مثقف الحزب والحزب المثقف

 

شبكة النبأ: بين السياسة والثقافة عداء متجذر، عمره مئات وربما آلاف السنين، فمعظم الحكام تقريبا لاسيما الطغاة يمقتون الثقافة جملة وتفصيلا، ويحاربون المثقف المستقل ويخافونه كونه يفضح الاخطاء التي يرتكبها الطاغية بحق الشعب، وغالبا ما يحتمي الحاكم المستبد بحزب من صنعه هو، بمعنى حزب سياسي لا ينتمي للجماهير ولا علاقة له بتطلعات الشعب، ويصنع معه كتاب ومثقفين يروجون لافكاره، كما ذكرت لنا المدونات التاريخية حول الحزب النازي، وهتلر، والمثقفين النازيين الذين روجوا لهذا الفكر العنصري الخطير.

في ساحتنا الثقافية هناك اخطاء ترتكب في هذا المجال، أي هناك احزاب غير مثقفة تصنع مثقفين أميين أو غير مثقفين، فنكون امام نموذج (المثقف الدمية) أو (المثقف الببغاء) الذي يردد في كتاباته وافكاره ما يمليه عليه الحزب غير المثقف، وهو يكونا خادما مطيعا كونه يرتبط بهذا الحزب ماديا أو مصيريا، وفي مثل هذه الاحزاب اللامثقفة ليس هناك مكانا للمثقف المثقف!، بمعنى أدق، أنت أمام حزب جاهل ومثقف لا علاقة له بالوعي والمصلحة العامة، بل هو ارتزاق وتمشية حال، فضلا عن التربص بالفرص التي قد يحصل عليها مثقف الحزب لزيادة موارده المالية لا أكثر!.

إن مثقف الحزب هو نتاج ثقافة محدودة ضيقة الآفاق، فهو محاصر بنمط فكري سياسي معروف ومحدد سلفا، كما انه يرفض التلاقح والتداخل مع الافكار التي لا تلتقي مع افكاره، بل هناك احزاب تمنع اعضاءها من قراءة اي افكار اخرى، خوفا من تأثيرها عليها، مع أن المتعارف عليه، انك اذا اردت ان تنافس الآخر بقوة، عليك ان تعرف طريقة افكاره واسراره في الادارة والعمل والتفكير وما شابه، لكن الحزب غير المثقف يخاف الثقافات والافكار الاخرى، ويعد نفسه بأنه الفكر المنقذ للجميع، في حين ان هذا النوع من الاحزاب اثبت فشله على مدى التجارب التاريخية البعيدة والمنظورة.

ولعل العداء القائم بين السياسة والثقافة، نجده أو نلاحظه بوضوح في العلاقة بين المثقف الحقيقي والحزب الامي اذا جاز التعبير، فالحزب الامي لا يرغب بالمثقف الحقيقي، ويعتبره مثير للجدل والمشاكل من خلال طرحه للافكار الجادة والموضوعية والفاعلة، لهذا يطلق الحزب غير المثقف على المثقف الحقيقي بانه (مشاكس) أو (موجع للرأس)، بدلا من الاهتمام بأفكاره والاخذ بها والاستفادة منها، ولذلك تفضل مثل هذه الاحزاب اشباه المثقفين والمدعين، وغير القادرين على الاسهام في تطوير المجتمع، بسبب أولوية مصالحهم ومصالح الحزب الذي يرتزقون منه وينتمون له، على الجميع.

والمشكلة التي تتكرر دائما، في معظم التجارب السياسية، أن الاحزاب المنغلقة، لا تقرّب المثقف الحقيقي، ولا يهمها الفكر الجديد الفاعل، ولا تعنى بحاضر ومستقبل الجماهير، بل تصب جل اهتمامها على مصالحها الذاتية، وغالبا ما يتم اختصار هذه المصالح في شخصية قائد الحزب، فتصبح قضية حماية الكرسي والتنافس عليه، بل والاحتراب من اجله هي القضية الاولى لمثل هذه الاحزاب، من هنا تحاول ان توظف كل شيء لتحقيق مآربها، بما في ذلك استخدام المثقف غير المبدئي، فهو مستعد دائما للسير في قافلة التبعية الحزبية المصلحية المادية، بعيدا عن المصالح العليا التي تهم الدولة والمجتمع عموما.

لذلك ترفض الاحزاب غير المثقفة ضم أو تقريب المثقفين الاصلاء، بسبب أفكارهم الجريئة، التي تتعارض مع افكار الحزب غير المثقف واهدافه الانانية البحتة، من هنا يحدث التناقض بين الاثنين، فيبقى المثقفون الحقيقيون في واد، والسياسة وألاعيبها في واد آخر، وتبقى الجفوة قائمة بين الحزب السياسي الامي، وبين المثقف الذي يحترم افكاره ومبادئه الانسانية ويضعها في المقدمة دائما وابدا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/كانون الأول/2013 - 13/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م