السعودية.. شيخوخة الشقيق الأكبر

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: من الصعب جداً على بلد مثل السعودية تعد نفسها طيلة السنوات الماضية، "الشقيق الأكبر"، بين الامارات الخليجية الصغيرة، ثم تشهد يوماً تواجه فيه رفضاً قاطعاً من سلطنة عمان على فكرة "الاتحاد" التي سعت اليه منذ عامين. لكن لماذا تبحث السعودية عن الاتحاد..؟  او بالاحرى ما دوافع هذه الفكرة؟. ثم ما الذي يجعل سلطنة عمان تحديداً تبادر الى رفض الفكرة السعودية؟.

قبل أن تكون السعودية "شقيقاً أكبر" في المحيط الخليجي، كانت تفكر أن تكون طرفاً اقليمياً متنفذاً ومؤثراً في المنطقة، عندما تتعرض الدولتان الكبريان؛ ايران والعراق لحملة استنزاف ومحاصرة وتحجيم. ولم يعد خافياً على المتابع والمراقب افتقاد السعودية للمؤهلات والامكانات الذاتية التي تؤهلها لأن تكون الفاعل والمؤثر، كما هو الحال لدى ايران والعراق. فاذا تشترك مع هاتين الدولتين في الثروة النفطية، وكونهم مصدر للطاقة لدى الغرب والدول الصناعية في العالم، فانها تفترق في حجم الادمغة والعقول والامكانات  العلمية. ولذا نجد ظهور السعودية بقوة في المنطقة، بعد اندلاع الحرب العراقية – الايرانية، وتحديداً بعد حوالي  عام على هذه الحرب، وفيما كانت قوات نظام صدام تحتل أراضٍ شاسعة ومدن عديدة في ايران، تم تشكيل "مجلس التعاون الخليجي" عام 1981.

توقيت تشكيل هذا المجلس، مهم جداً بالنسبة للسعودية، فقد تأكد لها أن نظام صدام، لن يتمكن من حسم الحرب لمصلحته بعد عام على اندلاع الحرب، بمعنى أنه وايران معاً، دخلا في حرب استنزاف شديدة، توقعت لها الاستمرار ربما لسنوات طوال. لذا نقرأ في المادة الرابعة من دستور المجلس: "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدتها"، وقد تم تحديد الميادين التي حلمت السعودية أن تشهد الدول الخليجية تماثلاً وتكاملاً لها، مثل الاقتصاد والمال، والتجارة والجمارك، والتعليم، وغيرها.

ثم جاء توقيت آخر في شهر كانون الاول 1994، ليتم إقرار المجلس الأعلى، مشروع الاتفاقية الأمنية لدول المجلس، وهي الفترة التي شهدت ما يُعرف بـ "الاحتواء المزدوج" الذي ابتكرته الادارة الامريكية في عهد بل كلنتون، للتعامل مع كل من ايران والعراق. وفي الشهر نفسه من عام 2000، تم إقرار اتفاقية الدفاع المشترك، عندما شهدت الاوضاع السياسية والاقتصادية في كل من ايران والعراق، تطورات نوعية، وانعطافات كبيرة نحو الانفتاح على العالم الخارجي. ثم جاء عام 2003، الذي شهد الحرب الامريكية على العراق، والخطة القاضية باسقاط صدام وإجراء تغيير شامل في نظام الحكم، فكانت خطوة المجلس بتوقيع اتفاقية لمكافحة الإرهاب..! هذا الارهاب الذي تم تصديره من السعودية تحديداً، بالمال والرجال، الى العراق لإشعال نار الحرب الطائفية وإدخال العراق في دوامة حرب جديدة تستنزف ما تبقي له من قدرات مادية وطاقات بشرية.

المراقبون والمتابعون لأمر توازن القوى في المنطقة الخليجية، لاحظوا خشية السعودية من الدخول في علاقات ثنائية وودّية بين كل من العراق وايران، لتكون الضلع الثالث في مثلث علاقات اقليمية بين دول كبرى وقوية في المنطقة. إنما كانت تنتظر أن تسوء العلاقات بينهما، لتكون صديقاً لإحدى الدولتين. وعندما حصل ما لم يكن في حسبان السعودية، بأن يكون العراق أحد حلفاء ايران في المنطقة، أو ربما يعده البعض بانه "الخط الخلفي" في ساحة المواجهة مع الغرب وامريكا، وجدت السعودية أن عليها أن تخوض مواجهة مكشوفة حتى لا تفقد موطئ قدمها في المنطقة، وهذا ما جعلها تلقى بثقلها في الساحة العراقية، من خلال تغذية الجماعات الارهابية بالمال والرجال، وفي مرحلة لاحقة في الصراع السوري، وتراهن بقوة واستماتة على الخيار العسكري والاطاحة بنظام حكم الاسد، على شاكلة ما حصل في ليبيا.

