هل يوجد في السعودية تعايش سلمي حقيقي قائم على التعددية الفكرية
والمذهبية واحترام الرأي والرأي الاخر، اي هل كل فئة وجماعة تمارس
حريتها، أم التعايش المقصود هو ان تتنازل كل فئة عن خصوصيتها وأفكارها
لتسيطر فئة محددة على المشهد، باسم المحافظة على التعايش السلمي. وهل
ذلك التنازل يمثل تعايش سلمي حقيقي أم العكس؟.
هل شرق الوطن " وبالتحديد الاحساء" يشكل أفضل أنموذج في التعايش
السلمي في المملكة كما يقال، حيث يوجد فيها كافة المدارس المذهبية
الاسلامية، وفيها تنوع فكري، ففي الأحساء يوجد كثافة سكانية من الشيعة،
بالاضافة إلى السنة من كل المذاهب: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي؟.
الأحساء أرض جاذبة منذ القديم لأنها أرض خير، فهي سلة اقتصادية
عامرة في الفترة التي سبقت اكتشاف النفط حيث تشكل أكبر واحة زراعية في
الجزيرة العربية، وتطل على ساحل بحر الخليج، وحافظت على مكانتها عبر
اكتشاف النفط ففيها يقع أكبر حقل في العالم (حقل غوار) ويقع في الأحساء
والكثير من الآبار في حرض والعثمانية وخريص وشدقم...، ومنطقة شيبة
التابعة للاحساء إداريا، والأهم من ذلك طبيعة أهل الاحساء أهل الساحل
الشرقي في الجزيرة، فهم يرحبون بالآخرين ويفتحون قلوبهم قبل بيوتهم لمن
يأتي إليهم، ويحترمون عقيدة وفكر الاخر، اي ليس لديهم تعصب أو كراهية..،
ولهذا السبب أستقر العديد في هذه المنطقة وعاشوا فيها بلا تفريق.
التعددية والتهميش
الأحساء منارة للعلم والثقافة والاداب، وعلم الشريعة، ففي الاحساء
مدارس لكافة المذاهب، وحافظت الاحساء على هذا التنوع رغم التحديات
الصعبة، ومنها تعرض كافة المدارس للتهميش كالصوفية والشافعية والمالكية
والحنفية والحنبلية التي خارج إدارة السلطة، وذلك بسبب محاولة السلطة
فرض مذهب أو فكر محدد على كافة المدارس وهو فكر مدرسة محمد بن
عبدالوهاب التي تسمى الوهابية، فمع تبني رأس السلطة ذلك الفكر خسرت
البلد والمنطقة روح التعددية.
والطامة الكبرى كانت عبر محاربة الفكر الشيعي، وتكفير أتباعه من
خلال المناهج التعليمية والمنابر، وعدم احترام المذهب الشيعي بشكل عملي،
ومنع دخول الكتب الشيعية وعدم السماح للمدارس الشيعية بالانتشار كحق
وطني!!.
منذ الثمانينات من القرن الماضي وإلى الآن والوطن والمنطقة تشهد
ازمات واحتقان استطاع العقلاء منع الانفجار، ومازال الخطر قائما مع
تزايد حالة الطائفية البغيضة في المنطقة مما تهدد بانفجار كبير.
هل في السعودية عامة وفي شرق الوطن والاحساء بالخصوص تعايش سلمي
حقيقي أم مجرد كلام ومجاملات وامنيات؟.
نعم نتمنى ان تكون بلادنا والاحساء أفضل نموذج حقيقي وعملي على ارض
الواقع، ربما هذا الواقع الموجود حاليا يمثل افضل نموذج تعايش متاح في
الوطن، ولكنه نموذج ناقص.. يحتاج إلى دعم وتعاون من أهل الاحساء كافة،
عبر احترام التعددية والرأي الاخر وثقافة الاخر والسماح لكل فئة ممارسة
ما تؤمن به بحرية، لنجد حراكا مؤثرا لكافة المدارس الأمامية الجعفرية
الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والصوفية والسلفية والمدارس
التنويرية..، وتتويج ذلك بالمشاركة.
