العنف المدرسي

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يضع على شفتيه ابتسامة عريضة بلهاء ولا ينطق بكلمة ردا على تساؤلاتي، لماذا تتعارك مع ابني؟

أوجه سؤالي الى طفل في التاسعة من عمره، ليس اكبر من ذلك، وهو يرد علي بهذه الابتسامة البلهاء الساخرة..

ربما انا من كوكب اخر، وربما اتحدث معه بلغة غير مفهومة، ما الذي جعل الأطفال بهذه العدوانية وفي هذه الاعمار المبكرة؟ هل يكفي قولنا ان العنف لا يخلو منه مظهر من مظاهر حياتنا، وانه موجود في كل مكان، في البيت وفي الشارع وفي المدرسة، وانه نتيجة طبيعية لانظمتنا التربوية والسياسية والثقافية؟ هل يكفي هذا وانا اقارن حال تلاميذ هذه الأيام وحالنا في تلك السنوات.

هل كان القمع والكبت في أيامنا سببا رادعا للعنف في حياتنا؟ ام اننا كنا نشبه ابناءنا في عنفهم وان باشكال أخرى؟

موضوع العنف وتجلياته في حياتنا يطرح الكثير من الإشكاليات والاسئلة، وهي نفسها إشكاليات واسئلة طرحت سابقا ويعاد طرحها.. الاسئلة لم تتوقف مثلما العنف سائر في طريقه.

ما هو العنف؟

انه كل (سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى). ويعرف كار وزملاؤه العنف بأنه (الأفعال أو الأعمال العنيفة الموجهة ضد الآخرين أو ضد الممتلكات). ولغموض مفهوم السلوك العدواني فقد التجأ جونسون  Johnson إلى للأخذ بعين الاعتبار السياق الذي يحدث فيه الفعل في الاعتبار عند تفسير الحدث، وقد قام ماكوبي وجاكلين  بوضع تعريف عام يتعامل مع العدوان على أنه) مجموعة من الدوافع المتعددة التي تجعل لدى الفرد الرغبة في إلحاق الضرر بالآخرين أو الرغبة في السيطرة عليهم وفرض القوة عليهم(. أما بارون فقد أخذ في الاعتبار بالإضافة إلى الفعل نفسه النية أو القصد من ذلك الفعل فيعرفه بأنه)أي شكل من الأشكال السلوكية الموجهة بقصد إيذاء أو إلحاق الأذى أو الضرر بشخص آخر لدية الرغبة في تحاشي مثل تلك الأشكال من السلوك).

1 ـ السلوك ممثلاً في الأذى أو الضرر الذي يسببه العدوان للآخرين

2 ـ توفر النية أو القصد في إلحاق الضرر.

3 ـ الهدف الذي يمثله الكائن الحي كجان ومجني عليه.

4 ـ رغبة المجني عليه في تجنب ذلك السلوك.

في تفحص أسباب العنف المدرسي يمكن الإشارة الى عدد منها كما يذكرها الاخصائي النفسي

عمر شاهين في بحث حمل عنوان (العنف المدرسي بين المطرقة والسنديان):

1) طبيعة المجتمع الأبوي والسلطوي: رغم أن مجتمعنا يمر في مرحلة انتقالية، إلا أننا نرى جذور المجتمع المبني على السلطة الأبوية ما زالت مسيطرة. فنرى على سبيل المثال أن استخدام العنف من قبل الأخ الكبير أو المدرس هو أمر مباح ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة، وحسب النظرية النفسية- الاجتماعية فإن الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً، مسموحاً ومتفقاً عليه.

بناءً على ذلك تعتبر المدرسة هي المصب لجميع الضغوطات الخارجية فيأتي الطلاب المٌعنّفون من قبل الأهل والمجتمع المحيط بهم إلى المدرسة ليفرغوا الكبت القائم بسلوكيات عدوانية عنيفة يقابلهم طلاب آخرون يشابهونهم الوضع بسلوكيات مماثلة وبهذه الطريقة تتطور حدة العنف ويزداد انتشارها، كما في داخل المدرسة تأخذ الجماعات ذوات المواقف المتشابهة حيال العنف شلل وتحالفات من أجل الانتماء مما يعزز عندهم تلك التوجهات والسلوكيات، فيذكر (هوربيتس،) (إذا كانت البيئة خارج المدرسة عنيفة فأن المدرسة ستكون عنيفة).

2) مجتمع تحصيلي: في كثير من الأحيان نحترم الطالب الناجح فقط ولا نعطي أهمية وكياناً للطالب الفاشل تعليمياً. الطالب الذي لا يتجاوب معنا. حسب نظرية الدوافع فالإحباط هو الدافع الرئيسي من وراء العنف، إذ أنه بواسطة العنف يتمكن الفرد الذي يشعر بالعجز، أن يثبت قدراته الخاصة. فكثيراً ما نرى أن العنف ناتج عن المنافسة والغيرة. كذلك فإن الطالب الذي يعاقب من قبل معلمه باستمرار يفتش عن موضوع (شخص) يمكنه أن يصب غضبه عليه.

