العلاقة التكاملية بين المدرسة والأسرة

وآفاق تطويرهــا

عدنان العلي الحسن

 

 تحرص المدرسة على غرس القيم النبيلة لدى المتعلمين، وذلك من خلال أنشطة هادفة ومتنوعة يقصد منها تحقيق النمو المتكامل للمتعلم علمياً وحركياً ونفسياُ ومهارياً.

إن الهدف من التكامل تكوين رؤية واقعية للمشكلات، وتوفير معرفة أكثر عمقاً واتقاناً، وتدعيم وعي المتعلم بتوضيح معنى التعلم وفوائده، وإلغاء الحواجز المصطنعة بين المعارف والتخصصات والمقررات الدراسية، وإدراك أعمق للعلاقات بين العلوم والتخصصات المختلفة، والإسهام في تسارع عمليات الكشف والإبداع في فروع علمية جديدة، لذلك تسعى المدارس الحديثة إلى ردم الهوة الفاصلة بينهـا وبين الأسرة عن طريق المشاركة الحقيقية للآباء والمعلمين والمتعلمين، وذلك من خلال دعوة الآباء والأمهات إلى الاطلاع على نشاطات أبنائهم وبناتهم وما يقومون به داخل المدرسة، والمشاركة في الاحتفالات والندوات والرحلات إلى جانب المعلمين والمتعلمين.

حيث يتم التركيز على ترجمة المعارف والأنشطة إلى مهارات سلوكية، وأن يكون من بين هذه الأهداف تدريبهم على تحمل المسؤولية والعمل الجماعي والقدرة على الاتصال مع الآخرين وتقييم أعمالهم.وتعد المجالس التربوية إحدى آليات التفاعل وتحقيق التنسيق التربوي بين الأسرة والمدرسة كطرفين مسؤولين عن تنشئة الطفل بغية الاتفاق على توحيد السياسة في معاملة الأبناء والبحث في جميع السبل التي تؤدي إلى تحقيق التربية السليمة، وحل المشاكل الدراسية والاجتماعية والصحية التي تعترضهم.

فالوظيفة الأساسية لهذه المجالس تكمن في تحقيق التوازن والتكامل بين المدرسة والأسرة وبالتالي تحقيق التعاون والتكامل في العملية التربوية من أجل نمو أفضل للأطفال، وأي تقصير لدى أحد الطرفين ينتج عنه بالضرورة نوع من التناقض لدى المتعلم لا يعود بالنفع المرجو له، وحدوث صراع نفسي لدى المتعلم بين قيم المدرسة وقيم الأسرة التي ينتمي لها المتعلم، وهذا الصراع لا يزول إلا من خلال تكامل الأدوار.. وإلا سيبحث المتعلم عن تفسيرات لهذا الخلل لدى زملائه أو من لا يوثق بآرائهم واقتراحاتهم.

أولاً : مجالات التعاون بين المدرسة وأولياء الأمور:

- مشاركة أولياء الأمور في حل المشكلات:

تتفاوت قدرات أولياء الأمور وإمكانياتهم حسب ظروف ولي الأمر الاقتصادية والاجتماعية ومستواه التعليمي، وعلى الإدارة المدرسية الواعية مراعاة ذلك الأمر وتحضير أولياء الأمور للمشاركة الفاعلة في حل المشكلات المدرسية وإعطائهم أدواراً متميزة من خلال إدراج عضويتهم في اللجان التربوية المدرسية ومجالس الآباء والأمهات وتقبل آرائهم وتنفيذها ميدانياً، وعلى الإدارة تبصيرهم بحقوقهم في التعبير عن آرائهم في المشاكل التعليمية وأثرها في تربية أبنائهم.

- الدعم المعنوي:

 وذلك بتشجيع أولياء الأمور الذين مارسوا العمل في المدارس واكتسبوا مهارات متنوعة بتقديم من خلال خبراتهم الميدانية المدرسية ممن لهم اهتمامات تربوية علمية.. مثل هذه الفئة تتاح لها الفرصة في المشاركة في عضوية اللجان التربوية والأنشطة المدرسية.

