المرأة العربية.. واقع مأساوي يفقر الى المعالجات الفعالة

 

شبكة النبأ: تعاني المرأة في المجتمعات العربية الكثير من المشاكل والانتهاكات اليومية التي أسهمت بضياع الكثير من حقوقها، حيث لاتزال المرأة العربية وعلى الرغم من المتغيرات السياسية الكبيرة التي شهدتها المنطقة من التمييز والتهميش والاستغلال والتحرش وغيرها من أشكال الانتهاكات الأخرى، التي كانت سبب مهم ومباشر في تغيب وضياع حقوقها الخاصة كما تشير بعض الدراسات والأبحاث الخاصة.

وفي هذا الشأن فالتحرش الجنسي.. ارتفاع معدلات ختان الإناث.. زيادة العنف وصعود التيار الديني بعد انتفاضات الربيع العربي.. كلها عوامل جعلت من مصر أسوأ مكان بالعالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة. هذا ما توصلت إليه دراسة أجرتها مؤسسة تومسون رويترز واستعانت فيها بخبراء متخصصين في مجال قضايا المرأة. وأظهرت أيضا الدراسة أيضا أن القوانين التي تميز بين الجنسين وزيادة معدلات الإتجار بالنساء ساهمت أيضا في إنزال مصر إلى قاع قائمة تضم 22 دولة عربية.

وقال الخبراء إنه برغم الآمال في أن تكون المرأة من أكبر المستفيدين من الربيع العربي إلا أنها كانت من أكبر الخاسرين بعد اندلاع الصراعات وانعدام الاستقرار وموجات النزوح وظهور جماعات إسلامية في أجزاء كثيرة بالمنطقة.

وقالت الصحفية المصرية منى الطحاوي أزحنا (الرئيس المصري الأسبق حسني) مبارك من قصر الرئاسة لكن مازال علينا أن نزيح مبارك الذي يعيش في عقولنا وبيوتنا. وأضافت نحن النسوة كما يظهر من خلال نتائج الاستطلاع المأساوية بحاجة إلى ثورة مزدوجة. ثورة على المستبدين الذين حكموا بلداننا وأخرى على المزيج السام المكون من الموروث الثقافي والدين والذي يدمر حياتنا.

ويقدم الاستطلاع السنوي الثالث الذي تجريه مؤسسة تومسون رويترز فيما يتعلق بحقوق المرأة لمحة خاطفة عن وضع حقوق النساء في العالم العربي بعد مرور ثلاث سنوات على أحداث 2011 وفي وقت يهدد فيه الصراع السوري بمزيد من القلاقل في المنطقة. في المرتبة الثانية كأسوأ بلد عربي يمكن أن تعيش به المرأة يجيء العراق تليه السعودية ثم سوريا ثم اليمن. أما في صدارة أفضل الدول فتبرز جزر القمر حيث تشغل المرأة 20 في المئة من المناصب الوزارية وتحتفظ الزوجة عادة بالأرض أو المنزل في حالة الطلاق. وتلي جزر القمر سلطنة عمان ثم الكويت فالأردن وقطر.

والاستطلاع الذي أجرته الذراع المعنية بالعمل الخيري في تومسون شمل 336 خبيرا في مجال قضايا المرأة وأجري في وقت سابق في دول الجامعة العربية الإحدى والعشرين وسوريا التي علقت عضويتها عام 2011. واستندت الأسئلة المطروحة على بنود اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي وقعت أو صدقت عليها 19 دولة عربية. وشمل الاستطلاع تقييما للعنف ضد المرأة وللحقوق الإنجابية ومعاملة المرأة داخل الأسرة واندماجها في المجتمع والمواقف تجاه دور المرأة في السياسة والاقتصاد. وطلب من الخبراء الرد على بيانات وتصنيف أهمية العوامل التي تؤثر في حقوق المرأة من خلال ست زوايا مختلفة. وتم تحويل الردود إلى درجات للوصول إلى تصنيف عام.

