مانديلا.. رحيل أيقونة التسامح ومكافحة العنصرية

 

شبكة النبأ: أفاق المواطنون في جنوب أفريقيا على نبأ وفاة الرئيس السابق والسياسي المناهض لنظام الفصل العنصري نلسون مانديلا، حيث يعد واحدا من أكثر الشخصيات التي أثرت في العالم، ويعتبر مانديلا من القادة المكافحين لالغاء نظام الفصل العنصري –الذي طبق بقساوة في جنوب أفريقيا- وهو الأمر الذي سبب في سجنه لمدة 27 عاما، كونه عمل على فك قيود بلاده وتحولها نحو الديمقراطية، الأمر الذي دفع ببلاده ان تكون من اللبلدان الناجحة اقتصاديا. كما لعب دورا كبيرا في إنجاح المصالحة الوطنية التي اعتبرت فيما بعد الأنجح عالمياً.

وقال رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما أن الرئيس السابق للبلاد الحائز على جائزة نوبل للسلام توفي بمنزله في جوهانسبرج وسط أفراد أسرته بعد صراع طويل مع المرض، وقال في كلمة نقلها التلفزيون إن جثمان مانديلا الذي كان اول رئيس أسود لجنوب افريقيا سيشيع في جنازة رسمية. وأمر بتنكيس الاعلام في البلاد، واضاف أهلي في جنوب افريقيا.. رحل حبيبنا نلسون مانديلا الرئيس المؤسس لبلدنا الديمقراطي، فاضت روحه الي بارئها بسلام في منزله.

مراسم وطنية

وأعلن جاكوب زوما ان مراسم وطنية ستقام للرئيس السابق نلسون مانديلا الذي توفي الخميس عن 95 عاما، في العاشر من كانون الاول/ديسمبر في ملعب كرة القدم في سويتو، وسيدفن في الخامس عشر من الشهر نفسه في قريته كونو (جنوب).

وقال زوما سنقيم جنازة وطنية للرئيس السابق نلسون مانديلا وسيدفن في الخامس عشر من كانون الاول/ديسمبر في مسقط راسه كونو في مقاطعة الكاب الشرقية، مضيفا ان مراسم رسمية ستجري في العاشر من كانون الاول/ديسمبر في ملعب سوكر سيتي لكرة القدم في سويتو قرب جوهانسبرغ، واضاف سنعمل معا من اجل تنظيم جنازة جديرة بهذا الابن الاستثنائي لبلدنا وابي امتنا الفتية. بحسب فرانس برس.

واعلن الاسبوع المقبل باكمله اسبوع حداد وطني. وسيبدأ في الثامن من كانون الاول/ديسمبر بيوم وطني للصلوات والتأمل، وسيسجى جثمان مانديلا في يونيون بيلدينغز مقر الرئاسة في بريتوريا من الحادي عشر الى الثالث عشر من كانون الاول/ديسمبر.

ورغم تطمينات الزعماء والشخصيات العامة بأن وفاة مانديلا مع ما يصاحبها من أسى لن توقف تقدم جنوب افريقيا وابتعادها عن تاريخها العنصري المرير عبر البعض عن شعوره بعدم الارتياح لغياب رجل اشتهر بانه صانع للسلام.

وقالت شارون كويبكا (28 عاما) التي تعمل سكرتيرة وهي في طريقها الى العمل في جوهانسبرج الامور لن تسير بشكل جيد. اعتقد ان البلاد ستصبح اكثر عنصرية. الناس سينقلبون على بعض ويطاردون الاجانب. بحسب رويترز.

تجميع الكل

ونكست الاعلام مع اعلان الحداد في البلاد حيث من المقرر ان تقام الجنازة الرسمية لمانديلا، وحضر كثيرون القداس في الكنائس وعلى رأسهم زعيم آخر لمقاومة الفصل العنصري كبير اساقفة كيب تاون السابق ديزموند توتو الذي قال انه صدم لوفاة مانديلا مثله مثل كل مواطني جنوب أفريقيا.