3) العنف المدرسي هو نتاج التجربة المدرسية (سلوكيات المدرسة):

هذا التوجه يحمل المسئولية للمدرسة من ناحية خلق المشكلة وطبعاً من ناحية ضرورة التصدي لها ووضع الخطط لمواجهتها والحد منها، فيشار إلى أن نظام المدرسة بكامله من طاقم المعلمين والأخصائيين والإدارة يوجد هناك علاقات متوترة طوال الوقت، ومما يؤكد على ذلك أن (كولمن) أستنتج من بحثه (أن السلوكيات العنيفة هي نتاج المدرسة) ويمكن تقسيمها إلى 3 مواضيع وهي:- علاقات متوترة وتغيرات مفاجئة داخل المدرسة، إحباط، كبت وقمع للطلاب، الجو التربوي.

علاقات متوترة وتغيرات مفاجئة داخل المدرسة: تغيير المدير ودخول آخر بطرق تربوية أخرى وتوجهات مختلفة عن سابقه تخلق مقاومة عند الطلاب لتقبل ذلك التغيير، فدخول مدير جديد للمدرسة مثلاً، وانتخاب لجنة أهالي جديدة تقلب أحياناً الموازين رأساً على عقب في المدرسة، ترك المعلم واستبداله بمعلم آخر يعلم بأساليب مختلفة، عدم إشراك الطلاب بما يحدث داخل المدرسة وكأنهم فقط جهاز تنفيذي، شكل الاتصال بين المعلمين أنفسهم والطلاب أنفسهم والمعلمين والطلاب وكذلك المعلمين والإدارة له بالغ الأثر على سلوكيات الطلاب (وزارة المعارف والثقافة، 1997)، ففي أحد الأبحاث أشير إلى أن تجربة في إحدى المدارس الأمريكية لدمج طلاب بيض مع طلاب سود لاقت مقاومة شديدة و عنف بين الطلاب حيث لم تكن الإدارة قد هيئت الطلاب بعد لتقبل مثل تلك الفكرة (هروبتس، 1995، وزارة المعارف والثقافة، 1995).

 إحباط كبت وقمع للطلاب: متطلبات المعلمين والواجبات المدرسية التي تفوق قدرات الطلاب وإمكانياتهم، مجتمع تحصيلي، التقدير فقط للطلاب الذين تحصيلهم عالي، العوامل كثيرة ومتعددة غالباً ما تعود الى نظرية الإحباط حيث نجد أن الطالب الراضي غالباً لا يقوم بسلوكيات عنيفة والطالب الغير راضي يستخدم العنف كإحدى الوسائل التي يُعبر بها عن رفضه وعدم رضاه وإحباطه، فعلى سبيل المثال:-

1- عدم التعامل الفردي مع الطالب، وعدم مراعاة الفروق الفردية داخل الصف.

2- لا يوجد تقدير للطالب كأنسان له احترامه وكيانه.

3- عدم السماح للطالب بتعبير عن مشاعره فغالباً ما يقوم المعلمون بإذلال الطالب وإهانته إذا أظهر غضبه.

4- التركيز على جوانب الضعف عند الطالب والإكثار من انتقاده.

5- الاستهزاء بالطالب والاستهتار من أقواله وأفكاره.

6- رفض مجموعة الرفاق والزملاء للطالب مما يثير غضبه وسخطه عليهم.

7- عدم الاهتمام بالطالب وعدم الاكتراث به مما يدفعه الى استخدام العنف ليلفت الانتباه لنفسه.

8- وجود مسافة كبيرة بين المعلم والطالب، حيث لا يستطيع محاورته او نقاشه حول علاماته او عدم رضاه من المادة. كذلك خوف الطالب من السلطة يمكن أن يؤدي الى خلق تلك المسافة.

9- الاعتماد على أساليب التلقين التقليدية.

10- عنف المعلم اتجاه الطلاب.

11- عندما لا توفر المدرسة الفرصة للطلاب للتعبير عن مشاعرهم وتفريغ عدوانيتهم بطرق سليمة.

12- المنهج وملاءمته لاحتياجات الطلاب.

أشكال العنف

1. العنف الجسدي: هو استخدام القوة الجسدية بشكل متعمد اتجاه الآخرين من اجل إيذائهم وإلحاق أضرار جسمية لهم وهذا ما يدعى (Inflicted-Injury) لي عضو أو عوجه، وذلك كوسيلة عقاب غير شرعية مما يؤدي إلى الآلام وأوجاع ومعاناة نفسية جراء تلك الأضرار كما ويعرض صحة الطفل للأخطار.