غضب أحسائي
الاحساء شهدت مظاهرات كبيرة وبالخصوص في يوم 4 مارس 2011م. - ومازال
الحراك مستمرا في المنطقة وبالتحديد في القطيف - للمطالبة بالحقوق
وتطبيق العدالة والمساواة بين المواطنين والافراج عن المعتقلين ومنهم
الداعية الحقوقي البطل القائد الناشط الشيخ توفيق العامر، ورحيل
المحافظ.
والمثير ان في أيام شهر محرم تكرر استخدام مصطلح التعايش السلمي!!.
نشرت المواقع الالكترونية منها موقع صحيفة الاحساء نيوز الخبر
التالي: في الساعات الاولى من يوم السبت 9/11/2011م الموافق 5 /محرم/
1435م.: تعرض مسجد الامام علي (ع) بالخرس شمال مدينة المبرز، للاقتحام
من مجموعة من المتطرفين، قاموا بالتخريب والتكسير للميكروفانات وسرقة
بعضها والعبث بالأجهزة، وسرقة الترب والمسابيح، وان كاميرات المراقبة
في المسجد قامت بالتصوير. وختم الخبر بالكلمة التالية:" ويبقى التعايش
الاحسائي مستمرا"!!.
هذه الحادثة مرفوضة من جميع الشرفاء في الوطن من كل الفئات،
والمجتمع الأحسائي أصيل متسامح يرفض العنف والتخريب والتطاول على دور
العبادة، وما حدث يتطلب وقفة من الأهالي لتكريس الأخوة الصادقة والمحبة
وروح التسامح بشكل عملي عبر التواصل.
الكلمة الاخيرة في الخبر حول التعايش السلمي، هي محل الإثارة، كما
ان بعض خطباء المنبر الحسيني أكدوا على ان الاحساء نموذج " للتعايش
السلمي" كما نقل الاعلام المحلي.
نعم للتعايش السلمي، المبني على العدالة والتعددية وممارسة الحرية
الفكرية لجميع المدارس، لا للمنع التنوع والتعددية الفكرية والعقائدية..،
ولا للاعتداء على بيوت الله ودور العبادة وحقوق الآخرين ومنها حق
التعبير عن الرأي.
التعايش السلمي والتنازل!
المشكلة في الأحساء وأهل الاحساء، انه لا يسمع ولا يذكر بالتعايش
السلمي إلا عندما يغضب المواطنون أبناء المنطقة، نتيجة أحداث سلبية
وقعت ضدهم، حيث تبرز هذه الكلمة في محاولة لتهدئة الشارع!!.
ولكن؛ لماذا مطلوب من المواطنين المحرومين من ممارسة حقوقهم اتباع
المدارس الاخرى غير المؤسسة الحكومية وبالخصوص مذهب الامام جعفر الصادق
دائما تقديم التنازل بعد التنازل للمحافظة على التعايش السلمي، وكأن
التعايش لا يقوم الا من جهة واحدة عبر تنازل المواطنين وبالتحديد أهل
المنطقة عن حقوقهم كي لا تغضب الدولة ولا الشركاء من المذاهب الاخرى؟؟!!.
لماذا لا يتم التعاطي معهم بانهم مواطنون ولهم حقوق ويجب ان يحصلوا
على حقوقهم كاملة كحق لكل مواطن، ولماذا لا يتحرك الاخرون الشركاء في
المنطقة والوطن للدفاع عن حقوق المواطنين وبالخصوص الطائفة التي تشكل
الأكثرية في المنطقة، ودعمهم لممارسة حقوقهم الوطنية، الدينية،
والفكرية، بشكل عملي وتطبيقي وليس العكس.
إن التعددية الحقيقية تكون عبر فتح المجال لكافة المدارس بممارسة
حقها، فذلك اثراء للفكر وقوة للوحدة والنسيج الوطني.
هل من التعايش السلمي، إن كافة مسؤولي الدوائر الحكومية وغيرها في
المنطقة من طائفة محددة، ولو كانت تلك الادارة كرئاسة الغرفة التجارية
والصناعية بالاحساء، ولماذا لا يكون منهم وزراء ومسؤولين كبار في
الدولة!؟.
