الإرهاب في اليمن... يهشم ما تبقى من الدولة

متابعة: كمال عبيد 

 

شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة احتدمت التوترات الأمنية والسياسية مجددا في اليمن بموازاة عدم التوصل الى توافق نهائي في الحوار الوطني اليمني، وبموازاة احتدام التوتر الطائفي في المنطقة عموما، فما زال يكتنف هذا البلد العربي مشهد العنف والفوضى المتكرر في الدولة المنقسمة، نتيجة تنامي الفوضى والعنف، فضلا عن احتدام الصراع الطائفي بين الحوثيين والسلفيين على نحو مضطرد.

إذ تشهد منطقة دماج مواجهات متصاعد بينهما منذ 2011، كما ازدادت الهجمات التي تستهدف مواقع وضباطا في قوات الشرطة، في الاشهر الماضية في اليمن، وخصوصا في المحافظات الجنوبية والشرقية، وعموما تنسب السلطات الهجمات الى تنظيم القاعدة، الذي استفاد من ضعف السلطة المركزية في 2011، خلال حركة الاحتجاج الشعبية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لبسط سيطرته على هذه المناطق، وهذا ما وضع اليمن في ازمة متصاعد بسبب أعمال العنف مع القاعدة في ظل الانقسامات الداخلية السياسية التي أدت الى هشاشة الدولة سياسيا وامنيا واقتصاديا، فكلها أمور تتيح أرضا خصبة للقاعدة للتخطيط لغارات وهجمات جديدة، في الوقت الذي بات فيه الاغتيال هو حلقة جديدة من سلسلة عمليات قتل تطال العسكريين والمسؤولين الامنيين، وقد نسبت بغالبيتها لتنظيم القاعدة.

لذا يرى الكثير من المحللين أن انفلات الأمني و القتال المستعر وزيادة حدة التوتر والصراع بين الاطراف المتخاصمة الحكومية وغير الحكومية، فضلا عن التأجيج المذهبي في اليمن، جميعها هذه الامور تقود الدولة الى هشاشة عل الاصعدة كافة، وقد زاد هذه الامور من  تأزم الأوضاع ورفع من حالة الاحتقان السياسي، لتقدم صورة سياسية امنية لانعدام الثقة بين المكونات السياسية ولتشكل أساس الأزمة في اليمن الجديدة.

في سياق متصل قتل يمنيان احدهما جندي، واصيب اخرون، في اعمال عنف، اندلعت بين قوات الجيش وسكان مدينة ساحلية في محافظة ابين، جنوب اليمن، معقل القاعدة، بحسب ما افادت مصادر محلية وشهود عيان، لوكالة فرانس برس .

وذكرت المصادر نفسها، ان اعمال العنف التي اندلعت بين الاهالي والجيش، جاءت عقب مسيرة شارك فيها العشرات من سكان مدينة "احور" الساحلية، للمطالبة بانسحاب قوات الجيش، واللجان الشعبية الموالية للحكومة من مدينتهمـ وقال شهود عيان، ان المحتجين اصطدموا مع افراد نقطة تفتيش للجيش، ترابط عند اطراف السوق الشعبي لـ "أحور"، ما ادى الى مقتل احد المحتجين، واصابة اخر، واضاف المصدر نفسه، ان عددا من المحتجين شن لاحقا هجوما مسلحا على النقطة نفسها، ما ادى الى مقتل جندي واصابة اثنين اخرين.

وتعرض مقر ونقاط تفتيش تابعة للواء 111 المرابط في المدينة، لعدة هجمات أدت الى سقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات الجيش، كان آخرها في 31 تشرين الاول/اكتوبر. وقتل حينها جنديان ومدني على ايدي اعضاء مفترضين في القاعدة.

من جهته دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، السلفيين والحوثيين إلى ضبط النفس والابتعاد عن العنف، عقب اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين رعته الأمم المتحدة.

وقال هادي خلال اجتماعه برئاسة مؤتمر الحوار الوطني، إن "المشكلة التي برزت في بلدة دماج بين الحوثيين والسلفيين شوّهت الصورة إلى حد بعيد، وعلى جميع الأطراف الالتزام بضبط النفس والابتعاد عن العنف". وحذّر من "التأجيج المذهبي، الذي لا يخدم أمن واستقرار الوطن في شيء".

