طالبان باكستان... حوار هادئ في خضم حرب شرسة

 

شبكة النبأ: مقتل حكيم الله محسود زعيم حركة طالبان السابق في باكستان والذي قتل بضربة صاروخية من طائرة أميركية من دون طيار، ربما سيسهم بتعقيد الكثير من الامور في هذا البلد خصوصا وان الحركة قد أعلنت عن رغبتها في الانتقام لمصرع محسود وتخليها عن الحوار السلمي مع الحكومة الباكستانية، لأن الزعيم الجديد للحركة يقف ضد مثل هذا الحوار كما يقول بعض المراقبين. الذين اكدوا على ان هذا الحادث سيسهم ايضا في اعادة رسم العلاقة بين باكستان والولايات المتحدة الامريكية التي تصر وبشكل مستمر على تنفيذ بعض المهام القتالية داخل الأراضي الباكستانية اهم طرق خطوط الامداد للقوات الاجنبية في أفغانستان. وفي هذا الشأن فقد أعلنت حركة طالبان الباكستانية أنها تخطط لشن موجة من الهجمات الانتقامية ضد الحكومة بعد يوم من تسمية الملا فضل الله زعيما جديدا للحركة. وجاء اختيار مجلس شورى طالبان لفضل الله المعروف بآرائه الاسلامية المتشددة ورفضه لمحادثات السلام في أعقاب مقتل حكيم الله محسود الزعيم السابق لطالبان في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار.

وقال عصمة الله شاهين رئيس مجلس شورى الحركة سنستهدف قوات الامن والمنشآت الحكومية والزعماء السياسيين والشرطة. وأضاف أن الهدف الرئيسي لطالبان يشمل الجيش والمؤسسات الحكومية في اقليم البنجاب المعقل السياسي لرئيس الوزراء نواز شريف. وأضاف شاهين لدينا خطة. لكنني أريد توضيح أمر ما. لن نستهدف المدنيين والاسواق والأماكن العامة. لا داعي لخوف الناس.

وتدين باكستان علانية الضربات الأمريكية بطائرات بدون طيار وتصفها بانها انتهاك لسيادتها لكن يعترف مسؤولون في أحاديث خاصة أن الحكومة تدعم هذه الغارات بصورة عامة. ويتحصن المتشددون في المناطق النائية على الحدود مع أفغانستان حيث لا توجد قوات للجيش. وقال شاهين باكستان على علم تام بالهجمات بدون طيار. باكستان عبد لأمريكا. انها مستعمرة أمريكية. وتقاتل طالبان للإطاحة بحكومة اسلام اباد وتطبيق الحكم الاسلامي في الدولة التي تمتلك قدرات نووية.

في السياق ذاته رفضت حركة طالبان الباكستانية فكرة محادثات السلام مع الحكومة وقال شهيد الله شهيد المتحدث باسم طالبان لن يكون هناك مزيد من المحادثات لان الملا فضل الله ضد المحادثات مع الحكومة الباكستانية. واضاف كل الحكومات تلعب لعبة مزدوجة معنا. خدعونا باسم السلام وقتلوا رجالنا. نحن متأكدون بنسبة مئة بالمئة من دعم باكستان الكامل للولايات المتحدة في ضرباتها باستخدام الطائرات بلا طيار. وتقاتل طالبان باكستان للإطاحة بالحكومة وفرض الشريعة الاسلامية في البلاد التي تملك اسلحة نووية.

وتصاعدت الهجمات في اعقاب تولي نواز شريف رئاسة الحكومة في مايو ايار وتعهده بإنهاء العنف عبر التفاوض. ويزيد العنف من مخاوف القوى العالمية التي تشعر بالقلق من التعقيدات الامنية المحتملة جراء انسحاب معظم القوات التي تقودها الولايات المتحدة من افغانستان أواخر عام 2014. ولم تجر محادثات جادة منذ انتخاب شريف وقد يكون اختيار فضل الله مؤشرا على بدء فترة جديدة من الاضطراب والعنف في البلاد. بحسب رويترز.

