الحجاب... اشكالية ثقافية ام ازمة حقوقية؟

 

شبكة النبأ: قضية منع ارتداء الحجاب الإسلامي في المؤسسات العامة والحكومية في العديد من الدول الغربية، قضية مهمة وحساسة يمكن ان تسهم بتنامي ظاهرة العنف والعنصرية التي تجتاح الكثير من المجتمعات الغربية ضد الاقليات المسلمة كما يقول بعض المراقبين. الذين اكدوا على ان هذه القوانين والإجراءات الصارمة هي انتهاك صارخ لحرية الاعتقاد والممارسة الدينية وتحريض واضح وصريح على التمييز ضد الاقليات المسلمة خصوصا مع تنامي الأفكار اليمينية المتطرفة في تلك الدول، وفي هذا الشأن فقد أبرزت الصحف العالمية عدة قضايا، على رأسها الكشف عن قرار سري يمنع الموظفات المسلمات من ارتداء النقاب ببعض مستشفيات بريطانيا. فصحيفة تلغراف البريطانية من جانبها كشفت في تقرير لها عن وجود قرار سري بحظر ارتداء النقاب على الموظفات المسلمات في 17 مستشفى، وذلك ضمن سياسة تهدف إلى الحفاظ على العلاقة "وجها لوجه" بين المرضى والطاقم الطبي.

وأضافت الصحيفة أن الحكومة البريطانية أمرت بمراجعة سياسة الزي الموحد في مجال الخدمات الطبية مع توجيه المشرعين إلى ضرورة التأكيد على إعطاء الأولوية للتواصل بين الطاقم الطبي والمرضى، إذا كان ذلك يتعارض مع حق أفراد الطاقم بارتداء النقاب. ولفتت الصحيفة إلى عدم وجود قواعد تنظم الزي في المستشفيات حاليا، ما يترك الأمر بيد الإدارة الخاصة بكل مؤسسة على حدة، وقد عمت الصحيفة إلى وضع قائمة بأسماء تلك المستشفيات.

على صعيد متصل ذكرت صحيفة إندبندنت البريطانية أن جامعة برمنجهام متروبوليتان البريطانية قد تراجعت عن قراراها الذي اتخذته في وقت سابق بحظر النقاب داخل الحرم الجامعي بعد أن أثار القرار احتجاجات واسعة. وقالت الصحيفة، حسبما نقلت بوابة الوفد المصرية، في تقرير إن الجامعة أصدرت بيانا قالت فيه لقد استشعرنا القلق من أن يؤثر الاهتمام الإعلامي بقرار حظر النقاب على المهمة الرئيسية للجامعة وهي تقديم العلم على أعلى مستوى، لذا فقد قررنا تعديل سياستنا بحيث يسمح للأفراد بارتداء ما يعكس قيمهم الثقافية.

وأضافت الصحيفة أن الجامعة أجبرت على اتخاذ هذا القرار بعد أن انتشرت الاحتجاجات المناهضة له في مناطق بريطانية مختلفة، وتشديد المعارضين للقرار على أنه يتعارض مع حقوق الإنسان في التعبير عن النفس والحرية الشخصية.

وأشارت إلى أن المناهضين للقرار طرحوا التماسا الى الجامعة وعميدتها الدكتورة Christine Braddock للتراجع عنه على شبكة الإنترنت، وأن الالتماس جذب أكثر من 8 آلاف توقيع خلال أقل من يومين، مما دفع مجالس المدينة ونوابها بالبرلمان البريطاني إلى التعبير عن رفضهم للسياسة الجديدة للجامعة. وقالت الصحيفة إن الأوساط السياسية في بريطانيا شهدت اختلافا في موقفها من قرار الجامعة الذي، والذي بررته بالدواعي الأمنية.

فبينما أيد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون حق الجامعة في وضع ما تراه مناسبا من ضوابط تتعلق بالزي الجامعي الموحد واتخاذ ما يناسب من قرارات، اعترض نائبه نيك كليك على القرار واعرب عن قلقه إزاء ذلك قائلا انه يشعر بعدم ارتياح من هكذا قرار. ورحبت شبانا محمود عضوة البرلمان عن مدينة برمنغهام بتراجع الجامعة عن قرارها بحظر النقاب واصفة إياها بانها خطوة حكيمة تستحق التقدير.

