اربعون الحياة والموت

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حسب المهتمين والدارسين للعربية وعلومها يعرفون العدد في مفهومه الظاهري والحقيقي بانه ما دل على الكميات والمقادير..

لبعض الاعداد في التاريخ والتراث والحياة الانسانية مكانة خاصة دينية او ثقافية او اجتماعية، يستحضرونها في كل زمان ومكان، عبر مناسبات متنوعة، تعرف بالعادات والتقاليد.. التي يعرفها علماء الانثروبولوجيا بانها (ظاهرة تاريخية ومعاصرة في آن واحد وهي حقيقة من حقائق الوجود الاجتماعي التي تتعرض لتغير وتجدد دائمين تبعا لتجدد الحياة الاجتماعية واستمرارها).

يشرح عالم الفولكلور (ريتشارد فايس) موضوع العادات بهذا الشكل:

(هناك بعض صور التعبير البسيطة أو وسائل العرض التي تتكرر دائما كعناصر عادة احتفالية ابتداء من أقدم طقوس الإخصاب أو تقديس الموتى حتى أحدث عادات الأعياد التي نعرفها، فالممارسات السحرية الريفية القديمة والاحتفالات الحالية في المدن والمواكب الدينية والاجتماعات تستخدم الأشكال نفسها وعناصر العادات نفسها، أما الفارق الوحيد في ذلك فهو المستوى الثقافي التي تظهر فيه العادة والمناسبة التي تستخدم فيها).

هناك عدة سمات للعادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية والدينية، هي:

1) فعل اجتماعي مرتبط بالجماعة (تطلبها منه أو تحفزه عليها).

2) متوارثة ومرتكزة إلى تراث يغذيها ويدعمها.

3) قوة تتطلب الطاعة الصارمة والامتثال الاجتماعي.

4) مرتبطة بظروف المجتمع الذي تمارس فيه.

5) مرتبطة بالزمن والمواقيت (مثل رأس السنة الهجرية، عاشوراء، المولد النبوي، النبي موسى، موسم الحج، شهر رمضان، ميلاد السيد المسيح).

6) متنوعة وشاملة للعالم الإنساني وفوق الإنساني كالميلاد والموت والزواج والعلاقات مع الجيران والقرية والمدينة والتقويمات الشمسية والقمرية... الخ.

يفصح الوجود الإنساني عن نفسه في العادات على اعتبار أنها السلاح الذي يواجه به أسرار الوجود ومشكلات الحياة ويدعم بها علاقاته مع مجتمعه.

العادات والتقاليد هي العماد الذي يتشكل منه التراث، تراث امة او جماعة او طائفة، وينتقل من جيل الى اخر عبر الاستمرار في ممارسته والوعي به..

في تعريفه للتراث، يرى الدكتور حسن حنفي أن التراث هو كل ما وصل إلينا من الماضي داخل الحضارة السائدة، فهو قضية موروث، وفي نفس الوقت قضية معطى حاضر على عديد من المستويات. ويقارب هذا المعنى ما ذهب إليه الدكتور محمد عابد الجابري الذي يرى أن التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي، ماضينا نحن أم ماضي غيرنا، القريب منه أم البعيد. وفي رأي الدكتور فهمي جدعان التراث هو وعي التاريخ وحضوره الشعوري في الكيان الفردي أو الجمعي.

يرتبط التراث بعلاقة وثيقة بمفهوم (الهوية) كما يذهب الى ذلك سعيد توفيق في كتابه (أزمة الابداع في ثقافتنا المعاصرة). أي ان التراث يرتبط بالماضي في هدف الابقاء على الهوية، وهذه الهوية تكمن قيمتها في ما يبدعه الانسان.

تحتاج كل جماعة الى ابراز هويتها من خلال وعيها بطبيعة التشكلات المعرفية والتحولات الكبرى في تاريخها الثقافي، ولدى الشيعة يتحقق هذا الابراز والوعي من خلال التثقيف المستمر بالتراث والتاريخ الجماعي لهم.. بالمقابل، تحتاج كل جماعة الى طرح رؤيتها التي يختزنها موروثها الديني والثقافي على الاخر، ومن ذلك حديث المطالبة بادراج اربعينية الامام الحسين عليه السلام على صفحة محرك البحث غوغل..

اربعون الامام الحسين عليه السلام تصادف في العشرين من شهر صفر من كل عام، حيث يأتي الزائرون بالملايين لزيارة قبره في كربلاء المقدسة..

