النفط الصخري... مصدر طاقة متنام قد يعيد الحسابات

 

شبكة النبأ: نمو إنتاج النفط الصخري والغاز الحجري في الولايات المتحدة وباقي الدول الأخرى التي تسعى الى الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة ، يعتبر اليوم من أهم التحديات للعديد من الدول المصدرة لنفط وخصوصا دول الخليج والتي تخشى من تراجع الطلب العالمي على النفط والغاز الأمر الذي سينعكس سلبا على اقتصاد تلك الدول التي تعتمد وبشكل أساسي على النفط كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا على ان  إنتاج النفط الصخري في السنوات القادمة سيدفع أسعار النفط للهبوط ويبطئ معدلات الطلب العالمي على الإمدادات الخليجية وهو ما قد يتسبب بخلق العديد من المشاكل الاقتصادية، وفي هذا الشأن يرى خبراء ان انتاج النفط الصخري قد يشكل خطرا على الصادرات النفطية لدول الخليج التي اكتسبت بفضل الذهب الاسود دورا محوريا في الاسواق العالمية واهمية جيوسياسية.

وما زالت السعودية المنتج الاول للنفط في العالم، الا ان انتاجها يزيد بهامش بسيط عن انتاج الولايات المتحدة الذي يتزايد بسرعة، وذلك جزئيا بفضل انتاج الغاز الصخري. وقد يؤثر انتاج النفط في الولايات المتحدة في المستقبل على صادرات السعودية التي ضخت للولايات المتحدة 16% من وارداتها العام الماضي.

واطلق الامير والملياردير السعودي الوليد بن طلال تحذيرا من اعتماد السعودية على الصادرات النفطية في دخلها، واعتبر ان النفط الصخري "قادم لا محال". الا ان الطلب على المدى المتوسط سيستمر على الارجح، لاسيما بفضل عطش الدول الاسيوية للطاقة، وذلك اذا ما حافظ النمو الاقتصادي على وتيرته الحالية.

وقال صندوق النقد الدولي في تقرير ان "المملكة ستحافظ في المدى المتوسط على موقعها المحوري في اسواق النفط العالمية التي ستحدد معالمها عوامل العرض والطلب". الا انه حذر من امكانية ان تؤدي "ثورة الغاز الصخري في شمال اميركا" الى تخفيض الطلب على المنتجات النفطية "في المستقبل".

وبفضل ثرواتها النفطية والغازية الضخمة، كسبت دول الخليج تأثيرا سياسيا قويا في الشرق الاوسط، وقد عززت هذا التأثير من خلال برامج تمويل متعددة لدول ومجموعات سياسية. ولطالما حظيت السعودية بالتحديد بموقع المنتج المرجح القادر على خفض او رفع الانتاج والتأثير على استقرار الاسواق والاسعار. وفي اختلاف مع راي صندوق النقد الدولي، راى الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي ان تاثير انتاج الغاز الصخري على دول الخليج والعراق سيأتي قريبا. وتعوم دول الخليج والعراق على حوالي 40% من احتياطات النفط العالمية. وقال الحرمي "دول الخليج ستتأثر في المدى القصير وليس فقط في المدى المتوسط".

وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فان الولايات المتحدة ماضية في تكريس نفسها اكبر منتج للنفط في العالم بحدود العام 2017، كما يتوقع ان تفوق صادراتها ما تستورده بحدود عام 2030. وقال الحرمي "ان انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة اثر كذلك على الصناعات البتروكيماوية في الخليج، لان المنطقة لم تعد تملك المواد الاولية الارخص ثمنا في العالم". وتطورت تقنيات استخراج النفط والغاز الصخري بسرعة في السنوات الاخيرة في الولايات المتحدة التي تملك احتياطات من النفط الصخري القابل للاستخراج تقدر ب58 مليار برميل، بحسب ادارة معلومات الطاقة الاميركية.

وبحسب هذه الادارة، فان الثروة الاميركية من النفط الصخري هي الثانية عالميا خلف روسيا (75 مليار برميل). كما تملك الولايات المتحدة احتياطا ضخما من الغاز الصخري القابل للاستخراج اذ يقدر ب665 ترليون قدم مكعب. والولايات المتحدة هي الرابعة عالميا في هذا الاطار بعد الصين والارجنتين والجزائر. وقال الحرمي ان "ثلث صادرات الغاز القطرية كانت تتوجه الى الولايات المتحدة. لقد توقف ذلك" بسبب تعاظم الانتاج المحلي على حد قوله. وكانت قطر اعلنت في 2010 انها اصبحت اكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم مع طاقة انتاجية سنوية تبلغ 77 مليون طن.

