حينما تحدّث بعض المنجمين والعرّاف عن نهاية العالم، صدّقهم بعض
الناس الى حد أن غيّروا أماكن اقامتهم فلجئوا الى الجبال والمناطق
المرتفعة حفاظا على حياتهم من موت أكيد! وحينما تحدّث علماء البيئة عن
التغيّرات المناخيّة والبيئيّة المحتملة وإمكانية ارتفاع مناسيب مياه
البحار وغرق اليابسة نتيجة للاحتباس الحراري، بدأ فعلا النزوح من
الأراضي المنخفضة عن مستوى البحر ومن المناطق الساحلية تحسبا ليوم
الطوفان الكبير.... فعلى سبيل المثال وليس الحصر، غيّر بعض الهولنديين
أماكن سكنهم فنزحوا الى مناطق جنوب بلجيكا الجبليّة كي لا تجرفهم مياه
البحر التي هي أصلا فوق مستوى الأراضي الهولنديّة وعليه سميّت هولندا
بـ "الأراضي المنخفضة".
ربما تكون هذه الأخبار مثار استهزاء البعض أو تعجبهم وربما يشارك
البعض الآخر نفس وجهات النظر، إلاّ أن المتابع لمتغيرات العالم
ومستجداته وعلى كافة الصعد قد لا يلوم من آمن بأفكار العلماء والمحللين
أو صدّق بنبوءات المنجمين وهمسات العرّاف. فعالمنا اليوم لا يوحي
بالاستقرار والطمأنينة بل الكوارث والتهديدات بكل صنوفها تشكل تحديّا
ملموسا لا يمكن أن تغمض العين عنه. فقد تحرّش الانسان بالطبيعة من خلال
التلوث البيئي فجعلها مريضة تعاني من الحمىّ والضجر. حمّى الأرض تذيب
ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي وترفع مستوى مياه البحار الى حد التهديد
بالطوفان. التغيرات المناخيّة المتزايدة المتمثلة بالأعاصير والرياح
العاتية والأمطار الغزيرة الساقطة حد الفيضان وظاهرة التصحر وجفاف بعض
الانهار كلّها ردود فعل لارتفاع درجات حرارة الجو في هذا الكوكب.
شواهد الأحداث في السنين الأخيرة كثيرة ومتوالية، فمن لا يتذكر
تسونامي وزلزال عام 2004 م الذي ضرب المحيط الهندي وسبب مئات آلاف
الضحايا خصوصا في إندونيسيا وسريلانكا وتايلند! ومن نسيَ زلزال
"توهوكو" وتسونامي اليابان الذي سجّل أعلى نسبة في الخسائر البشريّة
والممتلكات هناك وأدى الى إعطاب المفاعل النووي الياباني" فوكوشيما"
الذي لا زالت اشعاعاته النووية تتجول في سماء اليابان ومياهها! ومن لا
يعرف عن أعاصير أمريكا المتعاقبة كإعصار ساندي عام 2012م الذي أغرق
نيويورك وإعصار أوكلاهوما في هذا العام والذي أعاث الدمار في تلك
المدينة! وأخيرا وليس آخرا إعصار "هايان" الذي ضرب الفلبين مؤخرا وكان
الأقوى في تأريخ هذا البلد والذي راح ضحيته أكثر من عشرة آلاف فرد. هذا
على صعيد الزلازل والأعاصير وهجمات البحر على اليابسة، أما على صعيد
الفيضانات والأمطار فلا أعتقد بأننا بحاجة لشواهد أو تواريخ يستدلّ بها
لأن أكثر بلدان العالم قد أغرقتها مياه الأمطار بوقت أو بآخر.... أوربا
بأجمعها غربية وشرقيّة، الصين، بنغلادش، الباكستان، أستراليا، المكسيك
والأكوادور ودول أخرى من أمريكا الجنوبية، جورجيا، الجزائر والسودان
ودول أخرى من أفريقيا، لا بل وصلت الأمطار لتغرق صحاري السعودية
والعراق!
غضب الطبيعة هذا صاحبه غضب الشعوب، فكثير من شعوب العالم ونتيجة
للقهر والفقر والتخلف وتحفيزات الخارج وتكنلوجيا الاتصالات أبدت
العصيان والتمرد على واقعها متطلعة لمستقبل أفضل أو متوهمة بحياة ارقى.
غليان الشعوب ربما زاد الطين بلّة حيث تفاقمت المشكلات وتعقدت المعضلات
وأختلط الحابل بالنابل حتى أصبح الماضي أبهى من الحاضر وأجمل منه!
غليان الشعوب ولّد أمراضا وحمى ربما أشد وأقسى من حمىّ الأرض. فإن
عبّرت الأرض عن غضبها بالزلازل والفيضانات فقد عبّرت بعض الشعوب عن
غضبها بانقسامها على نفسها وبدأت بنزاع الذات مع الذات فاستغلت كل
العناوين والشعارات من أجل هدم الذات بما في ذلك الشعارات الدينية أو
الطائفيّة أو العرقيّة أو غيرها. فلو تناولنا شعوب العالم مبتدئين
بأنفسنا أي بالعالم العربي والاسلامي لما وجدنا غير اختلافات الرأي
والرؤى والى حدّ التشرذم والتقسيم.
