اللون

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الانا والاخر، تلك الثنائية التي ميزت العلاقة بين الغرب والشرق، وقامت على دعاوى التفوق والاقصاء والاستغلال..

وكانت (الانا) دائما ماتعني الغرب، مقابل (الاخر) الذي يعني الشرق، ثم انتقلت هذه (الاخر) الى معاني ودلالات اخرى تبعا لتطور الاحداث والمجريات على مدار القرون القليلة الماضية..

(الانا) الغربي وحضارته، جمعتهما تلك العبارة الاستعلائية (حضارة الرجل الابيض) تبعا للون بشرته، تمييزا له ولحضارته عن باقي الحضارات الاخرى (الاخر) والذي هو اسود او اسمر او اصفر..

نشأت على اطراف هذه النظرة تجارة العبيد (السود تحديدا) المجلوبين قسرا من افريقيا (القارة السمراء) للعمل في مزارع ومصانع (الرجال البيض)..

المركزية الغربية قامت على اساس هذا التصنيف اللوني مع ما أنتجته من علوم ومعارف كان (الرجل الابيض) هو المتفوق فيها، لتنتقل الى تمايز اخر، عرقي هذه المرة، وتمظهر في حركات ابادة عرقية مثل النازية والابادات الجماعية للهنود الحمر وابادات اخرى..

تلك مقدمة اولى، انتقل الى مستوى اخر وهذه المرة عن حدث يتكرر سنويا على مدار اكثر من يوم فيه، واعني بهذا الحدث المتكرر هو استشهاد الحسين عليه السلام وما يرتبط به من ممارسات وشعائر وطقوس تغطي الايام العشرة الاولى من شهر محرم الحرام وتعرف بعاشوراء، وزيارة الاربعين في شهر صفر، اضافة الى ايام اخرى ترتبط بولادات ووفيات الائمة عليهم السلام.. المناسبات تلك هي عملية ابراز الهوية الجمعية للشيعة، يتكرر فيها ويشترك في جميع دلالات المناسبة (ولادة – وفاة) وجود الوان معينة تتوزع على الرايات والاعلام والبيارق، وعلى اللباس والاقمشة التي تغطي جدران الغرف من الداخل، او اللافتات التي تعلق على اسطح المنازل او الاسواق، تلك الالوان لها معانيها ودلالاتها الرمزية التي تتبادر الى الذهن بمجرد النظر اليها وتستدعي الكثير من الصور والوقائع..

اذا كان المثال الاول يستبطن الاستعلائية والتفوق وطمس هوية الاخر، فأن المثال الثاني يستبطن المشاركة والتنوع وابراز الهوية الجمعية، رغم ما يقال احيانا عن طمس لهويات فرعية اخرى نتيحة للاكثرية السكانية الشيعية، الا ان مثل هذا الادعاء، يفنده كون تلك الهويات الفرعية ايضا تتشارك في ابراز هويتها عبر ممارسات وطقوس وشعائر تشارك الشيعة فيها، ويظهر ذلك جليا من خلال الرمزية الطافحة للالوان..

ماهي الالوان، وماهو تعريف اللون؟

انه (الأثير الفسيولوجي ( أي الخاص بوظائف أعضاء جسم الإنسان ) الناتج عن شبكة العين سواء أكان ناتجاً عن المادة الصباغية الملونة أم عن الضوء الملون فاللون إحساس وليس له أي وجود خارج الجهاز العصبي للكائنات الحية).

وهو (وسيلة تعبير عن القيم الشكلية، والمعاني النفسية، والنواحي الجمالية المحضة، عن طريق التوافق وتحقيق التناغم وعلى وفق قانون نفسي– جمالي من الصعب تحديده والتيقن من حتمية آلياته على الدوام).

ماعلاقة اللون بالانسان من الناحية النفسية، وهو الذي دأب على محبة بعضها والنفور من البعض الاخر في تعامله مع الالوان الكثيرة التي تحيط به؟

يختص علم النفس اللوني بذلك، وهو علم حديث نسبيا، يشير إلى تأثير اللون على المشاعر والسلوك البشري.

