الهجرة الى المريخ.. رحلة بحث عن ارض جديدة

 

شبكة النبأ: لا يزال كوكب المريخ وعلى الرغم من المعلومات والنتائج المتحققة التي حصل عليها العلماء في الفترة الأخيرة، محط اهتمام وبحث مستمر في سبيل الوصول الى أجوبة علمية مقنعة يمكن ان تسهم بالتعرف على بعض أسرار هذا الكوكب المهم، الذي أصبح وبحسب بعض الخبراء هدفا أساسيا للعديد من دول العالم التي تسعى الى تنفيذ بعض المشاريع الفضائية الخاصة ، وفي هذا الشأن فقد أطلقت وكالة الفضاء الأميركية المسبار مافن الذي سيحاول كشف سر تبدد الغلاف الجوي للمريخ الامر الذي حوله من بيئة صالحة للحياة في ما مضى الى بيئة قاحلة. واقلع الصاروخ اطلس 5 المؤلف من طابقين، ناقلا مافن من منصة الاطلاق في قاعدة سلاح الجو الاميركي في كاب كانافيرال في فلوريدا (جنوب شرق) في الوقت المحدد.

وحصل الانفصال بين المسبار والطابق الثاني من الصاروخ بعد 52 دقيقة على الاقلاع. وبعد 15 دقيقة على ذلك فتحت الهوائيات الشمسية المخصصة لتغذيته بالطاقة الكهربائية. وسيحتاج المسبار الى عشرة اشهر للوصول الى وجهته التي يفترض ان يبلغها في 22 ايلول/سبتمبر 2014. وسيدور "مافن" حول المريخ لدراسة الغلاف الجوي الاعلى وطبقة الايونوسفير (او الغلاف الايوني) اضافة الى التفاعلات التي تجري مع اشعة الشمس والعواصف الشمسية. بحسب فرانس برس.

وبعد بلوغه المدار المحدد ومرور خمسة اسابيع لضبط الاجهزة سيصبح المسبار على مدار اهليجي من اربع ساعات ونصف الساعة سيسمح له بعمليات رصد من كل الزوايا. وسيراوح ارتفاعه بين 150 كيلومترا واكثر من ستة الاف كيلومتر. وسيكون مافن مجهزا بثمانية اجهزة علمية من بينها مطياف للكتلة لتحديد التركيبات الجزيئية لغازات الغلاف الجوي والمجس "سولار ويند الكترون انالايزر" من تصميم المعهد الفرنسي لابحاث الفيزياء الفلكية وعلم الكواكب الذي سيحلل الرياح الشمسية في الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ. ومافن هو المهمة الثانية لبرنامج "سكاوت" الاميركي المؤلف من مهمات صغيرة غير مكلفة جدا مكرس لاستكشاف المريخ. وتصل كلفته الى 671 مليون دولار.

ماء وغازات

من جانب اخر يحتوي سطح كوكب المريخ على 2 % من المياه، بحسب ما اظهر تحليل عينة صخرية التقطها الروبوت كوريوسيتي الذي حط على سطح الكوكب قبل اكثر من عام، وهو اكتشاف يفتح آفاقا جديدة للمهمات المأهولة اليه. وتقول لوري ليشين الباحثة في "رينسلير بوليتيكنيك انستيتوت" في نيويورك "ان احدى النتائج الاكثر اثارة للحماسة في تحليل الروبوت كوريوسيتي للعينة الصخرية الاولى هي وجود الماء بنسبة مرتفعة في سطح المريخ، وهي تصل الى 2 %". وقد جرى تسخين العينة الصخرية، على متن الروبوت كوريوسيتي، حتى درجة حرارة 835 درجة مئوية، فانبعثت منها غازات ثاني اكسيد الكربون والاكسجين والكبريت، وكان بخار الماء هو العنصر الغازي الاكثر حضورا.

