تونس... ثورة لا تزال بين شد وجذب

 

شبكة النبأ: تظهر المستجدات والأحداث والتطورات الأخيرة في تونس، الممتثلة بتصاعد الأزمات سياسية والمصاعب اقتصادية، فضلا عن تزايد الاضطرابات الأمنية، إضافةً الى أمتعاض شباب الثورة من هيمنة الشخصيات السياسية الكبرى الساحة السياسية، جميع هذه الامور آنفة الذكر وضعت السلطة التونسية على رمال متحركة في الوقت الراهن، على الرغم من نجاحها فتغيير النظام السياسية بما يسمى بـ الربيع العربي قبل أكثر من عامين تقريبا.

وبموازاة التطورات السياسية الاخيرة اقترح راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية الحاكمة على المعارضة تكليف أحمد المستيري رئيسا لحكومة مستقلة ستحل محل حكومة علي العريض القيادي في حركة النهضة، بهدف إخراج البلاد من أزمة سياسية حادة اندلعت إثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز/يوليو 2013، وتسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية للاعداد للانتخابات بعد عامين من حكم اسلاميين معتدلين متحالفين مع جماعة الاخوان المسلمين.

ونظرا لما تشهده دول الربيع العربي من أحداث ساخنة على مختلف المستويات، فان تونس ستواجه تحديات داخلية وخارجية جمة أهمها القضايا الأمنية، حيث تسعى الحركة السلفية الجهادية المعروفة بإسم انصار الشريعة والمقربة من تنظيم القاعدة الى اقامة أمارات اسلامية.

ففي الوقت الذي زاد فيه اختلال الوضع الأمني وظهور تنظيم القاعدة ليربط بصعود السلفيين من خلال الصدامات المتكررة خلال الأشهر الماضية بين الجماعات السلفية والقوات الامنية، يُنتظر أن يعلن تيار أنصار الشريعة التونسي بعد فترة انتماءه إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي،

لكن يرى الكثير من المحللين انه على الرغم من عدم وجود فرصة تذكر للمتشددين -وعددهم قليل- لإقامة دولة اسلامية يتوقون اليها أو إشعال حرب أوسع فان استمرار تعثر تونس في طريق الديمقراطية يتيح للاسلاميين الميالين للعنف فرصة للازدهار في تونس.

وظهرت تلك الجماعة التونسية في أعقاب انتفاضة أوائل عام 2011 أنهت نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي لكن الحكومة الاسلامية المعتدلة فرضت حظرا عليها العام الجاري بعد اغتيال اثنين من السياسيين العلمانيين، ووافق حزب حركة النهضة الحاكم الذي شن أيضا حملة أوسع على المتشددين على افساح الطريق امام حكومة تسيير أعمال واجراء انتخابات جديدة بعد احتجاجات للمعارضة استمرت شهورا. ويتهم المعارضون حزب حركة النهضة بالتراخي مع المتشددين السلفيين.

ويقول منتقدون ان تساهل حركة النهضة شجع أولئك الذين هاجموا اهدافا تفاوتت من السفارة الامريكية ومسارح ومعارض الفنون ووصفوها بأنها تمثل إساءة للاسلام. وربما جاءت موجة الاعتقالات متأخرة جدا لدرجة لا يمكن معها التراجع عن انتشار الجماعات السلفية، وعليه يبدو ان المشهد السياسية ضبابيا بسبب تصاعد الفوضى والعنف والنزاعات السياسية التي تضع التونسيين على مفترق طرق في نهاية المطاف إذا استمر الوضع الحالي كما عليه طويلا، كون المنافسة الضارية بين المعارضة العلمانية والحكومة الإسلامية وصلت حد الغليان مع تزمت كل جهة برأيها والمضي في طريق المواجهة حتى النهاية، لتضع النزاعات المتتالية المذكورة آنفا بلاد الياسمين على حافة حرب سياسية اجتماعية عنيفة، خاصة مع استمرار المعارضة بتعهداتها بشأن استمرار الاحتجاجات ومطالبتها بحل الحكومة والمجلس التأسيسي، مما يبقى الأزمة التونسية في حالة غليان سياسي ديناميكي ربما يقود البلاد نحو مزيدا من عدم الاستقرار.

في سياق متصل تثير هيمنة شخصيات طاعنة في السن على الحياة السياسية في تونس، مزيجا من مشاعر الاشمئزاز والإحباط في صفوف شباب "الثورة" الذين لعبوا دورا حاسما في "إسقاط نظام" الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مطلع 2011.

وبدأت "الثورة" يوم 17 كانون الاول/ديسمبر 2010 في مركز ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب) عندما اضرم البائع المتجول محمد بوعزيزي (26 عاما) النار في نفسه احتجاجا على مصادرة الشرطة البلدية عربة الخضار التي كان يعتاش منها، وفجرت الحادثة تظاهرات واحتجاجات شعبية عارمة في كامل البلاد انتهت بهروب بن علي إلى السعودية يوم 14 كانون الثاني/يناير 2011.

