت النبوة والرسالة.
على مر التاريخ، فان الذي حارب الحسين (ع) وشعائره هي الحكومات (الاسلامية)
الجائرة، وقبل ذلك ما يسمى بدولة الخلافة التي كان (امير المؤمنين)
فيها أمثال الوليد بن الحكم والرشيد ومن لف لفهم، وما الطاغية الذليل
صدام حسين ببعيد عن ذاكرتنا، والذي قتل انصار الحسين (ع) في داخل الصحن
الحسيني والشريف وفي الشوارع والأزقة، منذ انتفاضة صفر الظافرة عام
١٩٧٧ وحتى سقوطه في عام ٢٠٠٣.
ان شيعة امير المؤمنين ع رفعوا راية الحسين (ع) في نيويورك وواشنطن
ولندن وباريس وفي كل عواصم العالم الغربي، فهل تسمح لهم الأنظمة
والحكومات في جل البلاد العربية والإسلامية ان يرفعوا هذه الراية
الخفاقة في عواصمهم؟ هل يسمح لهم آل سعود ان يرفعوا راية الحسين (ع) في
الرياض مثلا؟،
ان الغرب لا يحارب الحسين (ع) ولا يحارب شعائره، بل العكس هو الصحيح
فهم يحترمون عقائد الناس ومشاعرهم وشعائرهم وطريقة عبادتهم لله تعالى،
ولذلك انتشر التشيع وينتشر اليوم في الغرب اسرع من انتشاره في البلاد
العربية والإسلامية، والتي تحارب الحسين (ع) بفتاوى التكفير وبالسيارات
المفخخة والاحزمة الناسفة.
لقد تحولت عواصم ومدن كاملة في الغرب الى ما يشبه اجواء مدينة
كربلاء المقدسة في عاشوراء والأربعين وعموم ايام شهري محرم الحرام وصفر
المظفر، اما في العالم العربي والإسلامي فلا زال فقهاء وخطباء التكفير
ينعقون صارخين محذرين الشعوب مما يسمونه بالتبشير الشيعي، فيما تتباكى
قنواتهم الطائفية على الأمة التي يتهددها انتشار التشيع على حد قولهم
الباطل.
ولو ان المعنيين بالزحف المليوني الى الحسين (ع) في زيارة الأربعين،
وأخص بالذكر العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية، يبذلون جهدا مركزا
لنجحوا في إحضار الاعلام الغربي الى كربلاء في مثل هذه الايام، كقنوات
السي ان ان والفوكس نيوز والبي بي سي وغيرها، لتغطية هذه الظاهرة
الفريدة من نوعها في العالم.
اتمنى على العتبتين في العام القادم ان يهتموا بهذا الموضوع وهو مهم
جدا، من خلال الاتصال بالأعلام العالمي، الغربي تحديدا، وتقديم
التسهيلات والامتيازات الممكنة، لاحضاره الى كربلاء المقدسة في ايام
الزحف المليوني المقدس الذي يشهده العالم في زيارة أربعين سيد الشهداء
عليه السلام.
شرطان لفهم السر المكنون:
أمام الزحف المليوني الهادر الى مرقد سيد الشهداء الإمام الحسين بن
علي عليهم السلام في كربلاء المقدسة، ليسأل العالم نفسه عن النبأ
العظيم والسر الخفي والسبب الحقيقي والجوهر المكنون وراء كل هذا المظهر
العالمي النادر، إنْ بالعدد او بالتنظيم او بمجانية الإطعام والسكن
والصحة والخدمات الممتدة على طول طريق الزائرين، والممتد أكثر من (٥٠٠)
كم في الاتجاهات الأربعة التي تنتهي الى المرقد الشريف.
لا شك ان هذه الملايين لا تزحف الى مرقد الشهيد سيراً على الأقدام،
وعلى مدى عشرين يوماً متواصلة، إلا لشيء عظيم ونية نبيلة، والذي يتجلى
في تلبية النداء لصرخة الإمام وأخلاقه وفي القيم والأهداف الإنسانية
الكبرى التي ضحى من اجلها الشهيد ابن الشهيد عليه السلام.
إنهم يولون وجوههم، في مسيرتهم المليونية، شطر الحرية والكرامة
الإنسانية والعدل وقيم الدين والحضارة، وشطر الوفاء والشجاعة والموقف
النبيل والإيمان الصادق، وكل ما يمثله سيد الشهداء عليه السلام وأهل
بيته وأصحابه الذين ضحوا بكل شيء من اجل الإنسان الذي خلقه الله تعالى
فأحسن خلقه وكرمه.
إنهم يولون وجوههم، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، شطر كعبة
الأحرار والمجاهدين الصادقين، مرقد سبط رسول الله صلى الله عليه واله
في كربلاء المقدسة.
سيعرف العالم السر المكنون في هذه الظاهرة المليونية السنوية التي
تنطلق في كل عام في ذكرى أربعين سيد الشهداء عليه السلام بالرغم من
المخاطر والتحديات الكبيرة، إذا حاول أن يجيب على التساؤل بشرطين:
الأول: بعقل إنساني منفتح يقبل بالحق بغض النظر عن مصدره، فأصحاب
العقول الضيقة من الطائفيين والتكفيريين والحاقدين، لا يمكنهم استيعاب
وفهم الظاهرة أبداً، فصدورهم أضيق من ان تستوعب الحق.
الثاني: بروح إيجابية بعيدة عن التعصب الأعمى والحقد الدفين
والنفوس المريضة.
إن الحسين عليه السلام رسالة إنسانية، وكربلاء عنوان عالمي،
وعاشوراء عَبرة تغلي بحرارة في قلب كل منصف، لن تنطفئ أبداً.
وان مسيرة الأربعين المليونية تجسيد لكل هذا، فهل من منصف يعي
ويستوعب هذه الحقائق الخالدة والمتجددة مع الزمن؟. |