في لقاء متلفز مع الزعيم الكردي جلال طالباني أجراه التلفزيون
البريطاني في ابريل/نيسان 2006 قال: " فكرة انفصال أكراد العراق أمر
غير وارد وغير عملي لكون أكراد العراق محاطين بدول ذات أقليات كوردية
لم تحسم فيها القضية الكوردية بعد".
تصريح ربما أراد منه رئيس العراق الكوردي تهدئة المخاوف لدى العرب
العراقيين مما يسمونه انفصال الأكراد، وربما أراد الطالباني أن يعبّر
عمّا يشعر به باعتباره زعيما للحزب الوطني الكوردستاني في ظل الظروف
الاقليمية والدولية في حينه، حيث أكد قادة عديدون في هذا الحزب وبشكل
مستمر على أن الأكراد لن ينفصلوا عن العراق لأسباب تتعلق بالسياسة
والجغرافية والمحيط الإقليمي والثروات.
لكن ما قاله الرئيس طالباني في حينه قد لا يعبر بالضرورة عما يشعر
به أيضا قادة في حزب العمال الكوردستاني وفي مقدمتهم زعيم اقليم
كوردستان مسعود بارزاني، ففي تموز الماضي وجه الأخير باسمه وباسم
الزعيم الكوردي جلال الطالباني المختفي عن الساحة السياسية بسبب وضعه
الصحي، دعوات لنحو 39 حزبا كورديا يمثلون الاكراد في المنطقة لحضور
مؤتمر قومي للأكراد.
كان الهدف من المؤتمر إيصال رسالة إلى الدول الإقليمية التي يعيش
فيها الأكراد بأنهم عامل استقرار وسلام للمنطقة، بحسب عدنان المفتي
القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه طالباني.
لكن زعيم الحزب الديمقراطي، مسعود البارزاني قال وهو يشيد بالأحزاب
الكوردية التي تمت دعوتها إلى المؤتمر" نريد اتفاقا كاملا وحلا سلميا
وعادلا للقضية الكردية، لأننا نعتقد بان الأمة الكردية وثروات وموارد
كردستان باستطاعتها المساهمة بشكل كبير في تطور المنطقة ورفع المستوى
المعيشي للشعوب".
ويستبطن تصريح البارزاني الهدف الاساس من المؤتمر الذي تم تأجيله
لاحقا، وهو التنسيق بين الأحزاب والقوى الكوردية حول إمكانية قيام دولة
تجمع (الأمة الكوردية) الموزعة على أربعة دول اقليمية هي العراق وسورية
وتركيا وإيران، ويضيف اليها القوميون الكورد ارمينيا.
ويبدو أن الظروف الإقليمية التي لم تكن قبل عامين مواتية كثيرا
لتحقيق حلم الأكراد في قيام دولة خاصة بهم، قد تغيرت بدرجة كبيرة
وخصوصا في ظل ما يعرف بالربيع العربي، والوهن الذي اصاب دولا عديدة في
الشرق الاوسط بعد الأحداث والمتغيرات التي شهدتها في ظل هذا الربيع.
ففي سورية التي تحتضن نحو مليون كوردي بحسب الاحصائيات الرسمية- وهي
تقل عن الاحصاءات الكوردية بنحو مليون نسمة- شهدت البلاد حربا اهلية
طاحنة اضعفت النظام هناك ومكّنت الأكراد من الإعلان عن تشكيل الإدارة
الانتقالية لإدارة المناطق التي يسيطرون عليها.
هذه الخطوة ذات دلالات واضحة تسهم في فهم معالم التحرك الكوردي في
المنطقة وفي بيان ملامح كيان كوردي بات يتشكل، وقد فهمت تركيا جيدا هذه
الدلالات فسارعت إلى رفضها تشكيل ادارة انتقالية كوردية في سورية على
لسان عبد الله غول رئيس الجمهورية.
ودعت البارزاني للوساطة في تنفيذ قصة السلام المتعثرة مع حزب العمال
الكوردستاني التركي المعارض، فتركيا تدرك جيدا ما للبارزاني من علاقات
قوية في إدارة ملف الأكراد في المنطقة، ويرجح انها لن تحصر زيارة
البارزاني في دائرة مشاكلها مع حزب العمال الكوردستاني التركي، بل
ستسمعه قلقها ايضا من دعمه المتنوع للأكراد في سورية خصوصا بعد اعلانهم
تشكيل ادارة انتقالية لمناطقهم.
بجلاء، تبدو المؤشرات واضحة على ان الاكراد في العراق وسورية على
الاقل يسيرون باتجاه دولة كوردية يطمحون أنها ستكون نواة لدولة
(كوردستان الكبرى) التي يعتقد القوميون الكورد أنها لابد ان تقوم على
أجزاء واسعة من كردستان تركيا وكردستان إيران وكردستان العراق وكردستان
سوريا، بالإضافة إلى أطراف صغيرة على الحدود الجنوبية لأرمينيا.
صحيح أن للأكراد في المنطقة دولتهم اليوم وإن كانت لم تعلن بشكل
صريح. لكنها دولة قائمة في شمال العراق، لها مؤسسات مستقلة باستثناء
أنها تحصل على أكبر مواردها من نفط العراق في الجنوب، وتحتفظ بعائدات
ما تصدره من النفط في الاقليم لصالحها دون إطلاع الحكومة الاتحادية
العراقية على حجم هذه العائدات او طريقة تصدير النفط وكمياته.
ولهذه الدولة جيش وقوى أمن لاتعلم الحكومة الاتحادية عنهم شيئا
ولاعن أسلحتهم ولايمكنها تحريك عناصرهم داخل الاقليم وخارجه بل انهم
يأتمرون بأوامر سلطة الاقليم ويرفعون علمه فقط.
كما يلعب رئيس اقليم كوردستان دورا سياسيا خارجيا منافسا لرئيس
الوزراء الاتحادي نوري المالكي، حيث غالبا ما تتزامن زيارات البارزاني
الخارجية مع زيارات يقوم بها المالكي لدول أخرى ولهذا مدلولات حول حرص
البارزاني على دور سياسي خارجي اقرب ما يكون لدور رؤساء الدول.
هذا عدا عن أن المواطنين العراقيين من سائر مناطق العراق لا يدخلون
بسهولة الى الاقليم ويضطرون الى تسجيل اسمائهم والحصول على اذن لمدة
عشرة ايام عليهم تجديدها ثانية ان شاءوا، ويعد مدخل اقليم كوردستان
الجنوبي بمثابة معبر حدودي يتجمع عنده مئات العراقيين اسبوعيا بهدف
الحصول على اذن المرور.
بكل تأكيد انها مواصفات دولة مستقلة لكنها لم تعلن بشكل رسمي، وهذا
الحال لم يحدث عرضا بل هو ناجم عن تخطيط استراتيجي بعيد المدى اتبعته
القيادة الكوردية نحو تأسيس كيان رسمي يفرض نفسه أمرا واقعا ليكون
الإعلان عنه في اللحظة المناسبة مسألة توقيع لا أكثر.
* كاتب وصحفي من العراق
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/abassarhen.htm |