وقد ابتكر عدد من العلماء أجهزة ووسائل يمكن من خلالها تسجيل جميع الانعكاسات التي تصدر عن الإنسان نفسياً أو جسمياً تحت تأثير الألوان.

وبينت تلك المراقبات، أن للألوان تاثيرات متنوعة على الانسان حسب أنواعها، تتمثل في تسارع ضربات القلب، وتناوب حركات الجفون فتحاً وإغماضاً، وازدياد قابلية الكف لتوصيل الحرارة والكهرباء بازدياد رطوبتها وإفرازها العرق، واختلاف في حركات التنفس، واختلاف في الرسوم البيانية التي تسجل نشاط الدماغ.

وبناءا على الحالات المرضية التي ترتبط بالالوان، اصبحت العلاجات بالالوان وسيلة من وسائل العلاج النفسي والجسمي، إذ اكتشف العلماء وجود مجال كهرومغناطيسي حول كل كائن حي، يعمل على امتصاص الضوء وتحليله إلى ألوان الطيف التي تبدأ بالأحمر وتنتهي بالبنفسجي. ووجد أيضاً أن أنسجة الجسم المختلفة تأخذ من طاقة هذا الطيف حاجتها، مما يؤدي إلى صحتها وتعزيز قدرتها على أدائها البيولوجي. وهذا يعني أن هناك حاجة بيولوجية للأنسجة من الألوان، فإذا ما غابت أو نقصت تعرض هذا النسيج للضعف والمرض والاضطراب. وقد استخدمت هذه الحقائق علاجياً، فأصبح من الممكن الآن إعطاء المريض جرعة من الألوان كما تعطى جرعة من الدواء أو الغذاء، إذ أصبح جزءاً من العلاج بالأشعة.

اكتسبت الالوان مدلولاتها النفسية بعد ان اكتسبت مدلولات رمزية واسعة عبرت عنها معاني الالوان وماتعنيه في الثقافت الانسانية، وتشير الرمزية اللونية إلى استخدام الألوان بوصفها رمزا في جميع الثقافات.

فاللون الأبيض يرمز إلى (النظافة –النور- الغبطة - الفرح - السلام - الضوء - التبجيل - النقاء - الصدق – الثلج - البراءة - البساطة – الأمن - التواضع –العقم - الشتاء -البرودة - النقد–الاستسلام–الجبن–الخوف - عدم التصور– الهواء -الموت (الثقافات الشرقية)– الحياة -الزواج (الثقافات الغربية) - الأمل - برج الحمل - برج الحوت– اللطف–الفراغ - الود (لوصف الأمكان الداخلية) - وشهر كانون الثاني / يناير– الاحتفال).

ولا نزال حتى يومنا هذا نشاهد الشيوخ والرهبان والمتصوفة يرتدون الألبسة البيض.

 أما اللون الأسود فهو رمز الظلام والحزن والكآبة والفراق، والحداثة، والسلطة، والتعقيد، والرسمية، والأناقة، والثروة، والغموض، والموضة، والشر، والموت (الثقافات الغربية)، والخوف، والجنس، والجدية، والاصطلاحية، والتمرد، والفوضى، والوحدة، والحزن، والحياة، والنهضة (مصر القديمة)، والاحتراف، والنحالة (الموضة)، وشهر كانون الثاني / يناير) (فقط في نصف الكرة الشمالي). استعمله الرومان واليابانيون والصينيون في كثير من الزخارف والرسوم.

 ويمثل اللون الأصفر الضوء، ولو إنه أقل منه نصاعة وبهاء، ويرمز إلى الشمس والذهب، والسرعة، والأمانة، والوضوح، والصيفو المرض.

واستخدم في زخرفة الكثير من المساجد والكنائس، وكان يعد أيضاً اللون الملكي في الصين وشعار اله الربيع عند قدماء الألمان. الحرارة. واستخدمه المصريون القدماء رمزا لآلهة الشمس وللوقاية من المرض.

