قانون التظاهر في مصر.. قمع قد يمهد لثورة ثالثة

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: لعبت التظاهرات الشعبية في مصر دورا محوريا في اسقاط نظامي الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك والرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي على التوالي في فترة لا تتجاوز الثلاث سنوات، حيث شكلت هذه التظاهرات المليونية قضية حساسة في بلد منقسم سياسيا وبدون برلمان وبحكومة مؤقتة أتت بعد أن عزل الجيش محمد مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطيا للبلاد بعد احتجاجات حاشدة على حكمه، ومنذ ذلك الحين شهدت مصر بعضا من أسوأ أعمال العنف منذ عقود، على الرغم مما طرحته قيادة الجيش كخارطة طريق سياسية من المفترض ان تؤدي الى انتخابات جديدة في العام القادم، وبينما يؤيد كثير من المصريين الجيش وخريطة الطريق إلا أن غير الإسلاميين أصبحوا أكثر انتقادا للجيش مما يشير إلى أن السلطات في حاجة لأن تسير بحذر أكبر.

وقد ساهمت احتجاجات متكررة نظمها مؤيدو مرسي في أنحاء مختلفة من البلاد أكبرها أيام الجمعة، في استدعى الحكومة المدعومة من الجيش الى أقرار قانون يحد من الاحتجاجات، لكن هذا القانون أثار أغضب بعض المصريين وانتقادات منظمات حقوقية وصفته بأنه ضربة قوية للحرية في مصر، وتزامن صدور الأحكام على النساء والفتيات مع توترات بسبب إقرار قانون يفرض قيودا صارمة على المظاهرات.

إذ يرى الكثير من المحللين ان قانون منع التظاهر سيزيد من الضغوط على جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تأمل في ان تؤدي احتجاجات حاشدة نظمتها إلى انهاء ما تصفه بأنه انقلاب عسكري، ويرى هؤلاء المحللين انه على الرغم من تشكيل حكومة مصرية جديدة على اثر ازاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي، الا ان استمرار التظاهرات يضع الحكومة الجديدة أمام تحديات ضخمة أبرزها خطر ديمومة المواجهة العنيفة مع جماعة الاخوان، وصعوبات التنفيذ السريع لجدول زمني طموح من اصلاحات دستورية وانتخابات تشريعية ورئاسية، والمشاكل الاقتصادية تلقي بثقلها على فرص النجاح.

يضاف الى كل ذلك عودة التوتر الامني الى سيناء في الاونة الاخيرة، في الوقت نفسه تصر جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي على إعادته لمقعد الرئاسة قبل انضمامها للعملية السياسية، التي رفضت الاعتراف بالحكومة الجديدة التي يرأسها الاقتصادي المخضرم حازم الببلاوي وقالت انها غير شرعية.

كما أثار قانون التظاهر في مصر قلق حلفائها في الامم المتحدة وامريكا، حيث تراقب الولايات المتحدة الوضع عن كثب وحثت الحكومة المؤقتة مرارا على التحلي بضبط النفس في التعامل مع معارضيها بينما ينفذ القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي خريطة لطريق تقود الي انتخابات.

وجمدت الولايات المتحدة منذ الإطاحة بمرسي بعض المساعدات العسكرية للقاهرة. ويحث الاتحاد الأوروبي على مصالحة سياسية من اجل الاستقرار في مصر التي تربطها معاهدة سلام مع اسرائيل وتسيطر على قناة السويس وهو ممر حيوي للملاحة العالمية.

وتشيد وسائل الإعلام المملوكة للدولة ووسائل الإعلام الخاصة التي تندد بالإخوان المسلمين بشجاعة قوات الأمن. لكن إدانة النساء والفتيات المؤيدات لمرسي رفع الحملة إلى مستوى جديد مما يهدد برد فعل عكسي.