التحرش الجنسي.. كان أداء مصر سيئا في جميع هذه الزوايا تقريبا. لعبت النساء دورا محوريا في الثورة لكن نشطاء يقولون إن تأثير الإسلاميين المتزايد والذي بلغ أوجه بانتخاب محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين رئيسا كان انتكاسة كبرى لحقوق المرأة. ويقول الخبراء إنه رغم أن الجيش عزل مرسي في يوليو تموز إثر احتجاجات حاشدة على حكمه فإن الآمال في نيل حريات أكبر ضعفت مع المخاطر التي تواجهها المرأة في الشارع يوميا.

وأشار تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أبريل نيسان إلى أن 99.3 في المئة من السيدات والفتيات يتعرضن للتحرش في مصر، ويقول بعض المحللين إن هذا يعكس ارتفاعا عاما في مستوى العنف في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة.

وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن 91 امرأة تعرضن إما للاغتصاب أو للاعتداء الجنسي في العلن في ميدان التحرير في يونيو حزيران حين اشتدت الاحتجاجات المناهضة لمرسي، وقالت نورا فلنكمان المديرة بوحدة التسويق والاتصال بجماعة (خريطة التحرش) التي تعمل في مجال مكافحة التحرش الجنسي ومقرها القاهرة "إن التقبل الاجتماعي لحالات التحرش التي تحدث يوميا يؤثر على كل امرأة في مصر بغض النظر عن سنها أو عملها أو مستواها المعيشي والاقتصادي أو حالتها الاجتماعية أو ملابسها أو سلوكها.

وأضافت "هذا يحد من مشاركة المرأة في الحياة العامة ويؤثر على شعورها بالأمن والأمان وإحساسها بأن لها قيمة كما يؤثر على ثقتها بالنفس وعلى حالتها الصحية"، وتحدث أيضا المشاركون في الاستطلاع عن ارتفاع معدلات الإكراه على الزواج والإتجار بالنساء، قالت زهرة رضوان مسؤولة برنامج الصندوق العالمي للمرأة وهو جماعة حقوقية مقرها الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا هناك قرى بأكملها على مشارف القاهرة وفي أماكن أخرى يقوم معظم النشاط الاقتصادي فيها على الإتجار بالنساء وإكراههن على الزواج.

وتفيد بيانات صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بأن ختان الإناث ظاهرة متفشية في مصر حيث تعرضت له 91 في المئة من الفتيات والسيدات أي 27.2 مليون أنثى. ولا يتجاوز مصر في هذه النسبة سوى جيبوتي حيث خضعت 93 في المئة من الفتيات والسيدات للختان. وفي العراق وجد الاستطلاع أن حرية المرأة تراجعت منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وعلى مدى السنوات العشر التي أعقبت الغزو تأثرت المرأة العراقية بنسب متفاوتة بانعدام الاستقرار وبالصراعات وزاد العنف الأسري كما تفاقمت الأمية وأصبح ما يصل إلى عشرة في المئة من السيدات -أي 1.6 مليون سيدة- أرامل وفي مهب الريح وفقا لبيانات المنظمة الدولية للاجئين. وتقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن مئات الآلاف من النساء اللاتي اضطررن للنزوح سواء داخل بلدانهن أو خارجها عرضة للإتجار بهن وللخطف والاغتصاب.

من جانب اخر قال الخبراء إن الحرب الأهلية في سوريا كان لها أثر مدمر على النساء سواء في الداخل أو في مخيمات اللاجئين عبر الحدود حيث يكن عرضة للاتجار فيهن وللإكراه على الزواج ولتزويج القاصرات والعنف الجنسي. وفي اليمن الذي جاء في المرتبة الخامسة كأسوأ بلد بالنسبة للمرأة في العالم العربي شاركت النساء في الاحتجاجات خلال ثورة 2011 كما أن هناك نسبة 30 في المئة مخصصة للمرأة في مؤتمر للحوار الوطني انعقد لبحث الإصلاحات الدستورية.

