مخاطر القطيعة بين الآباء والابناء؟

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يرى باحثون في علم الاجتماع، أن هناك نوعا من القطيعة بين الابناء والآباء، تشي بها بعض المؤشرات، وربما الظواهر التي تؤكد مخاطر لا يصح التعامل معها باسلوب التفرّج أو الصمت، أو إلقاء اللوم المتبادَل بين المعنيين بأمر الشباب، والشؤون المجتمعية عموما، لاسيما الآباء بالدرجة الاولى، ثم النخب المتنوعة التي تقع عليها مسؤولية متابعة مشاكل الشباب، وما يتعرضون له من اهمال متعمَّد من لدن الجهات ذات العلاقة، إذ وصل الامر حتى الى الاباء الذين يتعاملون مع فلذات اكبادهم، وكأنهم غرباء، حيث ينتشر الاهمال، ويغيب التوجيه، وتنعدم المتابعة، فيبقى الشاب وكأنه تائها في بحر صاخب من المشاكل الخطيرة.

ولعل الخطر لا يتعلق بالشباب وحدهم، بل الامر الاكيد أن الانهيار الاخلاقي القيمي الذي يتعرض له الشباب بسبب الاهمال الابوي والحكومي والمنظماتي، سينعكس على المجتمع برمته، وسف يطول مؤسسات الدولة كافة، بل لابد من أن ندرك بأن الخطر من الفداحة والضخامة لدرجة انه يهدد باكتساح منظومة قيم دخيلة وافدة، تخرّب عقول الشباب وتشل ارادتهم، وهذه اهداف تعمل وتخطط لها جهات تبدو مجهولة لكنها معروفة حتى لو كانت تؤدي عملها العدائي من وراء ستار او بالخفاء.

مشكلات الشباب تتفاقم!

لقد بلغت مشكلات الشباب مستوى خطيرا، مع اهمال للشباب بلغ مستواه الاعلى منذ قرون، فقد كان الاباء من الاجيال السابقة يحرصون على ابنائهم من حيث التربية والمتابعة والتصحيح والرعاية والتوجيه، فضلا عن توفير الاشتراطات المادية والتعليم والصحة وما شابه، فينمو الشاب في بيئة أمينة، أما اليوم فإن واقع الحال يشير الى واقع آخر يغص باللامبالاة الابوية للابناء، الامر الذي يخلق جفوة بين الطرفين ويؤكد حالة القطيعة بين الابناء وآبائهم.

لهذا يقول الامام الراحل، آية العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشباب)، حول هذا الجانب: لقد (تجاوزت مشاكل الشباب اليوم حدها الطبيعي بكثير.. فالمناهج العالمية في هذا القرن أوجدت فاصلا حديدياً بين طبقة الآباء وطبقة الأبناء، وذلك بسبب الجوّ الذي هيأوه للأبناء من المدارس والنوادي والجرائد والمجلات والإذاعة والتلفاز والفيديو والسينما ومختلف المنظمات والتجمعات غير الصحيحة.. كما اتهمت الآباء بالخرافة والرجعية وعدم الفهم وما أشبه ممّا سبّب عزوف الأبناء عن الآباء وهذا أول الوهن).

إن هذا الاتهام يدل على قطيعة بين الطرفين، ونعني بهم الاباء والابناء، والسبب كما يشير الباحثون والدلائل الواقعية ايضا، هو غياب الثقة، أي ثقة الابن بالاب وبالعكس، بسبب حالة اللامباة التي تتلبس الاباء حيال ابنائهم، كذلك يندرج اهمال الحكومة والجهات المعنية بالشباب في هذا الاطار ايضا، بمعنى هناك اهمال مشترك ولا مبالاة مشتركة تجاه الشباب، يقوم بها الاباء والجهات الحكومية والمنظمات الشبابية، كلها تخلق حزمة من المشاكل تهدد استقرار الشباب ومواهبهم وطاقاتهم الكامنة، ولهذا اصبح الشباب هدفا سهلا للمسيئين، الذين يصفهم الامام الشيرازي بـ المتصيدين بالماء العكر، وهم اولئك العصابات او المافيات التي تحاول ان تستغل الشباب ابشع استغلال من اجل تحقيق مآربهم المادية البحتة، لجمع المال واكتناز الثروات على حساب أهم شريحة في المجتمع.

لذلك ينبّه الامام الشيرازي الى هذه الظاهرة قائلا في كتابه نفسه: (لقد استغل جماعة من الصيادين ومن طلاّب المال والشهوات، قدرة الشباب واخذوا بأزمتهم، فأوردوهم موارد الاستعمار، ومناهل الفساد والانحلال، وتبعاً لذلك جاءت المشاكل التي منها العنوسة والعزوبة. بالإضافة إلى المشاكل الأخرى التي غطت حياة الشباب، من البطالة والفقر والمرض والتسيّب والقلق وغير ذلك.. ممّا لم يفرق في ذلك شرقاً عن غرب .. وغرباً عن شرق .. ومسلماً عن غير مسلم .. وبنين عن بنات.. فالكل فيه سواء).

دور العقلاء في المعالجة

في ظل واقع كهذا، لا يمكن الوقوف في أعلى التل، أو الانزواء في الغرف المقفلة، أو الانشغال بالمنافع المادية والشخصية، إذ لابد للاباء والمعنيين من النخب والحكومة والمنظمات الشبابية المعني، أن يتحركوا، ويسعوا بقوة الى ايجاد البدائل والحلول الصحيحة المناسبة لمشكلات الشباب، ولا يمكن ترك الحب على الغارب، لان النتائج ستكون باهظة الثمن حتما، لذلك لابد من القيام بخطوات مهمة وفاعلة لمعالجة الامر.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال في كتابه المذكور أعلاه: (من الضروري على العقلاء من العلماء وغيرهم أن يهتموا بمسألة الشباب ومشاكلهم فيأخذوا بالشباب في تنظيمات صحيحة حتى لا ينخرطوا في أحزاب الغرب والشرق أو جماعات الفساد، فإن الشباب بطيبة أنفسهم وعدم تجاربهم لمناهج الحياة سهل الانقياد).

والحقيقة ليس الاباء وحدهم يتحملون مسؤولية معالجة واقع الشباب من ابنائهم، بل المسؤولية مشتركة، لكن على الاباء المبادرة لإنهاء القطيعة بينهم وبين ابنائهم بطرق كثيرة اولها ابداء الاهتمام والرعاية وتوفير الاجواء الجيدة ماديا ونفسيا، فضلا عن خلق اجواء الثقة المتبادلة، ثم يأتي دور الدولة والمنظمات، بل على الجميع ان يشترك في معالجة مشكلات الشباب، لأن هذه المعالجة لا تعني الشباب وحدهم، ولا تعود بالفائدة عليهم وحدهم، انما هي فائدة جماعية للمجتمع كله، لان الشباب هم الشريحة الاوسع في المجتمع وهم قاعدة الحاضر والمستقبل، ونجاح هذه الشريحة مؤشر على نجاح المجتمع كله، لهذا على الجميع المشاركة في وضع الحلول والمعالجات كل حسب قدرته، على ان يكون العمل مدروسا ومخططا له.

لهذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال قائلا: أن (هناك مسؤولية كبيرة على عاتق الجميع .. فإن تملك زمام الشباب لا يكون إلاّ بجذب بنّاء صحيح في العقيدة والعمل بحيث يوفّر للشباب من الجنسين العمل في قبال البطالة، والعلم والدراسة في قبال الجهالة، والسكن والمسكن والعلاج الصحي والحماية وغيرها في قبال عدمها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/كانون الأول/2013 - 12/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م