قانون التظاهر

في سياق متصل قال مصدر في مكتب النائب العام المصري إن النيابة أمرت بضبط وإحضار ناشطين اشتهرا بدورهما في الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011 لتحريضهما على التظاهر، وصدر الأمر بإلقاء القبض على أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 ابريل والناشط علاء عبد الفتاح بعد مشاركتهما في مظاهرة أمام مقر مجلس الشورى يوم الثلاثاء في تحد لقانون التظاهر الجديد الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور للحد من الاحتجاجات.

وشارك أكثر من ألف شخص في مظاهرة بوسط القاهرة تندد بقانون التظاهر، وقالت الحكومة إنها صرحت بالمظاهرة لكن المحتجين نظموا مسيرة في الشوارع تأكيدا لتحديهم للقانون مرددين هتافات من بينها "يسقط يسقط حكم العسكر" و"الداخلية بلطجية" و"مش عايزين يحكمنا عساكر ولا (جماعة) إخوان في الدين بتتاجر"، وقالت شيماء عبد المقصود (23 عاما) أثناء مشاركتها في المظاهرة "نحن نتظاهر أيضا ضد محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. الناس الذين عملوا فساد معروف في البلد يحاكمون أمام محاكم مدنية."

لكن المسيرة التي عطلت المرور أثارت غضب صاحبة متجر. وقالت المرأة التي طلبت عدم نشر اسمها "البلد دي كلها أصبحت غير جادة." وتساءلت في استنكار "هي دي مصر؟ هو دا شعب مصر؟".

وقالت مصادر قضائية إن محكمة بالإسكندرية عاقبت 14 امرأة بالحبس أحد عشر عاما وشهر لكل منهن لإدانتهن بمخالفات خلال مظاهرة مؤيدة لمرسي الشهر الماضي، وقال مصدر إن المحكمة أحالت سبع قاصرات شاركن في المظاهرة إلى محكمة الطفل وأمرت بإيداعهن إحدى دور الرعاية على ذمة المحاكمة.

وأحال النائب العام قياديين في جماعة الإخوان المسلمين بجانب القاضي البارز محمود الخضيري والمذيع بقناة الجزيرة أحمد منصور إلى المحاكمة بتهم تتصل بتعذيب محام واحتجازه في ميدان التحرير خلال الانتفاضة.

وقال عضو حركة شباب 6 ابريل محمد فواز لرويترز إن قانون التظاهر يمكن أن يؤدي إلى إسقاط النظام الحالي لأنه يثير المزيد من القلاقل والغضب الشعبي، وأضاف أنه صار حقا للمصريين أن يتظاهروا منذ انتفاضة 2011 وإن النشطين يصرون على ممارسة هذا الحق إلى آخر قطرة من دمائهم، وساعد ماهر وعبد الفتاح في تنظيم المظاهرات الحاشدة التي أسقطت مبارك بعد 18 يوما، ولم تبد الحكومة استعدادا للرضوخ لمطالب المناوئين لقانون التظاهر، وقال حسام عيسى نائب رئيس الوزراء إن الحكومة ملتزمة بتطبيق القانون بشكل صارم لكنها تحترم الحق في التعبير في نفس الوقت، وأضاف أن الجيش يخوض معارك ضد الإرهاب وإن بعض الأطراف تحاول منع الدولة من القيام بوظائفها، وقالت الحكومة إنها لا تعارض الاحتجاجات السلمية وتريد استعادة النظام في مصر.

في الوقت نفسه انتقدت منظمة العفو الدولية بشدة في بيان القانون الجديد لتنظيم التظاهر معتبرة انه "يضع قيودا واسعة على الاحتجاجات ويعد خطوة الى الوراء تهدد بشدة حرية التجمع وتمنح قوات الامن حرية استخدام القوة المفرطة بما في ذلك تلك التي يمكن ان تؤدي الى القتل ضد المتظاهرين".