وقال توتو الذي قاد قداسا في كاتدرائية سان جورج الانجيلية في كيب تاون فلنقدم له هدية.. جنوب أفريقيا متحدة واحدة، وانهالت على جنوب أفريقيا برقيات التعازي في وفاة مانديلا الذي كان طريح فراش المرض طوال عام بسبب مشاكل في الرئة ترجع الى 27 عاما قضاها في سجون الحكومة العنصرية البيضاء كان أشهرها سجن جزيرة روبن، وأشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما برئيس جنوب افريقيا السابق ووصفه بانه زعيم ترك لبلده ميراثا من الحرية والسلام مع العالم، وفي كلمة القاها في البيت الابيض بعد قليل من إعلان وفاة مانديلا عن 95 عاما قال اوباما إنه حقق أكثر مما يمكن توقعه من أي رجل.

وأضاف قائلا ذهب هو اليوم إلى مثواه الاخير وخسرنا نحن أحد أكثر البشر تأثيرا وشجاعة ونقاء، ولطالما وصف أوباما -أول رئيس اسود للولايات المتحدة- مانديلا بانه مصدر إلهام شخصي له، وقال أوباما انا واحد من ملايين لا حصر لهم استمدوا الالهام من حياة نلسون مانديلا .. وككثيرين في انحاء العالم لا يمكنني مطلقا تصور حياتي الخاصة بدون النموذج الذي قدمه نلسون مانديلا وسأبذل كل ما في وسعي كي اتعلم منه ما حييت.

وأضافت المذيعة التلفزيونية الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري صوتها الى أصوات المعزين قائلة لطالما كان مانديلا بطلي.

وامتدح الرئيس الصيني شي جين بينغ رئيس جنوب افريقيا السابق وبعث برسالة عزاء إلى رئيس جنوب افريقيا اشاد فيها بمانديلا "لقيادته شعب جنوب أفريقيا في معركة شرسة حتى حقق النصر على التمييز العنصري، ونقلت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) عن شي قوله سيتذكر الشعب الصيني دوما مساهمة السيد مانديلا الرائعة في تطوير الروابط الصينية الجنوب افريقية وقضية التقدم الإنساني.

وقال فريدريك دي كليرك آخر رئيس أبيض لجنوب افريقيا يوم الخميس إن أكبر إنجازات مانديلا هو توحيد جنوب افريقيا والسعي الى المصالحة بين السود والبيض في عهد ما بعد سياسات الفصل العنصري، وقال دي كليرك الاخبارية عقب الاعلان عن وفاة مانديلا كان موحدا عظيما ورجلا فريدا جدا جدا في هذا المجال فوق كل شيء آخر فعله. هذا التركيز على المصالحة كان أكبر ميراث تركه. بحسب سي ان ان.

وقال جوزيف نكوسي (36 عاما) وهو حارس امن في جوهانسبرج أشعر كمن فقد أباه. فقدت من كان يرعاني. أي مواطن أسود بلا معارف يجد نفسه في وضع ضعيف، وأضاف مشيرا الى مانديلا باسمه القبلي الان بدون ماديبا أشعر انني ليس لدي فرصة. الغني سيزداد غنى وينسانا. الفقراء لا يعنون شيئا بالنسبة لهم. انظر الى زعمائنا السياسيين ليس من بينهم من هو مثل مانديلا، واوضح الاسقف الانغليكاني ديسموند توتو الحائز ايضا جائزة نوبل للسلام، في احد تصريحاته ان السنوات التي امضاها مانديلا في السجن هي التي حولته الى شخصية ملهمة.

وقال لقد خرج من السجن شخصا اعظم بكثير مما كان لدى دخوله (خرج) شخصا يتحلى بالرحمة، رحمة كبيرة حتى تجاه مضطهديه. لقد تعلم كيف يفهم هفوات البشر وضعفهم وبان يكون اكثر سخاء في حطمه على الاخرين، وبفضل اسلوبه الذكي في النقد الذاتي وانسانيته الواضحة، سحر مانديلا المعروف لدى محبيه باسم ماديبا الجماهير.

