الدولار... أمان الاقتصاد الأمريكي في مرمى المخاطر

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: الاقتصاد سر قوة الولايات المتحدة الامريكية، والدولار سر قوتهما معاً، بعد ان أصبح العملة العالمية الوحيدة (تقريباً) التي تلقى استحسان وثقة المجتمع الدولي، ومع وجود الكثير من العملات (الين، اليورو، الدولار، الجنيه، الروبل، الفرنك) المنافسة في السوق العالمية، وعمليات التزوير واسعة النطاق، مضاف الى الازمة المالية والعجز عن سداد الدين الخارجي والتي لم يفلح ساسة الولايات المتحدة من إيجاد حل دائم لها حتى الان، فان الدولار ما زال سيد العملات، ومن دون ان يلوح في الأفق مؤشر واضح على تغيير اقتصادي قريب لهذه المعادلة.

لقد شكلت الاحداث الاقتصادية الأخيرة صدمة لدى الكثيرين اجبرتهم على مراجعة حساباتهم والبحث عن بدائل تجنبهم السقوط مع الدولار، فالصين ثاني اقتصاد عالمي وأكبر مدين أجنبي للولايات المتحدة تليه اليابان، كانا على خط المواجهة الأول لهذا الاختبار الذي جنبهما السقوط في اللحظات الأخيرة من كارثة اقتصادية كبيرة.  

المشكلة التي تواجهه الدول الكبرى والصغرى هي عدم وجود بديل اقتصادي قوي ومقنع يحل محل الدولار او على الأقل يكون بمستوى الندية، فالكل واجه صعوبة في ذلك لسبب او لأخر، الذهب سيد المعادن، اليورو المدعوم من قبل الاتحاد الأوربي، الجنيه الإسترليني صاحب المرتبة الأولى سابقاً والخصم الحالي، كلهم لم يحسموا صراع العملات لصالحهم، مما دفع الجميع للتمسك بالدولار ولو مؤقتاً.

ظهور العملة الصعبة

حيث يحتفل مجلس لاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، ومن بين أهم المهام المنوط بها المجلس إدارة الدولار، العملة الأمريكية الرسمية في البلاد لما يزيد على مائتي عام، والسؤال: ما الذي كان يتداوله المستوطنون في العالم الجديد، (وهي التسمية التي أطلقت على الولايات المتحدة في ذلك الوقت)، بدلا من العملة وقبل ظهور البنك المركزي أو عملة الدولار، في عام 1620 أبحرت السفينة مايفلاور من روثرهيث في شرق لندن إلى العالم الجديد حاملة على متنها منشقين دينيا يبحثون عن حياة جديدة عبر البحار، أخذ هؤلاء المستوطنون معهم في البداية ذهبا وعملات إنجليزية، لكنهم لم يكونوا من الأثرياء وسرعان ما نفدت الأموال وأصبحوا عاجزين عن شراء الغذاء وجلود الحيوانات واحتياجات أخرى من السكان الأصليين للقارة الأمريكية، ويوجز تلك الصعوبة جاسون جودوين، مؤلف كتاب (العملة الخضراء: الدولار القوي واختراع أمريكا) قائلا: "لم يكن لديهم أي نقود، ولم يكونوا من الاثرياء عند وصولهم، وأصبح التبادل أمرا محرجا بين المستعمرين أنفسهم، وبدا من المناسب مقايضة الأشياء، لكن بالطبع وبعد وقت قصير ظهرت تبادلات معقدة أبرزت ما يحمله المال من نفع كبير"، واكتشف المستوطنون بعد وقت قصير من وصولهم أن أنواعا معينة من الأصداف كانت ذات أهمية رمزية للكثير من السكان الأصليين، وبناء عليه أمكن تبادلها مع المستعمرين الإنجليز مقابل ما يحتاجونه من أشياء، مثل الغذاء، وكان سعر السلع يختلف حال الدفع باستخدام العملة الصعبة، الذهب أو الفضة أو قطع النقود من نوع ما، وبعد أن أصبح التبادل بين المستوطنين أنفسهم مهما للغاية، بدأ المستوطنون استخدام سلع أخرى في عملية المقايضة، ففي المستعمرات الشمالية استخدموا الذرة وأسماك القُد على سبيل المثال، وفي الكثير من المستعمرات الجنوبية كانوا يفضلون التبغ، وقد أعلن الكثير من هذه السلع أموالا قانونية على الرغم من ان بعضها لم يلق نجاحا كعملة. بحسب بي بي سي.