- الأنشطة المدرسية:

مشاركة الأسرة في أنشطة المدرسة بالحضور وإبداء الرأي حولها ومتابعة تنفيذها مثل المسرحيات التي يقدمها التلاميذ والتي تصوّر حياتنا القومية أو الاجتماعية أو التاريخية.

- علاج السلوكيات الخاطئة:

 تتدخل كثير من الجهات حالياً في تنشئة الأجيال.. فالإعلام بوسائله المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز وسينما وإنترنت، وكذلك الأقران من الأصحاب حيث تتحول فيها ميول الطفل من الأسرة إلى جماعة الأطفال على أساس تقارب السن، وقد يكون لذلك أثر سلبي يظهر في تمرد الطفل على السلطة الأبوية وشدة النقد للأهل والآباء، وقد يكون لها أثر إيجابي في زيادة ميله نحو نشاط الجماعة والولاء لها والتضحية في سبيلها.

إن انشغال الآباء والأمهات بالعمل والارتباطات الجانبية يؤدي إلى وجود فجوة تربوية قد ينتج عنها سلوكيات غير صحيحة لدى المتعلمين، من هنا سيترتب على ذلك فعلياً الحرص على ردم هذه الفجوة من خلال التواصل المستمر والحضور المنتظم من جانب ولي الأمر إلى المدرسة للتعرف إلى سلوكيات طفله وعلاج الخاطئ منها.

ثانياً: المستوى الدراسي:

إن استقرار الأسرة عاطفياً وتوفر الجو النفسي أو الاجتماعي الخالي من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.. كل ذلك عوامل تدفع المتعلم إلى النجاح والتفوق، وبالتالي هناك دور مهم تؤديه المدرسة هو محاولة وضع حد للمشاكل الأسرية والمنزلية التي تكون سبباً لتدني التحصيل لدى المتعلمين.

- رعاية المتعلمين الموهوبين:

 تختلف مستويات المتعلمين من حيث قدراتهم التحصيلية نتيجة لعوامل كثيرة بعضها يتعلق بالمتعلم وبعضها بالأسرة والآخر بالمدرسة، وكذلك يختلف المتعلمون في مواهبهم، فمنها الرياضية، والموسيقا، والرسم، أو الموهبة القيادية، أو القدرة على الإلقاء والخطابة والحوار والمناقشة، أو المواهب العلمية.. وللمدرسة دور رئيسي في اكتشاف هذه المواهب وصقلها ووضع البرامج المناسبة لها ورعايتها وتنميتها ليسهم أصحابها في خدمة وطنهم وأمتهم. ويبرز دور المعلم جلياً في اكتشاف هذه المواهب من خلال المعايشة اليومية والملاحظة الدائمة لهؤلاء المتعلمين ما يمكنه من معرفة وجود هذه المواهب في وقت مبكر ليتسنى له توجيه أصحابها وإرشادهم إلى أفضل الطرق لتنمية مثل هذه المواهب. وأي تجاهل أو تغافل عن هذه المواهب يؤدي إلى إحجام أصحابها وإحباطهم مما قد يتسبب في ضمورها وحرمان المجتمع منها.

ثالثاً: المعوقات المتوقعة للتعاون بين الأسرة والمدرسة:

- عمل ولي الأمر:

 تحول ظروف ولي الأمر أحياناً دون زيارة المدرسة لمتابعة المستوى الدراسي أو حضور الأنشطة المدرسية، وقد يكون سبب ذلك أن ولي الأمر يعمل بعيداً عن مقر المدرسة، وكذلك فإن قلة وعي ولي الأمر بأهمية التواصل بين الطرفين واتكاله كلياً على المدرسة في متابعة وتقويم أداء ابنه دراسياً ما يؤثر سلباً على نتائج الابن الدراسية، إضافة إلى أن ذلك يتسبب بالإحباط المعنوي للمدرسة لعدم تقدير ولي الأمر للأنشطة التربوية المنفذة سواء بالحضور أو بالدعم بأنواعه.