اشادة بشجاعته

واشاد عدد من قادة العالم بنلسون مانديلا الذي توفي الخميس عن 95 عاما، واعتبره الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مصدر الهام للعالم، وقال بان كي مون ان مانديلا كان مصدر الهام للعالم. واكد للصحافيين في مقر الامم المتحدة في نيويورك علينا ان نستلهم من حكمته وتصميمه والتزامه لنسعى الى جعل العالم افضل.

وفي بروكسل قال رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو انه يوم حزين، ليس لافريقيا وحدها بل للاسرة الدولية باكملها. نبكي وفاة واحدة من اعظم الشخصيات في عصرنا، اما رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز، فقد قال ان جنوب افريقيا فقدت اباها والعالم فقد بطلا. اشيد بواحد من اكثر الرجال انسانية في عصرنا.

واكد باروزو وشولتز ان نلسون مانديلا لم يلعب دورا اساسيا في التحول في جنوب افريقيا الى الشعب الديموقراطي الذي نراه اليوم بل يمثل المعركة ضد العنصرية والعنف السياسي وعدم التسامح. بحسب فرانس برس.

اما الرئيس الاسبق بيل كلينتون فقد وصف مانديلا ببطل الكرامة الانسانية والحرية. وقال ان التاريخ سيذكر مانديلا كبطل من اجل الكرامة الانسانية والحرية والسلام والمصالحة، واضاف بيل كلينتون نحن نعيش جميعا في عالم افضل بفضل مانديلا، واشادت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل بنلسون مانديلا معتبرة انه اسم ساهم الى الابد في المعركة ضد قمع شعبه.

من جهته، صرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان نورا كبيرا خبا. وقال على حسابه على تويتر ان نلسون مانديلا كان بطل عصرنا. وتابع طلبت تنكيس العلم امام مقر رئاسة الحكومة، بعد وفاة اول رئيس اسود لجنوب افريقيا.

وفي باريس، اشاد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بمانديلا معتبرا انه مقاوم استثنائي ومقاتل رائع. وفي بيان اصدره قصر الاليزيه، قال الرئيس الفرنسي ان مانديلا كان يجسد شعب جنوب افريقيا واساس وحدة وعزة افريقيا باكملها.

اما وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فقد رأى في مانديلا عملاقا كان يتمتع بحضور قوي وابا جنوب افريقيا. وقال في بيان مع نلسون مانديلا يرحل ابو جنوب افريقيا، عماد النضال من اجل الحرية المستعادة ومن اجل المصالحة.

وفي رام الله، نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس جنوب افريقيا السابق الذي وصفه بانه فقيد شعوب العالم اجمع وفقيد فلسطين الكبير الذي وقف معنا وكان اشجع واهم رجالات العالم الذين وقفوا معنا.

واضاف جمعتنا مع الزعيم الاممي مانديلا علاقات نضالية وتاريخية ستبقى راسخة الى الابد بين الشعبين الفلسطيني والجنوب افريقي، مؤكدا ان مانديلا قائدا ومقاتلا من اجل حرية شعبه وكان رمزا للتحرر من الاستعمار والاحتلال لكافة الشعوب من اجل حريتها، وتابع لن ننسى ولن ينسى الشعب الفلسطيني مقولته التاريخية حين قال ان ثورة جنوب افريقيا لن تكتمل اهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته.

وفي البرازيل، عبرت الرئيسة ديلما روسيف عن حزنها لوفاة مانديلا المثل الذي سيقود كل الذين يناضلون من اجل العدالة الاجتماعية والسلام في العالم. ووصف رئيس نيجيريا غودلاك جوناثان في برقية تعزية وجهها الى جنوب افريقيا ان مانديلا واحد من "اكبر المحررين في التاريخ" وايقونة للديموقراطية الحقيقية، اما الزعيم التاريخي لحركة تضامن البولندية ليش فاليسا، فقد وصف مانديلا بانه "رمز للنضال ضد الفصل العنصري والعنصرية".

واخيرا، قال ديزموند توتو احد اهم المناضلين ضد نظام الفصل العنصري ان مانديلا علمنا كيف نعيش معا ونؤمن بانفسنا وبكل واحد. واضاف ان مانديلا كان موحدا منذ ان خرج من السجن" في 1990.

