المجلس الدولي لحقوق الإنسان يفقد اعتباره

بإعادة انتخاب أعضاء ينتهكون هذه الحقوق

عباس سرحان/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

أعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة انتخاب المملكة العربية السعودية لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للمرة الثالثة في، 12- تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، إلى جانب دولتين عربيتين، ولأن المجلس يعنى افتراضا بحقوق الإنسان والدفاع عنها، فمن المتوقع أن تكون الدول التي تحظى بعضويته مميزة لجهة احترام حقوق الإنسان ولديها مؤسسات حقوقية فاعلة ومستقلة تمكنّها من ممارسة دور كبير في هذا المجال على الصعيد الدولي طالما إن المجلس يعد إحدى المنظمات الدولية.

مجلس حقوق الانسان

يعرّف مجلس حقوق الإنسان نفسه على انه" هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة مسؤولة عن تدعيم وتعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها. والمجلس لديه القدرة على مناقشة جميع القضايا والحالات ومواضيع حقوق الإنسان التي تتطلب اهتمامه طوال العام. ويعقد المجلس اجتماعاته في مكتب الأمم المتحدة في جنيف".

والمجلس مؤلف من 47 دولة عضواً في الأمم المتحدة تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحل مجلس حقوق الإنسان محل لجنة الأمم المتحدة السابقة، وأنشئ من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 آذار/مارس 2006، وعُقدت دورته الأولي في الفترة من 19 إلى 30 حزيران/ يونيو 2006.

والمجلس ينعقد في ثلاث دورات اعتيادية في السنة. لكنه يمكن أن يعقد بشكل عاجل لمناقشة قضايا طارئة تهم اختصاصه.

مؤهلات السعودية لعضوية المجلس

لو كان المجلس منظمة غير حكومية واختار جهة أو منظمة سعودية غير حكومية أيضا لعضويته لأمكن إيجاد مخرج لتناقض كبير وقعت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة حين اختارت السعودية مجددا لعضوية المجلس، طالما أن هذه الدولة ليست مؤهلة مؤسساتيا وموضوعيا لشغل مقعد في هذا المجلس المهم.

السعودية بلا دستور بالمعنى الحقيقي للكلمة، ينظم الحقوق السياسية والعامة لسكانها، وليس فيها منظمات مستقلة معتبرة تعنى بمجال حقوق الإنسان، والسعودية لا تسمح مطلقا بنشاط فردي أو جماعي لناشطين يهتمون بهذه الحقوق.

والمملكة العربية السعودية، وخلافا للكثير من دول العالم متورطة بقضايا تنافي مبادئ حقوق الإنسان جملة وتفصيلا، وأبرز ما يعد انتهاكا تمارسه السلطات السعودية لحقوق الإنسان هو إنها تستخدم بكثرة عقوبة الإعدام وتنفذها بالسيف بطريقة وحشية على غرار ما كان سائدا في القرون الظلامية، وبشكل علني.

 وهذا الفعل المتكرر باستمرار يعد انتهاكا ليس فقط لحقوق الضحايا، بل لحقوق المجتمع الانساني برمته كون مشاهد الإعدام بالسيف وهي مقززة للنفس البشرية تبث بشكل علني ويتم تداولها عبر مواقع التواصل.

في ظل شكوك وشبهات تحيط باستقلالية القضاء السعودي ونزاهته وكفاءة كوادره، فمثلا حكمت السلطات السعودية في تموز/يوليو 2013 بالسجن 8 و9 سنوات على شخصين من منطقة القطيف الشيعية بتهمة المشاركة في تظاهرات شهدتها المنطقة الشرقية، وحيازة صور مناوئة للمملكة في هاتف محمول، وحكمت في تشرين الأول/ اكتوبر 2013 بالسجن ثمانية أعوام أيضاَ على رجل دين، أدين بقتل ابنته التي لم يتجاوز عمرها سنتين وهي إشارة قوية على ان القضاء السعودي محاط بشكوك كبيرة تطعن بقدرته ونزاهته.

