الوجه والمرآة في السياسة العراقية

الناخب والمنتخب ناظرا ومنظورا اليه

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في المخيال العربي والاسلامي، السياسة فعل كلام واصغاء.. السياسي يتكلم، والمسوس يصغي اليه.. والكلام أمر، والامر قوة، والقوة وليدة السلطة.. انها بيدها وهي تحتكرها لوحدها. الكلام –سلطة، ومنه عرفنا سلطة الكلام.. خليفة المسلمين هذا، وهذا ولي عهده، والمخالف له سيفي.

عبارات موجزة، اعتبرها اللغويون في الذروة من ايجاز (الخطاب– الكلام) وبلاغته.. ترسيخ الشرعية، تهديد، ووعيد، وقوة. السيف اداة للشرعية.

الكلام كشف عن حقيقة او اضمار لها، والبصر والسمع في السياسة، شاهدان على الكشف او الاضمار.. متى اضع العمامة تعرفوني.. ننتقل الى مستوى اخر.

كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. شيد المخيال العربي والاسلامي، قاعدة سياسته على الرعي والراعي والعصا التي (تؤشر- توجه) للدروب التي يسلكها القطيع.. ماذا لو كان اسلافنا قد قرأوا (راع) وتلوناتها (رعي – رعايا - رعية) بصورة اخرى هي ( عار) وتلوناتها (عري – عرايا - عراة) لنخرج الى مدارات اخرى من المعاني، كلنا عرايا (في حقيقتنا، حقيقة وجودنا) نستر عري بعضنا (نقائصنا – اطماعنا)، ونتشارك مسؤولية الكشف والستر. حينها هل ستكون السياسة عندنا غير ماهي عليه الان؟.

مجرد وجهة نظر..

الاستبداد هو الانفراد دون وجه حق.. والانفراد يتضمن معنى نفي الاخر، وعدم الاعتراف به.

الطغيان مجاوزة القدر أو الحد.. الطغيان هو تجاوز الاستبداد السياسي للحد الفاصل بين الخاص والعام.

الطغيان صفة ملازمة للاستبداد، سواءا تم بالترهيب او الترغيب، الغرب بقوته المستبدة على الاخرين، اسس لقاعدة اخرى، الجزرة للمطيعين، والعصا للتأديب.. ثلاثية (العنف – القهر – الجبر) هي وسائل المستبد التي يقوم بها لترسيخ استبداده.

السلطة السياسية في عمق دلالتها تفيد الحق في الامر، وهو حق نابع ومؤسس على علاقة تراض وقبول بين طرفين، ( الآمر والمأمور). الاستبداد هو تجريد (الامر) من الحق الذي يؤسسه، ومن ثم تحويل السلطة الى سيطرة، وعلاقة الامر والطاعة الى علاقة اكراه واذعان..

الاستبداد يقوم بتحويل العلاقات بين افراد المجتمع من علاقات تحكمها وتنظمها قوة الحق الى علاقات يضبطها مجرد القوة.

والاستبداد باعتباره علاقة قوة مجردة من كل حق يقوم في مبدئه على الغلبة والاستيلاء، اي انتزاع الحكم والقبض عليه من دون تفويض من المجتمع او ضد ارادته. الحاكم المستبد، يستبد على شعبه من حيث لايشعرون، انه يستعمل استبداده الرمزي.

الاستبداد الرمزي مجموعة من العلامات التي تخضع لطبيعة التفكير في المجتمع..

رمز: اوحى واشار، وهو علامة تدل على معنى له وجود قائم بذاته تقوم بتمثيله وتحل محله.

الرمز اشارة معناها شيء متفق عليه وهو معنى لا ينبغي ان نعرفه الا اذا عرفنا انه قد اتفق عليه. وهنا شرطان: الاتفاق على شيء، والاقرار بالاتفاق على معناه.

الرمز يشتمل على الاصوات والكلمات والاشارات والحركات.

تستخدم السلطة تلك العلامات لإضفاء الشرعية على نفسها.. يجب التفريق بين الاستبداد التقليدي، ويعني انفراد شخص ما بالسلطة وطغيانه على من هم دونه في امتلاك القوة وانتهاكه للقوانين. وهو مرئي يراه ويعيه الفرد والمجتمع بوضوح.

والاستبداد الرمزي، يستثمر العلامات بكافة اشكالها والتي لا تقتصر على الصور واللافتات بل تتعداها الى النظم والانساق الاجتماعية والشخصيات والاحداث وكل ما من شانه ان يؤول لغرض انتاج المعنى في المجتمع.

ولا تنحصر في الانسان الفرد، كالحاكم او المسؤول الاداري، بل تتعداه الى استبداد جماعة على اخرى، واستبداد المجتمع على الفرد والجماعة. تلك بعض المداخل التي نفتحها للنظر الى ما يجري في العراق.

لماذا لا يؤسس التذمر المجتمعي لقاعدة تغييرية عريضة في المجتمع؟، ونعلم ان كل بداية للتغيير هي التذمر، والحلم بواقع جديد لا نتذمر منه، لماذا ننتخب من ننتخبهم ثم نلعنهم؟

لا نعرفهم ام اننا ننتخب انفسنا، ثم نشكو منها واليها، ونلعنها؟.

في البيت وفي المدرسة وفي الدائرة وفي الشارع، كلنا وجوه ومرايا لا نفسنا وللاخرين.. الوجه (يستبد – يخالف – يعتدي – يسلب – يقصي – ينفي) والمرآة رجع صور لتلك الوجوه وافعالها..

احيانا لشدة التشابه لانفرق بين الوجه والمرآة.

الوجه – المعارض، لا يكف عن معارضة الوجه – المعارض، وحين يتم الانتقال بين الناظر والمنظور اليه، لايرى نفسه ويراه الاخرون، والنظر مستمر.. الوجه لا يملك غير ملامحه، لكنه يعتدي ويتعدى على وجوه الاخرين، الاخرون يفعلون مثله.

للوهلة الاولى، يبدو ان الاستبداد السياسي في العراق (استبداد الفرد الواحد) قد رحل من المشهد السياسي منذ العام 2003، لكن العكس هو الصحيح، رحل باسمائه لكنه بقي في رموزه وعلاماته، او ان رموزا وعلامات جديدة قد ظهرت على سطح هذا المشهد، وهي رموز وعلامات فاعلة ومتجذرة في الثقافة والاجتماع، قبل السياسة وعلاقات القوة والسلطة والحق في الامر، التي تشير اليها..

ما هي ابرز السلطات الناشبة في الواقع العراقي اليوم؟

سلطة العشيرة وتستند الى الانتماء.

سلطة الدين وتستند الى الولاء.

سلطة رئيس الدولة والزعيم السياسي وتستند الى الولاء والانتماء.

لعل الثالثة هي اخطرها، فهي تجمع بين سلطة (العشيرة – الدين – الزعيم)..

لمن يصوت العراقي اليوم وغدا؟.

الى واحدة من تلك السلطات، التي يرى صورته من خلالها مرتدة اليه..

الانتخابات القادمة سيفوز بها من تذمر سابقا، وينسحب من كان محل تذمر منه، ليتذمر اخرون جدد، لا يملكون غير التذمر والشكوى، حتى حين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/كانون الأول/2013 - 3/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م