عالم كرة القدم يبكي مانديلا

من جانب آخر بكى عالم كرة القدم المجتمع في البرازيل لسحب قرعة مونديال 2014 زعيم اول دولة افريقية استضافت كأس العالم عام 2010 رئيس جنوب افريقيا السابق نلسون مانديلا الذي توفي الخميس عن 95 عاما.

وقال الاسطورة البرازيلي بيليه في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر انه بطلي، صديقي ورفيقي في النضال من اجل قضايا الشعب والسلام في العالم، واضاف لنكمل دربه. لقد كان احد اكثر الاشخاص تأثيرا في حياتي، من جانبه، قال روماريو احد نجوم المنتخب البرازيلي السابقين من خلال نضاله ضد التمييز العنصري، ترك مانديلا خلال عبوره في هذا العالم درسا مذهلا في الانسانية، وكتب رونالدو النجم الاخر في المنتخب البرازيلي سابقا لقد غيرت العالم. شكرا.. ارقد بسلام، فيما كتب البرتغالي كريستيانو رونالدو شكرا لك على انجازك ومثالك، وستبقى دائما معنا.

وعبر رئيس الاتحاد الدولي (فيفا) السويسري جوزيف بلاتر عن حزنه العميق بعد وفاة نلسون مانديلا احد كبار فلاسفة زمانه، وقال بحزن عميق جدا، اقول وداعا لشخصية استثنائية، ربما هو احد كبار فلاسفة عصره. انه صديق ودود.

واشار بلاتر الى ان اعلام الدول ال209 ستنكس في مقر الفيفا في زيوريخ، وسيتم الوقوف دقيقة صمت في المباريات الدولية المقبلة، وتابع تشاركت القناعة مع نلسون مانديلا بالسلطة الاستثنائية لكرة القدم، انها رياضة قادرة على توحيد الناس بطريقة ودية وسلمية وعلى تعزيز العلاقات الاساسية الاجتماعية والتربوية كمدرسة في الحياة.

وختم قائلا عندما استقبل مانديلا بالتصفيق من قبل الجمهور في 11 تموز/يوليو 2010 في ملعب سوكر سيتي في جوهانسبرغ خلال نهائي المونديال، كقائد شعبي وصاحب قلب كبير، كانت تلك من احدى اللحظات الاكثر تأثيرا في حياتي. بالنسبة اليه، تنظيم المونديال كان حلما واصبح حقيقة. نلسون مانديلا سيبقى دائما في قلوبنا، من جانبه، قال الامين العام للفيفا جيروم فالكه ببالغ الاسى تلقينا نبأ وفاة مانديلا، ولا تسعفني الكلمات للاشادة برجل كان لي شرف اللقاء به.

محاربة الفصل العنصري

وفي الأطار الحقوقي فقد كان الابارتايد الذي ساهم نلسون مانديلا في تسريع سقوطه، عقيدة تهدف الى فرض تمييز عنصري صارم على المجتمع على كل المستويات وقد طبقت لفترة طويلة في جنوب افريقيا.

واصبحت سياسة الابارتايد، الكلمة التي تعني بلغة الافريكان تفريق الاشياء وتترجم عادة بالتنمية المنفصلة، نظاما مطبقا بشكل منهجي بعد فوز الحزب الوطني في انتخابات 1948.

والصورة التي ستبقى على الارجح في الاذهان عن هذه السياسة هي صورة اللوحات التي تخصص للبيض حصرا في المطاعم وكوات البريد والمراحيض والشواطئ... لكن البلاد بدأت اصلا عملية فصل بين الاعراق منذ المستوطنين الهولنديين الاوائل الذين اقاموا سياجا من اشجار اللوز لحماية الكاب من السكان الاصليين في القرن السابع عشر.