إلا أن المرأة اليمنية تخوض صراعا ضاريا لنيل حقوقها في بلد محافظ بقدر كبير ويشيع فيه زواج القاصرات في غياب الحد الأدنى لسن الزواج وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن 98.9 في المئة من نسائه يتعرضن للتحرش في الشوارع. وفي ليبيا التي جاءت في المرتبة الرابعة عشرة من حيث حقوق المرأة أعرب الخبراء عن قلقهم من انتشار الميليشيات المسلحة وارتفاع معدلات الخطف والابتزاز والاعتقال العشوائي والانتهاك البدني الذي تتعرض له النساء.

وقالوا إن الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي قبل عامين فشلت في ضم حقوق المرأة للقانون. وفي البحرين التي شغلت المرتبة الثانية عشرة تشارك المرأة في الحياة السياسية بقدر أكبر مما يحدث في كثير من دول الخليج لكن الخبراء قالوا إن الطائفية تقف حائلا في طريق الحقوق بعد أن سحق النظام الحاكم السني انتفاضة مطالبة بالديمقراطية قادتها الأغلبية الشيعية عام 2011. أما في تونس التي كانت الأفضل بين دول الربيع العربي فتستحوذ المرأة على 27 في المئة من مقاعد البرلمان.

لكن البلاد التي لم يكن تعدد الزوجات مسموحا بها شهدت بعد الثورة ووصول الإسلاميين إلى الحكم حالات زواج عرفي كما أن قوانين الإرث منحازة للرجل. وإلى جانب سوريا قامت كل دول الجامعة العربية ماعدا الصومال والسودان إما بالتوقيع أو التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وصدقت السلطة الفلسطينية على الاتفاقية في لفتة رمزية لعدم تمتعها بوضع الدولة المعترف بها. بحسب رويترز.

لكن الخبراء قالوا إن الحماية التي توفرها اتفاقية الأمم المتحدة حماية سطحية إذ أن الدول الموقعة قد تكون لها تحفظات على أي مادة تتناقض مع أحكام الشريعة أو مع الأعراف الأسرية أو قوانين الأحوال الشخصية أو أي جزء من التشريعات الوطنية. ووجد الاستطلاع أن جزر القمر -وهي أرخبيل يقع في المحيط الهندي- تسير في طليعة الدول العربية من حيث حقوق المرأة. فالمرأة في جزر القمر لا تعاني ضغوطا لإنجاب الذكور دون الإناث كما أن تنظيم الأسرة مقبول على نطاق واسع وتدعمه حملات توعية تديرها الدولة في حين تحصل النساء عادة على أملاك لدى الطلاق أو الانفصال.

الوصاية الذكورية

الى جانب ذلك وتحت عنوان "من تحاول المملكة العربية السعودية أن تخدع؟"، خصصت هيومن رايتس ووتش مقالها للتعليق على النقد الذي تم توجيهه لطريقة تعامل الحكومة السعودية في مجال حقوق المرأة أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف. وأعربت هيومن رايتس ووتش عن اندهاشها مما قاله رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية الحكومية بندر العيبان الذي قال إن "المرأة السعودية لا تواجه التمييز المنهجي في المملكة، وإن النساء في السعودية يتمتعن بكل حقوق المواطنة ويتصرفن في ممتلكاتهن ويدرن شؤونهن دون الحصول على إذن من أحد"، مستنكرةً: ما الذي حدث لنظام الوصاية الذكورية؟.

وعرضت المنظمة الحقوقية في بيانها تقريرًا تقول فيه إن "هذا النظام أي النظام السعودي يمنع المرأة من ممارسة الأعمال التجارية الحكومية الرسمية والسفر إلى الخارج والزواج ومواصلة التعليم العالي أو حتى الخضوع لإجراءات طبية معينة دون إذن من أحد الأوصياء الذكور مثل الزوج أو الأب أو الأخ أو حتى الابن الصغير، بل إن المرأة ممنوعة من قيادة السيارة.