كما لا تخفي المملكة العربية السعودية دعمها لمجموعات متشددة في كل من العراق وسوريا متورطة بعمليات دموية ضد المدنيين، وهو ما ينافي مبادئ حقوق الإنسان ويعد تدخلا سافرا في شؤون دول أخرى يطعن بحيادية المملكة وهي تشغل مقعدا مهما في مجلس حقوق الإنسان الدولي.

السعودية بلا دستور

تبلورت المملكة العربية السعودية باعتبارها كيانا سياسيا منذ عام 1744. لكنها انبثقت كدولة واضحة المعالم في عام 1932 وبين التاريخين وقعت صراعات دامية بين قبائل الجزيرة العربية- شكلت فيما بعد المملكة السعودية- على السلطة والنفوذ والجغرافية.

 ولحد الآن ظلت المملكة العربية السعودية بدون دستور حقيقي ينظم الحياة السياسية والعامة لسكانها، وهي تدار بغطاء لأمر ملكي سُمي دستورا صدر في 1992 وبعد أن شهدت منطقة الخليج اضطرابات وحروبا شكلت تهديدا مباشرا وغير مباشر للمملكة، وأثارت تساؤلات كبيرة في حينها حول الحاجة إلى إصلاح سياسي في منطقة الخليج المحكومة من أنظمة وراثية.

ما دفع ملك السعودية في حينه، فهد بن عبد العزيز في كانون الثاني/ يناير 1992 لإصدار أمر ملكي على شكل دستور للبلاد تم اعتماده منذ ذلك الحين، تصدّرته عبارة " نحن فهد بن عبد العزيز ال سعود، ملك المملكة العربية السعودية، بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة ونظرا لتطور الدولة في مختلف المجالات ورغبة في تحقيق الأهداف التي نسعى إليها، أمرنا بما هو آت".

بالمقاييس القانونية وحتى السياسية الحديثة لا يمكن اعتبار هذا الأمر الملكي دستورا للبلاد، فعدا عن كون "الأمر الملكي" خلا من تفاصيل لحقوق مواطني المملكة السياسية والعامة واكتفى بتحديد نوع الحكم ومصدره لم يأت (الدستور) بشيء آخر.

وبهذا فمن غير المعقول ان تكون دولة بهذه المواصفات من الناحية الدستورية وتحصر كل صلاحياتها بيد الملك وأسرته، عضوا فاعلا في مجال هي لا تنشط فيه أصلا ولا تعيره أدنى اهتمام واقصد مجال حقوق الإنسان.

ابرز انتهاكات حقوق الانسان في السعودية

ولنبدأ من ابسط الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، ففي المملكة لا تتمكن المرأة من قيادة السيارة بموجب فتوى لهيئة كبار العلماء وهي جهة دينية سياسية تصدر قراراتها أو فتاواها الملزمة لتكون دستورا طالما ان المملكة تفتقر الى دستور حقيقي ينظم الحقوق والحريات.

وتنص إحدى فتاوى رجال الهيئة، وهو محمد بن عثيمين على "أن قيادة المرأة للسيارة فيها من المفاسد الكبيرة ما يربو على مصلحتها بكثير هذا فضلا عن أنها ربما تكون سلّما وبابا لأمور أخرى ذات شرور فتاكة وسموم قاتلة".

ولم تفلح محاولة المئات من الناشطات السعوديات في حمل الحكومة على التراجع عن العمل بفتوى تحريم قيادة المرأة للسيارة، ومع إنهن تمكنّ من جمع نحو 17 ألف توقيع للمطالبة بإلغاء الحظر، غير أنهن تراجعن في تشرين الاول/اكتوبر 2013، عن مظاهرة كنّ يعتزمن القيام بها بسبب تهديدات من وزارة الداخلية جاءت على لسان المتحدث باسم الوزارة منصور التركي، قال فيها" السعوديات يحظر عليهن قيادة السيارات ومن يخالفن الحظر أو من يدعمهن في ذلك ربما يتعرضن لإجراءات صارمة".