ويقول جيسون جودوين إن قيمة التبغ في التداول كانت تتذبذب بناء على نجاح المحصول، مضيفا أن مشكلة أخرى برزت فيما يتعلق بالتبغ وهي أن "الأوراق كانت تخزن ثم يجري تداولها، لكن بالطبع كانت تتفتت وتجف وكان الناس يسعون إلى مقايضة الأوراق الأكثر تفتتا وجفافا، وذلك كان يسبب الكثير من الارتباك، لأنه في الحالة التي تكون فيها عملتك متدهورة للغاية تفقد قيمتها وبالتالي هذا شئ غير جيد"، وكان سعر السلع يختلف حال الدفع باستخدام العملة الصعبة، الذهب أو الفضة أو قطع النقود من نوع ما، بدلا من استخدام أحد اشكال العملات القانونية مثل الاصداف، لأن العملة الصعبة كانت الأكثر قبولا وبالتالي الأكثر نفعا، وعلى الرغم من ذلك لم يكن لدى المستعمرين الأوائل خيارات بديلة عن هذا الشكل المتطور للمقايضة لأن السلطات البريطانية رفضت السماح بتصدير قطع النقود الذهبية والفضية، كما رفضت السماح للمستعمرين بسك عملاتهم الخاصة، فكان من الأسهل لهم استخدام العملات الاسبانية، التي باتت تتداول في الولايات المتحدة حتى أوائل القرن التاسع عشر، وفي نهاية المطاف أفضى تشدد السلطات البريطانية والعبء الضريبي الذي فرضته الحكومة البريطانية على المستوطنين إلى حدوث قطيعة كاملة مع الجانب البريطاني، وأصدر المستعمرون إعلان الاستقلال الشهير في عام 1776 ونجحوا بعد حرب طويلة ومريرة في سبيل الاستقلال في إلحاق الهزيمة بالقوات البريطانية في عام 1783، وخلفت الحرب الثورية، كما يطلق عليها، 13 ولاية متحدة في حالة فوضى مالية، وكانت الحرب أطول من المتوقع وباهظة التكلفة بالنسبة للمستعمرين، ويفسر بنيامين فرانكلين، أحد الأباء المؤسسين للثورة، قائلا "أصدر الكونجرس كمية كبيرة من الأوراق النقدية لدفع قيمة الملابس والسلاح وطعام الجنود وتجهيز سفننا، دون دفع ضرائب لمدة ثلاث سنوات، لقد حاربوا وهزموا واحدة من أشد الأمم قوة في أوروبا"، وكانت تعرف هذه الأوراق المالية باسم كونتننتالس Continentals (ومعناها الحرفي: القاري) وسميت باسم المجلس القاري الذي كان مسؤولا عن إعلان الاستقلال والذي كان يدير الحرب ضد بريطانيا، لكن مع انتهاء هذه الحرب أصبحت أوراق الكونتننتالس لا قيمة لها، وكان لزاما على الجمهورية الجديدة وضع نظام اقتصادي ومالي على نحو عاجل، وفي عام 1785 اجتمع المجلس القاري في نيويورك وأصدر الدولار في السادس من يوليو/تموز لتكون عملة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية الجديدة، وقرر الكونجرس أن يكون النظام عشريا ليعادل الدولار مئة سنت، غير أن خلافات دبت بين أعضاء الكونغرس أدت إلى تأخر سك العملة في أمريكا حتى عام  1792، ومر سبعون عاما أخرى، أي في منتصف الحرب الأهلية عام 1862، حيث استطاعت وزارة الخزانة الأمريكية طبع أوراق الدولار، باللونين الأسود والأخضر، وهي ألوان استخدمت منعا لتزييف العملة، ومن ذلك الوقت ظهر الدولار في عالمنا.