ويلزم القانون منظمي التظاهرات بابلاغ السلطات قبل ثلاثة ايام عمل على الاقل من موعدها. كما يتعين عليهم تقديم بياناتهم الشخصية ومكان المسيرة ومطالبهم والهتافات التي سيرددونها. ولوزير الداخلية ان يقرر منع التظاهرة اذا كانت تشكل "تهديدا للامن" كما اوضح بدوي، وفي مقابلة مع فرانس برس، اوضح رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي انه "ليس قانونا للحد من حق التظاهر، لكنه قانون يهدف لحماية حقوق المتظاهرين"، وتابع "لا نطلب منهم طلب اذن لكن اعطاء اخطار".

وينص القانون على استخدام تدريجي للقوة يبدا من التحذيرات الشفهية الى اطلاق الرصاص المطاطي مرورا بخراطيم المياه والهراوات والغاز المسيل للدموع، ونددت عدة منظمات حقوقية مصرية في بيان بالقانون الذي ترى انه "يسعى الى تجريم كافة أشكال التجمع السلمي، بما في ذلك التظاهرات والاجتماعات العامة، ويطلق يد الدولة في تفريق التجمعات السلمية باستخدام القوة".

قصة محاكمتين

على الصعيد نفسه انتهت محاكمتان حظيتا باهتمام كبير في مصر كلتاهما مرتبطة بالاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلاد في السنوات القليلة الماضية الي أحكام تعتبر مفارقة صارخة في غضون أشهر قليلة.

ففي مارس آذار الماضي ادين ضابط شرطة بإطلاق الخرطوش مستهدفا أعين المحتجين عن عمد أثناء مظاهرات في نوفمبر تشرين الثاني 2011. وعوقب ضابط الشرطة الذي اشتهر باسم "قناص العيون" بالسجن ثلاث سنوات، وأدينت هذا الأسبوع 21 إمرأة وفتاة بتعطيل المرور أثناء مظاهرة مؤيدة للإسلاميين الشهر الماضي. وحكم على 14 امرأة بالسجن 11 عاما بينما اودعت الفتيات السبع اللاتي تقل أعمارهن عن 18 عاما في مؤسسة للأحداث.

وأصابت هذه الأحكام المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان بالذهول حتى بمعايير حملة قمع قتلت خلالها قوات الأمن مئات الإسلاميين واعتقلت الآلاف منذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو تموز.

قال رمضان عبد الرحمن الذي كانت ابنته رضوى (15 عاما) وزوجته سلوى من بين المحتجات اللاتي عوقبن "الحكم صادم. لم يكن أحد يتصور أن مصر ستسجن بناتها بدعوى أنهن تهديد للأمن"، وتساءل قائلا "هل هذه الأحكام هي التي ستؤدي إلى الهدوء في مصر؟".

ولم تخرج إلى الآن مظاهرات تندد بالعقوبات لكن الانتقادات بدأت تظهر في مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب الزعيم اليساري حمدين صباحي بعفو رئاسي رغم أنه معارض شرس للإخوان.

وقد تعطي الأحكام الإخوان المسلمين الذين يواجهون معارضة شعبية ذخيرة سياسية بينما يحاولون التعافي من حملة قمع أضرت بشدة بقوة الجماعة، وقال التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يضم أحزابا مؤيدة للإخوان المسلمين في بيان "القضاء يحكم على فتيات الإسكندرية خلال أيام ويسير بسرعة السلحفاة في محاكمات مبارك وعصابته"، وأضاف أن الأحكام "تثبت أن استقلال القضاء في ذمة الله".

وقال محمد أنور عصمت السادات رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب المنحل إنه فوجيء بسرعة صدور الأحكام في هذه القضية. وقال إنه كان يأمل أن تظهر المحكمة قدرا من الرأفة لاسيما أن المتهمات نساء وفتيات، ووصفت تمارا الرفاعي من منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان ومقرها الولايات المتحدة الأحكام بأنها "صادمة"، وقالت "الفتيات السبع قاصرات ويعتبرن أطفالا." وأضافت أن الحكم "يأتي في إطار حملة أوسع تستهدف منع الاحتجاجات. الناس انتزعوا الحق في الاحتجاج في عام 2011 وهم (السلطات) يحاولون اخذه منهم."