ورأت أن هذا النظام "يختزل النساء إلى مرتبة الأطفال، ويعتبرهن غير قادرات على اتخاذ قرارات مهمة بخصوص حياتهن، بحسب تعبيرها. وشددت هيومن رايتس ووتش على أنه رغم الغياب الواضح للأحكام القانونية المكتوبة أو المراسيم الرسمية التي تفوض صراحة الوصاية الذكورية، تستخدم الحكومة السعودية ترسانة معقدة من القوانين والسياسات والآليات غير الرسمية لإنفاذ هذا النظام القمعي.

واعتبرت أن الحكومة السعودية لا تزال تلعب دورًا محوريًا في تطبيق ما أسمته الوصاية الذكورية بدعم من المؤسسة الدينية، مضيفة من الصعب حقاً أن نرى الدكتور العيبان يجادل بأن المرأة السعودية تتمتع بحق المواطنة الكاملة في المملكة، عندما تكون الأدلة واضحة أنها ليست كذلك، فقد اختارت السعودية تجاهل القانون الدولي وأيضًا مبادئ التقاليد الشرعية الإسلامية التي تدعم المساواة بين الرجال والنساء.

التحرش الجنسي

في السياق ذاته كشفت دراسة أعدتها هيئة حكومية في المغرب أن 827 ألف امرأة مغربية تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاما، تعرضن مرة واحدة على الأقل خلال الـ12 شهرا الماضية لسلوك “التحرش الجنسي”. وأفادت المندوبية السامية للتخطيط (هيئة إحصائية حكومية) وفق دراسة أنه من بين الـ827 ألف حوالي 372 ألف امرأة تعرض لفعل التحرش الجنسي بالأماكن العامة و32 ألف منهن بمقرات عملهن، فيما تعرضت 15 ألف فتاة بالمؤسسات التعليمية لأعمال تدخل ضمن نطاق التحرش الجنسي.

وتقدر الدراسة عدد النسوة اللائي يتعرضن لممارسات العنف الجنسي داخل بيت الزوجية في المغرب بحوالي 444 ألف امرأة، وتقول الدراسة أن عدد حالات التحرش الجنسي المسجلة بالأوساط الحضرية مرتفعة عن نظيراتها بالأوساط القروية. وكان العشرات من النساء قد شاركن في وقفة احتجاجية، أمام مبنى البرلمان المغربي، بالعاصمة الرباط (وسط)، ضد العنف ضد النساء.

وكان بسيمة الحقاوي، وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة المغربية، دعت، خلال جلسة برلمانية، الجمعيات الحقوقية والنسوية والأحزاب للنقاش واقتراح التعديلات الضرورية على مشروع قانون تقدمت به الحكومة المغربية خلال الشهر الجاري لمحاربة العنف ضد النساء. ويعاقب مشروع القانون المتورطين في التحرش الجنسي بالنساء بالسجن وأداء غرامات مالية، وهو ما أثار جدلا واسعا في الشارع المغربي.

ومنذ عقود ترفع الجمعيات الحقوقية المغربية شعارات تطالب بحماية حقوق النساء، وتحسين أوضاعهن وإلغاء كل أشكال التمييز في حقهن. وفي عام 2003 صادق البرلمان المغربي على تعديل بنود من القانون الجنائي تشدد عقوبات تجريم التحرش الجنسي. وتقول الحكومة المغربية أنها تسعى من خلال هذه الخطة إلى تحسين الأوضاع الحقوقية للمرأة في المغرب، التي ما زالت تتسم بالهشاشة واللا تكافؤ والإقصاء، وأن العنف الذي تتعرض له النساء يمثل أحد أشكال الانتهاك لحقوق الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تشرين الثاني/2013 - 26/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م