هل من التعايش السلمي، عدم المساواة في الحقوق والمواطنة، ومنع
مواطنين لغاية اليوم من الحصول على حق المواطنة بشكل كامل، والتعامل مع
المواطنين حسب المحسوبية والقبلية والمناطقية والمذهبية؟
هل من التعايش السلمي عدم السماح لأي فئة غير التي تمثل السلطة
وبالخصوص في المجال الديني من الظهور على وسائل الاعلام الرسمية؟
هل من التعايش السلمي، الإساءة في الكتب المدرسية للمواطنين، وطباعة
ونشر كتب في الدوائر الحكومية في إساءة وتجريح للمواطنين؟.
هل من التعايش السلمي، تغيير مسميات مناطق وإحياء وشوارع قديمة
مشهورة الى مسميات جديدة حسب مزاج تيار يسيطر على الوطن، وفيها اسماء
مثيرة تثير الطائفية، وأسماء ليست من البيئة لفرض واقع جديد، لماذا
تسمى الأحياء والشوارع بدون مشاركة أهالي المنطقة السكان، لماذا يفرض
عليهم فرض وعليهم القبول والتنازل من باب التعايش السلمي، ولكن من يمثل
السلطة لا يقدم اي احترام للحقوق وللتعددية؟
هل من التعايش منع المواطنين من الاذان حسب ما يرونه، وذلك في مناطق
سكناهم، وهل من التعايش السلمي أن يمنع بناء وتجديد دور العبادة
المساجد، وهل من التعايش منعهم من اقامة المهرجانات والفعاليات
الثقافية والأدبية والدينية كالقراءة الحسينية في الأماكن المفتوحة "العامة"
كما هو في المناطق والمدن الاخر والدول المجاورة والسماح بمسيرات
العزاء في الطرق في مناطقهم، وهل من التعايش السلمي أن يمنعوا من وضع
الرايات التي تدل على مصيبة عاشوراء ومناسباتهم في مناطقهم، وهل من
التعايش السلمي منع المواطنين من الاحتفال بالمناسبات الخاصة الحزينة
والمفرحة بطريقتهم، كالاحتفال بالمولد النبوي الشريف (ص)، وليلة
الاسراء والمعراج، وبمناسبة مولد الامام علي ومولد السيدة فاطمة
الزهراء (ع)، ومولد الامام الحسن (ع) ليلة القرقيعان الناصفة، وبمناسبة
مولد الامام المهدي (عج) النصف من شعبان؟؟.
هل من التعايش ان يمنع المواطنين في حاضرة الدمام - أكثرهم من أصول
احسائية شاركت في انشاء حاضرة الدمام -، من بناء مساجد او حسينيات او
ممارسة حق احياء مراسيم عاشوراء الحسين في محرم، او يسمح لهم بدفن
موتاهم في مقبرة الدمام، او في مقبرة خاصة؟.
قتل التعايش
ان التعايش السلمي في الاحساء تعايش اجباري حسب مزاج تيار يمثل
السلطة، قائم على تنازل كل مجموعة عن حقوقها، لدرجة ان لا أحد يسمع عن
التيارات التي تمثل التعددية حيث غابت التعددية، واصبح التعايش السلمي
مجرد اسم او كذبة لقد تم قتل التعايش السلمي والقضاء على التنوع
والثقافة التعددية، وكل فئة سكتت وتنازلت عن حقوقها هي شريكة في قتل
التعايش السلمي في الوطن والأحساء بالخصوص.
التعايش السلمي واحترام التعددية
إن التعايش السلمي الحقيقي، يكون عبر احترام التعددية واحترام الرأي
الاخر والتعامل مع الجميع حسب المواطنة، والسماح لأفراد أي فئة بممارسة
حريتها التعبدية والفكرية، وعدم وضع لائحة ممنوعات تزيد من الاحتقان
الذي يولد الانفجار.
