وسائل الاعلام وخبراتنا الحياتية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل تذكرون كيف بدأت الثورات العربية قبل ان يسرقها كل من هب ودب؟

بدأت عبر صورة تلفزيونية اختزنت كل عقود القهر والاستلاب والذل والخنوع الذي عاشته واختبرته المجتمعات العربية طيلة ادوار الحكم الواحد الذي مر عليها منذ استقلالها ونشوء الدول الوطنية فيها.. الصورة هي التي حركت الاخرين للاقتداء بما حدث في التجربة الاولى..

هل تذكرون كيف انخفض منسوب التعاطف مع السوريين، بعد ان نشرت صور احد الجهاديين وهو يلتهم قلب احد الجنود؟

ويمكن ذكر الكثير من الامثلة التي يتذكرها القاريء خلال السنوات الماضية، والتي شكلت بؤرة للاهتمام لدى المشاهدين بغض النظر عما يختفي خلف الكثير من تلك الصور من سياسات وايديولوجيات برسم الترويج.

يذهب اندريا بريس وبروس ويلامز في مقدمة كتابهما (البيئة الاعلامية الجديدة) الى ان وسائل الاعلام هي مفتاح الحياة اليومية في القرن الحادي والعشرين. ولكن الاهم من ذلك ان وسائل الاعلام هي العدسات التي من خلالها نختبر العالم ومانعتبره الوجه الحقيقي لهذا العالم..

ينطلق الكاتبان من حقيقة اصبحت راسخة في حياتنا وهما يتناولان المجتمع الامريكي، وهي اننا منذ استيقاظنا وحتى نومنا وعبر ساعات اليوم لانستطيع ان نبتعد عن استخدام احدى وسائل الاعلام (الانترنت – الاذاعة – التلفزيون – الصحيفة)..

هل هذا ماأكد عليه هيغل منذ العام 1820 بقوله ان (الصحيفة هي الصلاة العلمانية الصباحية للانسان الحديث)؟

هل قلت حقيقة؟ اما انها اسطورة او اسطوريات الحياة اليومية التي كتب عنها رولان بارت كتابه الشهير (اسطوريات – اسطرة الحياة اليومية) والتي اردا بارت القول لنا من خلال كتابه، لاتعودوا الى الماضي للبحث عن الاساطير، بالمعنى الدارج لعبارة اسطورة، فللحاضر اساطيره، مثلما كان للماضي اساطيره ايضا..فالاسطورة ليست رهنا بالماضي، لان اي مجتمع ينحو باستمرار الى اسطرة اشيائه اليومية.. بمعنى انه يحولها الى كلام، والكلام هو ذلك الاستخدام الفردي لمنظومة اللسان، وكلام المجتمع كلام مبهرج، منمق، اي انه مزيف..

الا تعد وسائل الاعلام او الاتصال في تسميتها الاكثر راهنية، هي لساننا في الزمن الراهن؟

وسائل الاتصال تقنيات تاخذ قيمتها في حقل استخدامها.. انها لاتفرض شيئا: انها تقترح والانسان يتدبر الامر او يركّب..

هكذا يعبر فرنسيس بال في كتابه (الميديا)..

ماهي البيئة الاعلامية التي يشرحها الكتاب؟

انها تشتمل على عنصرين هما:

تكنولوجيا الاتصالات الخاصة المستخدمة (الكومبيوتر الشخصي، الصحف اليومية والتلفزيون) والبنية الاجتماعية، السياسية والاقتصادية التي تستخدم من خلالها هذه التقنيات.

البيئة الاعلامية التي يذكرها المؤلفان في تعريفهما لها يعنيان بها ومن خلال ماقدمته العلوم الاخرى، الشكل المهيمن لوسائل الاتصال التي تميز مجتمع ما..

السؤال الذي تدور حوله فصول الكتاب هو: ماذا يعني قول ان التغييرات في البيئة الاعلامية تغير البنية الاساسية للضمير الانساني؟

البيئة الاعلامية تعد منظومة شاملة تؤثر بالفعل في كل المجتمعات التي تنتشر فيها، فالتلفزين على سبيل المثال، وكما يقول بوستمان: (لايوجد مشاهد مهما كان صغره ممنوع من مشاهدة التلفزيون، ولايوجد اي نوع من التعليم مهما علا شانه لايتغير ولايتحول بدون التلفزيون، والاهم من ذلك لايوجد موضوع يحظى باهتمام الجمهور العام، السياسة، الاخبار، التعليم، الدين، العلوم، الرياضة، لايجد طريقه الى التلفزيون، وهذا يعني ان المفهوم العام لدى الجميع تجاه هذه الموضوعات يتشكل طبقا لانحيازات التلفزيون)..

التلفزيون هذا الجهاز العجيب والذي مر بمراحل متعددة من الاضافات والتطوير، اخذ حيزا من مشروع عبد الله الغذامي في نقده للانساق الثقافية، وله كتاب حمل عنوان (الثقافة التلفزيونية.. سقوط النخبة وبروز الشعبي) ويطرح تساؤلا يرى اننا نواجهه باستمرار ويتعين الاجابة عليه.. تساؤل الغذامي هو: ماذا لو خرجت علينا الصورة من التلفزيون متمردة علينا وعلى جهاز التحكم وتحققت وحشيتها علينا بممارسة عملية قسرية؟

يجيب الغذامي على تساؤله بالقول: (الحق ان هذا التساؤل هو مايمكن ان نكون على مواجهة معه فيما صار يسمى اصطلاحيا بالثقافة البصرية، وهي مرحلة ثقافية بشرية تغيرت معها مقاييس الثقافة كلها، ارسالا واستقبالا وفهما وتاويلا، مثلما تغيرت قوانين التذوق والتصور، والحق ان الصورة تعتدي علينا فعلا، فهي تقتحم احساسنا الوجداني، وتتدخل في تكويننا العقلي بل انها تتحكم في قراراتنا الاقتصادية حيث تضطرنا الى صرف مال ماكنا سنصرفه لولا مفعول ثقافة الصورة، وهي مثلما تسلب علينا راحتنا النفسية فانها ايضا تمتعنا متعة من نوع جديد وبالغة التاثير، تماما مثلما تدير ردود فعلنا السياسية والاجتماعية وتؤثر في توجهاتنا الفكرية والثقافية)..

وهذا ما اشار اليه جان بودريار في كتابه (المصطنع والاصطناع) حين ذكر انه في كل مكان تقاس تنشئة الناس الاجتماعية بدرجة تعرضهم للرسائل الاعلامية. وبالتالي تنزع اجتماعية الفرد او يكون افتراضيا لا اجتماعيا عندما لايتعرض بالقدر الكافي للميديا.

العالم الافتراضي الذي يشير اليه بودريار هو عالم تزداد فيه المعلومات اكثر فاكثر، بينما يصبح المعنى فيه اقل واقل.

الا يصح في هذا المجال اننا اذا اردنا معرفة حقيقة انسان ان نطرح هذا التساؤل: قل لي ماذا تشاهد اقول لك من انت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تشرين الثاني/2013 - 8/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م