التظاهر السياسي والمطلبي ممنوع

ولا يوجد في السعودية غطاء قانوني لحق التظاهر والتعبير السلمي عن الذات والحقوق، ما يعني ان السلطات السعودية لا تسمح بالتجمع المطلبي السلمي، كما لا تسمح بحق التعبير عن الرأي وانتقاد السلطة وإن جاء بدرجة لا تشكل تهديدا لها، ويترتب على ذلك أن سلطتها الأمنية مبسوطة اليد في التعامل مع أي تجمع من هذا النوع.

واتضح من خلال العنف الذي مارسته السلطات السعودية ضد محتجين في المنطقة الشرقية العام الماضي حجم المخاطر التي تحيط بأي تعبير علني عن الرأي في إطار فرد أو مجموعة. ويكفي دليلا أن منظمة العفو الدولية طالبت في تشرين الأول /اكتوبر/2012 السلطات السعودية باحترام حق التظاهر وجاء في بيان صدر عن المنظمة" يجب على السلطات السعودية احترام حق الناس في الاحتجاج بشكل سلمي كما يتعين على قوات الأمن الامتناع عن اعتقال واستخدام القوة المفرطة ضد الذين يمارسون هذا الحق، وعلى السلطات السعودية التوقف عن أعمالها المتكررة لخنق محاولات الاحتجاج ضد الاعتقالات التعسفية بشكل واسع النطاق".

انتهاك حقوق الاقليات

 تمنع المملكة العربية السعودية عدة ملايين شيعي من المشاركة السياسية ومن حق الحصول على وظائف مهمة في الدولة، وما زالت تعتقل نحو 600 شخص منهم منذ ربيع 2011 بسبب الاحتجاج على التهميش الذي تمارسه السلطة ضدهم.

وجاء في تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (ICG) في بروكسل عام 2005، أن عدد الشيعة في المملكة يقدر بنحو مليوني نسمةً، يمثلون نسبة 10-15 في المائة من إجمالي السكان، ومع ذلك فأي من الشيعة لا يمكنه ان يكون سفيرا او قاضيا او مديرا عاما أو وكيل وزارة.

وجاء في تقرير لشبكة"CNN" الأمريكية صدر عن أحوال شيعة السعودية في نيسان/ابريل 2007 أن" شيعة السعودية يشتكون من معاملتهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية، ويشيرون إلى التمييز الطائفي والمذهبي الذي يمارس ضدهم، وعدم مساواتهم ببقية المواطنين الآخرين، وعدم تمثيلهم في المناصب العليا للبلاد، كمجلس الوزراء حيث لم يتول أي شيعي حقيبة وزارية في تاريخ المملكة، فضلاً عن التعسف الذي يلاقونه على يد الأجهزة الأمنية".

وفيما يوجد في المملكة السعودية نحو 40 ألف مسجد للسنّة يعاني الشيعة من قلة عدد مساجدهم ومن عدم منحهم تراخيص لبناء مساجد جديدة فضلا عن التضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية واعتقال العشرات منهم منذ سنوات طويلة وما يزال مصيرهم مجهولا، ولا يحق لهم تأسيس مؤسسة ثقافية او طباعة كتاب في المملكة او استيراد كتب دينية خاصة بهم من خارج البلاد.

هذه صورة موجزة عن أبرز الانتهاكات التي تمارسها السلطات السعودية ضد مواطنيها، ولأن مجلس حقوق الإنسان الدولي مؤسسة لها قيمتها الاعتبارية وأهميتها الدولية، فيجب أن يشغل مقاعده أعضاء يقدّرون حقيقة حجم المسؤولية التي يُنتظر أن يضطلعون بها، وإلا فإن عدم تمتع أعضاء المجلس بالرصانة والاعتبار في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في بلدانهم سيوقع المجلس في تناقض واضح، إذ لا يمكن لدولة أن تكون فاعلة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في الميادين الدولية وهي تنتهك حقوق الإنسان في الداخل.

.....................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964

هـ: عباس سرحان/7800005641+964

http://adamrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الثاني/2013 - 14/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م