الابتعاد عن الدولار

فيما يرى محللون ان تعثر الولايات المتحدة في سداد مدفوعاتها المالية قد يدفع الصين الى تنويع احتياطاتها الهائلة البالغة ترليونات الدولارات والتي تعد الاكبر في العالم، مبتعدة عن الدولار الأميركي، وسيتسبب عجز الولايات المتحدة الذي سيكون تاريخيا في حال حدوثه، بشكل حتمي في خفض قيمة الاصوال الصينية بالدولار الاميركي، كما سيكون له تاثير اوسع على الاقتصاد الصيني الذي يعد ثاني اكبر اقتصاد في العالم، واطلق المسؤولون الصينيون ووسائل الاعلام الصينية التحذيرات مع اقتراب الموعد النهائي لاتخاذ الكونغرس قرارا برفع سقف الدين وتجنب كارثة مالية، وقال محللون ان الاحتمال المتزايد للعجز عن السداد من المرجح ان يدفع الصين الى المزيد من تنويع احتياطياتها وهو ما تفعله حاليا، وحتى تخفيض موجوداتها من السندات الاميركية، الا انهم استبعدوا تخلي الصين عن تلك الموجودات، ومعظم احتياطيات الصين من العملات الاجنبية التي وصلت الى 3,66 ترليون دولار في مؤخراً، هي بالدولار الأميركي، وقال لياو كون خبير الاقتصاد الذي يعمل في بنك سيتك انترناشونال في هونغ كونغ "اذا حصل عجز في السداد، فان الحكومة الصينية ستعجل بكل تاكيد في تنويع احتياطيها النقدي، وستسعى الى الحصول على سندات اكثر امانا في دول اخرى"، واضاف "اذا قامت الصين بتسريع تنوع احتياطيها من العملات، فقد يحدث كذلك خفض في موجوداتها من سندات الخزينة الاميركية ولدى الصين سبب قوي للقيام بذلك، ولكن بالطبع سيكون ذلك صعبا للغاية"، والصين هي اكبر مالك اجنبي لسندات الخزانة الاميركية حيث تبلغ قيمتها 1,28 ترليون دولار، تليها اليابان بمبلغ 1,14 ترليون دولار، وستؤدي اية عملية بيع واسعة للديون الاميركية يمكن ان تقوم بها الصين الى تقليص قيمة موجوداتها المتبقية من السندات الأميركية، وفي الوقت ذاته فان القليل من فئات الاصول الاخرى في مناطق اخرى من العالم كبيرة لدرجة لا تسمح لها توفير هذه المبالغ الضخمة من النقد، ما يترك بكين امام عدد قليل جدا من البدائل العملية، وعلى الامد الاطول فقد تقوم اليابان كذلك بتعديل محفظتها من النقد الاحتياطي قليلا لتنويعه والابتعاد عن الديون الاميركية، بحسب ما افاد يوشيكيو شيامامين الخبير الاقتصادي في معهد داي اشي للابحاث في طوكيو، الا ان اعتماد طوكيو السياسي على واشنطن (مثلا معاهدة الدفاع بينهما) يقلل من احتمال قيامها بتغيير مفاجئ، بحسب الخبير، وقال شيامامين "لا توجد اداة مالية اخرى على نفس درجة سيولة سندات الخزانة الاميركية" مشيرا الى انه من الصعب ان يتخلى عنها اي اقتصاد كبير. بحسب فرانس برس.

