اخلاقيات التغيير... الكلمة الطيبة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لكل بداية عتبة اولى، اذا عبرتها ستستمر وليس بمقدورك التراجع، او العودة الى الحالة التي كنت عليها.

نشهد ذلك في حياتنا كل يوم وساعة، فالطفل في نموه يعبر عتبات عديدة، واحدة بعد الاخرى، وفي مرحلة البلوغ او المراهقة او الشباب، كلها عتبات عبور، اي توقف عندها او عودة عنها، لاتنسجم وطبيعة الاشياء المتعارف عليها، وعد ذلك استثناءا لايعتدّ به، وتعرف تلك الحالة في علم النفس بالنكوص..

حتى لو استطعت التراجع الى ماقبل تلك العتبة الاولى، فانك في حالتك، حالة العودة، سيعلق بك الكثير من غبارها..

نجد ذلك حتى في المسائل التي تتعلق بالتوبة او الاستغفار، في علاقة العبد بربه، حيث امتدح الله سبحانه وتعالى عباده التوابون والمستغفرون في الاسحار، وهناك ايات كثيرة حول تلك المضامين..

لكن مع كل ذلك الاحتفاء الالهي بهؤلاء، هناك شرط رئيسي في التوبة والاستغفار وهو عدم العودة الى مايستغفر منه، والا عد التكرار استخفافا بهذا القبول الالهي، وهو عبور العتبة الاولى والتراجع عنها..

في الماثور النبوي الشريف، ان الكلمة الطيبة صدقة، وغاية البعثة النبوية اتمام مكارم الاخلاق، ترافقت مع اول مانزل في القران الكريم وهي كلمة (اقرأ)، والقراءة فعل لاكتشاف الكلمات وماتعنيه.

في اللغة العربية تقرأ الكلمة على وجوه ستة، ربما يمكننا ان نقرأ (العلق) بطريقة اخرى وهي (العقل)، ويمكننا الذهاب خطوة اخرى، حين نقرن القراءة بالكرم الالهي اللامحدود، باستعمال صيغة التفضيل (الاكرم) لتصعد (صدقة) الكلمة الطيبة الى رب العالمين سبحانه وتعالى عبر قراءة الغاية من البعثة النبوية وهي اتمام الاخلاق الكريمة..

ما الذي نريد قوله من خلال تلك المقدمة، والتي قد يختلف البعض معها او يتفق؟

نمطان من التفكير يسودان في حياة المسلمين، رغم مايبدو للناظر للوهلة الاولى من تعدد الانماط، الا انها تندرج تحت هذين النمطين، الاول هو التطرف والتكفير والعنف والقتل والارهاب، والثاني هو المسالمة والتسامح واللين والرفق، وكل واحد منهما له جذوره التاريخية والثقافية التي تحكم حياة المسلمين، منذ الايام الاولى للبعثة النبوية، وحتى اخر قراءة لمروياتها..

كمثل للقراءة الاولى والتي تتكرر في كل زمان ومكان، ماتناقلته وسائل الاعلام، عن قطع ارهابيين في سوريا ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) شجرة بلوط يزيد عمرها على 150 سنة بعدما اتهموا سكان المنطقة (بعبادتها دون الله).

وكانت الكلمات التي صاغت بيان البشرى (للمؤمنين) بهذه الصيغة (بحمد الله تعالى، تمت إزالة شجرة الكراسي التي عمرها أكثر من 150 سنة، وتعبد دون الله ويتبرك بها).

وقاطع تلك الشجرة كان قد عبر العتبة الاولى في قطع الرقاب وأكل الاكباد لمن يختلف عنه او لايدين بمذهبه.. وهم يظنون انهم يحسنون صنعا ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..

وكمثل للقراءة الثانية والتي ايضا تتكرر في كل زمان ومكان، ولكن صوته لايسمع لكثرة الضجيج حوله، ولعلو صراخ العابرين العتبة الاولى في قطع الرقاب والاعناق، هذا المثل نجده في صوت السيد صادق الشيرازي ونحن نقرأ له الكثير من فهمه لفلسفة البعثة النبوية عبر كلمة (القراءة) الاولى، ففي كتابه نفحات الهداية يقول:

(لنقرر من الان ان ندافع عن احكام الله تعالى، فنامر بالمعروف وننهى عن المنكر، في البيت وخارجه، مع الاصدقاء والجيران والغرباء بالمقدار الذي نتمكن.. وليس المطلوب منا ان نجرد سيوفنا ونحارب بل ليكن سلاحنا الكلمة الطيبة نقولها، فان سمعت منا فبها ونعمت، والا نكون قد ادينا ماعلينا وأبرأنا ذمتنا).

انه في دعوته لنا بالتغيير، يطلب منا عدم تجريد السيوف وشحذ السكاكين، لانها لاتوصلنا الى ما نريده، وهو المقدار الذي نتمكن من تحقيقه، والعتبة التي يوجهنا الى عبورها لايعلق منا من جراء عبورها اي غبار، وهي محل احتفاء الاكرم منّا / بنا.

ونقرأ للسيد صادق الشيرازي ايضا في وصفه للنمط الاول في (كتاب من عبقات المرجعية):

(من عوامل انتهاج بعض المسلمين منهج العنف هو الابتعاد عن الثقافة الاسلامية، والجهل بتاريخ النبي الاعظم (صلى الله عليه واله)  والائمة الطاهرين (عليهم السلام)..).

وهذا الابتعاد عن الثقافة الاسلامية الذي يراه السيد صادق الشيرازي، ماهو الا تعبير عن عدم القدرة او فقدانها على (القراءة) التي دعا اليها القران الكريم، والتي تعني الفهم والمعرفة، وبالتالي فان اصحاب النمط الاول يستسهلون تجريد السيوف على الاخرين تحت عناوين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون الالتفات الى قدرة وقوة الكلمة الطيبة في احداث التغيير المطلوب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تشرين الثاني/2013 - 21/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م