ووفقا للباحثة، يمكن استخراج ليتر من المياه من 0,03 متر مكعب من الرمال المريخية، "وهي كمية كبيرة". وكان العلماء يعتقدون ان المريخ، في ما عدا القطبين الشمالي والجنوبي، هو عبارة عن صحراء قاحلة جدا. ومع ان نسبة المياه المكتشفة الآن في المريخ اقل من تلك على كوكب الارض، الا انها قد تكون من الموارد المهمة للرحلات المستقبلية المأهولة الى الكوكب الاحمر، بحسب ما تقول الباحثة. وتضيف المياه موجودة تقريبا في عموم سطح الكوكب، ويكفي ان يقوم رواد الفضاء بتسخين التربة قليلا تحت اقدامهم حتى يحصلوا على الماء. وتشرح الباحثة ان المريخ مغطى بطبقة من الرمل تتحرك في عموم سطحه بسبب العواصف الرملية الكثيرة.

وكان العلماء يعلمون قبل ذلك بوجود المياه ولكن في القطبين الشمالي والجنوبي للمريخ. ففي العام 2003 اكد المسبار الاوروبي اكسبرس الذي يسبح في مدار حول المريخ وجود الجليد في القطب الجنوبي، وبعد مدة وجيزة رصد اكسبرس وجود جليد يمتد على مئات الكيلومترات المربعة في القطب الشمالي. اضافة الى الدراسات المرتكزة على تحليل الغازات المتوافرة في صخور المريخ وتربته، عكف العلماء على دراسة سطح المريخ بواسطة التجهيزات الاخرى الموجودة على متن الروبوت كوريوسيتي. وقد نشرت اربع دراسات ذات صلة في مجلة ساينس الاميركية.

في السياق ذاته رجحت تحاليل اجراها الروبوت الاميركي كوريوسيتي المستقر على سطح المريخ منذ اكثر من عام، ان يكون الكوكب الاحمر خاليا في الزمن الحالي من أي شكل من أشكال الحياة، اذ ان غلافه الجوي يحتوي على كميات ضئيلة جدا من غاز الميتان الذي يعد مؤشرا على وجود نشاط حيوي (بيولوجي). ويعتقد العلماء بوجود علاقة بين غاز الميتان وبين وجود نشاط حيوي، اذ ان 95 % من غاز الميتان في جو الارض تنتجه كائنات مجهرية.

وكانت دراسات وابحاث اجريت خلال السنوات العشر الاخيرة، تحدثت عن وجود كبير لغاز الميتان في الغلاف الجوي للمريخ ما عزز آمال العلماء بوجود حياة مجهرية ما زالت قائمة على سطحه. وفي اذار/مارس من العام 2003، رصد علماء سحابة من 19 الف طن من غاز الميتان قرب خط الاستواء المريخي. لكن عمليات المراقبة والرصد هذه كانت تتم من الارض، او بواسطة الاقمار الاصطناعية التي تسبح في مدار الكوكب الاحمر.

اما القياسات العالية الدقة التي اجراها الروبوت كوريوسيتي، الذي هبط على سطح المريخ في اب/اغسطس 2012، فقد اظهرت ان كثافة الميتان في جو المريخ لا تتعدى 1,3 في المليار، اي اقل بست مرات من التقديرات السابقة، بحسب ما جاء في دراسة علمية نشرتها مجلة ساينس الاميركية.

ومن شأن خلاصة كهذه ان تطيح بفرضية وجود كائنات مجهرية حية او مواد عضوية احفورية حتى الآن على سطح المريخ، بحسب العلماء. وقال مايكل ماير المسؤول العلمي عن مهمات المريخ في وكالة الفضاء الاميركية ناسا "هذه النتائج المهمة ستساعدنا على ترشيد جهودنا في البحث عن امكانية وجود حياة حالية على المريخ. واضاف هذه النتائج تقلص من احتمال وجود حالي لكائنات مجهرية مريخية تولد غاز الميتان. لكنه اوضح ان خلاصة كهذه ليست اكيدة، اذ ان الكائنات المجهرية في كوكب الارض لا تنتج كلها غاز الميتان.