وكان محسود الزعيم السابق واحدا من أبرز الأسماء في قائمة المطلوبين بباكستان ورصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه. وكان يدير حملة تمرد من مخبأ في وزيرستان الشمالية معقل طالبان على الحدود مع أفغانستان. ويعد مقتل محسود أحدث تطور في سلسلة انتكاسات منيت بها طالبان الباكستانية. ومنيت طالبان في الآونة الأخيرة بسلسلة من الهجمات المضادة. وفي مايو أيار قتلت طائرة أمريكية بلا طيار الرجل الثاني في قيادة طالبان الباكستانية وألقي القبض على واحد من أقرب مساعدي محسود في أفغانستان. وتضم طالبان الباكستانية تحت لوائها عددا من الجماعات الجهادية التي تعمل في المنطقة القبلية بباكستان والمتحالفة مع طالبان الأفغانية.

تولى محسود زعامة طالبان الباكستانية في أغسطس آب 2009 بعد أن قتلت طائرة بلا طيار أيضا الزعيم السابق. لمحسود زوجتان وكان لا يستقر عادة في مكان واحد تفاديا لهجمات الطائرات الأمريكية. ورصدت الولايات المتحدة مكافأة قيمتها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه بعد أن ظهر في تسجيل مصور مع انتحاري أردني قتل سبعة من موظفي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في قاعدة بأفغانستان عام 2009. واتهمه المدعون الأمريكيون بالضلوع في الهجوم. ووجهت أيضا اتهامات لطالبان بالتخطيط لتفجير تايمز سكوير في نيويورك عام 2010.

العلاقات الامريكية الباكستانية

في السياق ذاته اتهم وزير الداخلية الباكستاني شودري نثار الولايات المتحدة بإحباط جهود السلام مع طالبان بقتلها محسود وقال حاولنا بصعوبة في الاسابيع الماضية بناء عملية يمكننا من خلالها صنع السلام في باكستان، وماذا فعلتم انتم (الولايات المتحدة)؟"، مؤكدا انه ستتم مراجعة كل جانب من جوانب التعاون بين اسلام اباد وواشنطن بعد الغارة.

واوضح الوزير الباكستاني ان فريقا من رجال الدين كان على وشك الانطلاق للقاء وفد من حركة طالبان الباكستانية من اجل اطلاق محادثات السلام، حين قتل محسود. واضاف مخاطبا الاميركيين لقد قمتم بإحباط ذلك عشية الانطلاق، 18 ساعة قبل توجه وفد رسمي من علماء الدين المحترمين الى ميرانشاه جوا لتسليم هذه الدعوة الرسمية.

ومنذ تأسيسها قبل ست سنوات، قتلت حركة طالبان الباكستانية الاف المدنيين والجنود ورجال الشرطة في تمرد دموي تشنه ضد الدولة الباكستانية. كما اعلنت مسؤوليتها عن محاولة قتل الناشطة ملالا يوسفزاي في تشرين الاول/اكتوبر السنة الماضية. وقال نثار انه بغض النظر عن هوية الذين سقطوا في الضربة الصاروخية فان الحكومة الباكستانية لا تنظر الى هذا الهجوم بالطائرة بدون طيار على انه هجوم على فرد وانما كهجوم على عملية السلام. وغالبا ما تندد باكستان بالضربات الاميركية بطائرات بدون طيار على اراضيها وتعتبرها انتهاكا لسيادتها وبانها تعرقل جهود انهاء التمرد، لكن انتقاد وزير الداخلية للولايات المتحدة كان اكثر صراحة بشكل غير معتاد. بحسب فرانس برس.

