شبكة النبأ: لا يزال العمل الصحفي
والإعلامي في العراق وعلى الرغم من التغيرات المهمة التي أعقبت سقوط
النظام السابق، من أخطر وأصعب الأعمال والمهن التي لها مساس مباشر
بحرية التعبير، بسبب غياب بعض القوانين المهمة وتردي الوضع الأمني
والسياسي، الذي أسهم وبشكل فاعل بتصاعد إحداث العنف والعمليات المسلحة
ضد الصحفيين في مختلف المحافظات، ويعتبر العراق وبحسب بعض التقارير
الخاصة من أخطر الأماكن في العمل الصحافي على مستوى العالم حيث قتل منذ
عام 2003 أكثر من 360 صحفياً وإعلامياً لدوافع وأسباب مختلفة، منها ما
يتعلق بالإرهاب او بكشف بعض ملفات الفساد الإداري والمالي، يضاف إليها
التضييق المستمر من قبل الأجهزة الأمنية وبعض المؤسسات الأخرى التي
تسعى عرقلة العمل الصحفي وتغيب بعض الحقائق.
وفي هذا الشأن فقد اغتال مسلحون مجهولون صحافيا عراقيا يعمل لحساب
فضائية "نينوى الغد" في مدينة الموصل المضطربة، حسبما أفادت مصادر
أمنية وطبية، وقال ضابط برتبة نقيب في شرطة الموصل كبرى مدن محافظة
نينوى ان مسلحين مجهولين اغتالوا الصحافي علاء ادور، مسيحي (38 عاما)،
قرب منزله في حي الشرطة واكد مصدر طبي في مستشفى الجمهوري في الموصل
تلقي جثة الصحافي.
ويعمل الضحية في فضائية "نينوى الغد" التي تأسست العام الماضي وتعمل
بدعم محافظ نينوى اثيل النجيفي، وتعد نينوى من المحافظات المتوترة
وتشهد اعمال عنف بشكل يومي، وشهدت المحافظة سلسلة عمليات اغتيال طالت
الصحافيين في هذه المحافظة في الايام القليلة الماضية، ما دفع بعدد
كبير منهم الى ترك المهنة اثر تهديدات من تنظيم القاعدة، وفي وقت سابق
قتل مصور صحافي بشار عبد القادر امام منزله في منطقة النبي شيت، في
غربي الموصل، والذي كان يعمل لصالح قناة "الموصلية" التي اسستها القوات
الاميركية في 2006 وتعنى بالأخبار الثقافية والسياسية الخاصة بالموصل.
كما اغتال مسلحون في 2010 اثنين من صحافيي قناة "الموصلية" في
هجوميين منفصلين، وقتل مسلحون مجهولون في الخامس من تشرين الاول/اكتوبر
صحافيين عراقيين يعملان لصالح قناة "الشرقية" اثناء تأديتهما عملهما
الصحافي في المدينة القديمة في الموصل، وتقول منظمة "مراسلون بلا حدود
ان العديد من الصحافيين العراقيين يتعرضون يوميا للتهديدات، ومحاولات
القتل، والاعتداءات، والمعاناة من اجل الحصول على تراخيص، والمنع من
الدخول، ومصادرة ادوات عملهم، وأوضحت ان الصحافيين في العراق الذي يشهد
اعمال عنف متواصلة منذ 2003 قتل فيها العديد من الصحافيين يعيشون في
مناخ شديد التوتر، تتفاقم فيه الضغوط السياسية والطائفية. بحسب فرانس
برس.
ويأتي ذلك بعد التهديدات الموثقة التي تعرض لها صحفيون في مدينة
الموصل، حيث وجدت القوات الأمنية هناك قائمة "تصفية" تضم أسماء 44
صحفياً ومصوراً محلياً، في عمليات دهم لمقرات الجماعات المسلحة، فيما
شكا صحفيين في بغداد من تهديدات مباشرة تعرضوا لها تهددهم بالتصفية
الجسدية.
وبحسب مؤشرات مرصد الحريات الصحفية، فان مدينة الموصل تعد الأخطر
على الصحفيين، حيث شهدت المدينة منذ الغزو الأمريكي للبلاد مقتل 49
صحفياً واعلامياً منضمنهم الزميل ادورد، وبحسب المسح الذي أجراه مرصد
الحريات الصحفية، فإن ما يقرب من 40 صحفياً وإعلامياً قاموا بهجرة
جماعية من المدينة، بعد سلسلة الاغتيالات التي شهدتها المحافظة، حيث
غادر 12 صحفياً البلاد متوجهين إلى تركيا، فيما غادر 6 أخرون إلى إقليم
كردستان، بينما توجه ما يقارب من 20 صحفاً للاقضية والنواحي والقرى
الواقعة تحت سيطرة إقليم كردستان، والتي تعدُ اكثر استقراراً.