وقال كريس وبستر من مركز "جيت بروبلشن لاب التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا كان امرا عظيما لو عثرنا على الميتان، لكننا متأكدون من دقة قياساتنا. واضاف اجرينا قياسات متكررة في الربيع وفي آخر الصيف، ولا اثر للميتان. وكانت القياسات العلمية السابقة تحدثت عن وجود غاز الميتان في جو المريخ بنسبة 45 من مليار، وان بكميات مبعثرة.

وتعليقا على هذا التضارب بين القياسات السابقة والحالية قال سوشيل اتريا الباحث في جامعة ميشيغان واحد المشرفين على الدارسة ليس لدينا علم بوجود عملية طبيعية يمكنها ان تجعل غاز الميتان يختفي بسرعة من الغلاف الجوي. واضاف ان غاز الميتان يمكن ان يكون مصدره من باطن الكوكب او من تحلل المواد العضوية. والتركيز الاكبر الممكن لغاز الميتان على المريخ لا يتعدى 10 الى 20 طن في السنة، اي اقل بخمسين مليون مرة من تركز الميتان في الغلاف الجوي للارض، بحسب اتريا. والروبوت كوريوسيتي هو اكثر الاجهزة الفضائية تطورا، وقد توصل الى ان كوكب المريخ كان في ما مضى زاخرا بالمياه وبالحياة المجهرية. بحسب فرانس برس.

وفي الاسابيع الماضية، استأنف الروبوت ذو العجلات الست طريقه الى جبل ماونت شارب الذي يبعد عنه ثمانية كيلومترات. وقد يستغرق هذا الطريق اشهرا عدة، اذ ان الروبوت يتوقف باستمرار لاجراء تحاليل للصخور والتربة والتقاط الصور. ويثير سفح جبل ماونت شارب اهتمام العلماء لانه يضم طبقات رسوبية متعددة، من شأنها ان تساعد على تحديد الأزمنة التي كان المريخ فيها صالحا للحياة، بحسب وكالة الفضاء الاميركية ناسا.

قطعة نيزكيه

من جانب اخر يعكف العلماء على دراسة قطعة صخرية صغيرة سوداء اللون قطرها اربعة سنتيمترات وتزن 84 غراما عثر عليها في صحراء المغرب، وهي اول قطعة نيزكيه يعثر عليها على الأرض مصدرها المساحات القديمة على سطح الكوكب الاحمر. ومع ان العلماء قادرون على دراسة وتحليل الصخور المريخية بواسطة الروبوت كوريوسيتي والمسبار ابورتونيتي الموجودان حاليا على سطح المريخ، الا ان جلب عينات لدراستها في مختبرات الأرض ما زال أمرا صعب التحقيق حاليا، لعدم وجود تقنيات حتى الآن تسمح بالإقلاع من كوكب المريخ للعودة الى الأرض. وعلى ذلك، فان العلماء ينظرون الى النيازك على انها نعمة من السماء تتيح لهم درس الكون.

وفي حوزة العلماء اليوم 68 قطعة نيزكية من كوكب المريخ، لكنها لا تشبه المساحات القديمة على سطح الكوكب الاحمر المليئة بالحفر، وهي مساحات تكثر في النصف الجنوبي من المريخ، ويمكن للمسبارات الاميركية ان تراها عن كثب. واطلق على هذه القطعة النيزكية اسم "ان دبليو آي 7533"، وقد عثر عليها فريق من العلماء في صحراء المغرب. وقال منير هميان الباحث في جامعة فلوريدا "نعتقد منذ زمن طويل ان المساحات المليئة بالحفر على سطح المريخ تضم اسرار نشأة الكوكب الاحمر". بحسب فرانس برس.