وتقول الجامعة انه يفترض بالطلاب ان تكون وجوههم مكشوفة للتعرف على هوياتهم والحظر لايشمل ارتداء النقاب فقط بل أي ملبس من شأنه إخفاء الوجه او جزء منه كالقبعات الهابطة واغطية الرأس المعروفة ب "الهودي" Hoody . والاخيرة عادة ما يتخفى بها المجرمون في بريطانيا لارتكاب جرائمهم. وجاء في بيان الجامعة إن الجامعة استجابت لموقف طلابها، لكنها تعلن حاجتها لمزيد من الإجراءات للتحقق من الهوية الشخصية من أجل الحفاظ على الأمن والقدرة على حماية الأفراد. في المقابل أعرب المناهضون للقرار عن ترحيبهم بتراجع الجامعة عنه ، مشيرين إلى أن مثل هذه القرارات تمثل انتهاكا لحق المرأة في الاختيار، وحق حرية العبادة والتعبير عن الثقافة التي ينتمي إليها الأفراد.

من جهة اخرى فقد أظهر استطلاع جديد للرأي أن أكثر من نصف البريطانيين يؤيدون عدم السماح للنساء المسلمات بارتداء النقاب في الأماكن العامة. ووجد الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة كومريس ونشرته صحيفة هافينغتون بوست يو كي، أن 56 في المئة من المشاركين عارضوا ارتداء النقاب في الأماكن العامة، فيما قال 55 في المئة منهم بأنهم سيؤيدون فرض حظر وطني على ارتدائه على غرار التشريع الذي أصدرته فرنسا عام 2010 ومنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة.

وقال إن 81 في المئة من البريطانيين ابدوا استعدادهم لتأييد فرض حظر على ارتداء النقاب في الأماكن العامة، مثل قاعات المحاكم والمدارس والمستشفيات، إذا ما قررت حكومة بلادهم إدخال تشريع بهذا الشأن. وأضاف الاستطلاع أن 76 في المئة من البريطانيين أقروا بأنهم غير متأكدين من كيفية النظر إلى النساء المسلمات اللاتي يرتدين النقاب، فيما اعتبر 56 في المئة النقاب مهيناً للمرأة التي ترتديه. ويأتي الاستطلاع بعد إجبار مدرسة إسلامية بمدينة بيرمنغهام البريطانية على التراجع عن فرض ارتداء النقاب على الطالبات والمعلمات، وإصدار قاض بريطاني حكماً أمر بموجبه امرأة مسلمة بخلع نقابها للإدلاء بشهادتها أمام المحكمة.

دوافع عنصرية

في السياق ذاته أصدرت محكمة فيدرالية بولاية كاليفورنيا الأمريكية، حكما لصالح موظفة مسلمة كانت تعمل لدى سلسلة متاجر أبيركرومبي أند فيتش الشهيرة A&F، معتبرة أنها تعرضت لطرد تعسفي بعد رفضها خلع حجابها خلال وجودها في العمل، امتثالا لطلب الشركة منها. وقالت المحكمة إن المدعية، وهي باكستانية الأصل تدعى أم هاني خان، والتي كانت قد تقدمت بالشكوى ضد سلسلة المتاجر المتخصصة ببيع الألبسة الجاهزة للمراهقين والشباب كانت ضحية للتمييز.

وكانت أبيركرومبي أند فيتش قد قامت بطرد خان من وظيفتها في متجر تابع لها بمدينة سان ماثيو، وقد شرحت خان أسباب تقديمها الدعوى بالقول شعرت بالغضب الشديد حيال ما حصل ولم أرغب أن تمر القضية مرور الكرام لأنها حصلت معي وقد تحصل مع آخرين. وأشارت المحكمة في قرارها إلى أن مدير المتجر سمح في أول الأمر لخان بارتداء الحجاب طالما التزمت باختيار ألوان تتناسب مع تلك المستخدمة في ملابس العاملين، واستمرت الشابة في عملها لعدة أشهر قبل أن يطلع المدير الإقليمي للمتاجر على وضعها، ويعود ليطلب منها خلع الحجاب. وأضافت المحكمة لقد رفضت خان خلع الحجاب وهذا هو السبب الوحيد لصرفها من وظيفتها.

أما أبيركرومبي أند فيتش فقد أكدت في بيان أنها لا تمارس التمييز على أساس ديني، ولكنها تلتزم بقواعد خاصة باللباس لا تسمح بوضع أغطية على الرأس. مضيفة أن لديها صفحة خاصة على موقعها الإلكتروني تحمل اسم التنوع والاندماج تعرب فيها عن رغبتها في وجود تعدد حضاري داخل الشركة. ويذكر أن هيئة أمريكية متخصصة بمراقبة المساواة في فرص العمل بالولايات المتحدة سبق أن أشارت إلى إدانة أبيركرومبي أند فيتش في قضيتين سابقتين بولايتي نورث كارولاينا وأوكلاهوما تتعلقان برفض توظيف محجبات.