وهناك عدة رمزيات للون الاصفر منها (الثراء، الخديعة والغش والمرض، وتسمى صحف الإشاعات بصحافة صفراء، الابتسامة المتكلفة التي تكون دون شعور حقيقي بالفرح تسمى ابتسامة صفراء، عند الصينين هو رمز الإمبراطور والإمبراطورية، لون حزام في المراحل الابتدائية من الكاراتيه والجودو، يعتبر لون مقدس للهندوس وأكثر رجال الدين الهندوس لباسهم بلون الأصفر أو الأبيض.

للون الأصفر دلالة أخرى تناقض الأولى وهي دلالته على الحزن والهم والذبول والكسل والموت والفناء ربما الدلالة هذه ترتبط بالخريف وموت الطبيعة والصحارى الجافة وصفرة وجوه المرضى.

 ويشتهر اللون الأحمر بكونه رمز العواطف الجياشة والحب الشديد والقوة والنشاط ورمزاً للنار المشتعلة، وقد يدل أحياناً على الغضب والقسوة والخطر، وللون الأحمر خصوصية متميزة، إذ يعد أول لون استعمله الصينيون واليابانيون في زخارفهم، وكان اسمه أول الأسماء في التأريخ، كما يوجد في أعلام الكثير من الدول.

ومن رمزياته (العاطفة، والقوة، والطاقة، و النار، والحب، و الجنس، والإثارة، والسرعة، و الحرارة، والغطرسة، والطموح، والقيادة، والذكورة، والخطر، والبهرجة، والدم، والحرب، والغضب، والثورة، والتطرف، والاشتراكية، و الشيوعية، والعدوان، والصيف، والخريف، والتوقف، والمريخ (الكوكب)، والاحترام، و برج الحمل، وكانون الأول/ديسمبر، والشهداء، والروح القدس، والمحافظة (السياسة الأمريكية)، والثروة (الصين)، والزواج (الهند). وتشير الدراسات إلى أن الأحمر يمكن أن يكون له تأثر مادي، وزيادة معدل التنفس وزيادة ضغط الدم، ويقال أن الأحمر يزيد الإحساس بالجوع).

وهو لون الخطر والتحذير، والحسم والرفض، وهو إشارة حمراء في قواعد المرور تعنى التوقف الفوري. ومصطلح خط احمر سياسيا وعسكريا تعنى الحد النهائى للامر.

والخط الأحمر: من مظاهر الانفراج الدولي وبعد أزمة الصواريخ الروسية بكوبا انشأ خط هاتفي سمي بالخط الأحمر بين البيت الأبيض الأمريكي بواشنطن والكرملن بموسكو (الاتحاد السوفيتي).

يستخدم اللون الأحمر غالبًا في أمريكا الشمالية ليشير إلى التوقف، كما في إشارات التوقف، أو الخطر، وفي ضوء الإنذار. وفي نفس الوقت يرمز إلى الحب، كما هو الحال في عيد الحب. أي شخص غير مطلع على الترميز الثقافي للون الأحمر في أمريكا الشمالية قد يخلط بين رمزية اللون الأحمر للقلب عيد الحب فيعتبره تحذيرًا. التنوع الثقافي موجود في رمزية الأبيض، والذي يعتبر تاريخيًا كإشارة للنقاء والعذرية، أو الموت (كما رواية موبي ديك للروائي هيرمان ملفيل). وفي أمريكا الشمالية يعتبر لون رداء الزفاف. وفي فترات معينة في التاريخ، كان لون يُرتدى في الجنازات في أجزاء من اليابان والصين.

أما اللون الأزرق فيشير إلى الصداقة والحكمة والخلود، واستعمله العرب في الوشم، وهو واسع التداول في اللوحات التي تمثل المناظر الطبيعية وفي الأواني الصينية.

ويرمز الى (البحار، والرجال، والسلام، والوحدة، والانسجام، والهدوء، والثقة، ورباطة جأش، والثقة، والمحافظة، و المياه، و الجليد، والولاء، والجدارة، و النظافة، و التكنولوجيا، وفصل الشتاء، والاكتئاب، والبرد، والمثالية، والفحش، والابتذال، والهواء، والحكمة، والملكية، والنبل، وكوكب الأرض، والحوت الأزرق، و برج الدلو، و القوة، والصمود، والضوء، والود، شهر تموز / يوليو (الأزرق السماوي)، شباط / فبراير (الأزرق الداكن)، والسلام، والصدق، والحب، والحزن، والانطواء، و مريم العذراء، والليبرالية (السياسة الأمريكية). في كثير من الثقافات المتنوعة يعتبر الأزرق بأنه يبقي الأرواح الشريرة بعيدًا، وكذلك الغباء، وسوء الحظ).

