شبكة النبأ: لا تزال إيطاليا تعيش
أزمة سياسية بسبب الخلافات وفضائح الفساد التي شملت بعض كبار الساسة في
البلاد، ومنهم سيلفيو برلسكوني زعيم يمين الوسط والمدان بالعديد من
الفضائح والجرائم المالية والأخلاقية التي أصبحت محط اهتمام الأوساط
السياسية والإعلامية، وهو ما تسبب بتغير بعض النتائج السياسية المهمة
في ايطاليا كما يقول بعض المراقبين الذين أكدوا على ان الفترة المقبلة
ربما ستشهد تحركات مهمة من قبل برلسكوني الذي يرفض تلك الاتهامات
ويعتبرها انتقام وتسقيط سياسي من قبل الخصوم.
وفيما يخص اخر تلك الفضائح فقد اصدرت محكمة ايطالية حكما بالسجن
لمدة سبع سنوات على رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلوسكوني
ومنعته من تولي اي منصب رسمي مدى الحياة بعد اتهامه بممارسة الدعارة مع
قاصر واستغلال السلطة. وجاء الحكم بعد سبع ساعات من المداولات، وصرح
نيكولو غيديني محامي برلوسكوني للصحافيين ان الحكم "غير منطقي مطلقا.
والقضاة حكموا عليه بالسجن فترة تزيد على تلك التي طالب بها الادعاء".
وانطلقت صيحات الابتهاج من مجموعة صغيرة من المحتجين الذين صفقوا وغنوا
النشيد الوطني بعد النطق بالحكم. ويعد هذا الحكم ذروة محاكمة استمرت
عامين واثارت ضجة اعلامية وسط مزاعم عن حفلات ماجنة اقامها بولوسكوني.
في السياق ذاته صوت مجلس الشيوخ الايطالي على سحب عضوية رئيس
الحكومة السابق سيلفيو برلوسكوني من هذا المجلس، وذلك اثر ادانته
بالسجن لمدة عام بتهمة التهرب الضريبي. وجاء الإعلان على لسان رئيس
مجلس الشيوخ بييترو غراسو بعد ان رفض اعضاء مجلس الشيوخ في عدة عمليات
تصويت اقتراحات قدمت لمنع سحب العضوية من برلوسكوني، وقال رئيس مجلس
الشيوخ غراسو "بات بالإمكان القول انه تمت الموافقة على خلاصات اللجنة
من اجل الانتخابات التي دعت الى اعتبار انتخاب السناتور سيلفيو
برلوسكوني باطلا".
واعتبر هذا القرار ساري المفعول على الفور حيث وافق مجلس الشيوخ على
ان يحل رديف برلوسكوني، اوليس دي جياكومو، مكانه في دائرة موليزي.
وحاول انصار برلوسكوني في مجلس الشيوخ من دون جدوى عرقلة هذا القرار،
نظرا لان الغالبية تؤيد سحب عضويته من هذا المجلس. وحتى قبل صدور
القرار النهائي اعتبر برلوسكوني في كلمة امام تجمع لأنصاره ان هذا
اليوم "هو يوم حزن للقانون وللديموقراطية".
الى جانب ذلك دعا انصار زعيم اليمين الوسط برلوسكوني الى تظاهرة
تضامن امام منزل بطلهم الفخم في روما حيث اعلن عن مشاركة 10 الاف منهم
في حين دعا معارضوه الاكثر تشددا الى الاحتفال بسقوطه بالقرب من مقر
مجلس الشيوخ. وثمة تساؤل يتكرر في ايطاليا حول امكانية توقيف برلوسكوني
بعد حرمانه من الحصانة البرلمانية، على سبيل المثال في اطار قضية
قضائية في نابولي يتهم فيها ب"شراء" صوت عضو في مجلس الشيوخ في عام
2006 لإسقاط حكومة برودي.
وقال فرانكو كوبي احد محامي قطب الاعلام ان "هذه الفرضية سخيفة، وهي
في الوضع الراهن، غير واقعية تماما"، في اشارة الى منصبه كزعيم ليمين
الوسط. من جهته، اكد بيار كاميلو دافيغو العضو السابق في لجنة مكافحة
الفساد الشهيرة المعروفة ب"الايدي النظيفة" التي كانت قد بدأت
الاجراءات القانونية الاولى ضد برلسكوني، انه "في هذا العمر لا يذهب
المرء الى السجن الا في حالات استثنائية".