- سلبية المتعلم: وتتمثل في عدم توصيل المتعلم الرسائل الموجهة إلى ولي الأمر من قبل المدرسة، وذلك خوفاً من المتابعة المنزلية له والتعرف على مستواه الدراسي المتدني، لذلك فإن أغلب الرسائل المكتوبة التي ترسلها المدرسة إلى ولي الأمر لا تصل إليه، مما ينتج عنه عدم حضور ولي الأمر إلى المدرسة سواء للمتابعة أو لحضور الأنشطة.

 - التوقع الخــطأ:

نتيجة لخبرات سابقة وممارسات مدرسية غير صحيحة يتوقع كثير من أولياء الأمور أن الهدف من الاتصال المدرسي طلب المساعدات المادية فقط؛ لذلك يتجنب ولي الأمر الرد أو التجاوب مع رسائل المدرسة الموجهة إليه خوفاً من تلك الطلبات المتكررة والتي تشكل عبئاً مادياً عليه.

- مدى تحفيز الإدارة والمعلمين لأولياء الأمور:

إن حسن الاستقبال، والتفاعل الإيجابي مع أولياء الأمور لوضع الحلول المشتركة لمشاكل المتعلمين، ودعوة الأولياء إلى المشاركة في الأنشطة المدرسية إعداداً وتنفيذاً، وتخصيص الوقت الكافي للحوار معهم والاستماع إليهم.. كل ذلك يؤدي حتماً إلى حرص ولي الأمر على الانتظام في الزيارة المدرسية والمشاركة في أنشطة المدرسة.

رابعاً: الحلول المقترحة:

- تنوع وسائل الاتصال:

 كلما تنوعت وسائل الاتصال بولي الأمر زادت فرصة التواصل به، وكلما شعر بحرص المدرسة على اللقاء به أعطاه ذلك شعوراً بأهميته، ومن تلك الوسائل الرسائل الرسمية والاتصال الهاتفي والرسائل الهاتفية والإنترنيت.

- مراعاة المكان والزمان:

تختلف ظروف ولي الأمر تبعاً لارتباطاته الوظيفية، لذلك من الذكاء أن تنوع المدرسة في أوقات الزيارة المتاحة لولي الأمر وكذلك أوقات تنفيذ الأنشطة المدرسية، فلا تعتمد فقط على الفترة الصباحية، بل تقيم أنشطة ولقاءات في الفترة المسائية كالأنشطة الثقافية والرياضية والتربوية.

- دور المعلمين:

 للمعلم دور فعال في تحفيز ولي الأمر وتشجيعه على التواصل مع المدرسة، وكذلك فإن للإدارة المدرسية دورها في إثراء ذلك التفعيل كاختيار الأوقات المناسبة، وإظهار البشاشة في اللقاء، وتقبل الآراء وتنفيذ المناسب منها. وعلى المعلم تقبل آراء ولي الأمر، وإن كانت تخالف آراءه، وعمن ينفذ منها ما يراه مناسباً لطلابه، ويتقبل النقد البناء.

- تعزيز التوقعات الايجابية:

ويجب أن يرتبط الاتصال بولي الأمر بأمور ايجابية تعزز الثقة المتبادلة بين الطرفين، ولا يجوز لأي منهما أن يعمل بمعزل عن الآخر لأن الآباء شركاء في العملية التربوية، وعلى المدرسة أن تثق بقدرة الآباء على تحقيق الكثير من التعاون معها، وبذلك تقوم علاقة تبادلية موجهة.. ويمكن للآباء أكثر من غيرهم العمل على خلق اتجاه في المجتمع مؤيد للتعليم الجيد.

ومن بين العوامل التي تساعد على تحسين التعليم ورفع درجة كفايته القيام بتوضيح واع لبرنامج المدرسة وما ترغب أن تحققه، وإن معاضدة الآباء للمدرسة تكون درعاً تقي التعليم من النقد الذي لا يقوم على أساس ولا يبنى على تفكير سليم، كما تقيه من الهجمات التي تعمل على تقويضه سواء أكانت عن معرفة أم عن جهل.