وما يزال العراق على مدار العقد الماضي يتصدر مؤشرات الإفلات من
العقاب، وتعرض الصحفيون والعاملون معهم لهجمات متتالية منذ الغزو
الأمريكي للعراق عام 2003، حيث قتل 265 صحفيا عراقيا وأجنبيا من
العاملين في المجال الإعلامي، منهم 151 صحفياً قتلوا بسبب عملهم الصحفي
وكذلك 55 فنيا ومساعدا إعلاميا، فيما لف الغموض العمليات الإجرامية
الأخرى التي استهدفت بطريقة غير مباشرة صحفيين وفنيين لم يأت استهدافهم
بسبب العمل الصحفي، وأختطف 65 صحفياً ومساعداً إعلامياً قتل اغلبهم
ومازال 14 منهم في عداد المفقودين، حسب إحصائيات مرصد الحريات الصحفية،
إلا إن جميع هذه الجرائم لم يُكشف عن مرتكبيها، ويتجاوز تصنيفها بكثير
أي بلد آخر في العالم.
الافلات من العقاب
من جهة أخرى أدانت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، الصمت الذي تمارسه
السلطتين التنفيذية والتشريعية ازاء عودة استهداف الصحافيين وتصاعد
عمليات اغتيالهم على الرغم من الدعوات المتكررة للجمعية والمنظمات
الدولية بضرورة انهاء حالة الافلات من العقاب وملاحقة الجهات المستهدفة
للصحافيين. وعبرت الجمعية عن استغرابها الشديد من تمكن المسلحين من
اغتيال صحافي داخل أقليم كردستان وفي منطقة تعد آمنة ومُسيطر عليها من
قبل قوات الامن الكردية.
وكان مسلحون مجهولون اغتالوا رئيس تحرير مجلة "رايال" الزميل كاوة
كَرمياني داخل منزله في منطقة شهيدان بمدينة كلار التابعة لمحافظة
السليمانية وبحسب ممثل الجمعية في السليمانية، فأن قتلت كَرمياني،
جاءوا إلى منزله وقرعوا جرس باب المنزل، فخرجت أمه وفتحت الباب، ووجدت
شخصين يسألان عن كرمياني ولما خرج لهما، أمطراه بوابل من الرصاص وهو في
باب منزله، ما أدى الى مصرعه على الفور، فيما تمكن المسلحان من الفرار.
وأكد ممثل الجمعية أن المسلحين أستخدموا أسلحة عادية وليس كاتمة، اذ
سمع صوت الرصاص من قبل أهله والجيران في منطقة شهيدان، ومع ذلك فأن
الأجهزة الامنية لم تصل الا بعد مدة طويلة، وكاوة محمد أو كاوة
كَرمياني كما هو لقبه صحافي شاب في الـ31 من العمر، من أهالي مدينة
كلار، يعمل رئيس تحرير مجلة "رايال"، و مراسل صحيفة "اوينه" الكردية،
كانَ منخرطاً في الفعاليات المدنية والمدافعة عن حرية التعبير في اقليم
كردستان، وناشطاً في الدفا عن الحريات، وخاصة حرية الصحافة.
على صعيد متصل أدان مرصد الحريات الصحفية بشدة حادثة مقتل مراسل
قناة بغداد الفضائية في مدينة البصرة ويحمل الجهات الأمنية والحكومة
مسؤولية الحفاظ على أرواح الصحفيين الذين تطويهم آلة العنف المنظم من
الموصل وحتى البصرة حيث أرتفع عدد الضحايا منهم الى رقم مقلق للغاية
بحسب آخر إحصائية صدرت عن مرصد الحريات الصحفية.
مصدر في قناة بغداد الفضائية قال لمرصد الحريات الصحفية، إن الزميل
وضاح الحمداني الذي يعمل لحساب قناة بغداد الفضائية في المحافظة
الجنوبية، قتل برصاص مسلحين استهدفوا مراسيم تشييع أقيمت للشيخ عدنان
الغانم أحد شيوخ عشائر المحافظة الذي أختطف من مدة وعثر على جثته بعد
فترة في واحدة من مناطق المدينة.
