أمريكا في أسيا... إعداد لحرب أم تطويق للصين؟

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن تصاعد التوترات الدبلوماسية والسياسية بين الصين واليابان مع حليف الأخير - الولايات المتحدة الأمريكية - بسبب النزاع على جزر الواقعة في بحر الصين الشرقي، قد تؤجج صراعا نشطنا في معظم الدول الإقليمية الأخرى، حيث باتت الخلافات بينها خطرا محتدما ربما يهدد استقرار القارة الصفراء برمتها.

وبينما يتفاقم نزاع مع اليابان حول سيادة على جزر، كشفت الصين بعد إعلان بكين عن منطقة للدفاع الجوي فوق بحر الصين الشرقي، فيما أكدت طوكيو أنها لن توقف عملياتها الجوية والبحرية في المنطقة التي تتنازع الدولتان السيادة عليها، مما يبرز تصاعد القلق الاسيوي إزاء المخاطر الأمنية الإقليمية، في حين يرى الكثير من المراقبين ان اليابان تعد الذراع الايمن للولايات المتحدة في المنطقة المخاصمة للصين وكوريا الشمالية، لذا باتت اليابان تستشعر مخاطر احاطتها بالاعداء من كل الجهات في تلك المنطقة، مما يثير مخاوف كبيرة من حدوث حرب على وشك الانفجار، يعتقد  العالم أن حدوثها من غير المحتمل أن يحصل على المدى القريب.

إذ يرى اغلب المحللين ان تصاعد لهجة الحرب الكلامية المستعرة خلال الاونة الأخيرة بين طرفي الصراع الصيني والامريكي، يظهر النوايا المبيتة والرهانات شبة الحتمية لإثبات الوجود العالمي، فعلى الرغم من استمرار التعاون الاقتصادي بين البلدين والاستثمار التجاري العملاق، الا ان التدخلات والتحركات الأمريكية في القارة الصفراء مؤخرا، أججت الصراع بين أقوى اقتصاديين في العالم، فربما تريد امريكا تطويق الصين، خصوصا بعدما بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة من العالم، من بينها القارة الأفريقية، وأمريكا اللاتينية، بل امتد أيضاً إلى بعض المناطق في القارة الأوروبية، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين يرون أنه حتى تصبح الصين قوة عظمى حقيقية، فإن نفوذها الخارجي لا يجب أن يقتصر فقط على القطاعات الاقتصادية، بل ينبغي أن يتضمن أيضاً وجوداً عسكرياً ملموساً يؤثر في الأحداث والتطورات السياسية الجارية، في حين إشارات تقارير عسكرية بأن الصين الان هي ثاني أكبر دولة تنفق على الدفاع في انحاء العالم، الصين تنتهج اليوم سياسية جديد في المجال، فهل تستغل ذلك لصعود على عرش العالم وسط تطور اقتصادي كبير حول العالم؟.

بينما يجمع العديد من المحللين على ان اهتمامات اوباما وتوجهاته في السياسة الخارجية ستتجه الى القارة الآسيوية بدلا من منطقة الشرق الاوسط التي يخسر فيها اوباما استثمارات سياسية كبيرة، وعليه اذا استمر الوضع على حاله، ستجري احتكاكات ومواجهات بين الصين واليابان وحتى توتر في الجو على غرار ما حدث خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وهذا الامر يشير الى أن تكون هناك صفقات سياسية بين الدول الكبرى المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان الشرق اسيا، بهدف إعادة ترتيب الأوضاع بالمجال السياسي في بلدان تلك المنطقة، مما ينذر ببواعث خطر نشوب حرب مفترضة بين الاطراف المتخاصمة.

توتر آسيوي

في سياق متصل تصاعدت حدة التوتر بين الصين واليابان، بعد إعلان بكين عن منطقة للدفاع الجوي فوق بحر الصين الشرقي، فيما أكدت طوكيو أنها لن توقف عملياتها الجوية والبحرية في المنطقة التي تتنازع الدولتان السيادة عليها.