على صعيد متصل صرح الرئيس الافغاني حميد كرزاي ان تصفية حكيم الله محسود حصلت في توقيت غير مناسب مبديا امله بان لا يضر ذلك بالمساعي الجارية لإحلال السلام في المنطقة. واعلنت الرئاسة في بيان ان كرزاي يرى ان غارة الطائرة بدون طيار على محسود حصلت في توقيت غير مناسب ويأمل الا تتاثر عملية السلام بذلك. واشار البيان الى ان كرزاي ادلى بهذا الموقف لوفد من الكونغرس الاميركي يقوم بزيارة لافغانستان.

من جانب اخر طالبت احزاب المعارضة بقيادة حركة الانصاف الباكستانية بزعامة عمران خان الحكومة باغلاق طرق الامدادات في باكستان لقوات حلف شمال الاطلسي المنتشرة في افغانستان. وقالت حركة الانصاف انها ستمنع مرور قوافل قوات حلف الاطلسي في اقليم خيبر باختونخوا شمال غرب البلاد حيث يتولى السلطة، ما سيقطع احد طرق الامداد الرئيسية الى افغانستان.

ومنعت باكستان مرور قوافل حلف الاطلسي لمدة سبعة اشهر في 2012 بعد غارة جوية اميركية اخطأت هدفها وادت الى مقتل 24 جنديا باكستانيا. ومع خطة الاطلسي سحب حوالى 87 الف عنصر من افغانستان بحلول نهاية السنة المقبل بعد تدخل استمر 12 عاما، تعتبر خطوط الامدادات عبر باكستان ذات حيوية كبرى.

والمشاعر المناهضة للاميركيين شديدة في باكستان ولا تحظى الضربات من طائرات بدون طيار بشعبية وينتقدها كثيرون لانها تؤدي الى مقتل مدنيين وتعتبر مساسا بالسيادة. لكن بعد تصعيد اللهجة ضد الولايات المتحدة سيكون على شريف وحكومته ان يدرسوا جيدا الجوانب العملية لردهم في ضوء تحسن العلاقات مع شريك مالي حيوي.

وفي وقت سابق استقبل الرئيس الاميركي باراك اوباما شريف في البيت الابيض واعلنت وزارة الخارجية عن الافراج عن 1,6 مليار دولار من المساعدات بما يشمل 1,38 مليارا للجيش الذي يحظى بنفوذ كبير في البلاد. وكانت هذه المساعدات جمدت مع تدهور العلاقات بين البلدين اثر سلسلة ازمات في 2011 و 2012 بما يشمل احتجاج باكستان على العملية الخاصة الاميركية التي ادت الى تصفية اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في مخبئه في باكستان والتي نفذت بدون ابلاغ السلطات الباكستانية مسبقا.

من جانب اخر نأت الولايات المتحدة بنفسها عن الاتهامات الباكستانية بأن الغارة الجوية الأمريكية التي أدت لمقتل زعيم طالبان في باكستان قضت على عملية السلام في البلاد. وأكد البيان على أن لباكستان والولايات المتحدة مصلحة استراتيجية مشتركة في إنهاء عنف المتطرفين. واستدعت باكستان في وقت سابق السفير الأمريكي لدى إسلام آباد للاحتجاج على الغارة الجوية التي نفذتها طائرة أمريكية من دون طيار، وأدت إلى مقتل محسود.

واعتبر وزير الداخلية الباكستاني شودري نصار علي خان أن الضربة الجوية ليست (عبارة عن) قتل شخص واحد فقط، وإنما هي موت كل جهود السلام. واتهم شودري الولايات المتحدة بـ"تخريب" الجهود من أجل بدء محادثات السلام، وقال إن "كل جوانب" تعاون باكستان مع واشنطن ستخضع للمراجعة. وجاء مقتل محسود قبل يوم واحد من سفر وفد حكومي إلى منطقة شمال وزيرستان من أجل لقاء زعيم طالبان باكستان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تشرين الثاني/2013 - 9/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م