التربية بالعزّة والكرامة

 

شبكة النبأ: الثقافة كما تُفهَم من مضمونها وغاياتها، تعني منهج سلوك يستند الى مبادئ وافكار، ترسم الطريق لنا كي نعيش حياتنا، تخطيطا وعملا وانتاجا، استنادا الى حيثيات تلك الثقافة التي نؤمن بها، ونتربى عليها، وتنتشر بيننا كأفراد وجماعات ومكونات نشترك في التكوين المجتمعي، ونستند الى منهج ومنظومة قيم مأخوذة من ثقافتنا.

كما أن طبيعة السلوك البشري يتأثر بثقافته السائدة، لذلك لابد من ملاحظة مسارات السياسة، مفاهيمها ومضامينها ومبادئها، ودرجة حضورها او ضعفها بين افراد المجتمع، ومدى التأثير الذي تتركه في نفوس الناس، فكرا وسلوكا، ولا شك ان هناك ثقافة رصينة، تزرع الكرامة في نفس الانسان، وتهذب فيه نزعة الجشع، وتقوي لديه الارادة، وفي الحصيلة النهائية، ينتج عنها ما ندعوه أو نسميه بعزة النفس، وهذا جوهر مبدئي ينتج عن الثقافات والحضارات العظيمة، وثمة اتجاه آخر معاكس للعزة ألا وهو الدناءة، إذ يمكن ان تسود ثقافة الرديء والدنيء عندما تضمحل المبادئ الثقافية التي تشجع على الاحترام والثقة بالنفس وعزتها.

ضمن هذا الاطار الثقافي الفلسفي التنويري، يقول آية الله السيد مرتضى الشيرازي في أحد بحوثه، حول ازدهار الحضارات وانحطاطها: (ان عزة النفس هي رفعة في النفس لها تجليات، وفي الاتجاه الآخر فإن دناءة النفس هي حقارة في النفس لها تمظهرات، فان عزة النفس حقيقة تتجلى بأنحاء شتى كما ان دناءة النفس أيضًا حقيقة تتمظهر بمظاهر مختلفة).

ويضيف السيد مرتضى الشيرازي قائلا في بحثه حول الحضارات: (إن الإنسان عزته بنفسه، كما ان ذاك الإنسان الدنيء الخسيس الطبع البخيل الجبان اللئيم الإرهابي، ذليل مهما كان!! وإن أصبح ملكًا، أما ذاك الإنسان الأبي، أبيّ الضيم، ذاك الإنسان الشريف، ذاك الإنسان الكريم، فهو عزيز وإن كان في قعر السجون وظلم المطامير).

بهذه الارادة الصلبة والحضور الاساسي لعزة الانسان وثقته بنفسه، ورفضه للظلم أيا كان مصدره، سوف يحمي المجتمع حضارته، وشخصيته المستقلة المتميزة، وارادته التي ينبغي ان تبقى حاضرة وفاعلة بقوة، علما أن المجتمع يتكون ثقافة وارادة وسلوكا وفكرا من مجموع الافراد الذين ينتمون كأعضاء فاعلين للمجتمع، علما أن الحضارات التي تهتم بحصانتها وعزتها واصالتها ستزول حتما، استنادا الى قانون الصحيح يتفوق دائما، لذلك لابد أن يكون الفرد ذا حصانة ومحافظ ومواظب على احترام نفسه، وتعميق الشعور بالعزة بالذات، والنظر الى الشخصية الفردية والجماعية باحترام وثقة، علما أن هذه الضوابط والاشتراطات، لا يمكن تحقيقها بصورة آلية أو عشوائية، إذ لابد من غرس ثقافة الاعتزاز بالذات بين الجميع، من اجل غرس روح الايمان في نفوس الناس، لان الانسان المؤمن يتصف بالقوة والثبات ورباطة الجأش والتوازن والتفوق على غيره.

لذلك يؤكد السيد مرتضى الشيرازي على أن: (المؤمن العزيز الشريف، لا يذل نفسه ولو أعطي أغلى الأشياء وأكثر الأموال وحمرَ النِعَم! وهذا هو الدرس الأول الذي يجب أن يتعرف عليه كل مؤمن، وكل رجل دين, وكل جامعي، وكل بقال وعطار، وكل مؤمن بما هو مؤمن انه شريف وعزيز، لا ينبغي أن يذل نفسه لبعض حطام الدنيا مهما كانت الأسباب والدواعي).

إن ثقافة العزة والكرامة تستدعي ضربا من الالتزام بالمبادئ التي تزرعها ثقافة رصينة لها قاعدة ايمانية ثابتة، كما ان الانسان المؤمن يضع بينه وبين التجاوزات حدودا واضحة يلتزم بها، بمعنى انه لا يستخف بحقوق الاخرين، فضلا عن التزامه بالضوابط المجتمعية العامة، المرسومة وفقا لمنهج ثقافي فكري سلوكي متفق عليه.

لذا يصف السيد مرتضى الشيرازي المؤمن بأنه: (الإنسان العزيز النفس لا يعقل أن يتعدى على حرمات الناس إلا لو هانت عليه نفسه وكانت ذليلة حقيرة، يخون أمانة الله في عينه أو يده أو رجله أو بطنه أو فكره، الإنسان المؤمن عزيز النفس لا ينبهر بالغرب ولا بالشرق، فليكن بأيديهم كل شيء، المهم أن تكون على الحق، "لا نبالي إن كنا على الحق أوقع الموت علينا أو وقعنا على الموت").

هكذا تضمن لنا العزة، الحفاظ على حضارتنا، واستقلالنا الثقافي والفكري وحتى السياسي، ولعل تعميق مثل هذه القيم العظيمة في نفوس الجميع، يتطلب ثقافة فاعلة مدعومة بأسس التميز والتفاعل والاستمرارية، حتى تضخ حماسة الكرامة والعزة في النفوس بشكل دائم ومستمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/كانون الأول/2013 - 6/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م