هذه الاستراتيجية السعودية كانت تفرض نفسها طيلة السنوات الماضية على سائر الدول الخليجية، ولعل أبرز مثال على ذلك التحريض على المطالبة بالجزر الثلاث التي تدّعي الامارات عائديتها قبل حصولها على ا لاستقلال عام 1976، فيما تقول ايران أنها استولت عليها قبل أن تكون الامارات، دولة ذات سيادة ومعترف بها. والمشهد الآخر للوصاية السعودية ما جرى في البحرين، من تدخل عسكري لمواجهة الغليان الجماهيري الذي كان كاد أن يقلب الاوضاع على حكام آل خليفة، فكان التدخل تحت اسم "قوات درع الجزيرة"، بدعوى وجود اتفاقيات دفاعية مشتركة بين دول المجلس، في حين كان واضحاً حجم القوة العسكرية السعودية التي دخلت البحرين، وساندت السلطات الحاكمة في قمع وإخماد ثورة الشعب البحريني.

في مقابل الهمّ السياسي والعسكري والأمني للسعودية، يلاحظ "الاشقاء" الآخرون عجز "المجلس" عن تحقيق الكثير من الطموحات والاهداف المرسومة التي يفترض ان تخدم مصالح الدول الخليجية الاخرى، مثل، السوق المشتركة، بجناحيها، الاتحاد الجمركي والوحدة النقدية، فما يتعلق برسوم الجمارك، فانه لا يشكل هامشاً مؤثراً، من دخل الدول الخليجية من العملة الصعبة، لذا كان يبتعد عن أولويات وهموم هذه الدول الست، كما فشلوا في مشروع الوحدة النقدية، لاختلاف الدول الستة على مقر البنك المركزي الموحد. بمعنى أن شعارات من قبيل "التكامل" و "التنسيق" و"الاندماج" ظلت مجرد كلمات براقة ومثيرة للشعوب الخليجية.

من هنا، فان رفض سلطنة عمان فكرة "الاتحاد" السعودية، هو بالحقيقة رفضاً للعقلية السعودية الطامحة لاستنزاف قوى وقدرات الدول الخليجية الاخرى لمصلحتها بناءً على التصور القديم والهالة التي خلقها حكام السعودية لأنفسهم بأنهم "الشقيق الأكبر". فـ "التعاون" لم يعد مجدي للسعودية التي باتت تتلقى الضربات السياسية مع كبر سنّها وشيخوختها، في ساحة المواجهة على النفوذ مع ايران. فكانت الضربة الاخيرة، خذلان الغرب وامريكا لها، بازاحة خيار الحرب والعنف من منهج التعامل مع ايران، في الوقت نفسه، وجدت نفسها تواجه هزائم منكرة للجماعات الارهابية والتكفيرية في ساحة الحرب السورية أمام القوات الحكومية. فكان موقف السعودية يرثى له، من الاتفاق الذي توصلت اليه ايران مع مجموعة (5+1) في جنيف، بشأن المشروع الايراني.

وإذن؛ نعرف أن سلطنة عمان، وايضاً الدول الخليجية الاخرى تحرص على أن تضع قدمها في الطريق الذي لا يؤدي الى الحرب والدمار وتأثر أوضاعها الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية بتلك الحرب والفتن الطائفية والسياسية. ولعل البيان الختامي للقمة الاخيرة لزعماء المجلس والذي دعى "كافة المقاتلين الاجانب" الى الانسحاب من الاراضي السورية، يكون علامة واضحة على الضغوط الدولية على السعودية وعلى المجلس الخليجي لأن تواكب المرحلة والتطورات المتجهة نحو الحلول السياسية والتوافقية. واضافة الى هذا الموقف، كان للزعماء المجتمعين في قمة الكويت، موقفين آخرين في مسار الحلول السياسية، وهي: الترحيب باتفاق جنيف النووي بين ايران والمجتمع الدولي، والترحيب بقرار الائتلاف الوطني السوري المعارض بالمشاركة في مؤتمر (جنيف 2).

المراقبون ربما يتوقعون من مجلس التعاون الخليجي، مواقفاً أكثر تقدماً في ساحة العمل السياسي، وليس العسكري، بإدانة العمليات الارهابية والطائفية في سوريا، ولعل الموقف المفاجئ والجديد لمفتي السعودية وهو يدين العمليات الانتحارية التي نفذها من تم تجنيده من قبل الجماعات التكفيرية، يكون بادرة للتنصّل السعودي من مسؤولية إراقة أنهار من الدماء في العراق وافغانستان وسوريا، ومحاولة للظهور بشكل أكثر مقبولية بعد الشكل البشع والشنيع الذي ظهرت فيه السعودية خلال السنوات الماضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الأول/2013 - 13/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م