أوكرانيا.. الضغوط الروسية تعيد ذكريات الثورة البرتقالية

 

شبكة النبأ: لا تزال الأوضاع المتوترة في أوكرانيا والتي أتت على خلفية قرار الحكومة الأوكرانية القريبة من روسيا رفض توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، محط اهتمام العديد من الأوساط السياسية والإعلامية في العديد من دول العالم التي تخشى من تصاعد إعمال العنف بسبب استياء المعارضة التي دعت وبشكل واضح الى إسقاط الحكومة واستمرار المظاهرات الشعبية وتوسيع دائرة الاحتجاج لأجل تتغير المواقف ومواجهة ضغوط الحكومة الروسية كما بقول بعض المراقبين، الذين حذروا من تحول أوكرانيا الى ساحة مواجهة بسبب تضارب المصالح السياسية والاقتصادية بين روسيا و الاتحاد الأوروبي، خصوصا وان روسيا اليوم قد قدمت بعض التسهيلات وإغراءات الخاصة لأجل جذب الحكومة ومنها تخفيض سعر الغاز في سبيل حسم المعركة لصالحها، يضاف الى ذلك الدعم الأوربي المقدم لقيادة المعارضة الأوكرانية في سبيل قلب النتائج الحالية، وهو ما اعتبره البعض سابقة خطيرة يمكن ان تسهم بعودة الثورة البرتقالية التي اندلعت نهاية عام 2004 وبداية 2005 بعد سلسلة من الاحتجاجات والأحداث السياسية.

وفيما يخص أخر تلك الأحداث والتدخلات الخارجية فقد انتقدت روسيا الأعمال العدوانية من جانب متظاهرين أوكرانيين ورد الفعل الغربي على الاحتجاجات وقالت ان على الأطراف الخارجية ألا تتدخل في شؤون أوكرانيا. وأثار قرار الرئيس فكتور يانوكوفيتش بالتخلي عن اتفاق للتجارة والتعاون مع الاتحاد الاوروبي لصالح إقامة علاقات أوثق مع روسيا احتجاجات حاشدة.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنني لا أفهم تماما مدى الأعمال العدوانية من جانب المعارضة. وقال لافروف ان حكومة أوكرانيا استخدمت حقها السيادي في ان تقرر ان كانت ستصدق على الاتفاقية أم لا. وقال آمل ان يتمكن السياسيون الاوكرانيون من دفع الموقف الى ساحة (التعبير) السلمي ندعو الجميع الى عدم التدخل.

 وكان وزراء خارجية الدول الأعضاء في حلف الأطلسي ردوا على مشاهد الشرطة الاوكرانية وهي تستخدم الهراوات وقنابل الصوت لتفريق احتجاجات مؤيدة لأوروبا بإصدار بيان يندد باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين. وقال لافروف انه لا يفهم لماذا يتبنى حلف شمال الأطلسي مثل هذه البيانات.

وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الامريكية رافق وزير الخارجية جون كيري الى اجتماع بروكسل ان لافروف سأل وزراء خارجية حلف الاطلسي ان كان بيانهم يعني ان الحلف لديه خطط للتدخل في اوكرانيا. وأضاف المسؤول كل الحلفاء أوضحوا ان (البيان) يتعلق بدعم طموحات الشعب الاوكراني بشأن مستقبل اوروبي وانه لا توجد خطط لعملية عسكرية في اوكرانيا وان بحث هذا الموضوع أمر مستفز. بحسب رويترز.

وقال المسؤول الامريكي الذي طلب عدم نشر اسمه ان مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون طلبت من كيري في اجتماع منفصل العمل مع الاتحاد الاوروبي لمساعدة الحكومة الاوكرانية التي تعاني من عجز نقدي ومع المعارضة في اعداد خارطة طريق للعودة الى اوروبا والى صندوق النقد الدولي.