واجبر الهوتنتو، احد شعوب المنطقة، على الحصول على تصريح خاص للتنقل اعتبارا من 1797 بينما ابعدت مدينة مثل جوهانسبرغ منذ تأسيسها في 1886 سكانها السود الى احياء واقعة في اطرافها، وقد عاش غاندي الذي امضى اكثر من عشرين عاما في جنوب افريقيا هذه التجربة عندما طرد من عربة للدرجة الاولى في قطار مخصصة للبيض عند وصوله عام 1893، وفي تجاهل كامل لابنائها السود، ولدت جنوب افريقيا المعاصرة في 1910 من اتحاد بين بيض ضم اسياد البلاد الانكليز والافريكان (او بورز) احفاد المستعمرين الهولنديين.

ورد بعض السود بانشاء المؤتمر الوطني الافريقي الحزب الذي قاده نلسون مانديلا في وقت لاحق. الا ان هؤلاء لم يتمكنوا من منع تبني سلسلة قوانين تعزز الفصل العنصري في العقدين الثاني والثالث ومن بينها منع السود من شراء اراض خارج المحميات الفقيرة والضيقة ومن مزاولة بعض المهن.

والعملية اصبحت منهجية في 1948 بعد فوز الحزب الوطني، الحركة التي تجاهر بعنصريتها وتريد حماية مصالح الافريكان من الخطر الاسود الذي اختلط بسرعة بالخطر الاحمر الشيوعي في اجواء الحرب الباردة، مما جعل الغرب يتعاطف معها بينما سلكت دول باقي افريقيا طريق ازالة الاستعمار مرسية في غالب الاحيان نظاما اشتراكيا.

وسرعان ما امتد مفعول ترسانة الاجراءات التي اتخذها قادة البلاد المتأثرون بالايديولوجية النازية والمقتنعين بانهم ممثلو الله، ليشمل جميع اوجه حياة سكان جنوب افريقيا وصولا الى غرف نومهم حتى.

فقد منع قانون اول الزواج بين الاعراق (1949) ثم العلاقات الجنسية بين اشخاص من اعراق مختلفة (1950)، ويقوم هذا النظام على قانون عرف بقانون تسجيل السكان (1950) وقد صنف السكان في اربع فئات او اعراق بحسب لون بشرتهم وهي البيض والهنود والخلاسيون والسود، محددا بذلك كل اوجه حياتهم، من المهد حتى اللحد.

وارسى قانون حول السكن المنفصل (قانون مناطق المجموعات) في 1950 الفصل في الاماكن واصبح كل شبر في المدينة مخصصا لهذا العرق او ذاك، وبذلك ازيلت احياء باكملها مثل صوفياتاون في جوهانسبرغ والمنطقة السادسة (ديستريكت 6) في الكاب بينما ابعد السكان السود الى ابعد ما يمكن، في مدن صفيح.

وطرد حوالى 3,5 ملايين شخص بالقوة بسبب نظام الفصل العنصري اذ تمت مصادرة احيائهم او مزارعهم لتمنح الى البيض.

لكن مدن الصفيح لم تكن سوى اماكن اقامة موقتة للسود اذ لم يكن الامر يتوقف على تحويلهم الى مواطنين من الدرجة الثانية، بل كانوا يصبحون تاليا غرباء في ارضهم يحملون جنسية معزل مخصص لاثنيتهم، وهذه الدويلات التي تقوم على تقسيم جغرافي اعتباطي، لم تعترف به الاسرة الدولية يوما، وكان على السود ان يحملوا معهم دائما تصريح مرور يثبت ان لديهم عملا في منطقة للبيض. ولم يكن يحق لهم سوى تلقي "تعليم في المعزل" بدائي ولا يكفي لشغل وظائف رفيعة قد يطمحون لها، يبقى ان سلطات البيض لم تنجح يوما في التوفيق بين رغبتها في التخلص من السود واعتمادها على اليد العاملة السوداء باسعارها الزهيدة.

ودفعت حركات العصيان التي قام بها السود بقيادة المؤتمر الوطني الافريقي والضغوط التي مارستها الاسرة الدولية -- التي عزلت تدريجيا جنوب افريقيا -- والصعوبات الاقتصادية، بريتوريا الى الغاء القوانين العنصرية الوحد تلو الآخر اعتبارا من الثمانينات، وزالت العنصرية فعليا مع الانتخابات المتعددة الاعراق في 1994 ووصول نلسون مانديلا الى السلطة، لكن خطوط التقسيم القديمة ما زالت واضحة في الحياة اليومية لسكان جنوب افريقيا حيث لا تزال الاشارة الى الاعراق امرا شائعا.

