بعد تردد الجانبين الأردني والفلسطيني عن نيّتهما في المشاركة مع
الجانب الإسرائيلي بتنفيذ مشروع قناة البحرين، الذي يهدف إلى الوصل ما
بين البحر الأحمر في الجنوب والبحر الميت في الشمال على الحدود
المشتركة، قررتا نهاية الأمر وبعد مفاوضات تعاونية مكثفة، بدأت منذ
العام 2005، بين إسرائيل والمملكة الأردنية والسلطة الفلسطينية، حيث
زار خلالها وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي "سيلفان شالوم" ومسؤولين
آخرين الأردن سراً مراراً منذ ذلك التاريخ، بتكليف من الحكومة
الإسرائيلية، بهدف الضغط لكسب التأييد الشامل للمشروع، الذي يهدف كما
يعلن الإسرائيليون، إلى إنقاذ البحر الميت من التلاشي بفعل الجفاف،
بحلول عام 2050، حيث يفقد سنوياً نحو مليار متر مكعب من المياه، إضافةً
إلى توفير كميات مياه إضافية للأطراف الثلاثة، من خلال - كما يقضي
المشروع- إقامة محطة تحلية عملاقة ومحطة أخرى لتوليد الطاقة، يتم
توزيعها على الأطراف الثلاثة، وفق نسب يتم الاتفاق عليها في أوقات
لاحقة.
الآن دخل المشروع رسمياً حيز التنفيذ، حيث قام ممثلون حكوميون من
الأطراف الثلاثة الوزير الإسرائيلي "شالوم"، ووزيرا المياه الأردني "حازم
الناصر" والفلسطيني "شداد العتيلي" بالتوقيع على الاتفاق في مقر البنك
الدولي، بالعاصمة الأمريكية واشنطن،
من جهته رحب البنك الدولي بالاتفاق - وهو على شكل مذكرة تفاهم (MOU)
- وأعلن عن سروره من أن مشاركته الطويلة سهّلت الخطوة التالية للأطراف
الثلاثة، والتي من شأنها تعزيز توافر وتسهيل تطوير مصادر مياه جديدة،
من خلال تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى إعطاء فرصة لفهم بشكل أفضل،
النتائج المترتبة على خلط مياه البحر الأحمر والبحر الميت.
من جانبها وصفت إسرائيل الاتفاقية بـ(التاريخية)، معتبرةً أنها تحقق
حلماً طالما انتظره الإسرائيليون، باعتبارها من أكبر المستفيدين من هذا
المشروع، فبالإضافة إلى أنه سيسهم في ترسيخ التعاون الاستراتيجي على
كافة الأبعاد، مع الأردن والسلطة الفلسطينية، اقتصادياً وسياسياً
وأمنياً أيضاً. سواء من حيث المردودات المادية التي ستدخل خزينة الدولة،
أو من حيث إدخال خطوة هامّة نحو تعقيد العلاقات مع الجانبين الأردني
والفلسطيني، إضافةً إلى ما يتطلبه المشروع من مراقبة إضافية من شأنها
المساهمة في الحفاظ على حالة الاستقرار الأمنية على طول الحدود.
من ناحيتها أعلنت المملكة الأردنية، وبصورة لا لبس فيها، بأنها ترى
المشروع وسيلة مهمة لحلٍ بعيد الأمد لمشكلات المياه في أنحائها
الشمالية، ومن ناحية أخرى سيكون مشروعاً مهماً لإحداث تعاون إقليمي
طويل الأجل.
المملكة اعتبرت المشروع أردني بالدرجة الأولى، على الرغم من وضوح
درجة تلهف الجانب الإسرائيلي العالية نحو تنفيذه، وبأن المشروع يُعد
أحد أهم المشاريع المائية الاستراتيجية الحيوية بالنسبة لها لمواجهة
أزمة المياه الشديدة لديها، من خلال تبادل وزيادة الحصة من المياه من
بحيرة طبريا المقررة لها في أعقاب اتفاق السلام مع إسرائيل والبالغة
نحو (35 مليون متر مكعب في العام)، لا سيما وهي تعدّ من بين البلدان
الثلاثة الأكثر افتقاراً إلى المياه في العالم. كون المشروع يعمل على
تأمين 100 مليون متر مكعب من المياه في العام وبتكلفة معقولة، واعتبار
هذه الكمية من شأنها تغطية احتياجات المملكة خلال السنوات العشر
المقبلة كمرحلة أولى حيث ستتبعها مراحل لاحقة حسب التطورات والاحتياجات
المستقبلية للبلاد.
