كيف نروج لأفكارنا

صالح الطائي

 

بالرغم من كوني لست من أنصار سماع الأغاني ولا أحبذ أو أشجع على سماعها ولا اعترض على من يسمعها فالناس أحرار فيما يعشقون؛ إلا أن أخبار المغنين والغناء قد تعترض سبيلي مصادفة فأعرض عنها أو انظر فيها لحاجة في نفس يعقوب، وقد اعترض سبيلي قبل أيام خبر عن أغنية لواحدة لم أسمع بها من قبل؛ اسمها "دنيا سمير غانم" حققت أكثر من مليون مستمع في يومين فقط، يقول الخبر: إن المغنية "طرحت رابع أغاني ألبومها الجديد على موقع اليوتيوب. والأغنية بعنوان "الوقت بيسرقنا"، وهي من كلمات أمير طعيمة وألحان هشام جمال وتوزيع مادي، والألبوم من إنتاج شركة روزناما ريكوردز، والكليب من تصميم حسين مطر. وهى الأغنية الرابعة التي يتم إصدارها على موقع اليوتيوب من ألبوم يضم 12 أغنية استغرق عامين من التحضيرات والتجهيزات ليخرج في أفضل صورة تقدمها دنيا وشركة روزناما للجمهور، حيث حرصت الشركة على مزج أنواع موسيقية مختلفة كي ترضي جميع الأذواق مع التدقيق في اختيار الكلمات".

فلماذا يلجأ بعض الدعاة والمصلحين والباحثين والمفكرين إلى أسلوب الارتجال في مشاريعهم البنائية ليطرحوها دون مراجعة أو تدقيق أو بحث عما يناغم الذائقة الجمعية وحتى الفردية فتأتي خديجة يعتورها الوهن لا تكاد تقف على قدميها؟

أليس من الأولى والأجدى أن يتم الإعداد لمثل هذه المشاريع في الأقل بنفس درجة الإعداد للمشاريع التي يتبناها الآخرون؟

ألا يحتاج الكتاب أو اللوحة أو المشروع التثقيفي إلى حرص على مزج مباهج مختلفة وتدقيق في اختيار الجمل والأفكار ليرضي جميع الأذواق حتى ولو كان أقل كثيرا مما تحتاجه الأغاني مثلا؟

إن الانتكاسات المتلاحقة التي تصيب المشاريع البنائية فتفشلها أو تحجمها، أو تدخلها في منافسة صعبة تربكها إلى درجة الإنهاك أدت فيما أدت إلى تشخيص العوز الفكري والإعسار العقلي الذي تعاني منه الكثير من المشاريع التي يؤمل منها النهوض بالمجتمع أو في الأقل الحفاظ على البقية الباقية من الاستقامة التي فيه.

ويعني هذا أن على القائمين على تلك المشاريع أن يعيدوا النظر في آليات مخططاتهم وعدة عملهم القديمة المتهالكة ليوجدوا آليات وعددا من الواقع الثائر المتحرك المتغير المعاش يوظفونها لكسب الرأي العام ويستخدمونها للترويج لمشروعهم فهو بمظهره القديم صار رثا ولم يعد قادرا على اجتذاب الناس إليه.

وأنا هنا لا أقصد خطا محددا بعينه، فباستثناء الغناء والرياضة اللذان يجدان مشجعين بلا عدد؛ تشكوا كل المشاريع الفكرية والثقافية والاجتماعية الأخرى من ندرة السامع وقلة الرائي وغياب المطبق أو المتفاعل فضلا عن قلة أو انعدام المكسب المادي المتحقق منها، وعليه لا بأس في أن نأخذ من الرياضة حركتها ومن الغناء بهرجته لنوظفهما في الترويج لمشاريعنا المهمة الكاسدة عسى أن نستثير الناس عنوة ليتفاعلوا معها ويكتشفوا مناطق المتعة والإفادة فيها لأننا إذا لم نحاول تجديد مسيرتنا حتى ولو بالتقليد سنجد حراكات حياتنا تنكفئ متقهقرة إلى الوراء أو متحجرة في مكانها لا نفع ولا دفع بها؛ وبالتالي تقتصر  النشاطات الجماهيرية المليونية على الغناء والرياضة وحدهما مع تعطل شامل للجوانب الأخرى التي لم تعد قادرة على جذب العشرات وليس المئات والألوف والملايين.

فمن المهين جدا ـ وأنا لا أقول هذا لأحط من قدر الغناء والمغنين ـ أن نجد ألبوما غنائيا يحقق بيع نسخ بالملايين في أيام معدودات ولا يحقق كتاب علمي أو فلسفي أو اجتماعي في غاية الأهمية أكثر من بيع خمس نسخ ثلاث منها تشترى لتزين بها المكتبات الشخصية وليس للقراءة والإفادة من مضمونها، ومن الغريب أن تجد مختلف الأعمار تعرف صغائر وكبائر حياة الرياضيين وتهتم بمتابعتها والبحث عن جديدها ولا تعرف شيئا عن إنتاج ـ ولا أقول حياة ـ هذا المفكر أو ذاك، فليس بالرياضة والغناء وحدهما يحيى الإنسان.!!

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/salehaltaei.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/تشرين الثاني/2013 - 15/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م