ويعكف العلماء تحديدا على تحليل الزيركون الموجود في القطعة الصخرية، وقدروا عمرها باربعة مليارات و400 مليون سنة. واستنتج العلماء ان "قشرة المريخ تصلبت في وقت مبكر جدا، في الوقت نفسه الذي تصلبت فيه قشرة الارض وقشرة القمر"، وفقا للعلماء. واظهر التحليل ان القطعة تحتوي على نسبة كبيرة من العناصر الكيماوية مثل النيكل والايريديوم الموجودة بكثافة في نواة الكواكب. ويرى العلماء ان كثافة هذه المواد في قشرة المريخ لا يمكن ان تكون ناتجة الا عن اصطدامات نيزكية. وخلص العلماء الى ان القطعة تعود الى المساحات القديمة المليئة بالحفر على سطح المريخ كتلك التي تغطي جنوب الكوكب الاحمر جراء ارتطام النيازك، ولكن لا يمكن معرفة نسبتها الى اي حفرة تحديدا.

الهجرة المريخية

على صعيد متصل يسعى طيار سعودي سابق وراء تحقيق حلمه بالهجرة الى المريخ من دون رجعة في العام 2023، وذلك بعد قبوله في المنافسات التي تنظم ضمن مشروع رجل اعمال هولندي للمشاركة في الرحلة الاولى من نوعها بعيدا عن رواد الفضاء الى هذا الكوكب. وقال عبدالله الزهراني (37 عاما) ان قرار مشاركته في الرحلة ياتي تجسيدا للرغبة في البحث عن كل جديد وشغفي بالتغيير في تاريخ الطيران و يعكس ايضا رغبتي في ان اكون اول طيار مسلم يشارك في مثل هذه الرحلات.

وهدف مشروع "مارس وان" هو الهجرة الى المريخ وعدم العودة الى الارض اطلاقا بعد الرحلة التي تبلغ كلفتها ستة مليارات دولار وتستغرق سبعة اشهر للوصول الى الكوكب الذي يبعد نحو 200 مليون كيلومتر. واضاف ان كلا من عائلته وزوجته "يرفض هذه الخطوة" مشيرا الى ان قبوله ما زال في مراحله الاولية. واوضح في هذا السياق "قد اصل الى نهاية الرحلة لاكون ضمن الفريق وقد لا اصل لان اسبابا يمكن ان تطرأ على الرحلة او على التصويت وتحول دون ذلك.

واستدرك مؤكدا انه "في حال عدم وصولي الى المرحلة النهائية، وضعت منذ الآن خطة بديلة ستخدم السعودية في مجال الفضاء وتكون تجربة فريدة من نوعها قد يستغرق اعدادها سنتين إلى ثلاث. وقال ان فترة اختيار المشاركين في الرحلة تستغرق سنتين، وفترة التدريب والاعداد للمشاركين تستغرق ثماني سنوات قبل الرحيل الى الكوكب الاحمر اللون. ويشار الى ان الزهراني شغل منصبا في القوات الجوية العسكرية قبل ان يقدم استقالته لدراسة الطب في احدى جامعات المملكة، الا انه ما زال يمارس الطيران على متن طائرات مدنية. بحسب فرانس برس.

ويذكر ان الملياردير باس لانسدورب صاحب مشروع "مارس وان" الذي اطلقته شركة هولندية تعمل في مجال ابحاث العلوم والفضاء كان اعلن ان الهدف من الرحلة هو الذهاب الى المريخ من دون عودة. وتقدم اكثر من مئة الف شخص لشراء تذاكر الرحلة وسيتم اختيار 40 منهم فقط ليشاركوا فيها اعتبارا من ايلول/سبتمبر 2022 على ان يكون الوصول في نيسان/ابريل 2023. ويجري في اطار هذا المشروع ارسال بعثة مماثلة كل عامين لا يعود المشاركون فيها الى الارض نهائيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/كانون الأول/2013 - 28/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م