الى جانب ذلك غرّمت محكمة بريطانية امرأة قامت بضرب مسلمة ترتدي البرقع، وردّدت عبارات عنصرية ضدها في جنوب شرق لندن. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي إن محكمة الصلح في ضاحية بيكسلي، أدانت تريسي ديفيز (46 عاماً)، بتهمة الاعتداء بدوافع عنصرية على امرأة. وأضافت أن المحكمة استمعت إلى أن تريسي هاجمت امرأة صومالية في الـ55 من العمر ترتدي البرقع بينما كانت تتسوّق مع ابنتها في مركز تجاري بمنطقة ووليتش الواقعة جنوب شرق لندن، وقام متسوقون بمساعدتها وإبلاغ الشرطة.

وأمرت المحكمة تريسي بدفع غرامة مقدارها 150 جنيهاً إسترلينياً، وتعويضاً مقداره 100 جنيه إسترليني، إلى جانب 105 جنيهات أخرى لتغطية التكاليف القانونية. وكان مقتل الجندي البريطاني، لي ريغبي، على يد رجلين متطرفين بريطانيين من أصول نيجيرية في لندن ، أثار موجة كبيرة من الحوادث المعادية للإسلام والتعليقات العنصرية ضد المسلمين على مواقع الشبكات الاجتماعية، والاعتداء على العديد من المساجد في مختلف أنحاء بريطانيا.

الحجاب في تركيا

من جهة اخرى فقصة تركيا مع قضية الحجاب ليست جديدة. بدأت في 1920، حين تمكن مصطفى كمال أتاتورك من القضاء على حكم السلطنة العثمانية، وأعلنت الجمهورية التركية. حينذاك، بدأت معركة فرض الدولة العلمانية، فمنع أتاتورك في 1923 اعتمار الطربوش وارتداء الحجاب في الحياة العامة. وأصدر قراراً يلزم الناس بارتداء الزي الأوروبي، واعتبار العلمانية أمراً مقدساً.

بقي هذا القرار ساري المفعول طوال تسعين عاماً، حتى أقر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، رزمة إصلاحات، كان من بينها رفع الحظر على ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة. وخلال تسعين عاماً، مرت معركة الحق في ارتداء الحجاب بتركيا في مراحل عدة، وكانت تشكل إحدى المعارك الأساسية لـ "حرب" مستترة بين العلمانية والهوية الإسلامية.

وبعد تطبيق أتاتورك قرار حظر الحجاب، علت أصوات عدة معارضة للقرار على مدى سنوات طويلة، بدءاً بمحاولات بديع زمان النورسي، وهو داعية إسلامي تركي من أصول كردية، ووصولاً إلى نجم الدين أربكان، مؤسس حزب الفضيلة، الذي يعتبر استمراراً للأحزاب الممثِّلة للإسلام السياسي التي كان عملها محظوراً في تركيا.

ثم برزت قضية الحجاب كقضية سياسية في تركيا، عقب الانقلاب العسكري الذي نفّذه الجنرال كنعان أيفرين في 12 أيلول/سبتمبر 1980، عندما أقِر قانون يحظر دخول المحجبات إلى الجامعات والمدارس وقاعات المحاكم والإدارات الحكومية، وشمل أيضاً منع ارتداء الحجاب داخل مدارس الأئمة والخطباء. وذكرت تقارير، صدرت آنذاك، أن عدد الطالبات اللواتي اضطررن إلى مغادرة البلاد لاستكمال دراساتهن تجاوز الأربعين ألف، بينما أصرّت فتيات أخريات على البقاء وتلقي التعليم داخل الجامعات التركية، فاضطررن إلى اعتمار القبعات أو وضع الشعر المستعار للتحايل على قرار منع الحجاب.

وخلال تسعينات القرن العشرين، عادت قضية رفض الحظر على ارتداء الحجاب إلى الواجهة بشكل أكبر. وربما يكون لاستلام نجم الدين أربكان رئاسة الوزراء التركية في 1996 و1997، قبل أن يحظر حزبه "الرفاه" في 1998، بسبب "انتهاك مواثيق علمانية الدولة"، دور كبير في إثارة القضية على الساحة التركية من جديد. ففي عام 1999، انطلقت تظاهرات تعترض وتحتج على قرار حظر الحجاب، وأعتُقل عدد من المتظاهرين. وفي العام ذاته، مُنعت النائب مروى قواقجي من دخول البرلمان لأداء اليمين الدستورية بعد انتخابها، لأنها محجبة. وقالت آنذاك أنا بنت العلمانية ولن أخلع الحجاب. ثم حُرمت من جنسيتها التركية لأنها تحمل الجنسية الأميركية، وعلى رغم أن القوانين التركية تسمح بتعدد الجنسيات.

