اللغة ساحة العاب!

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كيف دخلت أمريكا الى الحرب الأخيرة في العراق؟

عبر جيوش اللغة.

ماهي اللغة؟

أصَواتٌ يُعَبِّر بها كل قوم عن أغراضهم، او هي كُلُّ وسيلة لتبادل المشاعر والأفكار كالإشارات والأصوات والألفاظ . كما تعرفها موسوعة ويكيبيديا الالكترونية.. يضاف الى ذلك الصورة في الاعلام الحديث، والتي تعد لغة ثانية او انها أصبحت لغة أولى، بحكم تأثيرها على العقول.

اللغة مرادف للكلام، هكذا يفهمها معظم الناس، وهي مجموعة من الكلمات التي تعبر عن شيء معين وتدل عليه، لكنها عند الباحثين في اللسانيات ليست كذلك، فاللغة (ليست هي الكلام، فهذا الأخير فردي خاص و هو حدث زماني قابل للزوال و التجدد في حين أن اللغة من حيث هي أصوات و حروف و كلمات تبقى ثابتة و ذات طابع اجتماعي عام).

يعتبر جاكبسون أن كل عملية تواصلية أو حدث كلامي يتكون من 6 عناصر، هناك السيـاق و يشير عـادة إلى الظـروف و المناسبة التي يتم فيها هذا الحدث الكـلامي، المرسل و المرسل إليه و بينهما رسالة أي المعلومات المتبادلة، الاتصال أي عملية التوصل المباشر بتلك المعلومات المرسلة بطريقة شفوية أو كتابية.

و أخيرا ما نسميه بالسند و هو ما يمكن من فك رموز الرسالة.

إذا توفرت هذه العناصر الستة المكونة للعملية التواصلية، فإن جاكبسون يعتبر أن اللغة تقوم بعملية التواصل بشكل شفاف و واضح لكن هل فعلا تكون اللغة دائما شفافة و واضحة أم أنها مجرد وسيلة للإخفاء و الكتمان؟.

هـذا ما يوضحه (ألوليفي دوكو)... إن كل تواصل قابل لأن يتخذ دلالات متنوعة خصوصا وأنه يتم داخـل مجتمع معين و بما أن العلاقات الاجتماعية علاقات متعددة و متنوعة فإن عملية التواصل تتخذ أيضا نفس الدلالة و لهذا فإن اللغة لا تتخذ فقط كوسيلة للتواصل، إنها تحدد الإطار المرجعي لهذا التواصل. ذلك أنه داخل مجتمع توجد مجموعة من المحرمات الشيء الذي يجعل عملية التواصل بمثابة قواعد لعب يومية تحدد ما هو مباح و ما هو ممنوع هذا بالإضافة إلى الطقوس التحريمية التي يتضمنها كل نظام لغوي الشيء الذي يفرض على الأفراد أو الذوات المتكلمة أن تنشأ إلى التعبير الضمني الذي ينفي المسؤولية عن الذات المتكلمة هذا بالإضافة إلى كون هذه الأخيرة تلجأ إلى تفادي كل نقد أو اعتراض يمكن أن يعرضها للسخرية أو المحاسبة من قبل الآخرين، و هذا ما يسميه دوكرو بآليتي الإخفاء و الإضمار.

أما الوجه الآخر لإشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر فهي إشكالية التواصل، إن هذه الإشكالية نـابعة أساسا من تحديد معنى التـواصل فحينما يتم التركيز على التـواصل باعتبـاره نقلا للأفكـار والمعلومات كما حدده جاكبسون فإن اللغة تقوم بوظيفة التواصل بشكل شفاف و واضح كلما توفرت العوامل المكونة لعملية التواصل، لكن حينما يتخذ التواصل أبعادا متعـددة تصبح اللغة إطـارا محددا لهذه العملية التواصلية، و من ثم تصبح اللغة أداة للإخفـاء و الكتمان.