وقال لافروف انه أوضح في محادثاته مع وزراء حلف الاطلسي ان الحلف لا يحتاج الى المضي قدما في خططه لبناء نظام دفاع صاروخي اذا توصلت ايران والقوى العالمية الى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي لطهران. وكانت خطط الولايات المتحدة وحلف الاطلسي لإقامة درع مضاد للصواريخ حول غرب اوروبا لحمايتها من هجوم من ايران وكوريا الشمالية مصدر توتر في العلاقات مع روسيا التي تخشى ان يكون هذا النظام وسيلة لإسقاط صواريخها النووية بعيدة المدى. بحسب رويترز.

من جانب اخر قالت الرئيسة الليتوانية داليا غريباوسكايتي للاسف، يبدو ان الحجج التي تدعم توقيع الاتفاق لم تقنع الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وأضافت لم تتغير المواقف. وقد يكتفي الاوروبيون بتوقيع اتفاقي شراكة مع جورجيا ومولدافيا فقط بالاحرف الاولى. لكن توقيع الاتفاقين نهائيا لن يتم قبل اشهر ولا يمكن استبعاد ضغوط روسية لمحاولة افشال الاتفاقين.

وكانت ارمينيا اغلقت الباب في وجه الاوروبيين عندما قررت الانضمام الى الاتحاد الجمركي الذي انشأته روسيا. وعرض يانوكوفيتش امام الاوروبيين المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها بلاده وطالب بان تتم تسويتها "من قبل الاتحاد الاوروبي وروسيا معا"، كما قالت الرئيسة الليتوانية. وبذلك لم يتراجع الرئيس الاوكراني عن موقفه من هذا الحوار الثلاثي الذي رفضه الاتحاد الاوروبي اصلا وقال دبلوماسي ان "الامر يشبه دعوة الصين الى مفاوضات مع الولايات المتحدة.

كما ان يانوكوفيتش لم يقتنع بحجج الاوروبيين، وخصوصا الدول الجديدة الشرقية، بالمكاسب التي يمكن ان تحققها كييف من تقارب مع الاتحاد الاوروبي وخصوصا من اجل تنميتها الاقتصادية والتجارية. واتفاق الشراكة الذي تراجعت كييف عن توقيعه وكان يرافقه اتفاق واسع للتبادل الحر، تم التفاوض بشأنه خمس سنوات بين كييف والمفوضية الاوروبية التي خصصت حتى الآن مليارات اليورو من اجل التحديث السياسي والاقتصادي لهذا البلد الذي يضم 46 مليون نسمة.

فشل الانضمام الى اوروبا

في السياق ذاته نجت الحكومة الاوكرانية التي تحملها المعارضة مسؤولية فشل الانضمام الى اوروبا من تصويت على حجب الثقة بعد القمع الشديد للتظاهرات المؤيدة لأوربا، وقدمت الاعتذارات على عنف الشرطة. وبعد اتهامه بالمسؤولية الشخصية عن عنف الشرطة ضد المتظاهرين وـ"بيع اوكرانيا الى روسيا"، تم استدعاء رئيس الوزراء الاوكراني ميكولا ازاروف وحكومته الى البرلمان فيما تجمع الاف المعارضين امام المبنى.

ولم يؤيد اكثر من 186 نائبا مذكرة حجب الثقة التي اقترحتها ثلاث كتل معارضة فيما يطلب اقرارها اكثرية 226 صوتا. وامتنع حزب المناطق الحاكم عن التصويت. وقبل التصويت صرح النائب فولوديمير اولينيك المؤيد للسلطة مخاطبا المعارضة "انتم تريدون الاضطرابات واوكرانيا لا تحتاج اليكم. اوكرانيا تحتاج الى الاستقرار".

وخاطب ازاروف النواب قبل التصويت في جلسة طارئة للبرلمان وقدم اعتذاراته على عنف الشرطة تجاه المتظاهرين والذي اسفر عن اصابة العشرات بجروح. وقال رئيس الوزراء "باسم حكومتنا، اعتذر عن سلوك سلطات تطبيق القانون في ساحة الاستقلال. ان رئيس الحكومة والحكومة آسفان على ذلك كثيرا. واضاف سينجم عن ذلك قرارات حازمة وستجري تعديلات في الحكومة. وكان ازاروف اعلن استقالة رئيس شرطة كييف.