وتشير كل البحوث إلى الأثر السيئ الذي ينجم عن اتخاذ الآباء لموقف المعارضة أو عدم المبالاة، كما أنها تشير إلى الآثار البناءة للتأييد الواعي من قبل الآباء.

- المشاعر كأساس للعلاقات:

 لقد أظهرت البحوث بجلاء أن العلاقات تبنى على المشاعر؛ وعلى ذلك فإن المعلم الذي يريد أن ينمي علاقات عمل طيبة مع الآباء يحتاج إلى أن يتفحص مجموعة من المشاعر: مشاعره هو نفسه، ومشاعر الآباء، ومشاعر المتعلمين الذين يعلمهم. والمشاعر عميقة الغور، وغالباً ما يحتاج الأمر إلى بحث طويل للعثور عليها، وإلى جهد مضن لتفهمها، وعندما نعمل على استكشاف عالم المشاعر فسوف تنكشف لنا الدوافع الخفية لفعل مباشر أو لكلمات منطوقة، وسوف نتبصر بما يدور في الأذهان. ولا يمكن معرفة مشاعر الوالدين من مقابلة واحدة أو مقابلتين، كما لا يمكن للمعلم أن يكون على ثقة من مشاعره بمجرد نظرة عابرة؛ ولذلك لا بد من التيقظ المستمر لمعرفة جميع المشاعر التي يكون لها الأثر البارز في العلاقات الطيبة، ولا يصح أن نتغاضى لحظة عن هذه الدوافع نظراً لأنها تشكل وتوضح الأفعال الظاهرة.

وليطمئن المعلمون إلى أن الغالبية العظمى من الآباء يسرهم العمل مع معلم أطفالهم، وعلى هذا يمكن أن يمضي معلم الصف في بناء علاقاته مع الآباء في ثقة وطمأنينة، وجعل خطوط التواصل مفتوحة ومحررة من سوء التفاهم، فللآباء الحق في أن يعرفوا ما يجري في المدرسة.

ويحسن المعلمون صنعاً إذا ما عملوا على معرفة ما يريدون معرفته، وإنه لممّا يبعث على الارتياح في نفوس الآباء أن يعرفوا أن المعلمين راغبون في أن يقولوا لهم ما يريدون معرفته، وهناك الكثير من وسائل الاتصالات لإتمام ذلك.

ويمكن لأغلب المعلمين أن يستطلعوا عن رغبة الآباء في التعرف إليهم عندما تسنح الفرصة في أوائل العام، ومنها تكون نقطة البداية في تكوين علاقات العمل الضرورية لجعل حياة ابنهم المدرسية مثمرة، وبذلك يصبح مدخل تجسير العلاقات ولحم الفجوات بين المدرسة والأسرة تعاقداً اجتماعياً حاسماً يفر ض ذاته باستمرار نظراً لطبيعة التداخل والاندماج بين هذين القطبين المركزيين وظيفياً، ولطبيعة مكانتهما المرموقة في بنى المنظومة الاجتماعية إنسانياً، وضرورة التحامهما حول وحدة الراهن ووحدة الغايات المشتركة من أجل الارتقاء بالمنظومة التنموية البشرية في بلادنا.

كما أن في توحيد الوظائف والأدوار دعوة أكيدة وملحة إلى ضرورة زوال مساحة القطعية والتنافر بينهما، وانحسار الهوة الفاصلة بين المؤسستين، والتي بصمت علاقتهما لزمن غير هيّن لتحتل مكانها قيم : التعاون، والتآزر والتطوع، وروح المبادرة...