ولكن الصين ملتزمة بخفض المخاطر من خلال تنويع احتياطيها النقدي، وفي الوقت ذاته تحويل استثماراتها من المنتجات المالية البحتة الى المشاريع الصناعية، الا انه من مصادر القلق الاخرى بالنسبة لبكين هو تاثير عجز الحكومة الاميركية عن السداد على الاقتصاد الاميركي والعالمي، فالصين تعتمد بشكل كبير على صادراتها وعلى الاستثمار الخارجي للحفاظ على زخم اقتصادها الذي سجل نموا بنسبة 7,7% العام الماضي، ليكون ابطأ نمو منذ عام 1999، وقال صن جونوي الخبير في بنك اتش اس بي سي البريطاني في بكين ان العجز "سيكون له بكل تاكيد تاثير ملحوظ على الاقتصاد الاميركي وبالتالي سيكون له تاثير سلبي على الاقتصاد الصيني"، واستغل المسؤولون الصينيون هذه الفرصة لانتقاد الولايات المتحدة بسبب الخلاف السياسي الداخلي فيها، وقال نائب وزير المالية الصيني شو غوانغياو "نطالب الجانب الاميركي بوصفه البلد الذي يصدر عملة احتياطية رئيسية واكبر اقتصاد في العالم بتحمل مسؤولياته"، واضاف ان اصابة الحكومة الاميركية بعجز "سيكون وضعا خطيرا للغاية" داعيا واشنطن الى معالجة سداد فوائد الدين كاولوية في حال حدوث عجز، وذهب الاعلام الحكومي الصيني الى ابعد من ذلك حيث دعت وكالة الصين الجديدة الى "انهاء امركة العالم"، وقالت "ما يمكن كذلك تضمينه كجزء رئيسي من عملية اصلاح فعالة هو طرح عملة احتياطية عالمية جديدة يتم خلقها لتحل محل الدولار الاميركي المهيمن"، وتسعى الصين الى جعل عملتها اليوان اكثر قبولا عالميا، ولكن غياب حرية التحويل في الصين يعني ان اليوان لا يزال بعيدا جدا عن الدولار، ودعت الوكالة في مقالها الافتتاحي اقتصادات السوق الناشئة الى ان يكون لها راي اكبر في المؤسسات المتعددة الاطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقالت ان "الازمة في واشنطن، جعلت، مرة اخرى، اصول العديد من الدول الهائلة من الدولار في خطر، كما تسبب بالمعاناة للمجتمع الدولي".

فيما كشفت السلطات الروسية، عن سعيها لتوفير احتياطي نقدي بديل للدولار الأمريكي، في أعقاب الأزمة المالية التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخراً، مما أدى إلى زعزعة ثقة المستثمرين في الدولار كعملة احتياطية عالمية، وأوصى ديوان الرقابة المالية في الحكومة الروسية صندوقي "الاحتياطي الفيدرالي"، و"الرفاه الوطني"، باستثمار أموالهم في عملات عالمية أكثر استقراراً، مثل الدولار الأسترالي، والدولار الكندي، والفرنك السويسري، والين الياباني، والروبل الروسي، بدلاً من الدولار الأمريكي، وذكرت وسائل إعلام محلية في موسكو أن تلك التوصية جاءت بعد "تفاقم المشاكل المالية في الولايات المتحدة، والتي تم حلها قبل يوم واحد من دخول البلاد في مرحلة عجز تقني عن سداد ديونها"، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى البحث عن أدوات احتياطية بديلة عن الدولار، وتتوزع احتياطيات بنك روسيا المركزي من النقد الأجنبي بين الدولار واليورو وعملات أخرى، منها ما نسبته 45.8 في المائة بالدولار الأمريكي، و40.4 في المائة باليورو، و9.2 في المائة بالجنيه الاسترليني، و2.5 في المائة بالدولار الكندي، إضافة إلى 1.1 في المائة بالين الياباني، ومثلها بالدولار الأسترالي، وذكر تلفزيون "روسيا اليوم" أن احتياطيات روسيا الدولية من الذهب والنقد الأجنبي ارتفعت بقيمة 1.3 مليار دولار، خلال الفترة ما بين 12 و18 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، لتتجاوز 511 مليار دولار، وكان مسؤولون ماليون في موسكو قد ذكروا في وقت سابق، أن المركزي الروسي ليس لديه خطط حالياً لخفض الاستثمارات في سندات الخزانة الأمريكية، ولكن في المستقبل ينوي البحث عن أدوات استثمار أخرى موثوق بها.