في 2000، تفاقمت أزمة الحجاب في تركيا، بعد أن توفيت طالبة محجبة (خديجة 16 عاماً)، دهستها إحدى الحافلات أثناء اعتصامها أمام بوابة مدرسة لتأهيل الخطباء والأئمة، احتجاجاً على قرار منع الحجاب. فأجج الحادث وتيرة اعتراض الطالبات المحجبات اللواتي كن واظبن لسنوات على تنظيم مسيرات رفضاً لقرار الحكومة. وقد ازدادت في ذلك العام قرارات منع ارتداء الحجاب، واتسع نطاقها ليطاول الحرم الجامعي كاملاً، والمستشفى الجامعي والسكن الداخلي. وجرى تطبيق قرار الحظر أيضاً على المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة ودورات تعليم اللغات.

وفي آذار/مارس 2003، وصل رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الوزراء، وكان أمامه حينذاك أزمتان لا مفر له من التعامل معها، هما الأزمة العراقية، والديون التركية. ولم تكن مسألة الحجاب من ضمن أولوياته في العامين التاليين لاستلامه الحكم. إلا أنه في 2005 بدأ يكشف محاولاته لإلغاء الحظر. وقال إن حكومته بدأت تدرس قانون منع الحجاب لتأمين المزيد من الحرية الدينية للمواطنين. وأظهر استطلاع للرأي العام بتركيا في 2007، أن غالبية الاتراك تؤيد رفع حظر ارتداء الحجاب في الجامعات، وتعتقد أنه من المقبول أن تغطي زوجة رئيس الدولة رأسها إذا رغبت في ذلك.

إلا أن شيئاً لم يتغير خلال تلك الفترة، على رغم أن زوجة أردوغان وابنته ترتديان الحجاب، ما اضطر ابنته إلى السفر للدارسة في الخارج بسبب قانون المنع. فربما كانت حاجة رئيس الحكومة إلى توافق وطني حول رفع الحظر عن الحجاب، واعتبار حق الجيش، الذي يؤيد أفكار أتاتورك العلمانية ومنع الحجاب، في التدخل لحماية البلد، من الأسباب التي أخرت إقرار رفع الحظر. فقد اعتُبر القانون الذي طرحه رئيس الوزراء لتشريع الحجاب مخالفاً للدستور، وكاد يصدر قراراً بحل حزبه.

إلا أن العام 2011، حين أعيد انتخاب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، شهد انفراجات تدريجية حيال المسألة وصرّح سنكافح مع شعبنا لتؤخذ بوضوح هذه المسألة في الاعتبار. وأدخلت تعديلات على اللوائح الخاصة بملابس العاملين في شركة الخطوط الجوية التركية، التي أتاحت للموظفات ارتداء الحجاب من دون أي مشكلة في العمل. ثم صدر قرار مجلس التعليم العالي بمنع أساتذة الجامعات، من طرد أي طالبة محجبة من قاعة الدراسة، على أن يخضع من يخالف ذلك منهم لتحقيق رسمي. فضلاً عن ظهور زوجة الرئيس التركي عبدالله غل، بحجابها في الاحتفال الرسمي للدولة بعيد إعلان الجمهورية، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها امرأة محجبة في احتفال مماثل.

وفي 2012، رفع الحظر على الحجاب في مدارس التعليم الديني. وقال أردوغان إن القرار الذي يتضمن أيضاً إلغاء إلزام الطلاب بزي مدرسي موحد، جاء بناءً على طلب الشعب، وأضاف خلال مؤتمر صحافي لنسمح لكل واحد بأن يلبس أبناؤه ما يريدون، حسب إمكاناته. ونجح أردوغان بعد عشر سنوات من الحكم في تليين المواقف من منع الحجاب، وتفكيك الحظر عليه تدريجياً من خلال تعديلات دستورية، استندت إلى دعم شعبي وتأييد واسع لإلغاء هذا الحظر، كما لشخصه وحزبه الذي يعتزم ترشيحه للانتخابات الرئاسية التركية المقبلة العام المقبل 2014.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تشرين الثاني/2013 - 7/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م