إن وجود كل من المؤسسة المدرسية والأسرية جنباً إلى جنب في جوهر الرسالة التربوية لدليل حي وقاطع على عمق الروابط بينهما في التأثيث لعلاج المشهد المجتمعي عن طريق البناء المشترك لشخصية الإنسان العربي. فلا جدل في كون الأسرة تتربع مكانة المؤسسة الاجتماعية الأم بامتياز باحتلالها موقع النواة الصلب في مهام التنشئة الاجتماعية لأبنائها، فهي الوسط الطبيعي والتلقائي المعول عليه لتربية الطفل، وتوفير حاجاته، وإشباع رغباته، واحتضانه بدفء لترسيخ عاطفة الانتماء لديه في المراحل الأولى الحاسمة في حياته، وهي المسؤولة عن تحديد السمات الكبرى لشخصيته الأساسية، وميوله ونزوعاته السيكونفسية، وعلى تطبيع سلوكاته مع خصوصيات واقعه الاجتماعي.

وبذلك يقترن النظام الأسري بمهام تحديد طبيعة الروابط المعنوية والمادية للطفل مع ذاته ومع العالم الخارجي الصغير حوله، وبتوفير الفضاء الملائم لإدخال الأفكار الإيجابية، واستنبات المبادئ والقيم المثلى لديه، والتي تعكس ماهية المجتمع وطبيعة فكره الروحي والأخلاقي، وهي توازنات لها علاقة كبيرة مع درجة التماسك الأسري، ومتانة الروابط الحميمة، وقوة التواصل بين الأطراف المكونة لها، ومدى إيجابية التفاعل العلائقي والعاطفي بينها، وبذلك تتموضع الأسرة في موقع الكيان الأساس الذي يشكل بداية الانطلاق في التنشئة الاجتماعية للكائن الإنساني عندما يلبس ثوب الحياة وتسري في جسمه دماء الوجود الاجتماعي. إلا أن استمراريتها تلك ومشروعية رسالتها النبيلة لا تكتمل ولا تنضج إلا بوجود المدرسة المؤسسة التربوية النظامية التي تضمن الامتداد الحقيقي لما بدأته الأسرة، فهي بمثابة الواجهة الكبرى للمؤسسات الاجتماعية المنوطة بمهام السهر على تربية وتكوين ورعاية الأجيال. إنها تسخر كافة طاقاتها المادية والبشرية لضمان الجودة على مستوى خدماتها، وعقلنة سيروراتها التربوية والبيدغواجية، وتتعدد أبعادها التكوينية في تأطير شخصية المتعلم على المستوى العقلي والمعرفي والمهاري، والفكري الثقافي، والتربوي الاجتماعي، والروحي والقيمي والحضاري التاريخي.. وتخضع أنساقها لنظام تربوي عام، وفلسفة تعليمية عليا تتناغم مع الغايات القومية والوطنية والاختيارات الاستراتيجية للمجتمع.

فالمدرسة، كمؤسسة اجتماعية ثقافية متعددة المشارب تتجاوز الإطارات التلقائية والظاهرية، المتمثلة في تقديم الخدمات التربوية والنفسية الكفيلة بإشباع حاجات المتعلم في مختلف مراحل نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي، إلى الدور الجسيم المجسد في حفظ الهوية الوطنية، وغرس القيم والمثل العليا، وتناقل الموروث الثقافي: أعرافه وتقاليده ومعتقداته، وأصالته النابعة من خصوصياته التاريخية، ومقوماته الذاتية والقومية، وهي، في الوقت ذاته المنبر الفكري والثقافي الموجه للانفتاح على الحضارات الكونية ومدها التكنولوجي والعلمي بإيجابية ونقد عقلاني ناضج ومسؤول دون أي مس بالذات، أو طمس الهوية، أو نسف للثوابت، أو تسطيح للثقافة الوطنية، أو تجاوز للتاريخ.

وبذلك ترقى المدرسة إلى المكانة الرفيعة والاستراتيجية لتحقيق رهانات المشروع المجتمعي التنموي المندمج، والرافد الأساسي المؤهل لضمان تماسك البنى الثقافية والفكرية للمجتمع.. ذلك أنها تسعى إلى إكساب النشء مختلف الأنماط السلوكية الإيجابية والقيم الاجتماعية المتوخـــــــاة على مستوى التمثل والفعل معاً.. بجانب كونها تكسب المتعلمين كفايات تغتني وتتنامى على مدى تعاقب وتسلسل مراحل التكويـــن، وتؤهلهم للانخراط في الحياة العملية عند التخرج.