لكن في الوقت نفسه انهار وقف اطلاق النار بين المتمردين الحوثيين الشيعة والسلفيين في منطقة دماج بشمال اليمن بعد ساعات من اعلانه ودخول الصليب الاحمر لاجلاء الجرحى من منطقة النزاع، بحسبما افادت مصادر من الطرفين، وقال علي البخيتي المتحدث باسم الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني لوكالة فرانس برس ان "وقف اطلاق النار سرعان ما انهار بعد ساعات فقط".

وبحسب البخيتي، فان السبب "هو ان الشيخ يحيى الحجوري (الذي يدير المجمع التعليمي السلفي في دماج) لم يستطع السيطرة على المسلحين الاجانب المتمركزين في محيط دماج".

وشدد البخيتي على ان "المواجهات هي بين انصار الله (وهو الاسم الرسمي للحوثيين) والمقاتلين الاجانب في دماج، وهم بالمئات"، ويقول الحوثيون ان مركز دماج يضم مئات المسلحين الاسلاميين الاجانب "التكفيريين"، وقال البخيتي ان "المعركة الحقيقية ليست مع السلفيين بل مع ال الاحمر الذين يستخدمون السلفيين، ومع النظام السابق"، وآل الاحمر يتزعمون قبائل حاشد، فيما يعد رجل الاعمال حميد الاحمر من اهم قادة التجمع اليمني للاصلاح الذي يمثل تيار الاخوان المسلمين ويضم جناحا سلفيا في نفس الوقت.

من جهته، قال المتحدث باسم السلفيين في دماج سرور الوادعي لوكالة فرانس برس ان "الهدنة انهارت بعد ساعتين فقط بسبب تعنت الحوثيين"، وذكر الوادعي ان المسلحين الحوثيين "لم يسمحوا بهدنة حتى اثناء دخول فريق الصليب الاحمر حين قتل احد طلاب المركز"، وبحسب المتحدث السلفي، فان مركز دماج ما زال يتعرض للقصف بشتى انواع الاسلحة من قبل الحوثيين الذين يحاصرون المنطقة، مشيرا الى ان الصليب الاحمر اجلى 23 جريحا من اصل مئتين في المكان، كما ذكر ان بين قتلى المركز "عدد من الاجانب بينهم فرنسي وكندي وروسي واسيويون".

من جهتها بدأت السلطات اليمنية حملة امنية جديدة لوضع حد للانفلات الامني وانتشار حمل السلاح في المدن الكبيرة بعد تزايد حوادث الاغتيال التي تستهدف ضباط الجيش والامن والمخابرات، وكثفت القوى الامنية انتشارها على مداخل المدن الكبيرة وفي تقاطعات الشوارع الرئيسة بهدف التدقيق في السيارات والدراجات غير المرخصة اثر استخدامها في اغتيالات تعرض لها ضباط الجيش والمخابرات وتزايدت في الآونة الاخيرة .

وقال العميد محمد القاعدي المتحدث باسم وزارة الداخلية لوكالة فرنس برس أنها "حملة امنية لوزارة الداخلية بالتعاون مع بعض وحدات الجيش في أمانة العاصمة ومختلف المحافظات تستهدف خصوصا ضبط المتجولين بالاسلحة في المدن الرئيسية"، واضاف ان "حمل السلاح ظاهرة مقلقة" مشيرا الى ان الحملة تكاد تكون الاولى التي تتسم بالجدية بعد الثورة الشبابية" في اشارة الى الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

واكد ان الحملة "لا تستثني احدا من حملة السلاح الذين يتجولون في العاصمة او المدن الرئيسية"، واوضح القاعدي ان "بعض عمليات الاغتيالات يقف وراءها تنظيم القاعدة"، وتشكل الدراجات النارية والسيارات غير المرقمة هاجسا كبيرا فشلت في احتوائه حملات امنية متعاقبة، لكن المتحدث اوضح انه "لا نستطيع القول انها فشلت فالحملات السابقة اثمرت جيدا (...) فالتجول بالسلاح لم يعد كما السابق فقد خف بشكل كبير بين العامين 2011 و2013".