وبدوره أوضح الوزير "العتيلي" بأن الاستفادة الفلسطينية ستكون من
خلال الحصول على ما بين 20-30 مليون متر مكعب من المياه المحلّاة من
خلال شركة مكوروت الإسرائيلية- المؤسسة الوطنية للمياه الإسرائيلية-
لاستخدامها في أنحاء الضفة الغربية، وتتميّز بأنها خارج إطار اتفاقية
أوسلو، وباعتبارها المرة الأولى التي يتم التفاهم معها حول اتفاقية
إقليمية.
وبالمقابل، خبراء إسرائيليون أكّدوا أن القناة المزمع إنشاؤها، لن
تنقذ البحر الميت، وإنما ستؤخر جفافه إلى مدّةٍ أطول، وحذّروا من أن
تمرير المياه على مسافة 180 كم، من شأنه أن يؤدي إلى تفشي بكتيريات،
ومستنقعات ملحيّة، إضافة إلى احتمال تكلّس داخلي للأنبوب، ما يؤثر على
جودة المياه التي ستضخ للبحر الميت. ومن جهةٍ أخرى فإن الكمية التي
سيتم ضخّها قليلة وهي 100 مليون متر مكعب سنوياً وهي غير كافية مقابل
مليار متر مكعب فاقد.
وبالرغم من تصريحات الوزير "الناصر" التي أكد فيها أن الاتفاق لا
يحمل دلالات سياسية، بل مقتضيات إنسانية صرفة، اعتبر معارضون أردنيون
بأن الاتفاق يمثل خطوة متقدمة نحو التطبيع الكامل مع دولة الكيان
الإسرائيلي، في الوقت الذي تسعى فيه جهات أردنية لإلغاء اتفاقية السلام
معها، بسبب عدم تقبل الشعب الأردني لفكرة استمرار بقاء الدولة،
بالإضافة إلى رفضه لمواصلتها ممارساتها القمعية والعدوانية ضد الشعب
الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
أيضاً كانت منظمات فلسطينية غير حكومية، دعت في وقت سابق من هذا
العام، منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، لوقف كافة أشكال التعاون في
هذا المشروع، بسبب أنه سيعمل على تقويض حقوق الفلسطينيين المائية،
ويضفي الشرعية على حرمانهم من حقوقهم التاريخية في نهر الأردن. فضلاً
عن استبدال مياه النهر الطبيعية التي تستولي عليها إسرائيل بمياه
محلّاة من البحر الأحمر تباع للفلسطينيين بكميات زهيدة وبتكلفة أعلى.
وكانت حركات فلسطينية وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي قد
حذّرت من عواقب الاتفاق على تنفيذ المشروع، فبالإضافة أن هذا المشروع
كان حلم مؤسس الحركة الصهيونية "ثيودور هرتزل" حيث كان تحدث عن قناة
لوصل البحر المتوسط بالبحر الميت، خلال كتابه الأرض الموعودة 1902،
واعتبرته خطوة تطبيعيّة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب أنه
يعطي تفويضًا للاحتلال بنهب الثروات الفلسطينية، ويعزز من سيطرته على
الأرض.
وبيئيّاً، فإن القناة تثير مخاوف الخبراء البيئيين في الأردن وبلدان
أخرى، على حياة البحر الميت، فعلى الرغم من إعلان السلطات بأن المشروع
لن يؤثر على التوازن البيئي للبحر عند ضخ الكمية المقررة وهي 100 مليون
متر مكعب، باعتبارها حدود دنيا، حيث يتحقق الضرر فقط عند تجاوز تلك
الكمية إلى ثلاثة أضعاف، أي ثلاثمائة مليون متر مكعب. لكن منظمة أصدقاء
الكرة الأرضية، أصرّت على معارضة المشروع لخشيتها من أن يسبب أضراراً
جسيمة للبحر بشكلٍ عام. ومنها التحذيرات الدولية من احتمال تحرك
تصدّعات متفرّقة في أنحاءه. وهناك خشية من أن تكون للمشروع تداعيات
متصلة باحتمالية جر المزيد من الزلازل للمنطقة. ولذلك رأت جهات مختلفة
بأنه ينبغي الدفع قدماً باختيارات أخرى لحل مشكلة المياه التي يبررون
بها ضرورة تنفيذ المشروع.
كما ستبرز مستقبلاً تداعيات أخرى للمشروع والتي ستطال مصر، في
منطقتي شرم الشيخ ورأس محمد، نتيجة إقامة محطتي التحلية والطاقة على
مقربة من الشواطئ المحاذية للحدود، بسبب نسبة التلوث البيئي العالية
التي ستنجم عن تشغيل المحطتين، حيث ستتلوث أجواء المنطقة، وستفقد مياه
الشواطئ صفوها، ناهيكم عن موت الحياة المائية من أسماك وشعب مرجانية
وأحياء مائية أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يكون سبباً في ضرب موارد
السياحة المصرية في تلك المنطقة، وبالتالي خفض المدخولات السياحية
بشكلٍ عام.
* خانيونس/فلسطين |