وأضاف المصدر، إن الحمداني أصيب برصاصة في منطقة الرقبة أثناء إطلاق
النار الذي كان باتجاه موكب التشييع، وأدت الى وفاته في الحال قبل وصول
الإسعاف التي أقلت جثمانه الى إحدى مستشفيات البصرة. ويبلغ الحمداني 30
عاماً من العمر، وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال، وعمل مراسلاً لقناة
بغداد الفضائية منذ تسع سنوات، وألتحق قبل أربعة اشهر للعمل مع قناة
التغيير كمصور فيها.
بغداد بعد الموصل
من جهة أخرى وثق مرصد الحريات الصحفية شهادات عديدة لصحفيين عراقيين
تعرضوا للتهديدات بالتصفية الجسدية من قبل جماعات مسلحة وأخرى سياسية
نافذة، بسبب تغطياتهم الإخبارية عن العنف المسلح والفساد المالي
والإداري. ويقول المدير التنفيذي لمرصد الحريات الصحفية زياد العجيلي،
إننا قلقون جداً من التهديدات التي يتعرض لها الصحفيون العراقيون الذين
يعملون على التغطيات الإخبارية وعلى السلطات الأمنية والحكومة العراقية
التعامل بجدية مع تلك التهديدات وأن لاتهوِّن من خطورتها.
وأبلغ الصحفي حسام محمود فرج، مرصد الحريات الصحفية، إنه أضطر
لمغادرة العراق إثر تعرضه لضغوط نفسية غير مسبوقة إثر سلسلة من
التهديدات طالته بعد إنتاجه لأعمال صحفية وتحقيقات استقصائية
لتلفزيونات محلية تلاحق ملفات العنف والفساد في العراق. وفرج الذي يعمل
مخرج برامج في قناة الاتجاه الفضائية ووسائل إعلام أخرى قال "إن قناته
تعرضت الى ضغوط ومسائلات من قبل "جهات نافذة"، بعد بثها أفلام وثائقية،
لاحقت ملفات فساد وفي فيلمه الوثائقي (عصر الفوضى) الذي عرض نهاية
تشرين أول/أكتوبر الماضي، حيث تلقى معد البرنامج سليم محمد "التهديد
بالقتل مباشرة بعد عرض حلقة البرنامج التي بث الفلم فيها "ما دفعه لترك
البلاد بعد يومين من تلقيه التهديدات". وهو الأمر الذي طاله هو أيضا
ولمرات عديدة. وتشير شهادات وثقها مرصد الحريات الصحفية، الى تورط جهات
سياسية نافذة بتهديد صحفيين رفضوا أن تنشر معلومات تهديدهم تخوفاً من
تصفيتهم.
الى جانب ذلك تعرض إثنين من الصحفيين لإطلاق نار من مسلحين مجهولين
وسط بغداد عندما كانا يغادران مكان عملهما في شارع النضال متوجهين الى
مجلس النواب العراقي في مهمة صحيفة لحساب مؤسسة النهار حيث أطلق مسلحون
النار عليهما من سيارة مرت مسرعة في الشارع، وقال علي صيهود فواز
المحرر في وكالة سنا الإخبارية إحدى مؤسسات النهار إنه وزميله محمد
صباح الذي يعمل معه في الوكالة من سنتين كانا خارجين للتو من مقر
المؤسسة وسط العاصمة بغداد في منطقة شارع النضال متوجهين الى مجلس
النواب بغية الحصول على وثائق تدين عمليات فساد تجري في بعض دوائر
الدولة وفي الأثناء مرت سيارة نوع (اوبتما) تقل ثلاثة أشخاص أطلقوا
النار من أسلحة كاتمة للصوت ولاذوا بعدها بالفرار بينما تمكنا بأعجوبة
من الإرتماء على الأرض والجري للاحتماء ببعض السيارات المتوقفة في
المكان.
أضاف إن المسلحين كانوا مرتبكين للغاية، وكانوا يطلقون النار دون
تركيز لكنه لم يحدد جهة بعينها مسؤولة عن محاولة الاغتيال التي تمثل
على ما يبدو رسالة الى مؤسسة النهار التي سبق أن نشرت العديد من
المقالات التي تنتقد الفساد وعمليات الإرهاب المنظم التي تطال
المواطنين في العراق، وسبق أن تعرضت المؤسسة لتهديدات من جهات مجهولة
عبر (الفيس بوك وأجهزة الموبايل والبريد الالكتروني) تحذر من سياسة
العمل المتبعة في الوكالة والصحيفة والتي تتحدث عن موضوعات يجب التغاضي
عنها سواء من خلال نوع من المقالات التي تنشرها أو الأخبار والتحقيقات
الاستقصائية.