وشهر (صفر) وتسميته يعود الى ان المدن كانت تخلو فيه من اهلها بخروجهم الى الحرب، وهو مأخوذ من قولهم: صفرت الدار منهم، اذا خلت من قاطنيها.. كما يذهب الى ذلك الباحث العراقي فاضل الربيعي في كتابه (المناحة العظيمة، الجذور التاريخية لطقوس البكاء في الجاهلية والاسلام). على عكس رواية المسعودي التي يطرحها في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، حيث سمي (الشهر صفر نسبة الى الاسواق التي كانت باليمن تسمى الصفرية، وكانوا يمتارون منها، ومن تخلف عنها هلك جوعا).

يحتفظ الرقم (اربعين) بدلالات ورمزيات مكثفة في الوعي العربي والاسلامي، وفي وعي الكثير من الثقافات والشعوب والاديان الاخرى..

يكتب مالك شبل في (معجم الرموز الاسلامية):

الاربعون، هي رقم الادوار لان العادة العربية الاسلامية تقضي بان يزار قبر الميت بعد اربعين يوما على وفاته، وان امتناع المرأة عن الجماع بعد الولادة يدوم اربعين يوما. وان الله استنادا الى بعض الروايات صنع ادم من صلصال في اربعين يوما.. وعلى صعيد المعتقدات الخاصة بعلم الاجنة التي كانت معروفة عند قدماء المسلمين ان الجنين يحتاج الى اربعين يوما لكي يتكون، وهذه شهادة شفهية سمع عبد الله بن مسعود النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يؤكدها..

وفي معجم الرموز للدكتور خليل احمد خليل، فان يوم الاربعين يشير الى: اربعينية ادم، اربعون الميت. وهو رقم الانتظار والتحضير، والمحنة او العقاب. اضطلع هذا العدد بدور مهم جدا في كل شعائر الموت، لدى عدد كبير من الشعوب. هو عدد الايام اللازمة لكي تتخلص الجثة نهائيا من كل جسم حي، حتى من الطف لطائف الجسد: النفس. في هذا الاعتقاد، لايموت الميت كليا الا بعد انقضاء هذه المدة. الاحتفاء بهذا اليوم يرمز الى نهاية الحداد، وختام الحزن، وانعتاق اهل الفقيد من كل واجب تجاهه).

في كتابه (الأربعينات.. في القرآن والحديث والتاريخ والأدب) يتفرغ المؤلّف الشيخ محمود أكبر زاده الخراساني للبحث في خصوصيّة استعمال العدد « أربعين ». وقد تَتبَّع المؤلّف استعمالات هذا العدد في: القرآن والحديث، والعقائد والأخلاق، والفقه والتصوّف، والتاريخ والجغرافية.. وكلِّ ما يمكن أن يكون لهذا العدد حضورٌ فيه من مظاهر الحياة المتكثّرة المتنوّعة.

يبرز الأربعون واحداً من الأعداد التي حَظِيَت باهتمامٍ خاصّ في حياة الإنسان، سواءً أكان من الوجهة الرياضيّة الخاصّة أو من الوجهة الدينيّة والرمزيّة. ولم يكن مصادفةً أن تُعنى الأمم بفطرتها بهذا العدد على تنائي أصقاعها ومواطنها، خاصّةً فيما يرتبط بالمعاني الدينيّة: سماويِّها وأرضيّها.. ممّا يُنْبئ بأنّ العناية بالعدد « أربعين » موضوعٌ مشترك بين الأمم. ولعلّ في هذا ما يشي بنزوعٍ إنسانيٍّ فطري ـ أو شبه فطري ـ نحو هذا العدد، وبأنّ الأربعين له واقعٌ كوني موضوعي مستتر، لا يكاد يُمَسّ إلاّ حين تبين رهافة الجنبة الدينيّة في أعماق الإنسان.

ومنذ القديم ـ وإلى اليوم ـ كان للأربعينيّة (40 يوماً) في التعبّد والانقطاع والرياضة الروحيّة شأنٌ ملموس في قهر رغائب الجسد، وتزكية النفس والتطهير، وما يُثمر ذلك كلّه من تَجَوهُرٍ للروح الإنسانيّ، وتَبلُورٍ للإرادة.