العراق يتمترس للتقسيم وسوريا في طاحونة الحرب الأهلية ولبنان على
شاكلة شقيقتها والثورة تأكل نفسها في مصر والسودان يعيش حروب ما بعد
التقسيم وليبيا تحوّلت الى إمبراطورية القبائل غير المتحدة وتونس
متأسفة على زين العابدين بن علي بعد أن كان المنقذ دون أن تدرك، وقطر
تحب لعبة جر الحبل مع أخواتها وفلسطين أصبحت حرة طليقة لوحدها في
الساحة أمام ربيبة عمرها "إسرائيل" المنبهرة بمخلفات الربيع العربي....
أما على صعيد الدول الاسلامية فحركة طالبان تنتظر خروج الأمريكان من
أفغانستان كي تشق طريقها نحو المستقبل....وتركيا وحكومتها الاسلاميّة
قد ورطت نفسها بقراءة التأريخ وأمجاد الدولة العثمانيّة فقادها تسونامي
شبق إعادة التأريخ الى ما لا يحمد عقباه، وايران والمملكة العربية
السعودية يتأهبان لحرب بالنيابة.... و....و... والسلسلة طويلة وممتدة
ولكن مهما يكن من أمر، فأن الدول العربية قاطبة ودول العالم الإسلامي
باجمعها لها مشترك واحد فقط تعتصم به بعد أن سقطت كلّ المشتركات هذا
المشترك البارز هو "الارهاب" الذي يضرب فيها أينما يشاء وحالما يشاء
وكيفما يشاء وإن اختلفت درجاته من مكان الى آخر!
هذا على صعيد دول الشرق أما ما يخص دول الغرب فالحياة عندهم ليست
ذلك النعيم الذي يتخيله البعض! فمنذ إفلاس بنك أمريكا العملاق " ليمان
بوردور". عام 2008 م أصيبت أمريكا وأروبا بمرض الوسواس المالي
والاقتصادي المزمن. تزعزعت ثقة المستثمر الأوربي بالمؤسسات المالية
والاقتصادية بعد أن ابتلعت الثقوب السوداء أموال الكثيرين. سقطت عشرات
البنوك الأمريكية في طائلة الافلاس وكادت البنوك الأوربية أن تتهاوى
الواحدة تلو الأخرى لولا تدخل الحكومات، وهذا ما هز كيان دول الاتحاد
الأوربي التي لا تزال تعاني من آثار الأزمة. فالانتكاسة المالية
والاقتصادية لا تزال واردة وإن حصلت فستحصل الكارثة ويكون يوم الحشر.
دول الاتحاد الأوربي تعاني من مشكلات في بنوكها ومؤسساتها
وإقتصادياتها وإن إختلفت الشدة من بلد لآخر حيث أن دول كبيرة في هذا
الاتحاد لا تزال مهددة بالانزلاق في هاوية الافلاس أو الكساد. فقبرص
واليونان كانتا على شفا حفرة الافلاس لولا المساعدات الأوربية السخيّة،
وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وإيرلندا تعاني من أزمات اقتصادية وماليّة
أشد من أزمات القلب عند الانسان. العملاق الأوربي الذي رغم ضخامته فهو
يتحرك بصعوبة وإن سقط على الأرض أو حصل كسر في أحد أعضائه فلن يقوى على
القيام والوقوف مرة أخرى!
أما ما يخص روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق وعلاقاتها مع أمريكا
والغرب فهو موضوع يستحق التمحيص والتوقف أيضا لأنه موضوع يشوبه الكتمان
الى حد ما. الشيء الأكيد في المسألة هو أن علاقة روسيا بأمريكا اليوم
ليست بأفضل من العلاقة السابقة إبان الحرب الباردة. الخلافات السياسيّة
الروسيّة الأمريكية كثيرة ومتشعبة تبدأ بإرادة أمريكا المتجليّة في
تجريد روسيا من الأصدقاء والحلفاء وتمر بدعمها اللامحدود للدول التي
لها خلافات مع روسيا كجورجيا مثلا وإنتهاءا بعمليات التجسس والمراقبة
لكل تحرك روسي وعلى كافة الأصعدة حسبما كشفه مؤخرا الجاسوس الأمريكي
"سنودن" الذي أفشى بأسرار عمليّات التجسس الأمريكيّة ضد روسيا.
نتيجة لهذا الصراع الكامن بين القطبين تنبعث إشارات التوتر من هنا
وهناك في مناطق مختلفة من العالم كردة فعل أو علامة دالة على هذا
النزاع الكامن والذي لا يعرف أحد متى يتفعل أو ينفجر. ليس أدلّ مثالا
على ما ذكرت ما يحصل الآن في جمهورية أوكرانيا التي ينقسم شعبها الى
نصفين، نصف يتجه في رؤاه الى أمه السابقة روسيا ليعيد صلات الماضي
وامجاده والنصف الآخر تستهويه الأم الجديدة " الغرب" التي تزيّن الطريق
له بالورود والوعود وتتهيأ للاحتضان.
من هذا الإجمال الشديد يستطيع المرء أن يستخلص بأن العالم برمته
متجه الى طريق صعب ومنعطف مجهول محاط بالمنزلقات والمطبات. فطبيعة
غاضبة على عبث الانسان وانانيته، وحروب حارة وباردة بين بلدان وأمم
وتشرذم وانقسام في جسد الأمة الواحدة بل البلد الواحد في ظل وجود
المضادات الداخلية من إرهاب وطائفيّة وتخلف، ومارد الانهيار المالي
والكساد الاقتصادي الذي يقف على أبواب أغنى دول العالم، وأجيال جديدة
متفتحة لا تقنع بما قنع به الآباء وتغلي كالبركان...... فعلى ضوء هذه
المعطيات تعالوا معا نستطلع مصير هذا العالم! |