مكانة محفوظة

على صعيد اخر ادت المواجهة حول الدين في الولايات المتحدة الى زعزعة الثقة في ادارة واشنطن المالية وفي الدولار كعملة عالمية موثوقة، لكن المحللين في اسيا يؤكدون الا بديل عن العملة الخضراء، وانتقدت الصين واليابان اكبر مالكي سندات الخزينة الاميركية التعطيل السياسي في البرلمان وحذرتا من ان التخلف عن السداد الذي تم تجنبه في اللحظة الاخيرة كان سيزعزع الاقتصاد العالمي ويهدد استماراتهما الكبيرة في الدين الاميركي وقيمتها 2,4 تريليون دولار، وتوصل النواب الاميركيون الى اتفاق مؤقت لرفع سقف الدين.

 لكن المواجهة السياسية نسفت "مصداقية العملة الخضراء كعملة احتياط عالمية موثوقة، وهي سبق ان بدات تعاني بسبب عمليات طبع متكررة للعملة" على ما افادت صحيفة ذي اوستراليان في اشارة الى خطة الاحتياطي الاميركي (البنك المركزي) لشراء سندات بقيمة 85 مليون دولار شهريا، وحذرت من انه اذا ما كانت واشنطن غير قادرة او لا تري تولي اعبائها، فسيبادر اخرون الى ملء الفراغ، وقالت الصحيفة ان "السلطات الصينية تتوق الى ان تقوم عملتها بدور اكبر في سوق اسهم الاحتياط العالمية"، "ففيما تناشد بكين علنا السياسيين الاميركيين رفع سقف دين بلادهم، فانه يسعدها ضمنا الاستقرار النسبي لعملتها اليوان"، ودعت وكالة شينخوا الرسمية الصينية الى "عالم غير متأمرك" فيما انتقدت غلوبال تايمز المتحدثة باسم الحكومة "عدم القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة" محذرة من ان وضع البلاد كقوة عظمى بات مهددا، وقالت غلوبال تايمز في مقالة ان الصين "تملك قدرة هائلة على الدخول في منافسة مع العم سام نظرا الى ان هذا الحجم الهائل من الدين الوطني يعني مستوى معينا من التاثير"، وواجه الدولار عدة تحديات منذ احتلاله مكانة الجنيه الاسترليني في موقع العملة الاساسية في التجارة العالمية في القرن الفائت، واتخذت الصين مبادرات لتعزيز مكانة اليوان في التبادلات التجارية، لكن هذه العملة لا يمكن تحويلها بحرية الى العملات الرئيسية الاخرى ما يعرقل اي تحد للدولار بحسب محللين.

