أخلاقيات التغيير.. الأخلاق جوهر الدين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حقيقة الإسلام وواقع الدين الإسلامي هو حقيقة الأخلاق الإنسانية، وواقع الآداب الاجتماعية الرفيعة، انهما توأمان لا ينفكان بل هما حقيقة واحدة لمعنى واحد، اذ لم يشذ شيء مما حبذته الاخلاق عما امر به الاسلام، ولم يفلت امر حثت عليه الآداب مما حث عليه الاسلام وندب اليه، فكل احكام الاسلام وتعاليمه من عبادات ومعاملات وغير ذلك مبنية على اسس اخلاقية رفيعة، وقواعد آدابية رصينة، لذا امر الاسلام بواجبات، ونهى عن محرمات، وحذر من مساوئ الاخلاق، وندب الى الفضائل والآداب. (السيد صادق الشيرازي/من عبق المرجعية)

لا ينفك السيد صادق الشيرازي عن طرح درسه الاخلاقي في جميع ما يكتبه، لان الاخلاق لديه وكما وعاها في سيرة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام) هي عماد الدين وركنه المشيد..

في كل ما كتبه او حاضر فيه، (السياسة – الاقتصاد – الفقه – العقائد – السيرة) يركز على الدرس الاخلاقي للاسلام وللدين.. وهو يقيم هذه التفرقة بين الاسلام وبين الدين من خلال جوهر الاسلام ويشير اليه ب (الحقيقة) والتطبيق العملي لما ندب اليه الدين ويشير اليه ب (الواقع)..

ماهو الاسلام وما هو الدين؟.

الاول يعني (الاستسلام والانقياد - إخلاص العبادة لله).

واصطلاحا هو ( مجموع ما أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد (ص) من أحكام العقيدة والأخلاق والمعاملات والإخبارات في القرآن والسنة).

وشرعا يعني: الامتثال لأوامر الله ونواهيه.

اما الدين وحسب ورود لفظه في القرآن الكريم فيحمل هو الاخر عدة دلالات منها:

(الملك والسلطان – الطريقة – الحكم - القانون الذي ارتضاه الله لعباده - الذل والخضوع –الجزاء).

اما اصطلاحاً فهو: ما شرعه الله لعباده من أحكام.

والدين في تعريف علماء الكلام:

(اسم لجميع ما يُعبد به الله - وضع إلهي لأولي الألباب يتناول الأصول و الفروع - ما يدان به من الطاعات مع اجتناب المحرمات - وضع الهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير بالذات - وضع الهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات قلبياً كان أو قالبياً، كالاعتقاد و الصلاة).

اما الاخلاق فتعريفها (جمع خُلُقٍ، وهو السجية والطبع).

والخلق في الاصطلاح: (سلوك يسلكه الإنسان في ميدان الفضائل أو الرذائل ويصبغ صاحبه بالحسن أو القبح).

وهي ايضا (حالة نفسية تترجم بالأفعال)، أي أن الأخلاق، لها جانبان؛ (جانب نفسي باطني، وجانب سلوكي ظاهري) فالسجايا هي الطباع. والسلوك هو الفعل المترجم لهذه الطباع. وهي في المعجم الوسيط (حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر أو روية، ومجموعها أخلاق).

وللاخلاق علمها الخاص بها ويعرف بانه: (العلم الباحث عن محاسن الأخلاق ومساوئها والحثّ على التحلّي بالأخلاق الحسنة والتخلّي عن الأخلاق السيّئة).

وعلم الأخلاق الإسلامية: هو علم الخير والشر، والحسن والقبيح.

التصور الاسلامي للاخلاق لا ينفصل عن واقع الانسان في (المبدأ والغاية والهدف).

والاخلاق الاسلامية هي جميع محامد الأخلاق التي يجب أن تقوم على أُصول وقواعد وفضائل وآداب مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالعقيدة والشريعة الإسلامية، وهي في جوهر الدين وروحه.

ويمكن تقسيم الاخلاق الاسلامية الى:

الأخلاق الاجتماعيّة - الأخلاق الفردية - الاخلاق العبادية.

او هي حسب تقسيم الفلاسفة الذين اهتموا بدراسة الاخلاق:

الأخلاق النظرية وهي التي ترسم المثل الأعلى للسلوك الإنساني كما يجب أن يكون.

والأخلاق العملية وهي جملة القواعد التي تقوم عليها الإنسانية لتكون صالحة.

والحكمة الأخلاقية وتعني تلافي النظر بالعمل فلا يوجد عند الحكيم نظر دون عمل أو عمل بدون نظر.

حقيقة الاسلام وواقع الدين هو حقيقة الاخلاق الانسانية، كما يذهب المرجع السيد صادق الشيرازي، ويؤكد ذلك في كل كلماته، وهو ينظر الى واقع المجتمعات الانسانية التي تفشت فيها تلك (العدمية الاخلاقية) التي بشر بها الفيلسوف الالماني (نيتشة) والتي قصد بها غياب القيم العليا.

وسبب هذه العدمية كما يذهب الكثير من الباحثين عن معنى الوجود الانساني هو هذا الهدم المستمر لكل المعاني والدلالات، وهو الاعتقاد بأنه لم يعد هناك شيء يهم حقا، لأنه لم يعد هناك شيء ذو معنى حقا. ليس لدينا منظومة معتقدات أو قيم يمكنها أن توجهنا. منظومات المعتقدات القديمة كالدين والأخلاق لا تزال موجودة، ولكننا في أفضل الأحوال نتبعها بنصف إيمان، وفي أسوأها نعتقد أنها لا تحمل معنى مع ذلك. إنها موجودة فقط على حواف حيواتنا ووعينا. ولكن ليس العالم فقط هو الذي لم يعد يحمل معنى، نحن أنفسنا لم نعد نحمل معنى لأنفسنا).

لا يقتصر الامر على ماذهب اليه هؤلاء الباحثين بل يعود ذلك في عمقه الى ماكتبه السيد صادق الشيرازي في موضع اخر من كتابه حيث يقول: (اذا لم يكن الانسان يرى الله وينكر ذاته، تراه يسحق احكام الله ولا يبالي، ويولي ظهره لله ولأنبيائه ويتخذ نفسه إلها من دون الله).

لا يتقوّم الاسلام والدين الا بوجود الاخلاق التي هي لبه وجوهره، وهذا التقويم لا يتم الا عن طريق المعرفة، (معرفة الله والقيام له ونكران الذات التي هي اساس كل فضيلة)، كما يشير السيد صادق الشيرازي، في باب الاخلاق من كتابه ( من عبق المرجعية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/كانون الأول/2013 - 18/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م