ويجمع اللون البنفسجي بين الحب والحكمة لأنه في الواقع مزيج من الأحمر والأزرق. واستعمله بعضهم في مناسبات الحزن الهادئ لأنه أخف من اللون الأسود. أما اللون الأخضر فهو رمز النمو والأمل والحياة والخصوبة والنبل. ولا يزال بعض الأسبان يضعون شارات خضراً على قبعاتهم دلالة على الشرف، وارثين هذه العادة من العرب. وللون الأخضر ميزة لا تجدها في بقية الألوان، وهي أنه يتوافق مع أغلب الألوان ولا يتنافر معها.

اما اللون الأخضر فيرمز الى (النماء والطبيعة النظيفة والسلام والتجدد، وكذلك المبادرة، وبمعنى إمض ِ (وخصوصا بين الثقافات الغربية (مثل إشارات المرور).

كما أنه لون الربيع، وهو وقت النهضة والتجديد. ويستخدم في شعارات الشركات ليدل على التجدد والطاقة لعلامتها التجارية.

ومن رمزياته ايضا (الذكاء الواسع، والطبيعة، والربيع، والخصوبة، و الشباب، والبيئة، والثروة، و المال، وحسن الحظ، والنشاط، والكرم، والمضي، والحشائش، والعدوان، والبرد، والغيرة، وصمة عار (الصين)، والمرض، والجشع، وثقافة المخدرات الماريوانا، والفساد، والحياة الأبدية، والهواء، والأرض (العناصر الكلاسيكية)، والإخلاص، و السرطان (الأخضر الزاهي)، والتجديد، والوفرة الطبيعية، والنمو، و الصحة، وآب / أغسطس، وتحقيق التوازن والانسجام، والاستقرار، والتهدئة، الإبداع، والإسلام. وخلال العصور الوسطى، استخدم كلا من الأخضر والأصفر ليرمزان إلى الشيطان. ويعتقد ان الأخضر أكثر الألوان جلبا للحظ في بعض الدول الغربية بما فيها بريطانيا و إيرلندا، و الولايات المتحدة الأمريكية.

اما اللون الأخضر فتتوزع رمزياته على (هو رمز إيرلندا، وإيرلندا غالبا ما يشار إليها باسم جزيرة الزمرد، وهو أيضا بمثابة رمز للغة الإسبرانتو؛ حيث يتلوّن علم الاسبرانتو باللون الأخضر مع وجود نجم أخضر. وفي الصين القديمة كان الأخضر يرمز إلى الشرق والغابات واعتبر من الألوان الخمسة الرئيسية.

في اليابان الأخضر يرمز إلى السلامة والترف. ولذلك فإن تعبير العربات الخضراء يعنى العربات الأوسع والمجهزة بشكل مترف في قطارات السكة الحديدية. كذلك فإن سيارات الطوارئ تُطلى باللون الأخضر كدلالة على السلامة. وفي الولايات المتحدة؛ الأخضر يرمز للمال حيث يستخدم ورق أخضر اللون لطباعة الدولار الأمريكي.

يستخدم تعبير (الدهان الأخضر) للإشارة إلى تعاطى الماريجوانا (المخدر) في الولايات المتحدة وأوروبا.

في الثقافة الدينية له عدة معاني ايضا:

فالأخضر هو اللون التقليدي للعِلم المقدس، كهنوت الكنيسة، كما أنه رمز ديني اسلامي إذ أن جميع الأضرحة تتميز باللون الأخضر.

في العصور الوسطى الأخضر يمثل الشر أو الكائنات الشيطانيه (التنين) وأحيانا يرمز إلى الحب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/كانون الأول/2013 - 10/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م