وتواجه حكومة الوفاق انتقادات متزايدة حتى من قبل مكونات سياسية مشاركة في الحكومة بسبب عجز الاجهزة الامنية عن وقف الانفلات الذي تمدد الى عدد من المدن مصحوبا بحوادث اغتيال مستمرة، فقد قتل مسلحون ضابطا في الاستخبارات امام منزله في صنعاء في حادث مشابه لعمليات اغتيال اخرى، وتاتي عملية الاغتيال غداة اعلان السلطات افشال اجهزة الاستخبارات محاولة فرار حوالى 300 سجين من القاعدة نفذوا عصيانا في احد سجون صنعاء.

وتكثفت الهجمات التي تستهدف ضباط الشرطة والجيش في الاشهر الاخيرة في اليمن ولا سيما في محافظات شرق البلاد وجنوبها وغالبا ما تنسبها السلطات الى القاعدة، واستفاد التنظيم الاسلامي المتشدد من ضعف السلطة المركزية في 2011 بعد الاحتجاجات ضد صالح عام 2011 لتعزيز نفوذه في البلاد.

في الوقت نفسه حذّر قائد المنطقة العسكرية السابعة بمحافظة البيضاء، وسط اليمن، اللواء الركن علي محسن مثنى، من سقوط المحافظة بيد عناصر تنظيم القاعدة، لافتًا إلى أن المحافظة تشهد تهديدات إرهابية تحاك ضدها من قبل عناصر التنظيم.

 ودعا مثني، في كلمة ألقاها في اجتماع للقيادات الأمنية والمحلية في البيضاء، إلى تحمّل المسؤولية وحماية المحافظة من العناصر الإرهابية التي تحاول فرض سيطرتها عليها وإقلاق سكينتها”، قائلاً: “أدعو أبناء محافظة البيضاء خاصة واليمن عامة للتكاتف والتوحّد ونبذ الخلافات من أجل إنقاذ الوطن من عصابات الإرهاب والإجرام”، بحسب مصدر عسكري حضر الاجتماع.

كما طالب قائد المنطقة العسكرية السابعة في المحافظة بـ”الذود عن المحافظة وعدم تركها في متناول الإرهابيين والمخربين”، وكانت قوات الأمن اليمنية، استعادت السيطرة على معسكر لقوات النجدة بمحافظة البيضاء، كان عناصر من تنظيم القاعدة قد استولوا عليه في مدينة رداع عاصمة محافظة البيضاء، وسط اليمن، مؤخرا.

واندلعت اشتباكات بين عناصر من تنظيم القاعدة وقوات الجيش اليمني في معسكر 26 ميكا بمدينة رداع عاصمة محافظة البيضاء وثلاث نقاط أمنية في مدخل محافظة البيضاء ما أدى إلى سقوط جنديين وعدد من الجرحى.

وكانت معارك اندلعت بين مسلحي القاعدة وقوات الجيش بمنطقة “المناسح” في محافظة البيضاء، في يناير/كانون الثاني من العام الجاري، وأدت إلى نزوح عشرات الأسر إلى محافظة ذمار المجاورة، شمال، قبل أن تستطيع الدولة طرد عناصر القاعدة من المدينة وعودة الحياة إلى طبيعتها، وقتلت غارة جوية أمريكية في شهر أغسطس/ آب الماضي زعيم تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء، قائد الذهب، أثناء تواجده في سيارته بمدينة رداع، وسط اليمن.

وفي وقت لاحق تم الغاء جلسة العمل الاولى في سلسلة الجلسات الختامية للحوار الوطني اليمني بسبب مقاطعة ممثلي الحوثيين والحراك الجنوبي واعتصامهم في قاعة الحوار، بحسبما افاد مراسل وكالة فرانس برس.

وكان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي افتتح الجلسات الختامية قبل ان يتم التوصل الى توافق نهائي حول المسالة الخلافية الرئيسية المتبقية، وهي عدد الاقاليم في الدولة الاتحادية المفترض قيامها في اليمن، خصوصا مع اصرار الجنوبيين على اقليم جنوبي غير مقسم يستعيد في الشكل حدود دول اليمن الجنوبي السابق.