 وندد الرئيس الاميركي باراك اوباما بعواقب المواجهة في الكونغرس التي ادت الى شلل حكومي استمر أسبوعين، وصرح "على الارجح لا شيء اضر بمصداقية الولايات المتحدة في العالم ومكانتنا امام دول اخرى اكثر من المشهد الذي تابعناه في الاسابيع الاخيرة"، وانتهت المواجهة الحادة قبل ساعات من مهلة سابقة مع اقرار قانون يمدد قدرة الخزانة الاميركية على الاقتراض حتى 7 شباط/فبراير بما يوفر التمويل للحكومة حتى منتصف كانون الثاني/يناير، وهذا الاتفاق كان محوريا كي تحصل واشنطن على كفايتها من المال للوفاء بالتزاماتها وتسديد المستحقات المتوجبة عيها نتيجة بيع الخزانة الدين لدور مالية وشركات وحكومات حول العالم، وشعر بازمة الدين المالية في الصين التي تعتبر لاقتصاد الثاني عالميا واكبر مالك اجنبي لديون اميركية، فيما بدا التوتر في اليابان وهي المقرض الثاني عالميا للولايات المتحدة، وحذر مسؤولون يابانيون من "تبعات" على الاقتصاد العالمي في حال عدم رفع سقف الدين فيما اكد حاكم البنك المركزي الياباني على ضرورة "تبديد الشكوك حول السياسة المالية الاميركية"، لكن الاتفاق المبرم لقي نوعا من التسليم وسط ادراك بان العالم يمكن بسهولة ان يصبح رهينة مجددا بعد اشهر، وصرح كبير اقتصاديي معهد ان ال اي للابحاث في طوكيو سوسومو دويهارا ان "التسوية ليست الا تاجيلا لحل المشكلة"، ولا يمكن للعالم الا ان يرحب ويامل ان ترتب الولايات المتحدة اوضاعها الداخلية بحسبه، واضاف "لا اعتقد ان وضع السندات الاميركية كاسهم امنة سيتغير، فما من بديل".

حله جديدة

الى ذلك وبعد تأخر استمر أكثر من سنتين، دخلت الورقة النقدية الجديدة من فئة 100 دولار حيز التداول، والورقة النقدية الجديدة كان مقررا دخولها الأسواق عام 2011 غير أنّ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أوضح ساعتها أنه مضطر لإرجاء ذلك بسبب ثغرات أمنية جعلت من شكل طباعتها غير مقبول حيث أنّها كانت هناك الكثير من البقع البيضاء عليها، ولا علاقة للورقة النقدية الجديدة بالجدل القائم حول الإغلاق الحكومي وأزمة الموازنة التي لا يعنيها أي شيء فيما يتعلق بموازنة الاحتياطي الفيدرالي، وما يميّزها أنها ستكون سهلة الاستخدام وصعبة على المزورين، واستغرقت عمليات تطوير الورقة 10 سنوات مع رقم تسلسلي من 8 أرقام، وتتضمن الأوراق النقدية الجديدة ميزتين جديدتين هما شريط أزرق ثلاثي الأبعاد مع صور تبدو متحركة لدى تغيير مستوى الورقة النقدية مع صورة جرس تتبدل ألوانه مع تحريك الورقة، ويأتي ذلك مع مزايا تقليدية في منع التزوير مثل مزيج الورق مع ألوان دقيقة ومزايا أمنية لاستباق عمليات التزوير والتي تتيح كشف التزوير خلال 10 ثوان لمن يعرف مؤشرات التزوير، أما صورة بنجامين فرانكلين فلن يطرأ عليها أي تغيير، وسبق أن تم تطوير جميع فئات العملة الأمريكية في السنوات العشر الأخيرة للوقاية من التزوير علما أنّ فئة المائة دولار هي الأكثر تداولا خارج الولايات المتحدة. بحسب سي ان ان.

من جانب خر تلقت الدعوات إلى تغيير الدولار من عملة ورقية إلى قطعة نقدية، دفعة جديدة مع دراسات جديدة تؤكد أنّ ذلك سيوفر للبلاد نحو 14 مليار دولار على مدى الثلاثين سنة المقبلة، فمن جهة، تتكلف الورقة النقدية الواحدة خمسة سنتات فيما لا تكلف القطعة سوى 18 سنتا، وزيادة على ذلك فإنّ القطعة تبقى صالحة ولا تبلى لمدة تقارب 30 سنة، فيما الورقة لا يمكن أن تتجاوز جودتها خمس سنوات بالكاد، وتعتبر لجنة تدعم تغيير شكل العملة أن الولايات المتحدة من الدول القلائل التي ترفض ذلك رغم أن دولا كثيرة قامت على مدى نصف قرن بتغيير شكل عملتها، لكن النقاش مازال جاريا لاسيما أن الكثير من الأمريكيين يرفضون حمل قطع معدنية في جيوبهم ومحافظهم، لكن اللجنة التي تقف وراء الدعوة إلى التغيير تقول إن نفس الأمر كان ينطبق على كل الدول، حيث يحتاج الناس فقط إلى قرار بإيقاف تداول ورقة نقدية ما حتى يلتزموا ومن ثم يتعودون على القطع الجديدة.

