تتناهى الى اسماعنا كل يوم عبر وسائل الاعلام أخبار استقالات بعض
موظفي قناة الجزيرة لدرجة بتنا نتوقع، مع هذا الكم والنوع من
الاستقالات، خبر جديد يتعلق باستقالة موظف آخر في اي ساعة يشهد فيها
عالمنا العربي هذا الحراك الجماهيري الخطير الذي آلــ، لكل اسف، وعلى
نحو غير معقول، الى نهايات مأساوية تحولت فيها دولا مستقرة، تحكمها
انظمة غير ديمقراطية، الى بقايا بل شظايا دول يسودها التفتت البنيوي
ويغمرها التفكك الاجتماعي ويقودها الانفلات الامني وتصبح وتمسي على
سماع ازيز الرصاص.
وفي خضم كل هذه السيناريوهات التي تجري في عالمنا العربي، كان
الاعلام حاضرا بقوة في حيثيات هذا المشهد العربي وتفاصيله الدقيقة من
خلال مساهمته في صنع وتشكيل وتغيير بعض معالم هذا المشهد وعلى اصعدته
السياسية والاقتصادية والامنية كافة، بل اصبح هذا الاعلام، بأشكاله
المتعددة ومظاهره المتنوعة، يتلاعب بالحقائق ويزيفها ويُشرعن الباطل
ويمنحه بعدا قانونيا!.
والاعلام العربي الذي رافق هذه الثورات والتغييرات التي اجتاحت
عالمنا في السنوات الاخيرة لم يكن بعيدا عن هذه التهم والافتراءات، كما
هو دائما منذ لحظة تدشين وتأسيس اغلب مؤسساته، اذ اتخذت اغلب تلك
الوسائل، ومنها قناتي الجزيرة والعربية، موقفا اعلامية تجاه تلك
الثورات بعيدة كل البعد عن اي اساس موضوعي مهني او من اجل مصالح
ومتطلبات وحقوق تلك الشعوب الذي عانت نير طغيان حكامها وكانت تتطلع لغد
مشرق ومستقبل وردي لكن سرعان ما اصطدمت بهول الحقيقة ورعب النتيجة!
ومفارقات ما آلت اليه ثوراتهم الشبابية التي قطف ثمارها شيوخ الارهاب
والفتنة والتطرف!.
رد الفعل الحقيقي تجاه هذه القنوات، ونحن نتحدث عن الجزيرة خصوصا،
لم يكن من خلال انكشاف وجهها الحقيقي بالنسبة للشعوب العربية فحسب، بل
كان الرد تجاهها داخليا صدر من داخل مؤسستها متمثلا في استقالة بعض
موظفيها بسبب عدم رضائهم وتقبلهم سياسة الجزيرة في تغطيتها لاخبار مصر
بعد اسقاط الرئيس الاخواني محمد مرسي وازاحته عن الحكم.
21 استقالة تضرب مصداقية "الجزيرة"...تلك هو العنوان الابرز الذي
اختصر ماحدث لهذه القناة كرد فعل، لانتردد في منح صفة وطني له، لسياسات
القناة في التعامل مع الاحداث المصرية المتمثلة بعدم حياديتها "
وقيامها بشكل مخطط ببث الفتنة بين المواطنين، ومخالفاتها المهنية ببث
أخبار ولقطات مزيفة، وتوجيه العاملين بها لعرض أي أخبار وحوارات وصور
لصالح تنظيم الإخوان، وانتقاء رسائل نصية توضح ضخامة مؤيدي الرئيس
المعزول محمد مرسي خلافا للواقع، واستضافة شخصيات محددة معارضة لثورة
يونيو، وتلقين العاملين لإذاعة كلام بعينه على الهواء مباشرة " على حد
تعبير محمد عوض الذي تحدث عن هذا الموضوع بالعنوان الذي ذكرته اعلاه.
خبر الاستقالة " المحرج للقناة " يبعث برسائل ودلالات ايجابية تمتلئ
بالتفاؤل لدينا حول وجود هكذا شخصيات اعلامية اشترت نفسها من اجل وطنها
وشعبها ومهنيتها ولم تبعها رغما عن جميع المغريات المادية والوجاهة
والمنصب والامتيازات التي تنتظر مستقبل هؤلاء في عملهم في قناة الجزيرة
التي تُدرك تماما ان لديها القدرة على ممارسة مثل هذا النوع من الضغط
على كل من يعمل لديها.
لكن هذا الخبر وماتضمنه من دلالات قد اثار أمامي موضوع يستحق ان
نطرحه ونتحدث عنه الا وهو المتعلق بالبحث عن الاسباب التي تقف وراء عدم
استقالة العاملين العراقيين في قناة الجزيرة، باستثناء الشهيدة أطوار
بهجت، على الرغم من ان ماقامت به القناة ضد العراق الجديد من سلوك
تأمري ونهج عدائي ودور سلبي يعادل اضعاف ما تقوم به الان من حرب
اعلامية ضد مصر؟
هل ان هؤلاء العراقيين العاملين في قناة الجزيرة يؤمنون بان العمل
لايعكس الوطنية كما يقول ديفي بايلي!... ولذا لايرون بأسا وغضاضة في
العمل مع هكذا قناة برغم ماتقوم به ضد العراق وشعبه وتجربته السياسية
الجديدة؟
ام ان هؤلاء العراقيين مؤمنون بحقيقة ماتبثه الجزيرة من افكار وما
تقوم به من تحريض ومنسجمون مع برنامجها الاعلامي ضد العراق، ولذا
لايمكن أن تسمح لهم ضمائرهم بمراجعة قرار الالتحاق بالقناة او اعتباره
أمر سيء؟
ام ان هنالك شيء ثالث يرتبط بالمصلحة الشخصية للعراقي الذي يجد ان
الرابط بينه وبين هذه القناة هو المال والامتيازات والحظوة التي ينالها
نتيجة العمل فيها... وليضرب بعرض الحائط العراق وشعبه وما يحدث له من
تحريض جراء هذه القناة؟
كتب الروائي الروسي فالنتين راسبوتين بعد مئة عام على رحيل عملاق
الادب الروسي ديستويفكسي بانه " بفضل دوستويفسكي، تمكّن البشر من أن
يعرفوا أشياء كثيرة عن ذواتهم" وفي رايي اننا بفضل هذه القناة وامثالها
من القنوات التي تعمل ضد العراق يمكن لنا نعرف الكثير عن ذوات
العراقيين" الاعلاميين" العاملين فيها من حيث مدى تقبلهم للعمل في قناة
تتخذ من الدم العراقي مادة رخيصة لتنفيذ اجندات سياسية خارجية لاترتبط
لا من قريب ولابعيد بمصالح الشعب العراقي العليا الذي يبقى على الدوام
ضحية مأسوف عليها امام الماكنة الاعلامية العربية الضخمة.
[email protected] |