دعوة للمشاركة لتكريس التعايش
ولأجل إرسال رسالة واقعية تعبر بشكل حقيقي عن التعايش السلمي في
الاحساء، أتمنى أن يشارك اهل الاحساء والوطن بتنوعهم في المهرجانات
والمراسيم الخاصة بكل فئة بكلمة او عمل ما، وبما اننا نعيش أجواء ذكرى
شهادة الامام الحسين ابن علي (ع) حفيد رسول الله محمد (ص)، فالحسين هو
حفيد الرسول الاعظم (ص)، وهو لكافة المسلمين بل والعالم، ويفتخر
المواطنون والوطن باحتضان قبر خاتم الأنبياء سيدنا محمد (ص)، كما ان
الامام الحسين مولود في مدينة جده المدينة المنورة، وهو وأخوه الامام
الحسن ريحانة الرسول (ص) محبتهما من محبة جدهما (ص) وابيهما (ع)، فنامل
أن تكون هناك مشاركة في الفعاليات المصاحبة لمراسم احياء ذكرى شهادة
الامام الحسين.
وان يسمح منذ اليوم للمواطنين بممارسة حقهم في احياء مناسباتهم
بطريقتهم، وان ترتدي شوارع الاحساء والمدن التي يتواجد فيها عشاق
الحسين الرداء الأسود ويسمح برفع الرايات على البيوت والطرق، والسماح
لمواكب العزاء بالخروج في الطرق.. وان يقوم الاعلام المحلي بنقل الحدث
ليكون دليلا للعالم بان الاحساء تعيش التعايش السلمي الحقيقي.
وليس العكس عبر اعتقال كل من يرفع راية، او يقوم بإحياء المناسبات
في بيته !!.
احترام فكر الاخر
فمن خلال احترام فكر ورأي الاخر والسماح له بممارسة حريته الفكرية
والعقائدية في الوطن وبالخصوص في مناطق وجودهم هو أفضل رسالة للداخل
والخارج حول حقيقة التعايش السلمي.
هل ستتحقق هذه الأمنية لتكريس ثقافة التعددية واحترام الرأي والرأي
الاخر ليتحقق التعايش السلمي بشكل حقيقي على ارض الواقع.
هل يوجد في السعودية والاحساء أحترام للتعددية ليكون هناك تعايش
حقيقي وليس مجرد كلام؟.
ان منع المواطنين من حقوقهم الوطنية وممارسة حريتهم وبالخصوص
الدينية والفكرية يخالف ابسط مفاهيم التعايش السلمي، بل يؤدي الى
الاحتقان ثم الانفجار، فأهل الاحساء والمناطق الاخرى في الوطن يعيشون
الكبت من الحرمان وتقديم التنازل طوال السنين الماضية من اجل المحافظة
على روح التعايش السلمي، هل سيتم انصافهم؟
نعم للتعايش السلمي والسلام في الاحساء والوطن والخليج وفي الدول
العربية والاسلامية والعالم، عبر احترام التعددية ورأي الآخر وإعطاء
الحرية والسماح لأي فئة ان تمارس طريقتها في التعبير عن معتقداتها
وفكرها، والتعامل مع كافة المواطنين حسب المواطنة.
إن التعددية الحقيقية تكون بفتح المجال لكافة المدارس بممارسة حقها،
فذلك اثراء للفكر وقوة للوحدة والنسيج الوطني.
شكرا لأهل الاحساء وكافة المواطنين الشرفاء الذين يرفضون الاعتداء
على بيوت الله والتضييق على المدارس المتنوعة، وانتهاك الأعراض، والظلم
والفساد، والقمع الفكري والديني والسياسي، والاعتقالات ومنع الناس من
حقوقهم، ويرفضون الاعتداء على حقوق الآخرين مهما كان الاختلاف، وشكرا
لمن يطالب بتطبيق العدالة والمساواة واحترام التعددية في الوطن الغالي،
فان احترام الرأي والرأي الاخر واحترام التعددية الفكرية والثقافية
والمحافظة على التنوع الثقافي الموروث في كل منطقة في الوطن دليل على
نجاح التعايش السلمي ودليل عافية ومصدر قوة للوطن والمواطنين، ونتمنى
ان تكون الاحساء أنموذجا حقيقيا للتعايش في الوطن والمنطقة.
http://annabaa.org/news/maqalat/alialgarash.htm |