تجارة الدولارات المزيفة

في حين القي القبض العام الماضي على جويل كويسبي رودريغز في بار شمال غربي بيرو اعتقد كثير من الناس ان تلك بداية نهاية تجارة العملات المزورة المقدرة بملايين الدولارات، وسجن رودريغز واتهم بادارة شبكة اجرام تضم افرادا من عائلته قامت بتهريب كمية ضخمة من النقود المزيفة الى الخارج عام 2009، الا ان عصابة كويسبي رودريغز، كما تسميها الشرطة، تصدرت عناوين الاخبار مرتين هذا العام، وبعد عملية استمرت عدة اشهر، قالت الشرطة انها اعتقلت اثنين اخرين من العائلة وصادرت عملات مزيفة تصل الى 7 مليون دولار من بينها يورو وسولس بيروفي، وقال رئيس الشرطة راؤول سالازار وهو يقف بجوار طاولة امتدت عليها طبقات من الاوراق النقدية المطبوعة لتوها ولم تقطع بعد من فئة 50 دولارا: "وجهنا ضربة قاصمة للجريمة المنظمة"، ويقول مدير وحدة التحقيقات الجنائية في الشرطة البيروفية سيزار كورتيجو ان اغلب اوراق النقد المزيفة كانت معدة للنقل للخارج بطرق تشبه التي يستخدمها مهربو المخدرات، وقال كورتيجو "وجدناها مغطاة بكراسات تحوي رسوما بيروفية تقليدية للايحاء بانها هدايا تذكارية، ولديهم حاويات لاخفاء الدولارات الملفوفة في ورق كربون بحيث لا تظهر في اجهزة الفحص بالاشعة"، وحسب تقديرات الشرطة فقد تم مصادرة ما يصل الى 17 مليون دولار من العملات المزيفة هذا العام اغلبها كان للتهريب الى امريكا والدول التي تستخدم الدولار مثل الاكوادور، وتعتقد الولايات المتحدة ان بيرو هي اكبر منتج خارج امريكا للدولارات المزيفة التي يتم تدويرها في أمريكا، ويقول المتحدث باسم الشرطة السرية الامريكية برايان ليري: "في عام 2003 اكتشفنا اول ورقة نقد صنعت في بيرو، وتزداد منذ ذلك الحين، والان 17 في المئة من العملات المزيفة في امريكا مصدرها بيرو"، ولا يعرف الحجم الحقيقي لكمية الدولارات المزيفة التي تخرج من بيرو، الا ان بنك الاحتياط المركزي لبيرو لا يرى ان العملات المزيفة المستخدمة تشكل خطرا على الاقتصاد الكلي، ويقول المسؤول في البنك خوان انطونيو راميريز: "هذه جريمة منظمة تؤثر اكثر في محدودي الدخل، فالبنسبة لهم تعني العملة المزيفة خسارة كبيرة"، ويوجد في بيرو اقتصاد موازي كبير، يسهل فيه شراء بطاقات الهوية المزيفة والوثائق الاخرى من السوق السوداء، كما ان بها مسالك تهريب راسخة للمخدرات والبشر ويمكن لمزوري العملات استخدامها، وتعترف الحكومة بان هناك مشكلة وتقول انها تجعل مكافحتها اولوية ضمن استراتيجة مكافحة الجريمة المنظمة، وياوجه المدان بتزوير العملة عقوبة السجن 12 عاما ويقول المسؤولون انه يتم تطوير امن الحدود لاكتشاف الدولارات المزيفة، وتقدر الشرطة السرية الامريكية ان الدولارات المزيفة القادمة من بيرو ستقل بنسبة 4 في المئة هذا العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/كانون الأول/2013 - 19/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م