مسيرة كفاح

كان مانديلا أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، انتخب في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق. ركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية. سياسيا، هو قومي أفريقي وديمقراطي اشتراكي، شغل منصب رئيس المؤتمر الوطني الأفريقي في الفترة من 1991 إلى 1997. كما شغل دوليا، منصب الأمين العام لحركة عدم الانحياز 1998-1999.

ولد في قبيلة الكوسا  للعائلة المالكة تيمبو. درس مانديلا في جامعة فورت هير وجامعة ويتواترسراند، حيث درس القانون. عاش في جوهانسبورغ وانخرط في السياسة المناهضة للاستعمار، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وأصبح عضوا مؤسسا لعصبة الشبيبة التابعة للحزب. بعد وصول الأفريكان القوميين من الحزب الوطني إلى السلطة في عام 1948 وبدأ تنفيذ سياسة الفصل العنصري، برز على الساحة في عام 1952 في حملة تحد من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وانتخب رئيس لفرع حزب المؤتمر الوطني بترانسفال وأشرف على الكونغرس الشعبي لعام 1955. عمل كمحام، وألقي القبض عليه مرارا وتكرارا لأنشطة مثيرة للفتنة، وحوكم مع قيادة حزب المؤتمر في محاكمة الخيانة 1956-1961 وبرئ فيما بعد. كان يحث في البداية على احتجاج غير عنيف، وبالتعاون مع الحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا شارك في تأسيس منظمة اومكونتو وي سيزوي المتشددة في عام 1961، ألقي القبض عليه واتهم بالاعتداء على أهداف حكومية. وفي عام 1962 أدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكمت عليه محكمة ريفونيا بالسجن مدى الحياة.

مكث مانديلا 27 عاما في السجن، أولا في جزيرة روبن آيلاند، ثم في سجن بولسمور وسجن فيكتور فيرستر. وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه، الأمر الذي تحقق في عام 1990 وسط حرب أهلية متصاعدة. صار بعدها مانديلا رئيسا لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ونشر سيرته الذاتية وقاد المفاوضات مع الرئيس دي كليرك لإلغاء الفصل العنصري وإقامة انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994، الانتخابات التي قاد فيها حزب المؤتمر إلى الفوز. انتخب رئيسا وشكل حكومة وحدة وطنية في محاولة لنزع فتيل التوترات العرقية. كرئيس، أسس دستورا جديدا ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. استمر شكل السياسة الاقتصادية الليبرالية للحكومة، وعرضت إدارته تدابير لتشجيع الإصلاح الزراعي ومكافحة الفقر وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية. دوليا، توسط بين ليبيا والمملكة المتحدة في قضية تفجير رحلة بان آم 103، وأشرف على التدخل العسكري في ليسوتو. امتنع عن الترشح لولاية ثانية، وخلفه نائبه تابو إيمبيكي، ليصبح فيما بعد رجلا من حكماء الدولة، ركز على العمل الخيري في مجال مكافحة الفقر وانتشار الإيدز من خلال مؤسسة نيلسون مانديلا.

أثارت فترات حياته الكثير من الجدل، شجبه اليمينيون وانتقدوا تعاطفه مع الإرهاب والشيوعية. كما تلقى الكثير من الإشادات الدولية لموقفه المناهض للاستعمار وللفصل العنصري، حيث تلقى أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام 1993 وميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية ووسام لينين من النظام السوفييتي. يتمتع ماندبلا بالاحترام العميق في العالم عامة وفي جنوب أفريقيا خاصة، حيث غالبا ما يشار إليه بإسمه في عشيرته ماديبا أو تاتا ، وفي كثير من الأحيان يوصف بأنه أبو الأمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/كانون الأول/2013 - 5/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م