كما اشار الخبير الكويتي الى تأجيل السعودية خططا لرفع قدرتها الانتاجية الى 15 مليون برميل من النفط يوميا مقارنة ب12 مليون برميل حاليا. وتجاوز الانتاج الاميركي من النفط عتبة السبعة ملايين برميل يوميا، وذلك جزئيا بفضل ارتفاع حصة النفط الصخري من الانتاج، فيما تراجعت الواردات الى ما دون الثمانية ملايين برميل يوميا بحسب ادارة معلومات الطاقة الاميركية. وصدرت السعودية الى الولايات المتحدة في 2012 حوالى 1,4 مليون برميل يوميا، اي 16% من الواردات النفطية الاميركية. وفي المقابل، ذهبت 54% من صادرات السعودية النفطية في 2012 الى الشرق الاقصى، بمعدل 7,5 مليون برميل يوميا.

وقالت كبيرة الخبراء الاقتصاديين في بنك "اي اف جي هيرمس - الامارات" الاستثماري مونيكا مالك ان "الطلب على النفط السعودي والخليجي سيبقى قويا على الارجح في المدى المتوسط بفضل النمو الآسيوي". الا انها اعتبرت ان "اي اعتماد كبير على منطقة واحدة يحمل مخاطر في حال حصول ازمة". واشارت ايضا الى ان "انتاج النفط الصخري والغاز الصخري مكلف ولن يكون ناجعا اقتصاديا في حال انخفاض الاسعار الى ما دون نقطة معينة".

اما الحرمي فرأى انه سيكون على دول الخليج ان تتنافس في النهاية مع مصدرين آخرين يخسرون السوق الاميركية بسبب انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. كما اشار الى ان دولا كثيرة، بما في ذلك الصين، ستسعى الى محاولة استثمار النفط الصخري في اراضيها عندما تصبح التكنولوجيا الاميركية في هذا المجال متاحة.

في نفس الوقت، تواجه دول الخليج خطرا على مداخيلها بسبب ارتفاع استهلاكها المحلي للطاقة. وقالت مالك "ان الخطر على القطاع النفطي يكمن اضافة الى مسألة العرض العالمي، في ارتفاع الاستهلاك المحلي". وتسجل السعودية ارتفاعا سنويا في استهلاك الطاقة بنسبة 10%، وهي تستهلك محليا حاليا حوالى اربعة ملايين برميل من المنتجات النفطية يوميا، حسب الحرمي. وافادت ادارة معلومات الطاقة الاميركية ان السعودية استهلكت حوالى ثلاثة ملايين برميل يوميا في 2012، اي حوالى ربع انتاجها الذي بلغ 11,6 مليون برميل في تلك السنة". واعتبر الحرمي "انها ارقام مخيفة". بحسب فرانس برس.

وكان الامير الوليد بن طلال حث السعودية على الاتجاه نحو الطاقة المتجددة والطاقة النووية للحد من الاستهلاك المحلي للنفط والغاز، والذي يقتطع من التصدير. اما الحرمي فاعتبر انه يتعين على دول الخليج ان تخفض الدعم لترشيد الاستهلاك، وهذا امر قد يكون اكثر فعالية من الاستثمار في "الطاقة البديلة المكلفة والطاقة النووية الخطيرة".

من جانب اخر قالت شركة استشارات الطاقة الأمريكية الرائدة "بيرا" إن الولايات المتحدة تجاوزت السعودية لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم إذ أن الزيادة الكبيرة في الإنتاج من الاحتياطيات الصخرية صنعت ثاني أكبر طفرة نفطية في التاريخ. وذكرت الشركة في تقرير أن الإنتاج الأمريكي الذي يشمل سوائل الغاز الطبيعي والوقود الحيوي  زاد 3.2 مليون برميل يوميا منذ عام 2009 وهي أكبر زيادة للإنتاج في فترة أربع سنوات منذ نمو إنتاج السعودية في الفترة بين 1970 و1974.

وهذا أحدث إنجاز لقطاع النفط الأمريكي بفضل طفرة النفط الصخري التي غيرت خريطة تجارة النفط العالمية. وقال التقرير "معدل النمو (في أمريكا) أكبر من مجموع النمو في الدول التسعة التي تليها في ترتيب النمو وقد غطى أغلب صافي الزيادة في الطلب على مدى العامين الماضيين." وقالت بيرا إن متوسط إنتاج الوقود السائل في الولايات المتحدة  والذي ذكرت أنه يشمل إمدادات النفط الخام والمكثفات وسوائل الغاز الطبيعي والوقود الحيوي  سيبلغ 12.1 مليون برميل يوميا في 2013 متجاوزا السعودية التي كانت أكبر مورد في العام الماضي.