وتقوم قوة الدفاع الذاتي اليابانية بتسيير دوريات استطلاعية لسفنها وطائراتها الحربية في مياه وأجواء بحر الصين الشرقي، قبل أن تعلن الصين عن منطقة جديدة للدفاع الجوي تشمل معظم مساحة بحرها الشرقي، بحسب ما أكد سكرتير الحكومة اليابانية، يوشيدا سوغا، وقال المسؤول الياباني في تصريحات له بالعاصمة طوكيو: "ليس لدينا أي نية لتغيير هذه العمليات بناءً على رغبة الصين"، وتابع بقوله: "في كافة الأحوال، سنواصل عمليات الاستطلاع ودورياتنا بتصميم أكبر، لضمان حماية أراضينا ضد محاولة الصين الأحادية، لفرض أمر واقع جديد بالقوة"، ولا تقف اليابان بمفردها في مواجهة قرار الصين بفرض منطقة دفاع جوي جديدة في أجواء البحر الشرقي، والتي أثارت توترات متزايدة في منطقة شرق آسيا، حيث قامت قاذفتان أمريكيتان من طراز "بي 52" بالتحليق في أجواء المنطقة، ضمن ما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تدريبات عسكرية جرى التخطيط لها مسبقاً. بحسب السي ان ان.

وخلال اتصال هاتفي جرى، أبلغ وزير الدفاع الياباني إتسونوري أونوديرا، نظيره الأمريكي، تشاك هاغل، بأن منطقة الدفاع الجوي التي حددتها الصين مؤخراً "غير مقبولة على الإطلاق"، معتبراً أنها تغطي المجال الجوي فوق جزر "سينكاكو" المتنازع عليها بين الدولتين.

وبينما شدد أونوديرا على أن اليابان سترد "بشكل صارم" على أي خرق لمجالها الجوي، فقد أكد هاغل أن العمليات العسكرية الأمريكية لن تتغير هي الأخرى نتيجة للقرار الصيني، وفق ما نقل تلفزيون NHK الياباني الرسمي، في تقرير له.

من جهتها قالت الصين أنها "راقبت" مسار قاذفتين أمريكيتين من طراز بي-52 في منطقة دفاع جوي استحدثتها بكين بشكل أحادي الجانب في منطقة متنازع عليها فوق بحر الصين الشرقي، وتشمل جزر سنكاكو، الأرخبيل الخاضع إداريا لليابان لكن الصين تطالب به تحت اسم دياويو، واعتبر البيت الأبيض من جهته هذه الخطوة "تصعيدية" فيما اشتدت اللهجة بين طوكيو وبكين واستدعت كل منهما سفير البلد الآخر، واستدعت أستراليا من جهتها أيضا السفير الصيني للاحتجاج على هذا التدبير الجديد الذي اتخذته بكين التي تقلق مطامحها البحرية منطقة آسيا-المحيط الهادىء.

قلق واشنطن

في حين ابدت الولايات المتحدة "قلقها الشديد" ازاء اعلان بكين اقامة منطقة دفاع جوي الا انها اكدت ان القوات الاميركية مستمرة في العمل "بشكل عادي" بعد ان امرت الصين بتحليق عاجل لطائراتها لمراقبة طائرات اميركية ويابانية دخلت المنطقة، واعلنت وزارة الخارجية الاميركية "اننا لا نزال قلقين للغاية من اعلان الصين في 23 تشرين الثاني/نوفمبر بشأن منطقة تحديد هوية الطيران في بحر الصين الشرقي"، كذلك اشارت الخارجية الاميركية في بيان الى ان "حرية التحليق والاستخدامات الاخرى المتوافقة مع القوانين الدولية للمجالات الجوية والبحرية امر ضروري للازدهار والاستقرار والامن في المحيط الهادئ".

من جهته لفت البنتاغون الى ان الطائرات العسكرية الاميركية ستواصل عملها في المنطقة الجديدة المتنازع عليها، وقال الكولونيل ستيف وارن المسؤول الاعلامي في البنتاغون "لدينا رحلات تجتاز المجال الجوي الدولي فوق المحيط الهادئ، بما يشمل المنطقة التي ضمتها الصين"، واضاف "هذه الرحلات تنسجم مع السياسات الاميركية المعروفة منذ زمن طويل بشأن حرية التجوال والمطبقة في اماكن عدة من العالم"، وتابع "استطيع ان اؤكد ان الولايات المتحدة تعمل وستستمر في العمل بشكل طبيعي في المنطقة". بحسب فرانس برس.

وبشأن الرحلات الجوية المدنية، قالت الخارجية الاميركية انها تتوقع من شركات الطيران الاميركية احترام التعليمات التي تقدمها الدول المعنية، في تلميح الى ان الولايات المتحدة لن تعترض على تدخل الصين في مواجهة اي طائرات تدخل منطقة الدفاع الجوي المثيرة للجدل، الا ان هذا القرار "لا يعني موافقة الحكومة الاميركية على مطالب الصين للعمل في منطقة الدفاع الجوي التي تم الاعلان عنها مؤخرا"، وفق المصدر نفسه.