يقترن (الأربعون) في القرآن الكريم بوقائعَ موصولةٍ في الغالب بمعنىً ديني يكاد يضفي على العدد لوناً من القداسة الدينية، وهي ثلاث وقائع:

الأولى: مواعدة الله سبحانه للنبيّ موسى على جبل الطُّور أربعين ليلة.

والثانية: تيه بني إسرائيل في صحراء سيناء أربعين سنة.

والثالثة: بلوغ الإنسان أشدَّ نضجه واكتماله في الأربعين من العمر، وهو العمر الذي بُعِث فيه رسول الله محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه آله، وحمل الرسالة الإلهيّة إلى الناس.

ولعلّ من أبرز استعمالات الأربعين المتّصلة بالرمز الديني ما ندَبَ إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن حفظ أربعين حديثاً حفظاً خالصاً لله تعالى، ثمّ تأديتها إلى الناس؛ نشراً للمعاني الإسلاميّة، وزيادةً في تبصير الآخرين: « مَن حَفِظ عنّي مِن أمّتي أربعين حديثاً في أمر دينه، يريد به وجه الله عزّوجلّ والدارَ الآخرة، بعَثَه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ».

ودخل العدد (أربعون) في حياة المسلمين دخولاً اصطلاحيّاً رمزيّاً كاشفاً عن معنى الاكتمال والتطهير أحياناً، وعن التلبّس بهذا الرمز تفاؤلاً وطلباً للبركة في أحيان أُخرى.

وفي غير الأربعينات، تجلّى هذا العدد في مظاهرَ كثيرة: منها ما يرتبط بالزمان كمناسبات الأربعين، ومن أبرزها أربعين سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في العشرين من صفر كلَّ عام، انطلاقاً من أوّل زيارةٍ لقبر الإمام عليه السلام في كربلاء كانت في اليوم الأربعين بعد استشهاده يومَ عاشوراء.

وهناك حضور متعدد للرقم اربعين في الكثير من الامور والقضايا المتعلقة بالمسلمين، من ذلك:

إنّ اللّه‌ تعالي‌ خلق‌ آدم‌ (عليه‌ السلام‌) في‌ فترات‌ حدّدت‌ كلّ واحدة‌ بأربعين‌ صباحاً.

خلق‌ اللّه‌ البيت‌ الحرام‌ قبل‌ الارض‌ بأربعين‌ عاماً.

بكى‌ آدم‌ (عليه‌ السلام‌) علي‌ ولده‌ هابيل‌ أربعين‌ ليلة‌.

بكى‌ داود (عليه‌ السلام‌) على‌ الخطيئة‌ أربعين‌ يوماً.

بكى نوح‌ (عليه‌ السلام‌) أربعين‌ سنة‌، لتعييره‌ كلباً، حتي‌ تاب‌ اللّه‌ عليه‌.

لما أراد اللّه‌ إهلاك‌ قوم‌ نوح‌ عقّم‌ النساء والرجال‌ أربعين‌ سنة‌.

انهمار الماء من‌ السمآء في‌ زمن‌ نوح‌ (عليه‌ السلام‌) أربعين‌ صباحاً.

كان‌ بين‌ رؤيا يوسف‌ (عليه‌ السلام‌) وتحقّقها أربعين‌ سنة‌.

لبث‌ يونس‌ (عليه‌ السلام‌) في‌ بطن‌ الحوت‌ أربعين‌ صباحاً.

أوتي‌ موسى‌ (عليه‌ السلام‌) الحكمة‌ والعلم‌ عند بلوغه‌ أربعين‌ سنة‌.

أملى‌ اللّه‌ لفرعون‌ قبل‌ أن‌ يأخذه‌ نكال‌ الا´خرة‌ والأولى‌ أربعين‌ سنة‌.

بقاء قوم‌ موسي‌ (عليه‌ السلام‌) في‌ التيه‌ لمخالفتهم‌ موسي‌ (عليه‌ السلام‌) أربعون‌ سنة‌.

احتباس‌ الوحي‌ عن‌ موسى‌ أربعون‌ يوماً.

كان‌ سنّ النبي‌ (صلي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌) عند البعثة‌ أربعون‌ عاماً.

احتباس‌ الوحي‌ عن‌ النبي‌ (صلي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌) أربعون‌ يوماً.

اعتزال‌ النبي‌ (صلي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌) خديجة‌ أربعين‌ يوماً تمهيداً للحمل‌ بالزهراء.