أوبك تتوقع

الى جانب ذلك قد تخسر أوبك نحو ثمانية في المئة من حصتها في سوق النفط خلال الخمس سنوات المقبلة إذ تعزز طفرة النفط الصخري ومصادر منافسة أخرى إمدادات المعروض من خارج المنظمة وهو ما يضعف استفادة أوبك من زيادة الطلب العالمي. وكانت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أبطأ من غيرها في الاعتراف بأثر النفط الصخري على إمدادات المعروض. وفي وقت سابق من العام قررت المنظمة القيام بأبحاثها الخاصة في النفط الصخري.

وفي تقريرها السنوي (آفاق النفط العالمية) توقعت أوبك تراجع الطلب العالمي على نفطها في المتوسط إلى 29.2 مليون برميل يوميا في عام 2018 منخفضا 1.1 مليون برميل يوميا عن مستواه في عام 2013 بسبب تزايد المعروض من خارج المنظمة المؤلفة من 12 عضوا. وفي إطار سيناريو آخر لارتفاع إمدادات المعروض تتوقع أوبك أن يتراجع الطلب على نفط المنظمة إلى حوالي 28 مليون برميل يوميا في عام 2018 وهو ما يقل 7.6 بالمئة عن مستوى العام الحالي ومليوني برميل يوميا عن إنتاج المنظمة حاليا.

وقال عبد الله البدري الأمين العام للمنظمة في تقدمة للتقرير "ليس هناك نقص في النفط والمصادر وفيرة. في مقابل الطلب العالمي المتزايد على النفط يوجد تنوع في مصادر الإمدادات." وتريد أوبك التي تمتلك 80 بالمئة من احتياطات النفط التقليدي في العالم أن تتراوح الأسعار حول 100 دولار للبرميل اي ما يعادل تقريبا نحو أربعة أمثال مستواها قبل عشر سنوات اعتبارا بالقيمة الاسمية.

وأعادت طفرة الوقود الصخري الأمريكي رسم ملامح تجارة النفط. وتضررت نيجيريا والجزائر البلدان العضوان في أوبك من هذه الطفرة وفقدتا بعض قوتهما في أكثر أسواقهما التصديرية ربحية بزيادة الإنتاج الأمريكي واقترابه من إنتاج روسيا أكبر منتج للنفط في العالم. ومع هذا فإن أوبك لم تشر إلى أنها قلقة بسبب النفط الصخري قائلة انه من المتوقع أن يهبط الإنتاج بعد عام 2020 فيما عزته إلى تحديات منها الهبوط السريع للإنتاج من الآبار والمخاوف البيئية وارتفاع التكاليف. وقال البدري عن النفط الصخري "إنه قادم جديد مرحبا به."

غير أن هذا السيناريو يفترض ان النفط الصخري ليس له تأثير خارج أمريكا الشمالية وان الهبوط يحدث فعلا. ولكن حتى الآن استمر انتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري في النمو مخالفا التنبؤات بأنه سيبلغ ذروته ثم يتراجع. ويثير النفط الصخري الاهتمام والنشاط في أنحاء العالم بما في ذلك في السعودية أكبر منتجي منظمة أوبك التي تستعد لاستخدام الغاز الصخي في توليد الكهرباء وتقر أوبك بأن النفط الصخري قد يكون له تأثير أوسع.

وقال تقرير المنظمة "بالإضافة إلى إمكانية نمو إمدادات النفط من أمريكا الشمالية بشكل أسرع هناك أيضا موارد إضافية للنفط في دول خارج منظمة أوبك خاصة روسيا والأرجنتين والصين." وأضاف أن إنتاج خامات النفط وسوائل الغاز الطبيعي الأخرى فاقت التوقعات في البرازيل وروسيا. وتتوقع أوبك أن يصل حجم الطلب العالمي إلى 92.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2016 اي ما يقل نحو 400 ألف برميل يوميا عن توقعاتها في تقرير العام الماضي.

وتتوقع المنظمة أيضا أن يصل معدل الاستهلاك بحلول عام 2035 إلى 108.5 مليون برميل يوميا بارتفاع 1.2 مليون برميل يوميا عن تقرير العام الماضي. وكان حجم الطلب بلغ 88.9 مليون برميل يوميا في عام 2012. ومن المتوقع أن يصل حجم المعروض من الدول غير الأعضاء في أوبك إلى 57.3 مليون برميل يوميا بحلول عام 2016 ارتفاعا من 56.6 مليون برميل كانت متوقعة في تقرير العام الماضي. ويتوقع أن يصل المعروض إلى 58.6 مليون برميل يوميا في عام 2018. بحسب رويترز.

ويتوقع الآن أن تستقر أسعار النفط أو ترتفع عن المستويات المتوقعة في العام الماضي. ويفترض التقرير أن يظل سعر سلة أوبك - مقياس أسعار النفط المفضل لدى المنظمة - عند 110 دولارات للبرميل حتى عام 2020 ويرتفع إلى 160 دولارا بحلول عام 2035 بارتفاع خمسة دولارات عن توقعات العام الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/تشرين الثاني/2013 - 22/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م