في كتابه جيوش اللغة والاعلام يكتب الدكتور علي ناصر كنانة، ان لكل اجندة سياسية لغتها، ولكل حرب معجمها، بغض الطرف عن انزياح هذه اللغة او هذا المعجم عن المعاني النمطية المتداولة او المعجمية التقليدية.

تلك اللغة والعابها اذن هي قاموس الحرب الذي أصدره مديرو الاتصالات الاستراتيجية في كل من واشنطن ولندن، واحتوى على عدد من الكلمات، فالهجوم يدعى ضربة، والقاء القنابل يسمى هجمات جوية، وقتل المدنيين يقال عنه اضرار جانبية، ويشير احد الباحثين الأمريكيين وهو روبن لاكوف، الى ان (القنابل والرصاص ليست مجرد أدوات حربية، الكلمات أيضا تلعب دورها).

وللاستذكار ظهرت عدة كلمات في تلك الفترة، مثل: (أسلحة الدمار الشامل، محور الشر، تغيير النظام، حرية العراق، الصدمة والرعب، الاضرار الجانبية، القنابل الذكية، نزاع مسلح، الصدمة السريعة).

كل كلمة من تلك الكلمات تحمل دلالات مغايرة لما تعود عليه الاخرون، وهي لغة غامضة تظهر... عندما يكون لنفس الكلمة أو العبارة أكثر من معني باختلاف السياق أو الوضع السياسي الإجتماعي أو الاقتصادي.

ويذكر احد الباحثين ان غموض اللغة يظهر حين (نقوم بتفسير كلمة صدرت من صديق تفسيراً يختلف تماما عندما تصدر نفس الكلمة من عدو. وكلما ازداد تجريد اللغة كلما زادت فرص غموضها. ويحدث ذلك عندما ننتقل من الأشياء المادية كقلم، كتاب، شجرة، إلي غير الملموسات، التي يختلف الناس حول مضامينها، كالعدالة، الحرية، الحق، الخير والشر. إضافة إلي أن ما  تتضمنه الكلمات كثيراً ما يكون متباين باختلاف الثقافات، كالكلب، فإن مجرد ذكر هذه الكلمة يبادر إلي ذهن الغربيين كفرد من أفراد الأسرة، بينما يبادر إلي ذهن الكوريين حيوان يؤكل، وحارس للبدو في الصحراء).

امثلة أخرى للتلاعب بالكلمات، نجدها في اللغة العربية، وخاصة فيما يتعلق ببعض التوصيفات الدالة للرجل والمرأة في مورد التفريق بينهما، فالرجل يقال عنه (حي) وهو على قيد الحياة، اما المرأة فيقال لها (حية) احد أسماء الافعى.

ويقال عنه (مصيب) اذا أصاب في قوله، بينما المراة يقال عنها (مصيبة) وتعني (الداهية)... ويقال عن الرجل (قاضي) عند توليه منصب القضاء، بينما المراة يقال عنها (قاضية) وهي المصيبة العظيمة التي تنزل بالمرء فتقضي عليه.

ويقال عن الرجل (نائب) اذا اصبح عضوا في مجلس نيابي، بينما يقال عن المرأة (نائبة)

وهي احد تسميات (المصيبة) أي (النازلة المكروهة)،

ويقال عن الرجل اذا كانت لديه هواية محببة يمارسها (هاوي) بينما تقال كلمة (هاوية) على المرأة وهي إحدي أسماء جهنم.

ويمكن ايراد امثلة أخرى على التلاعب بالكلمات وكون اللغة ساحة واسعة للألعاب التي يمارسها الناس في نشاطاتهم اليومية..

مثال ذلك (الرشوة) التي اطلق عليها (صب الزيت في القنديل)، وسميت (قَنْدَلَة)، كما تُسمى (البَرْطلَة)، ومنها (البرطيل) في الدارجة العراقية، ولا ادري من اين اشتقت كلمة (برطلّة) وهي احدى مناطق الموصل في شمال العراق والتي يسكنها الكثير من المسيحيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/تشرين الثاني/2013 - 23/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م