ضغوط رسمية
في السياق ذاته تمارس قوات الشرطة العراقية ضغوطا وأساليب غريبة
تجاه المراسلين الميدانيين والفرق الإعلامية في أماكن الأحداث وعند
التغطية الصحفية، حيث عمدت الى إجبار صحفيين على توقيع تعهدات خطية
بعدم ممارسة المهنة بسبب تغطياتهم الميدانية، واحتجزتهم لعدة ساعات، في
مراكز أمنية في مدينتي النجف وميسان. وقالت مراسلة فضائية البغدادية في
النجف رشا العابدي، لمرصد الحريات الصحفية، إنها تعرضت للإعتقال أثناء
تغطيتها لردود أفعال أهالي محافظة النجف نتيجة موجة الفيضانات الأخيرة،
مع فريق عمل قناة البغدادية المكلف بتغطية الحدث.
وأضافت العابدي، إنها فوجئت بقوة أمنية من عدة سيارات شرطة تطلب
منها الخروج من أحد بيوت المواطنين، وتنقلها بعدها الى أحد المراكز
الأمنية دون إيضاح أسباب الاحتجاز. وبينت مراسلة البغدادية، إن أحد
ضباط الشرطة طلب منها التوقيع على تعهد خطي بعدم ممارسة المهنة نهائيا،
للإفراج عنها، لكنها رفضت، إطلاق سراحها بعد مفاوضات أجراها عدد من
ساسة ووجهاء المحافظة، لكن مع الإبقاء على كاميرا القناة محتجزة لدى
المركز الأمني. وطالبت العابدي الجهات الأمنية بإيضاح أسباب اعتقالها
ومصادرة أدواتها الصحفية.
وفي محافظة ميسان تم إجبار مراسل قناة الشرقية باقر محمد على توقيع
تعهد خطي مقابل الإفراج عنه، بعد إحتجازه لمدة 10 ساعات، متهمة إياه
بالترويج للأفكار الطائفية. وقال محمد، إنه أثناء توجهه لقضاء علي
الغربي في محافظة ميسان لإجراء تقرير تلفزيوني، احتجزته إحدى نقاط
تفتيش قوات الشرطة ونقلته الى مركز أمني، لتطلب منه عدم الترويج
للأفكار الطائفية.
على صعيد متصل طالبت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، هيئة الاعلام
والاتصالات بإعادة فتح إذاعة كلية الاعلام واعفائها من رسوم الطيف
الترددي لإنها تستخدم لإغراض التدريب. وكانت الاجهزة الامنية اغلقت
الاذاعة بناءً على أوامر صدرت من هيئة الاعلام والاتصالات ومن دون
أوامر قضائية.
وأكد مدير اذاعة كلية الاعلام ضياء مصطفى، لجمعية الدفاع عن حرية
الصحافة أن الاذاعة اغلقت بقرار من هيئة الاعلام والاتصالات على الرغم
من انها تستخدم للتدريب وتطوير مهارات الطلبة، مبينا أن كلية الاعلام
طالبت هيئة الاعلام والاتصالات بإعفاء الاذاعة من اجور الطيف الترددي
باعتبارها اذاعة غير ربحية وتابعة لوزارة التعليم العالي. وأشار الى أن
طلبة الاعلام بعد سماعهم الخبر المحزن نظموا وقفة احتجاجية، لإدانة
قرار الغلق، وللمطالب بإعادة فتح الاذاعة، مبينا ان الاذاعة تأسست عام
2008، وحاصلة على اجازة بث رسمية على موجةAM، ولديها أوراق طلب رسمية
وموافقات أولية من هيئة الاعلام والاتصالات.
وتعبر جمعية الدفاع عن حرية الصحافة عن قلقها الشديد من استغلال
هيئة الاعلام والاتصالات، لضبابية بعض القوانين والاوامر الادارية
الصادرة من سلطة الائتلاف السابقة، من دون الاعتماد على جوهر الدستور
العراقي النافذ الذي كفل حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام
والنشر في المادة 38 منه، كما منعت المادة 46 من الدستور أي تقييد
لممارسة تلك الحرية، وتصّر الجمعية على بطلان جميع اوامر الاغلاق التي
صدرت من الهيئة من دون الحصول على موافقة القضاء العراقي، وتعدها
اجتهادات شخصية مخالفة للقانون، ما يمنح الحق لوسائل الاعلام المتضررة
أو المنظمات المدافعة عن حرية التعبير في مقاضاة هيئة الاعلام
والاتصالات. |