شبكة النبأ: حين اقتحم مسلحون حفل
زفاف وقتلوا أحد المدعوين بالرصاص في جنوب شرق تركيا أثاروا مخاوف من
تفجر موجة جديدة من أعمال العنف في منطقة تزداد اضطرابا بسبب الحرب
الأهلية في سوريا.
وأبرزت جريمة القتل في مدينة بطمان الخلافات بين الأكراد على نفس
خطوط الصدع الطائفية والعرقية للصراع الجاري في سوريا مما يعقد جهود
أنقرة لطي صفحة التمرد الكردي الذي بدأ منذ ثلاثة عقود على أراضيها.
وكانت عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني المسلح - التي
تهدف الى إنهاء صراع أودى بحياة اكثر من 40 الف شخص - هشة بالفعل.
لكن ظهور حزب (هدى بار) او (الدعوة الحرة) وهو حزب إسلامي سني نكأ
جروحا قديمة في الجنوب الشرقي وهو أفقر من بقية تركيا وقاسى ويلات
الصراع الكردي التركي.
ويستقطب الحزب الذي أنشيء في ديسمبر كانون الأول ويسعى لخوض
الانتخابات المحلية في مارس آذار دعم المتعاطفين مع جماعة حزب الله
التركية المسلحة التي قاتلت في التسعينات حزب العمال الكردستاني.
وقالت ايلا اكات عضو البرلمان من بطمان عن حزب السلام والديمقراطية
المؤيد للأكراد ويحظى بدعم القواعد المؤيدة لحزب العمال "سفك الدماء
مصدر عداء بين الجانبين وليس من السهل ان ينساه الناس."
ودخل العداء التاريخي منعطفا جديدا بسبب الحرب التي تشهدها سوريا
حيث يخوض إسلاميون سنة الآن معارك ضارية ضد قوات كردية سورية في شمال
البلاد قرب الحدود مع تركيا.
ويقول حزب العمال إنه في أواخر الشهر الماضي هاجم أعضاء في حزب
الدعوة الحرة السني مشيعين بالهراوات والمدي في جزيرة ابن عمر وهي بلدة
قرب الحدود مع سوريا والعراق بعد جنازة شاب كردي قتل في تفجير في سوريا.
ونفى حزب الدعوة الحرة تنفيذ أعضائه هجوما من هذا النوع وقال بدلا
من ذلك إن مجموعة ما بين 50 و60 شخصا ملثما توجهوا الى منطقة يعيش بها
أعضاء الحزب الإسلامي وهاجموهم مرددين هتافات "اللعنة على الإسلام"
و"اللعنة على الشريعة".
وجاءت هذه الواقعة بعد سلسلة هجمات على إسلاميين أعلن جناح الشبيبة
في حزب العمال الكردستاني المسؤولية عنها وقال إنها رد على هجمات على
الأكراد في سوريا.
ذكريات أليمة
بلغ العداء ذروته في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني حين تشاجرت
مجموعتان في حزب الدعوة الحرة وحزب السلام والديمقراطية في أحد شوارع
بطمان.
بعد ذلك بنصف ساعة فتح مسلحون النار على حفل زفاف مؤيدين معروفين
لحزب السلام والديمقراطية مما أسفر عن مقتل احد المدعوين هو اوزجان
تيميل وإصابة اثنين ثم فروا في سيارة.
وأحيا الحادث ذكريات أليمة لمئات من جرائم الثأر في المنطقة ارتكبها
حزب الله وحزب العمال الكردستاني المختلفان ايديولوجيا. وقاتل الحزبان
الدولة التركية وتعتبرهما أنقرة جماعتين إرهابيتين.
وتدفق الآلاف على بطمان لحضور جنازة تيميل ورفعوا أعلام حزب العمال
وصور زعيمه المسجون عبد الله اوجلان الذي خاض محادثات مع أنقرة طوال
العام الماضي بشأن إنهاء تمرد الحزب. وهتف كثيرون في الحشد "حزب الدعوة
الحرة قاتل" و"اللعنة على حزب الله".
وقتلت الشرطة التركية مؤسس حزب الله التركي حسين ولي اوغلو الذي ولد
في بطمان بعد حصار لفيلا في اسطنبول عام 2000 ونجحت هجمات أخرى في سحق
الجماعة الى حد بعيد. وحزب الله التركي غير مرتبط بحزب الله اللبناني
المدعوم من إيران.
ويعرف حزب الدعوة الحرة اختصارا باسم حزب الله وينفي اي صلات مباشرة
بالمسلحين لكنه يعترف بأن قاعدة الدعم لهما واحدة.
امتداد آثار الصراع في سوريا
تفاقم التوتر نتيجة لوجهة نظر يتبناها مؤيدو حزب العمال الكردستاني
على نطاق واسع وتنفيها أنقرة وهي أن الحكومة التركية تساند إسلاميين
متشددين في سوريا. ويقاتل مسلحون من جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم
القاعدة وجماعات جهادية أخرى الرئيس السوري بشار الأسد كما يقاتلون
أكراد سوريا في صراع صنع شبكة من الجيوب المتناحرة المقسمة على أساس
عرقي وطائفي.