من الأمثلة على استخدام العنف الجسدي - الحرق أو الكي بالنار، رفسات بالأرجل، خنق، ضرب بالأيدي أو الأدوات، لي لأعضاء الجسم، دفع الشخص، لطمات، وركلات.

2. العنف النفسي

العنف النفسي قد يتم من خلال عمل أو الامتناع عن القيام بعمل وهذا وفق مقاييس مجتمعيه ومعرفة علمية للضرر النفسي، وقد تحدث تلك الأفعال على يد شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون القوة والسيطرة لجعل طفل متضرر(مؤذى) مما يؤثر على وظائفه السلوكية، الوجدانية، الذهنية، والجسدية، كما ويضم هذا التعريف وتعاريف أخرى قائمة بأفعال تعتبر عنف نفسي مثل:- رفض وعدم قبول للفرد، إهانة، تخويف، تهديد، عزلة، استغلال، برود عاطفي، صراخ، سلوكيات تلاعبيه وغير واضحة، تذنيب الطفل كمتهم، لامبالاة وعدم الاكتراث بالطفل ويمكن إضافة ان فرض الآراء على الآخرين بالقوة هو أيضا نوع من أنواع العنف النفسي.

3. الإهمال

الإهمال يعرف على انه عدم تلبية رغبات الطفل الأساسية لفترة مستمرة من الزمن ويصنف الإهمال إلى فئتين:-

أ) إهمال مقصود

ب) إهمال غير مقصود

4) الاستغلال الجنسي

(هو إتصال جنسي بين طفل وبالغ من أجل إرضاء رغبات جنسية عند الأخير مستخدماً القوة والسيطرة عليه). (التنكيل أو الاستغلال الجنسي يعرف على انه دخول بالغين وأولاد غير ناضجين جنسياً وغير واعين لطبيعة العلاقة الجنسية وماهية تلك الفعاليات الجنسية بعلاقة جنسية، كما انهم لا يستطيعون إعطاء موافقتهم لتلك العلاقة والهدف هو إشباع المتطلبات والرغبات الجنسية لدى المعتدي"، وإذا ما حدث داخل إطار العائلة من خلال أشخاص محرمين على الطفل فيعتبر خرق ونقد للطابو المجتمعي حول وظائف العائلة ويسمى سفاح القربى او (قتل الروح) حسب المفاهيم النفسية وذلك لأن المعتدي يفترض عادة أن يكون حامي للطفل ويناقض ذلك بأني كون المعتدي عليه والمستغل لضعفه وصغره، يكون عادة من هو مفروض أن يكون حامي للطفل، ويعرف سفاح القربى حسب القانون على انه (ملامسة جنسية مع قاصر أو قاصرة على يد أحد أفراد العائلة).

أنواع العنف المدرسي

I) عنف من خارج المدرسة

أ- زعرنه أو بلطجة.

هو العنف القائم من خارج المدرسة إلى داخلها على أيدي مجموعة من البالغين ليسوا طلاباً ولا أهالي، حيث يأتون في ساعات الدوام أو في ساعات ما بعد الظهر من اجل الإزعاج أو التخريب وأحياناً يسيطرون على سير الدروس.

ب- عنف من قبل الأهالي

عنف أما بشكل فردي أو بشكل جماعي (مجموعة من الأهالي)، ويحدث ذلك عند مجيء الأباء دفاعاً عن أبناءهم فيقومون بالاعتداء على نظام المدرسة والإدارة والمعلمين مستخدمين أشكال العنف المختلفة.

العنف من داخل المدرسة

أ- العنف بين الطلاب أنفسهم.

ب- العنف بين المعلمين أنفسهم.

ج- العنف بين المعلمين والطلاب.

د- التخريب المتعمد للممتلكات.

(طلاب- معلمين) و(معلمين- طلاب) و(طلاب- طلاب) و (معلمين- معلمين) هذه النقاط أشار إليها (روكح) بتسميتهما بالعنف المدرسي الشامل حيث نظام المدرسة مضطرب بأجمعه وتسوده حالة من عدم الاستقرار والهدوء، ويظهر واضحاً عدم القدرة على السيطرة على ظاهرة العنف المنتشرة بين الطلاب أنفسهم أو بينهم وبين معلميهم، وتسمع العديد من الشكاوى من قبل الأهل على العنف المستخدم بالمدرسة.

عنف الطلاب اتجاه الممتلكات الخاصة والعامة، وأطلق عليه أسم العنف الفردي: حيث ينبع ذلك من فشل الطالب وصعوبة مواجهة أنظمة المدرسة والتأقلم معها ولكن لا يوجد لها اثر كبير على نظام الإدارة في المدرسة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تشرين الثاني/2013 - 9/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م