وكانت وكالة انباء الصين الجديدة نقلت في وقت سابق عن المتحدث باسم سلاح الجو الصيني شين جينكي ان "امرا صدر لعدد من الطائرات بالتحليق للتحقق من هويات" طائرات اميركية ويابانية دخلت المجال الجوي الدفاعي الذي اعلنته الصين، واضاف شين ان الطائرات الصينية ومن بينها مقاتلتان على الاقل، حددت هوية طائرتي استطلاع اميركيتين وعشر طائرات يابانية من بينها طائرة اف-15، ورفض المتحدث الاميركي التعليق على ذلك.

وكانت السلطات الصينية اعلنت بشكل احادي عن اقامة منطقة تحديد طيران وتشمل قسما كبيرا من بحر الصين الشرقي بين كوريا الجنوبية وتايوان وتضم بالخصوص ارخبيلا صغيرا تديره اليابان وتسميه جزر سنكاكو وتطالب به الصين بقوة وتطلق عليه اسم دياويو، وكانت كوريا الجنوبية واليابان اعلنتا انهما تحدتا هذه المنطقة التي اعلنتها الصين مؤخرا وعبرتا بذلك عن موقف موحد ازاء هذه الخطوة بعد تحليق قاذفتين اميركيتين من طراز بي-52 في القطاع نفسه.

حيث اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان الولايات المتحدة "قلقة للغاية" ازاء اقامة الصين "منطقة دفاع جوي" في بحر الصين الشرقي يتضمن ترسيمها جزرا تخضع للسيطرة اليابانية، وحذر كيري الموجود حاليا في جنيف للمشاركة في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الايراني، في بيان ان "هذا القرار الاحادي (من جانب الصين) يمثل محاولة لتغيير الوضع القائم في بحر الصين الشرقي.

وتابع كيري "نطالب فورا الصين بعدم تنفيذ تهديدها باتخاذ تدابير ضد طائرات لا تكشف هويتها او تنصاع لاوامر صادرة عن بكين"، مشيرا الى "اننا حضينا الصين على التزام الحذر وضبط النفس، ونتشاور مع اليابان واطراف اخرين معنيين في المنطقة" بمنطقة الدفاع الجوي الصينية.

اليابان هي الهدف الرئيسي

من جهة أخرى قالت صحيفة صينية رسمية ان اليابان يجب ان تكون "الهدف الرئيسي" في منطقة الدفاع الجوي الجديدة التي اعلنتها بكين، مشيرة الى ان تصاعدا في التوتر يمكن ان يؤدي الى "حرب باردة".

وكتبت صحيفة غلوبال تايمز المعروفة بنزعتها القومية "علينا ان نتخذ بلا تردد اجراءات مضادة مناسبة عندما ترفض اليابان الامتثال لمنطقة الدفاع الجوي التي قررتها الصين"، وكانت سيول وطوكيو اعلنتا انهما تحدتا منطقة الدفاع الجوي التي اعلنتها الصين مؤخرا وعبرتا بذلك عن موقف موحد ازاء هذه الخطوة بعد تحليق قاذفتين اميركيتين من طراز بي-52 في القطاع نفسه، وقالت الصحيفة في افتتاحيتها ان موقف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يمكن تجاهله لان اليابان "هي الهدف الرئيسي" في منطقة الحظر الجوي.

وتابعت "اذا لم تذهب الولايات المتحدة بعيدا جدا، فلن نستهدفها في حماية منطقتنا للدفاع الجوي. ما علينا ان نفعله الآن هو تطويق كل التحركات الاستفزازية لليابان بحزم"، وقالت غلوبال تايمز ان الانتقادات التي عبرت عنها استراليا ايضا "يمكن تجاهلها في الوقت الحالي" لان البلدين، استراليا والصين، "ليس بينهما خلافات حقيقية"، كما ان بكين "ليست بحاجة لتغيير موقفها حيال سيول".

وتطالب الصين الطائرات بتقديم مسار رحلاتها واعلان جنسيتها والابقاء على اتصال لاسلكي في الاتجاهين، او "مواجهة اجراءات طارئة"، وقال ناطق باسم الجيش الصيني شين جينكي في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الرسمية الصين الجديدة ان مقاتلات صينية قامت بدوريات روتينية جوية في المنطقة، مؤكدا انها "خطوة دفاعية مطابقة للاجراءات الدولية العادية".