وذكرت جمعية حرية الفكر وحقوق التعليم (اوزجور - دير) الاسلامية
التي قالت إنها تعمل مع كافة جماعات المعارضة المسلحة في سوريا لتوفير
المساعدات الغذائية إن عداء حزب العمال الكردستاني للإسلاميين في تركيا
أذكته تقارير عن ارتكاب مقاتلي المعارضة السورية الذين يقاتلون حزب
الاتحاد الديمقراطي الكردي فظائع اذ يعتبر هذا الحزب قريبا من حزب
العمال الكردستاني. وقال رضوان كايا رئيس جمعية (اوزجور - دير) في
مكتبه باسطنبول "حين قلنا إن هذه المزاعم غير حقيقية هاجم أنصار حزب
العمال الكردستاني مكاتبنا في فان وديار بكر بذريعة أننا ندافع عمن
يقتلون الأكراد في سوريا."
والى جانب الهجمات بقنابل حارقة على الجمعية تعرضت جماعات إسلامية
لحوادث مشابهة في جزيرة عمر وسيلوبي وبلدات أخرى في الجنوب الشرقي في
الأشهر القليلة الماضية فيما أعلن جناح للشبيبة بحزب العمال الكردستاني
المسؤولية عن بعض الهجمات عبر موقع تويتر.
وقال جناح الشبيبة بحزب العمال على موقع تويتر في 19 سبتمبر ايلول "ستستمر
عمليات حركتنا ضد من يعتبرون أنفسهم جهاديين ويدعمون عصابات تلطخت
ايديها بالدماء مثل القاعدة وجبهة النصرة والجيش السوري الحر."
وتساعد عدة جماعات تركية إسلامية المتشددين الذين يقاتلون في سوريا
لكن حزب الدعوة الحرة يقول إنه يفضل الحوار لإنهاء الصراع. وتقول اكات
من حزب السلام والديمقراطية إنه سواء كانت هذه الجماعات مرتبطة ببعضها
البعض ام لا فإن الأكراد في جنوب شرق تركيا يعقدون مقارنات مع الأحداث
في المنطقة الكردية بشمال سوريا المعروفة باسم روجاوا.
وأضافت في مكتب بمدينة ديار بكر في جنوب شرق تركيا "يقولون إن هناك
عصابات تستخدم السلاح ضد أهلنا واليوم استخدموا السلاح ضد الناس في
بطمان."
أزمة ثقة قبل الانتخابات
سرت مخاوف من أن يؤدي خوض حزب الدعوة الحرة الانتخابات المحلية في
مارس آذار التي يتنافس فيها حزب السلام والديمقراطية مع حزب العدالة
والتنمية الحاكم الذي ينتمي له رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الى تفاقم
التوتر في الأشهر القادمة.
ويشترك الحزبان الكرديان - الدعوة الحرة والسلام والديمقراطية - في
انعدام الثقة في المؤسسة التركية ويتكهنان بأن "الدولة العميقة" وهي
شبكة سرية من القوميين المزعومين داخل جهاز الدولة ربما تشعل الصراع
بينهما لإحباط جهود السلام.
ويقول حزب العمال الكردستاني إن عناصر مغمورة تعمل لحساب الحكومة
شجعت حزب الله على مواجهته في التسعينات في واحدة من اكثر موجات العنف
دموية في المنطقة.
والآن يتهم كل حزب الآخر بالحصول على مساندة تلك العناصر وإن كان من
المعتقد على نطاق واسع أن أنشطة "الدولة العميقة" تقلصت تحت حكم
اردوغان حيث أدين المئات بالتخطيط لانقلاب.
وقال حسين يلمظ نائب رئيس حزب الدعوة الحرة في مكتبه الرئيسي بديار
بكر لرويترز "الدولة العميقة لم تنحل قط في هذه المنطقة. ربما يكون
هدفها إحياء الصراع بين حزب العمال وحزب الله ومنع الأكراد من الحصول
على حقوقهم ربما لتخريب عملية (السلام)."
وقال حزب العمال إن من "المذهل" أن هجمات بطمان وجزيرة عمر وقعت بعد
اجتماع اردوغان مع زعيم حزب الدعوة الحرة زكريا يابجي أوغلو واتهم
الحكومة بغض الطرف.
واحتجزت الشرطة عضوا بحزب الدعوة الحرة الأسبوع الماضي فيما يتصل
بحادث إطلاق الرصاص في حفل الزفاف. وقال يلمظ إن الإجراء الذي اتخذته
الشرطة جزء من مخطط لإضعاف الحزب قبل الانتخابات مضيفا أن حزبه استهدف
بعشرات الهجمات التي لم يعاقب عليها احد.
وقال يلمظ الذي كان محاميا عن زعماء حزب الله فيما مضى "يريدون
تهميشنا او إظهارنا على أننا الجانب الذي يريد الصراع." وأضاف "نحن
واعون لهذا الفخ." |