وفيما توقع هادي الوصول الى حل لهذا الخلاف في غضون ايام في اللجنة الخاصة بالقضية الجنوبية، قرر ممثلو الحراك الجنوبي المشاركون في الحوار ومجموعة ممثلي المتمردين الحوثيين الشيعة، مقاطعة الجلسات الختامية، واكد بيان مشترك للمجموعتين انهما قررتا مقاطعة الجلسات الختامية بسبب عقد هذه الجلسات بالرغم من عدم التوصل الى توافق في اللجان المختصة للمسائل الرئيسية وهي عدد الاقاليم وشكل الدولة ومسالة صعدة، معقل التمرد الحوثي الشيعي في شمال غرب البلاد.

واتهم البيان "القوى التقليدية" في اليمن بالسعي الى "تفريغ مؤتمر الحوار من محتواه ومضمونه، وتسليم اهم قضايا الوطن الى مراكز القوى التقليدية ليضعوا لها المخرجات بالمحاصصه السياسية فيما بينهم كما تحاصصوا الحكومة ومقدرات الوطن منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وحتى الان".

ونفذ ممثلو الحراك الجنوبي المشاركون في الحوار وممثلو الحوثيين اعتصاما، ونتج عن ذلك الغاء جلسة العمل الاولى اليوم الاربعاء، وهي جلسة عمومية كانت مخصصة لبحث تقارير اللجان واعتمادها، وساد المكان حالة فوضى بسبب الاعتصام بحسبما افاد مراسل وكالة فرانس برس.

وقاد الاعتصام محمد علي احمد رئيس مؤتمر شعب الجنوب الذي يمثل الحراك في المؤتمر، وصالح حبرة رئيس فريق الحوثيين الى الحوار، وتاجلت الجلسة ليوم غد الخميس فيما تدخل المبعوث الدولي لليمن جمال بن عمر لدى المعتصمين لاقناعهم بالعودة عن المقاطعة، وفي تصريحات لوكالة فرانس برس، قال محمد علي احمد ان قرار المقاطعة اتى بسبب تعطيل عمل لجنة ال16 المشكلة بالمناصفة بين شماليين وجنوبيين لحل القضية الجنوبية.

وقال ان عمل اللجنة كان يقوم على "حل المشاكل بالإجماع، وعندما وصلنا الى مسألة شكل الدولة وايضا توزيع الثروة، بدأ +المركز المقدس+ يدافع عن بقائه واستمراره في السلطة مدى الدهر" في اشارة على ما يبدو الى القوى التقليدية لاسيما حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرئسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح والذي سبق ان سحب ممثليه من لجنة ال16.

وعن تمسك الشماليين بدولة اتحادية من خمسة اقاليم او اكثر، قال القيادي الجنوبي "نحن نرفض هذا العمل على اعتبار أن هذا سيفكك البلد وسيخلق لنا ايضا حربا أهلية داخلية"، واضاف "نحن بالنسبة لنا في الجنوب لا نقبل إلا إقليما واحدا بحدود ما قبل الوحدة (1990) يعني ان يكون الجنوب موحدا سياسيا وجغرافيا واقتصاديا، واذا ارادوا ان يقيموا لهم أقاليم في المحافظات الشمالية، من حقهم أن يشكلوا حتى عشرات الأقاليم، ليس لنا علاقة".

ومحمد علي احمد يقود الفصيل الجنوبي المشارك في الحوار، فيما تقاطع الحوار منذ بدايته في اذار/مارس فصائل الجناج المتشدد في الحراك لاسيما تلك الموالية لنائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض والزعيم الجنوبي حسن باعوم، ويهدف الحوار الى التوصل الى دستور جديد للبلاد واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عامة في شباط/فبراير، الا ان الالتزام بهذا الاطار الزمني يبدو موضع شكوك، وقد اطلق الحوار بموجب اتفاق انتقال السلطة الذي وضع حدا لحكم علي عبدالله صالح الذي استمر 33 عاما وانتهى رسميا في شباط/فبراير 2012، واتفق المتحاورون خصوصا على ان يكون اليمن دولة فدرالية من عدة اقاليم، الا ان الجنوبيين يريدون دولة من اقليمين، شمالي وجنوبي، الامر الذي يرفضه الشماليون الذين يقولون ان هذه الصيغة تهدد الوحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الثاني/2013 - 14/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م