تلى‌ النبي‌ (صلي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌) آية‌ التطهير على‌ باب‌ علي‌ وفاطمة أربعين‌ صباحاً

رمى‌ علي‌ (عليه‌ السلام‌) باب‌ خيبر خلفه‌ أربعين‌ ذراعاً.

لحقت‌ فاطمة برسول‌ اللّه‌ (صى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم‌) بعد أربعين‌ يوماً من‌ وفاته‌.

تطوّر الجنين‌ في‌ أوائل‌ نموّه‌ في‌ فترات‌، كلّ منها أربعين‌ يوماً، وتكامله‌ في‌ أربعة‌ أشهر.

على‌ كلّ إنسان‌ أربعين‌ جُنّة‌ من‌ اللّه‌ إلى‌ أن‌ يقترف‌ أربعين‌ كبيرة‌.

المؤمن‌ يذكّر بالبلاء في‌ كلّ أربعين‌ يوم‌.

كمال‌ عقل‌ الانسان‌ عند بلوغه‌ أربعين‌ سنة‌.

الانسان‌ في‌ فسحة‌ إلى‌ أن‌ يبلغ‌ الاربعين‌، ثم‌ يشدّد عليه‌ في‌ الحساب‌.

من‌ اغتاب‌ مسلما أو مسلمة‌ لم‌ يقبل‌ اللّه‌ منه‌ صلاة‌ ولا صيام‌ أربعين‌ يوماً وليلة‌.

اليمين‌ الغموس‌ ينتظر بها أربعين‌ يوماً.

من‌ شرب‌ الخمر لم‌ تقبل‌ صلاته‌ أربعين‌ يوماً.

من‌ صحب‌ مؤمنا أربعين‌ خطوة‌ سأله‌ اللّه‌ عنه‌ يوم‌ القيامة‌.

من‌ أخلص‌ العبادة‌ للّه‌ أربعين‌ صباحاً تفجّرت‌ ينابيع‌ الحكمة‌ على‌ لسانه‌.

أكل‌ الحلال‌ أربعين‌ يوماً ينوّر القلب‌.

أكل‌ الرمّان‌ علي‌ الريق‌ ينوّر القلب‌ أربعين‌ صباحاً.

أكل‌ اللّحم‌ أربعين‌ يوماً يوجب‌ سوء الخلق‌، وكذلك‌ تركه‌ أربعين‌ يوماً.

من‌ دعا لاربعين‌ مؤمن‌ ثمّ دعا لنفسه‌ استجيب‌ له‌.

إذا اجتمع‌ أربعون‌ مؤمناً للدعاء، أو عشرة‌ يدعو كلّ منهم‌ أربع‌ مرات‌، أو أربعة‌ يدعو كلّ منهم‌ عشر مرّات‌، فإنّه‌ يوجب‌ الاجابة‌ وفي‌ الكافي‌: أو واحد يدعو أربعين‌ مرّة‌.

المداومة‌ علي‌ عمل‌ أربعين‌ يوماً أو تكرار الشيء أربعين‌ مرّة‌ في‌ مجلس‌ واحد، له‌ تأثير معنوي‌ خاص‌.

من‌ استغفر اللّه‌ مائة‌ مرّة‌ في‌ قنوت‌ الوتر، أربعين‌ ليلة‌، كتب‌ من‌ المستغفرين‌ بالاسحار.

من‌ دعا بدعاء العهد أربعين‌ صباحاً كان‌ من‌ أنصار الامام‌ القائم‌ (عليه‌ السلام‌).

من‌ بات‌ في‌ مسجد الكوفة‌ أربعين‌ ليلة‌ أربعاء فإنّه‌ يرى‌ الامام‌ القائم‌ (عليه‌ السلام‌)، وورد مثل‌ ذلك‌ بالنسبة‌ إلي‌ مسجد السهلة‌، وكذا الحائر الحسيني‌ بل‌ في‌ كل‌ محلّ ومكان‌.

انقطاع‌ الحجّة‌ عن‌ الارض‌ قبل‌ القيامة‌ الكبري‌ بأربعين‌ يوماً.

إنّ الدنيا تمطر قبل‌ القيامة‌ أربعين‌ صباحاً.

ما بين‌ النفختين‌ في‌ الصور أربعين‌ سنة‌.

قيام‌ الناس‌ في‌ يوم‌ القيامة‌ بمقدار أربعين‌ يوماً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الأول/2013 - 13/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م