شبكة النبأ: لكل شيء نقيض.. هكذا تقول
نظرية التوازن، وهكذا ديدن الحياة والكون برمته، فالشروق مثلا يناقضه
الغروب، الظلام يناقضه النور، وتدخل عملية التوازن هذه في الافعال
والمعاني ايضا، فهناك دائما فعل جميل، نعرف ماذا يناقضه من الافعال
القبيحة، وهناك معنى رائع يناقضه معنى ينتمي الى الشر.
في قيم التقدم، هناك قيمة تتمثل بالحس الإيجابي للفرد والمجتمع،
بكلمة أوضح، هناك انسان متصالح مع نفسه، متفاعل، منتج، ينحو الى
التجديد والتغيير، لا يضع الحجر في الطريق الى الامام، إنه يتسلح دائما
بقيمة المفردة التي تنتمي بقوة وأصالة الى قيم التقدم، تلك هي مفردة الـ
( نعم )، هذه المفردة التي تشكل رديفا دائما وقائما في الشخصية
المتفاعلة المنتجة، إذ قلما تجد انسانا موهوبا لا ينسجم مع الآخرين، أو
يشكل عائقا للانتاج والابداع المادي والفكري، فالانسان الذي يعرف معنى
وقيمة الـ (نعم) ويتعامل مع الجميع باستخدامها، ستجد انه من الناس
المتميزين الفاعلين، على العكس ممن يتسلح بالنقيض!، وهي المفردة
والمعنى الذي يرافق الشخصية السلبية ونعني بها مفردة الـ (لا).
ولا ريب أن هذا النوع السلبي من الناس يتواجد بيننا، فهو نقيض
الشخصية الايجابية تماما، إذ أن مفردة الـ (لا) مزروعة في افكاره
ونواياه، ويكاد لا يعرف غيرها، وكأنه لا يستطيع مواصلة الحياة من دون
استخدامها كحجر عثرة، في طريق الناس وهم يحثّون الخُطى الى أمام.
أما الانسان الإيجابي فهو يتحلى بقدرة هائلة للتوافق مع الاخرين،
إنه قادر على الحوار مع الجميع، وغالبا ما يتبادل الرأي ويقبله ويتداخل
معه، ليس بمعنى الرضوخ للرأي وانما التفاعل معه واستقاء ما هو صالح
ومفيد منه، وفي الوقت نفسه يمنح الاخر كل ما يمكن ان يساعده على التطور،
كونه يحسب أي نوع من التقدم يحققه الانسان هو تقدم له، وفقا للرؤية
الجماعية التي يتميز بها، والروح الايثارية التضحوية التي تتلبس جسده
ونشاطه الفعلي والفكري.
وعلى العكس من الانسان الايجابي، غالبا ما يكون الانسان السلبي
ساكنا في مكانه، وثابتا على رؤيته، حتى لو سحقها الزمن وأفسدها، فهو
غير مستعد للحوار بل لديه الصدام وسيلة لتبادل العلاقات!، لذلك لا يلجأ
الى الحوار مع الآخر ولايجد فيه أي نفع، كذلك هو يجهل سبل التجديد ولا
يبحث عنها، وهو غير معني بها، إلا اذا كان الامر يتعلق باعاقتها، أو
تدميرها من خلال الرفض والتعويق بكل السبل والوسائل، وهكذا يتضح الفارق
الكبير بين الشخصيتين الايجابي و السلبي، وبين القيمتين، قيمة التقدم:
نعم.. وقيمة التخلف: لا.
ولعلنا نتفق على ان الانسان الذي يقبل الاخر ويتحاور معه، ويجدد
حياته وافكاره، ويتحلى بالمرونة، ويبتعد عن التطرف والتعصب والحسم غير
المبرر، هو الانساني العصري، وهو الذي يمكنه أن يسهم بقوة وجدارة في
بناء المجتمع السليم، علما أن هذا النوع من الناس الايجابيين لا
يتصنعون هذا السلوك الايجابي، بل هو جزء من تكوينهم ونشأتهم وتطورهم
المستمد من حاضنتهم وبيئتهم العائلية او المجتمعية عموما، لذلك نراه
حاضرا متواصلا فاعلا ناجحا مبدعا، وهو متوافق مع الجميع حتى مع من
يختلف معه، في الرأي أو التفكير او الفكر ايضا.
وهكذا فإن الـ (نعم) تشكل قيمة مهمة من قيم التقدم، وهي تمثل الطابع
الايجابي لشخصية الانسان، وهنا يحضرنا الشاعر الفرزدق في قصيدته
الشهيرة بحق الامام زين العابدين عليه السلام، إذ يقول في هذا البيت
الشعري البليغ:
ما قال لا قطّ إلا في تشهده ..... لو لا التشهد كانت لاؤه نعمُ
بمعنى أن هناك مَن يتعاون ويتفاعل مع الجميع، وهو انسان ايجابي
بالفطرة، لذلك تترسخ في اعماقه قولا وفعلا، قيمة التوافق، والتعاون،
والتعاضد مع الاخرين، طلبا للتقدم والابداع. |