شبكة النبأ: الصورة أداة سحرية وموضوع
للسحر أيضا، انها امتلاك ابدي لموضوع عرضي (كائن او شيء)، وهي بديل
يمكن من خلاله التحكم في ما يدل عليه (تمزيق صورة شخص هو تعبير صريح عن
عدوانية تجاهه)..هكذا يكتب الباحث المغربي سعيد بنكراد في مقدمة ترجمته
لكتاب (الصورة المكونات والتاويل) لغي غوتيي.
الصورة في عصرنا الحالي في كل مكان تشاهد فيه اطلقت العنان للتعبير
عن الغرائز الطبيعية، العري الفاضح، الأفلام الخلاعية، والعنف.
في العام 1991 روج الاعلام الأمريكي والبريطاني لمصطلح (الحرب
النظيفة) التي تحدتها صورة جندي عراقي متفحم ومتدل من مركبة عسكرية،
التقطها المصور البريطاني (كينيث جاريكي) ونشرتها صحيفة الاوبزرفر
البريطانية تحت عنوان (الوجه الحقيقي للحرب).. من عاصروا تلك الفترة
الزمنية وكانوا طرفا في القتال او مشاهدته، يتذكرون ذلك المشهد او
مشاهد أخرى غيره.
بالعودة الى سنوات قليلة قبل العام المذكور، كان التلفزيون العراقي
الحكومي، واجهة مفتوحة على الدوام لمجازر ومذابح لا تنتهي وهو يطارد
المشاهدين ببرنامج (صور من المعركة) وهو في حقيقته صور للقتل والموت،
تعلم المشاهد كيف يمكن ان تنكسر حرمة (الانسان) وقدسية الموت وهو يرى
كل هذه الأجساد المبعثرة في ساحات القتال..
على مستوى الصحافة اذكر بأحد اشهر الصورة والتي تصور جانبا من مأساة
الحرب الفيتنامية، وهي صورة فتاة ناجية من محرقة النابالم، والتي فازت
الصورة وقتها بجائزة البوليتزر الشهيرة.
اذا انتقلنا الى التلفزيون، كيف يتم تعريف العنف فيه؟، هو تصوير
الحدث المادي العلني الذي يؤذي او يقتل او يهدد بفعل ذلك، يذهب اسا
بيرغر في كتابه وسائل الاعلام والمجتمع الى القول ان العنف والإرهاب في
وسائل الاعلام يرتبطان ارتباطا وثيقا، فهما يصوران العلاقات الاجتماعية
واستخدام القوة للسيطرة او الهيمنة او الاثارة او الإبادة. باظهار
الذين يفعلون امرا منكرا من دون ان يتعرضوا لعواقب وخيمة، اثر قيامهم
بذلك، فان الاحداث الحقيقية او الوهمية والتي تحتوي على عنف قد تخيف
الناس وتثير المقاومة، والعدوان والقمع، وتخلق شعورا بالقوة والضعف
النسبيين بتصويرها للتسلسل الهرمي الاجتماعي.
ما الذي تعنيه كلمة (تخلق) الواردة في سياق النص السابق؟، بالنسبة
الى معظم المشاهدين، يميل عالم التلفزيون الى خلق الإحساس بالخطر
النسبي وعدم الثقة والتبعية، سجل عدد من الباحثين، أمورا عديدة بشأن
وسائل الاعلام والعنف:
* عرض وسائل الاعلام للعنف يعزز تقديرات الجمهور للجريمة والعنف.
* هناك علاقة كبيرة بين التعرض لبرامج إجرامية وقبول وحشية الشرطة
والتحيز ضد الحريات المدنية.
* مشاهدة التلفزيون يمكن ان تكون ذات صلة بمشاعر القلق والخوف من
الايذاء.
في الحدث السوري، وهو حدث (الصورة) بامتياز، لا يمكن نسيان كثير من
تلك الصور للدمار والموت والخراب.. وهي صور لا تقتصر على معسكر دون اخر
من صور المتحاربين، انها تبادل مواقعها وادوارها تبعا للجهة التي
تشهرها.. انه اشهار من نوع اخر بوجه المقابل، تخويفه، ارهابه، وتدمير
معنوياته..وهي (عنفٌ يوثِّق عنفاً) كما تكتب رشـا الأميـن..
يشرح الطبيب النفسي جوزف خوري عن سبب تصوير الجاني ارتكاباته:
(الفكرة الأساسية في الحرب هي الوضع المعنوي للمقاتلين، بغضّ النظر عن
الإمكانيات العسكرية والمادية، والهدف الأساسي من هذه الفيديوات التي
يقوم بتصويرها الجاني، تدمير معنويات الطرف الآخر، وهذا ما يحصل).
ويؤكد خوري (أنّ الجندي عادةً لا يهتم بفكرة موته عندما يخرج الى
الحرب، وخصوصاً الآن في سوريا، حيث الذين يقاتلون تحت شعار الدين لا
يخافون الموت، لكن بعد العنف المنتشر والتنكيل بالجثث، بات المقاتل يعي
شكل موته، ما يدمّره معنويّا، إذ إن الجاني يصوّر وينشر كي يهدّم
معنويات المشاهد الذي يكون ربمّا المقاتل من الطرف الآخر).
أمّا عن الضحية التي تصوَّر، فيقول خوري: (في النتيجة الجاني
والضحية هما ضحيتان. هذا ما يحاولون إظهاره في الفيديوات).
وبالنسبة لكميات الفيديو المصوّرة والمنتشرة، اعتبر خوري أن
(المجتمع السوري يُظهر بذلك صورةً عن نفسه للمجتمعات الأخرى، ولن تمحى
هذه الذاكرة المجرمة، لأن الفيديوات لن تحذف عن الإنترنت)، مضيفاً:
(الفيديوات جعلت الأولاد السوريين اللاجئين منهم، قابلين للعنف على
أساس طائفي"، ويتابع: "لم يبقَ عند الضحية أي مكونات إنسانية وأضحت
تواجه العنف بعنف مضاد خرج عن إطار الوعي والعقل في بشاعته وهمجيته).
لا يقتصر الامر على هذا الحد من العنف والقسوة والوحشية، ففي كل عام
تتسابق الكثير من المواقع الالكترونية على اختيار عدد من الصور تعتبرها
اشهر ما تم تصويره خلال العام..
في العام الماضي على سبيل المثال، تم اختيار مجموعة من الصور تفصح
عن الكثير من مستويات العنف التي وصل اليها عالمنا.. هذه بعض عناوينها:
جريحة في انفجار حي الأشرفية في بيروت / جندي أمريكي في أفغانستان
لحظة وقوع انفجار خلفه / رجل صيني مخبول يعتلي سيارة أجرة مرتديا
سرواله فقط خلال يوم نجح فيه بتحطيم 20 سيارة بنفس الأسلوب حتى تم
القبض عليه / إنفجار صاروخ إسرائيلي في غزة / أم أحد ضحايا حادث إطلاق
النار الجماعي على رواد سينما أمريكيين في ولاية كولورادو/ جسد أحد
ضحايا فيضانات كينيا / متظاهرون يسحلون أحد رجال الأمن في مظاهرة في
بيرو. |