وحتى اخر لحظة سعى برلوسكوني (77 سنة) الى تجنب مثل هذا الطرد
المهين من البرلمان ودفع مجددا ببراءته مؤكدا ان لديه من الادلة ما
يكفي للحصول على مراجعة محاكمة ميدياسيت التي ادت في الاول من اب/اغسطس
الماضي الى صدور اول ادانة نهائية له في خلال عشرين سنة من المتاعب مع
القضاء.
والتصويت على عزله يأتي نتيجة قانون صدر في 2012 يقضي بعدم اهلية اي
مسؤول يدان بعقوبة السجن لمدة تزيد عن السنتين بشغل اي منصب رسمي خلال
ست سنوات، علما بان برلوسكوني حكم عليه باربع سنوات مع اعفائه من ثلاث
منها. واعلن برلوسكوني انه سيتقدم بطعن تمييزي على الرغم من أن محاميه
بدوا أكثر حذرا امام الصحافة، مؤكدين الرغبة في المضي قدما في اعداد
"ملف جدي ومتين. بحسب فرانس برس.
وقال ستيفانو فولي الخبير السياسي في صحيفة "سولي24 أوري" ان "صفحة
من التاريخ طويت وبدأ فصل جديد". من جانبه، اعتبر جيمس والتسون الاستاذ
في الجامعة الاميركية في روما ان "برلوسكوني باق مهما حصل في قيادة
حزبه الذي اعيد تنظيمه فورتسا ايطاليا (إيطاليا الى الامام)". واشارت
استطلاعات رأي اجريت لحسابه الى ان ائتلاف اليمين سيحصل على 24% من
الاصوات في حال اجراء انتخابات مبكرة اي "اكثر بنقطتين من اليسار
الوسط".
على صعيد متصل دعا برلسكوني إلى عفو رئاسي في اعقاب ادانته بالتهرب
الضريبي وقال إن اقصائه من البرلمان في تصويت سيكون بمثابة "انقلاب".
وقال برلسكوني الذي يؤكد دائما على برائته إن على الرئيس جورجيو
نابوليتانو أن يصدر عفوا عنه دون ان يتبع الاجراءات العادية التي يقول
رئيس الحكومة ليتا انها ضرورية. وأضاف برلسكوني انه يجب على الرئيس ان
يصدر عفوا عنه دون الحاجة الي ان "اقدم طلبا لأن كرامتي لا تسمح لي بان
اطلب ذلك." وقال برلسكوني في كلمة مثيرة للعاطفة ان صدور أوامر له "لتنظيف
المراحيض" في خدمة المجتمع "لن يعرضني وحدي للسخرية بل سيعرض بلدنا
ايضا".
انشقاق حزب برلسكوني
من جانب اخر إنشق جناح يمين الوسط من حزب سيلفيو برلسكوني، فيما عد
نكسة سياسية جديدة لرئيس الوزراء الإيطالي السابق. وقال انجلينو ألفانو
نائب رئيس الوزراء إنه وزملاءه شكلوا حزبا جديدا ينتمي إلى يمين الوسط.
يأتي ذلك في الوقت الذي يجهز فيه برلسكوني لإعادة إطلاق حزب "فورزا
إيطاليا" الذي كان أوصله للسلطة قبل عقدين. وقد تصاعد التوتر داخل حزب
برلسكوني بعد أن واجه برلسكوني احتمال الطرد من البرلمان اثر حكم قضائي
صدر بحقه.
ويقول مراسل بي بي سي في روما ألن جونسن إن ألفانو كان اليد اليمنى
والمساعد المخلص لبرلسكوني لسنوات، ويمثل انشقاقه ضربة قوية للزعيم
الإيطالي السابق. ويضيف أنه جعل التحالف الهش الذي يقوده رئيس الوزراء
الحالي إنريكو ليتا في وضع أقوى قليلا. وكان برلسكوني قد قال إنه في
حالة طرده من البرلمان فأنه يجب على حزبه الخروج من التحالف وعلى
وزراءه من أمثال ألفانو الاستقالة وإسقاط الحكومة.
ويشير المراسل إلى أن الفانو وأخرين لم يوافقوا على هذا الرأي، ما
أدى إلى تصاعد التوتر داخل الحزب بشأن هذه القضية ومن ثم وقوع انشقاق
في صفوفه. وقال روبرتو فورميغوني أحد أعضاء مجلس الشيوخ المنشقين عن
حزب برلسكوني لشبكة تلفزيونية إيطالية إن ألفانو يمكن أن يحصل على 37
من أعضاء مجلس الشيوخ ونحو 23 نائبا في حزبه الجديد.