فالحياة المدرسية مجتمع مصغر يتيح للطفل فرصة الانتقال – لأول وهلة – من المحيط الأسري إلى نسيج علائقي أوسع تتباين فيه الشخصيات الرائدة والساهرة على تدبير شؤونه، ويجد نفسه يتموقع في علاقات جديدة ومباشرة مع جماعة الأنداد مما ينسج في حياته تفاعلات نفسية وإنسانية أخرى، ويحدد لديه أنماط سلوكات اجتماعية أوسع، تخضع لقوانين وأنظمة دقيقة، كما يعمق الوسط المدرسي لديه الإحساس بل الممارسة الفعلية لمنظومة الحقوق والواجبات في حدود التعايش والتقبل المتاحين.

وحتى تنجح المؤسسة التعليمية في كسب هذه الرهانات الكبرى، فهي مدعوة بحكم الضرورة إلى احترام طابع التميز والتفرد بين المتعلمين على مستوى الطاقات والاستعدادات والميولات والإبداعات ووتيرة المواكبة، كما أنها مدعوة لخلق فرص التكافؤ والمساواة بين المتعلمين في المدرسة في كل الأوساط الحضرية والقروية، وتوفير البنية التحتية المناسبة، والتجهيزات المادية، والشروط الموضوعية اللازمة لوجيستيكياً لتلعب أدوارها المرشحة على الوجه المطلوب. فالمدرسة والأسرة كينونة اجتماعية ثنائية ملزمة بضرورة إيجاد صيغ تعاقدية ملائمة لتأطير العلاقات بينهما، ومد جسور التواصل الناجح والمثمر بين الطرفين، ومن ثم تتجلى الغايات والمرامي البعيدة للأسرة والمدرسة معاً من أجل بناء الجودة، كمدخل يصبو إلى إنضاج الوعي بالتكامل العضوي بين هاتين المؤسستين القطبين في المجتمع، وكمقاربة تهدف إلى تطوير البعد الاجتماعي بكل تجلياته في صميم الحياة المدرسية كإضافة نوعية أخرى تسجل في ذاكرة الإصلاحات العميقة التي يشهدها الشأن التربوي حالياً وفق مقاربة تشاركية واسعة المعنى ومتعددة القنوات، ذلك أن القطاع التربوي ليس بقطاع معزول، بل قطاع مجتمع برمته، يصعد جذوره إلى المورث التربوي الاجتماعي الذي تنتجه التربية في أحضان الأسرة التي يجب رفع مستوى تدبير شؤونها، وتطوير خدماتها، والارتقاء بجودة أدائها بدعم تام من طرف مؤسسات المجتمع.

هكذا يكون العبور الحقيقي إلى التغير من خلال التكامل مع الآخر خارج النظرة المؤسساتية الضيقة للذات، ولا يتم إلا بالتفاعل بين كل من المؤسستين الأسرة والمدرسة عبر التلاحم والتوافق الاجتماعي من أجل مجتمع حداثي منسجم ومتماسك.

[email protected]

..........................................

المراجع:

1- رسالة التربية، سلطنة عمان، العدد السادس عشر لعام 7002.

2- رسالة التربية سلطنة عمان-العدد الثامن عشر لعام 7002.

3- التكامل التربوي بين البيت والمدرسة، عبد العزيز الخضراء، سلسلة نحن وأبناؤنا /5/.

4- المناهج التربوية، د. جبرائيل بشاره، د. أسما الياس، كلية التربية، ج دمشق.

5- العلاقات بين الآباء والمعلمين، ايرفنج ستاوت، وجريس لانجدون، ترجمة عدلي سليمان، القاهرة، 2691، دار القلم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الثاني/2013 - 14/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م