استبداد

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل كان ثمة ربيع حقيقي، ام ان ما حدث انقلاب في الفصول، وتداخلها مع بعضها، ولم نعد نستطيع التفريق بينها، فالمناخات هي نفسها، ام اننا يجب ان ننتظر سنوات قادمة اخرى لنعيد التوازن الى ما أختلط من تلك الفصول، ويبرز سؤال اخر، هل تكون هذه اللحظة هي لحظة فوات تاريخي جديد يضاف الى لحظات سابقة مرت وفاتت ولم نستطع اقتناص التغيير المطلوب فيها؟.

كل تغيير (يستبعد – يقصي – يلغي) لا يعوّل عليه.، لماذا يثور الناس؟

لتغيير واقع يعيشونه الى واقع افضل منه (الواقع المعيش مجموعة من الظواهر والسلوكيات السلبية التي لا تحقق لهم إنسانيتهم)، لماذا بعد الثورة لا يتغير هذا الواقع، بل يعيد الثائرون انتاج نفس الواقع الذي ثاروا عليه، مع تبدل الاسماء والاشخاص التي كانت موجودة في واقعهم القديم؟.

هناك وجهة نظر اخرى تتقاطع في الاجابة مع هذا التساؤل، يحملها كتاب (فسلفة الثورات العربية، مقاربة تفسيرية لأنموذج انتفاضي جديد) للباحث سلمان بونعمان، حيث يقول: (لم ينجح الثوار في إسقاط الأنظمة الاستبدادية فقط، ولكنهم نجحوا في تحطيم القيم السلبية الإنسحابية كذلك، كقيم الخوف واللامبالاة والدعة والسكينة والسكوت عن الظلم، فهذه القيم الدافعة هي مكمن كل تغيير حقيقي).

نطرح اعتراضا على هذا القول، هل فعلا نجح الثوار في اسقاط قيم (ثقافية – سياسية –اجتماعية) وهم يقومون بفعلهم الثوري، ام ان هذا الفعل كما يتبدى لنا كل يوم يعيد انتاج نفس القيم وربما هذه المرة تحت عناوين جديدة؟.

على سبيل المثال، ما بدا في الايام الاولى انه ثورة في سوريا تكشف عن صراع دموي بين معارضات مسلحة، وبين المعارضات نفسها.. لا ننكر التدخل الإقليمي والارادات الدولية في ذلك.

لكن من يطلق عليهم تسمية (الثوار) وهم حتى اللحظة الراهنة يقومون بهذا الفعل (الثوري) لا يستطيعون ابعاد عينهم عن ممارسات النظام التي (ثاروا) عليها، والعمل على اقتباسها وانباتها في بيئتهم (الثورية).

فلم (تعد إدارة المعتقلات في سوريا تقتصر على السلطات النظامية فحسب، فقد أسست كتائب ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر" سجونا خاصة بها إثر سيطرتها على عدد من المناطق والبلدات).

وهي سجون لا تقتصر على من يتم اسرهم من القوات النظامية، وتكون تحت اشراف قيادة موحدة، بل تعدى ذلك الى كل قائد لكتيبة او مجموعة، وهو ما يمكن اطلاق تسمية (امراء الحرب) على اولئك القادة.

ليس الامر محصورا في التطابق بين فلسفة السجن وهي (المراقبة – المعاقبة) بل يتعدى ذلك الى أن (التعذيب يمارس بشكل منهجي في جميع سجون المعارضة السورية، مع وجود عدد من الحالات التي قتلت تحت التعذيب).

وبحسب ناشطين في حقوق الإنسان فان (وظيفة سجون المعارضة كانت في بداية الثورة اعتقال العناصر والأسرى النظامية، لكنها سرعان ما تحولت إلى اعتقال كل من يعارض الكتائب المسيطرة على الأرض).

ولتطابق استنساخ التجربة، تجربة السلطة والنظام الذي تمت (الثورة) عليه، اصبحت تطلق على تلك السجون تسميات (غوانتانامو) و(أبو غريب)، في إشارة إلى التعذيب القاسي الذي يمارس فيها).

وتتشابه أساليب التعذيب التي تمارسها «داعش» في سجونها مع تلك التي يستخدمها النظام السوري لانتزاع الاعترافات من المعتقلين بحق المعتقلين»، وهؤلاء تم احتجازهم على خلفية اتهامات تتعلق بالكفر والعمالة للغرب.

ما هي مميزات الدولة العربية التي ثار الثائرون عليها؟.

التسلط والوحشية على المجتمع، ولكنها في الوقت نفسه تتميز بالهشاشة؛ وقد اعتمدت للحفاظ على استمراريتها على أجهزة الأمن والقمع والتحكم المادية والرمزية بشكل جعلها تستعملها بشكل حصري، لقمع معارضيها وباقي الفئات الاجتماعية الأخرى لفرض وجودها.

وهي ايضا ذات طبيعة شمولية وسلطوية، تتميز بخاصية التسيد والافتراس، باعتبار الأدوات والأجهزة الموضوعة تحت سيطرتها، والتي تسمح لها بتشكيل وإعادة تشكيل المواطن وفق رغبة الدولة، والتحكم في سلوكه وضبطه بنائه على إرادتها هي. كما يستنتج سلمان بونعمان.

ربما يرد اعتراض ان التجربة السورية ليست ناجزة ومتحققة، وما يحدث فيها هو من الامور الطبيعية التي ترافق الكثير من الثورات، وربما ايضا يتم استحضار ماحدث في (تونس – مصر) على اعتبار انها انجزت فعلها الثوري واستطاعت الامساك بلحظة التغيير، لكن هل هي فعلا حققت هذا الامساك؟.

واقع الحال يكذب الادعاء الثوري بالتغيير، فالقمع والقهر متجدد، من خلال هذه الثلاثية (يستبعد – يقصي – يلغي) وهي ثلاثية فاعلة تنضاف اليها شرائح جديدة من المجتمع او تنضاف اعباء جديدة على تلك الشرائح (المرأة – الاقليات).

في الكتابات التأسيسية الاولى عن الاستبداد وكيفية انتاجه وتجذره، يطرح عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد هذا السؤال ويجيب عليه: إذا سأل سائلٌ: لماذا يبتلي الله عبادَه بالمستبدِّين؟، فأبلغُ جواب مُسْكِت هو: إنَّا لله عادلٌ مطلقٌ لا يظلم أحداً، فلا يُولَّى المستبد ّإلا على المستبدِّين. ولو نظر السّائل نظرة الحكيم المدقِّق لوجد كُلَّ فرد من أُسراء الاستبداد مُستبدّاً فينفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كُلَّهم، حتَّى وربَّه الذي خلقَهُ تابعين لرأيه وأمره).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/كانون الأول/2013 - 27/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م