وامام مبنى البرلمان الذي احاطه المئات من عناصر الامن تجمع الاف المتظاهرين المؤيدين للتقارب بين اوكرانيا والاتحاد الاوروبي وهم يهتفون "يا للعار!" حاملين الاعلام الاوكرانية. وبعد تظاهرة ضمت اكثر من مئة الف شخص، تطالب المعارضة برحيل السلطة الاوكرانية التي عدلت عن توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي خلال قمة في فيلنيوس.

غير ان رئيس الوزراء حذر المتظاهرين الذين يحاصرون مقر الحكومة وقال ادعو كل الذين اتخذوا هذه القرارات غير الشرعية بمحاصرة الحكومة الى التوقف عن ذلك. انكم بذلك تخرقون القانون الجنائي وستتحملون المسؤولية. كما اكد ان اوكرانيا ستواصل آلية انضمامها الى اوروبا وان وفدا حكوميا سيزور بروكسل.

وصاحبت كلمة ازاروف بالروسية صيحات استهجان من نواب المعارضة وشدد قادة المعارضة على مسؤولية رئيس الحكومة الشخصية عن فشل الانضمام الى اوروبا وكرروا المطالبة باستقالته. واعلن احد قادة المعارضة ارسيني ياتسينيوك المقرب من رئيسة الوزراء السابقة المسجونة حاليا يوليا تيموشنكو قبل التصويت "هذه الحكومة مسؤولة عن الضرب المبرح الذي تعرض له اطفال في ساحة الاستقلال. عار عليها! انها مسؤولة عن بيع اوكرانيا الى روسيا وتحطيم الامال في الانضمام الى اوروبا. يا للعار!".

ووصف بطل العالم للملاكمة فيتالي كليتشكو احد قادة المعارضة قرار الحكومة تعليق اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي بانه خيانة عظمى. واضاف ينبغي الا نسمح بتحويل اوكرانيا الى دولة عسكرية. اذا سكتنا على ذلك اليوم فسيستمر الامر لاحقا نطالب باستقالة الحكومة. وتجمع حوالى مئة الف متظاهر في كييف فيما تجمع عشرات الالاف غيرهم في مدن اخرى من البلاد احتجاجا على تغيير موقف الحكومة. وهي تعبئة غير مسبوقة منذ الثورة البرتقالية عام 2004 التي قلبت النظام القائم آنذاك وحملت المؤيدين لاوروبا الى السلطة. بحسب فرانس برس.

واوقعت مواجهات جرت مع الشرطة عددا كبيرا من الجرحى بينهم حوالى خمسين صحافيا ومئة شرطي ما دعا المعارضة الى المطالبة باستقالة الحكومة والرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وقرر يانوكوفيتش مغادرة اوكرانيا في زيارة دولة الى الصين من المقرر ان يجرى خلالها توقيع اتفاقات اقتصادية.

وقال يانوكوفيتش في مقابلة مع التلفزيون الاوكراني ان الوضع في البلاد ليس ملائما للزيارات الى الخارج لكن ان عدلت عنها فان الاقتصاد الاوكراني هو الذي سيدفع الثمن. وتلي هذه الرحلة زيارة الى روسيا التي لعبت دورا حاسما لإقناع اوكرانيا بالعودة عن توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي والتوقيع معها على خارطة طريق للتعاون. وشرح الرئيس الاوكراني من جديد اسباب قراره وقال بماذا ينفعنا الاتفاق ان كانوا يستقبلوننا ثم يقللون من شاننا؟ اعتقد ان علينا عدم الانصياع والدفاع عن مصالحنا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/كانون الأول/2013 - 7/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م