وكان قادة في الحزب صوتوا لتعليق حزب برلسكوني "شعب الحرية"
واستعادة اسم "فورزا إيطاليا" الذي كان الحزب يستخدمه حتى عام 2007.
بيد أن ألفانو وشخصيات أخرى في حزب شعب الحرية كانوا غائبين عن جلسة
التصويت تلك، الأمر الذي لمح إلى انشقاق الحزب الذي حصل لاحقا. وقد وعد
برلسكوني في وقت مبكر بالإطاحة بالحكومة عبر سحب دعم حزب "شعب الحرية"
لها، الخطوة التي حضت على اجراء تصويت بحجب الثقة في مجلس الشيوخ. لكن
برلسكوني أجبر على التراجع عندما بات واضحا لديه أن العديد من الشيوخ
التابعين لحزبه سيدعمون الحكومة.
الدفاع عن برلسكوني
من جهة أخرى نظمت الراقصة التي كانت محور محاكمة سيلفيو برلسكوني في
اتهامات جنسية احتجاجا مثيرا خارج قاعة المحكمة قائلة انها تعرضت لضغوط
ظالمة في إطار حملة ضد رئيس الوزراء الإيطالي السابق. وجاءت التصريحات
العاطفية والمتضاربة أحيانا لكريمة المحروق التي تدافع فيها عن
برلسكوني بعد احتجاج نواب برلمانيين من حزبه خارج قاعة المحكمة أثناء
محاولة قطب الإعلام نقل المحاكمة من ميلانو.
وتشمل الاتهامات الموجهة لبرلسكوني ممارسة الجنس مقابل المال مع
المحروق المعروفة باسم "روبي سارقة القلوب" عندما كانت قاصرا. وينفي
برلسكوني هذه الاتهامات. ونفت المحروق مرارا احتراف البغاء أو أن تكون
مارست الجنس مع الملياردير برلسكوني (76 عاما) فيما بات يعرف بحفلات "بونجا
بونجا" التي كان يقيمها في فيلته خارج ميلانو حيث قال شهود انها كانت
ضيفا معتادا على هذه الحفلات.
وحملت المحروق لافتة كبيرة كتب عليها "قضية روبي: ألا تهتمون
بالحقيقة؟"، وقالت انها استغلت في إطار حملة مدبرة ضد برلسكوني من جانب
عاملين بالقضاء والصحافة. وقالت "اليوم أدرك أن هناك حربا تجري ضده لا
أرى نفسي طرفا فيها لكني استدرجت اليها وتضررت منها. لا أريد أن أكون
ضحية لهذا الموقف".
وطلبت أن يسمح لها بالإدلاء بشهادتها في محاكمة علنية لكنها رفضت أن
توضح للصحفيين لماذا تجنبت المثول للشهادة لدى استدعائها في جلسات
سابقة. وقالت المحروق انها تعرضت لإهانة علنية بالإيحاء بانها تحترف
البغاء وقالت إن المحققين استغلوا ضعفها لمهاجمة برلسكوني زعيم الحزب
الرئيسي الذي يمثل تيار يمين الوسط. وقالت "شعرت أنني أستغل من جانب
قطاع من الصحافة والقضاة كان له هدف واحد هو الاضرار بأشخاص ساعدوني."
وتابعت "معاناتي سببها كذلك هؤلاء القضاة. الذين وصفوني بأنني بغي على
الرغم من انكاري ممارسة الجنس مقابل المال ناهيك عن القيام بذلك مع
سيلفيو برلسكوني." بحسب رويترز.
وإلى جانب اتهامه بممارسة الجنس مقابل المال مع فتاة أقل من 18 عاما
يتهم برلسكوني كذلك باستغلال سلطات مكتبه في الافراج عن المحروق في عام
2010 عندما احتجزت في قضية سرقة. ويقول ممثلو الادعاء إن برلسكوني طلب
من الشرطة إطلاق سراح الفتاة لأنها قريبة الرئيس المصري المخلوع حسني
مبارك. لكن المحروق اعترفت بانها اختلقت هذه الرواية قائلة انها ابتدعت
"حياة موازية" لتتخيل نفسها في حياة تختلف عن حياة الفقر التي عاشتها.
وقالت "اسفة انني اخبرت برلسكوني بهذه الأكاذيب لكني اليوم واثقة انه
كان سيساعدني حتى لو أخبرته الحقيقة". |