الصين تحتج على انتقاد امريكا واليابان

من جهتها قالت وزارة الدفاع الصينية انها سلمت سفارتي الولايات المتحدة واليابان في الصين احتجاجين رسميين بعد ان انتقدت الدولتان خطة صينية لفرض قواعد جديدة في المجال الجوي فوق مياه متنازع عليها في بحر الصين الشرقي، واضافت الوزارة ان هذه الانتقادات ليس لها اساس ولا تتسم بالمسؤولية ودعت الولايات المتحدة الى الكف عن التحيز في النزاع مع اليابان حول مجموعة من الجزر غير المأهولة في بحر الصين الشرقي.

وحذرت بكين من انها ستتخذ "اجراءات دفاعية طارئة" ضد الطائرات التي تحجم عن الكشف عن هويتها اثناء طيرانها في المجال الجوي فوق الجزر مما دفع واشنطن وطوكيو الى انتقاد هذه الخطوة بحدة، وقالت الصين ان القواعد الجديدة لن تؤثر على "العمليات العادية" للرحلات الجوية الدولية. وقالت عدة شركات طيران اسيوية اتصلت بها رويترز ان رحلالتها لن تتأثر، وقالت وزارة الدفاع الصينية ان ذلك يقع في نطاق حق الصين في انشاء هذه المنطقة، وقال متحدث باسم الوزارة ان "تصريحات اليابان غير مبررة والصين لا يمكن ان تقبلها ابدا.

وقال المتحدث الصيني ان خطوة الصين تتفق مع ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي، واضاف انه يجب على الولايات المتحدة عدم التحيز لطرف في النزاع والكف عن اصدار "تصريحات غير مسؤولة" بشأن منطقة المجال الجوي الجديدة.

طوكيو وسيول

الى ذلك اعلنت سيول وطوكيو انهما تحدتا منطقة الدفاع الجوي التي اعلنتها الصين مؤخرا وارسلتا طائرات الى المنطقة من دون ابلاغ السلطات الصينية التي اعلنت الجمعة بدورها ارسال مقاتلات، وقامت الطائرات الصينية بطلعات جوية روتينية في "تدبير دفاعي ومتلائم مع الممارسات الدولية الاعتيادية"، وفق ما اعلن المتحدث باسم سلاح الجو في جيش التحرير الشعبي الصيني في تصريحات لوكالة انباء الصين الجديدة.

واضاف شن ان سلاح الجو الصيني سيبقى في حال تأهب معززة وستتخذ تدابير لم يعلن عنها لحماية المجال الجوي الصيني، زاد تحليق طائرات يابانية وكورية جنوبية الضغط على النظام الشيوعي اذ اشارت الصحافة الصينية الى ان بكين لا ترضخ بتاتا "للحرب النفسية".

وفي الوقت نفسه، تواجه السلطات الصينية ضغوطا داخلية للرد بحزم على توغلات الطائرات في المنطقة التي اعلنت الاسبوع الماضي وتشمل جزرا متنازعا عليها مع اليابان، وتطالب الصين الطائرات بتقديم مسار رحلاتها واعلان جنسيتها والابقاء على اتصال لاسلكي في الاتجاهين، او "مواجهة اجراءات طارئة"، لكن الجيش الكوري الجنوبي اعلن ان طائراته حلقت في منطقة الدفاع الجوي بدون ابلاغ الصين، وحلقت هذه الطائرات في اطار تدريب عسكري دوري حول منطقة صغيرة تابعة لكوريا الجنوبية تحمل اسم ايودو وشكلت مصدر توتر دبلوماسي باستمرار مع الصين، وقال ناطق باسم وزارة الدفاع الكورية الجنوبية "لم نبلغ الصين".

وصدر اعلان مماثل عن خفر السواحل الياباني الذي قال الناطق باسمه ياسوتاكا نوناكا "لم نغير عملياتنا العادية للدوريات في هذه المنطقة ولم نبلغ الصين بخطط رحلاتنا". واضاف "لم نواجه اي مطاردة صينية"، وجاء تحليق هذه الطائرات غداة اعلان مسؤولين اميركيين ان قاذفتين من طراز بي-52 حلقتا في المنطقة المثيرة للجدل الاثنين، موضحين ان الطائرتين اللتين لم تكونا مجهزتين بسلاح قامتا بمهمة بدون تبليغ مسبق للسلطات الصينية بمسار رحلتهما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/كانون الأول/2013 - 4/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م