وندد أقارب النساء والفتيات بحكم المحكمة لكنهم قالوا انه سيقوي عزيمتهم ضد ما يسمونه الانقلاب العسكري الذي اطاح بمرسي، وقالت شاهندة عبد الرحمن (13 عاما) إنها لا تستطيع أن تصدق أن امها حكم عليها بالسجن11 عاما، وقالت بعد أن زارت أمها في السجن إن الحكم جائر وسياسي. لكنها أضافت قائلة "لقد بدأنا السير على الطريق ونعرف ما سيحدث لنا ولن نتراجع".

انتقادات دولية

فيما ابدت الولايات المتحدة قلقها بعد التظاهرات الاخيرة في مصر والتي اعتقل بنتيجتها حوالى 200 شخص، معتبرة ان القانون الجديد بشأن التظاهرات "لا يتلاءم مع المعايير الدولية"، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جنيفر بساكي ان "الولايات المتحدة قلقة من الاثار السيئة للقانون الذي تم اقراره في مصر بشأن التظاهرات"، مضيفة " استخدمت السلطات المصرية الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين المسالمين واعتقلت متظاهرين كثيرين"، واشارت المتحدثة الاميركية الى ان "عددا من هؤلاء تعرضوا للضرب وتم اطلاقهم في قلب الصحراء من جانب السلطات. يجب ان يكون للمتظاهرين المسالمين الامكانية للتعبير عن وجهات نظرهم"، واضافت "نجدد ابداء مخاوفنا التي نشاطرها مع الممثلين عن المجتمع المدني في مصر: القانون بشأن التظاهرات يقيد الحريات ولا يتلاءم مع المعايير الدولية. الحد من حرية التجمع والتنظيم والتعبير لن يدفع بالعملية الانتقالية السياسية في مصر الى الامام". بحسب فرانس برس.

كذلك دعت بساكي المتظاهرين الى البقاء مسالمين خلال تجمعاتهم، وقامت قوات الامن المصرية بتفريق متظاهرين اسلاميين واعتقلت حوالى 200 شخص بموجب قانون صادر مؤخرا تم بنتيجته اعتقال ناشطين عدة حتى من غير الاسلاميين.

الى ذلك طلب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون من السلطات المصرية "النظر في تعديلات" لقانون اصدرته يحد من حق التظاهر، وقال مارتن نيسيركي المتحدث باسم الامين العام ان الاخير "منشغل جدا بعمليات الاحتجاز وتفريق المتظاهرين بعنف في مصر علاوة على معلومات بشان اعمال عنف ذات طابع جنسي" ضد متظاهرين، وهو "يؤكد مجددا على القلق" الذي كانت عبرت عنه المفوضة العليا لحقوق الانسان نافي بيلاي التي اعتبرت ان القانون الجديد يمكن ان يؤدي الى "انتهاكات خطيرة لحق التجمع السلمي".

ويمنع القانون الاجتماعات او التظاهرات التي من شانها ان تهدد الامن العام. وينص على عقوبات تصل الى السجن خمس سنوات في جرائم تبدا من ارتداء اللثام الى حمل اسلحة اثناء تظاهرات او تجمعات، واعتبر بان كي مون ان "حرية التعبير والتجمع اساسية لكي تتمكن مصر من تنظيم الاستفتاء المقرر على الدستور بطريقة ذات مصداقية والذي ستتبعه انتخابات رئاسية وتشريعية". بحسب فرانس برس.

وعليه في ظل استمرار التوترات والاتهامات بين المعارضة والحكومة، وهذا ينطوي على قدر كبير من الحذر والحساسية لمستقبل الحريات هناك، فكان من المفترض أن تكون مصر بعد الثورة من اكثر الدول العربية استقرارا وحماية لحقوق الإنسان، لكن حدث العكس فأصبح أكثرها اضطرابا وانتهاكا للحريات والحقوق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/كانون الأول/2013 - 28/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م