ورغم أن الشباب كانوا المحرك الرئيسي للثورة إلا أنهم وجدوا انفسهم، بعد الإطاحة بنظام بن علي، خارج الحياة السياسية التي هيمنت عليها "ديناصورات" سياسية، على حد قول الصحافية نعيمة الشرميطي (32 عاما) مديرة الموقع الإخباري الالكتروني "أرابسك"، وتقول الشرميطي بحزن "لقد صودرت ثورة الشباب من مسنين كانوا خلال انتفاضة الشعب إما مختبئين في منازلهم، أو هاربين في المنافي"، وأضافت "منذ الثورة و+ديناصوراتنا+ يقولون ان المستقبل السياسي للشباب، لكن الواقع عكس ذلك"، ويقطن تونس أكثر من 10 ملايين نسمة بينهم 51 % أعمارهم دون 30 عاما، و10% تجاوزوا 60 عاما وفق إحصائيات رسمية.

ويهيمن على الحياة السياسية في تونس كل من راشد الغنوشي (73 عاما) رئيس حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، والباجي قايد السبسي (86 عاما) رئيس حزب "نداء تونس" أكبر احزاب المعارضة العلمانية، وقضى راشد الغنوشي نحو 20 عاما في المنفى وعاد الى تونس سنة 2011 بعد الاطاحة بنظام بن علي، أما السبسي فقد سبق له تقلد مناصب وزارية في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي سنة 1956، وتولى السبسي أيضا رئاسة البرلمان في عهد بن علي. كما تولى رئاسة ثاني حكومة تشكلت في تونس بعد الاطاحة بنظام بن علي.

واقترح السبسي من ناحيته تكليف محمد الناصر (79 عاما)، وأحمد المستيري ومحمد الناصر وزيران من عهد الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس من 1956 إلى 1987، وقابلت وسائل إعلام محلية ونشطاء انترنت، بالانتقاد والاستهزاء تصريحات لراشد الغنوشي قال فيها إن أحمد المستيري "هو رجل المرحلة" الحالية في تونس وأن حركة النهضة "لا ترى بديلا عنه" رئيسا للحكومة المستقلة، ونهاية آب/أغسطس الماضي ألغى المجلس التأسيسي (البرلمان) الذي يرأسه مصطفى بن جعفر (73 عاما) بندا من مشروع دستور تونس الجديد كان يحدد السن القصوى للترشح للانتخابات الرئاسية بـ75 عاما.

وتعتبر النخب السياسية في تونس الشباب "غير كفؤ" لتولي المناصب السياسية ، حسب تقدير سالم العياري الأمين العام لـ"اتحاد أصحاب الشهادات (الجامعية) العاطلين عن العمل" غير الحكومي، وقال العياري "هؤلاء لا يؤمنون أن جيلا شابا يمكنه أخذ المشعل منهم"، ولفت الى أن "هذه العقلية نفسها كانت سائدة في عهد الرئيس المخلوع بن علي الذي أقصى الشباب من الحياة السياسية"، ويرى سليم بن عبد السلام (43 عاما) النائب في البرلمان عن حزب "نداء تونس" ان "أكبر خطأ هو تجاهل الشباب في الحياة السياسية"، وأشار إلى نقص في قدرة الاحزاب السياسية على جذب الشباب الذين "ليس لهم ثقة" في التنظيمات السياسية، وقال "يجب وقف الشعبوية والتمييز ضد كبار السن. تونس في وضع لا يسمح بتعيين شخص ليس لديه خبرة رئيسا للحكومة، وإذا كنا لا نريد شخصا محسوبا على نظام بن علي، علينا الاعتماد على شخصيات من عهد بورقيبة".

على الصعيد نفسه عندما اقتحم محتجون مجمع السفارة الامريكية في تونس العام الماضي رفعوا علما جهاديا أسود الأمر الذي فضح الاتجاه الخفي للاسلاميين في واحد من أكثر المجتمعات ميلا للعلمانية في العالم الاسلامي، وكشف هجوم مفجر انتحاري على منتجع سياحي واشتباكات بالأسلحة النارية مع الشرطة التونسية مدى عمق الحماس الذي عززه تنظيم القاعدة بأنحاء العالم في تونس مهد انتفاضات الربيع العربي.

ولم يلق أحد حتفه باستثناء الرجل الذي فجر نفسه على الشاطيء بمنتجع في سوسة عقب اخفاقه في الدخول الى فندق بالمنتجع. وألقي القبض على شخص آخر كان يعتزم تفجير نفسه. ولاقى تسعة من افراد الشرطة حتفهم الشهر الماضي في اشتباكات مع اسلاميين، وتسبب الحادثان في صدمة بالدولة الصغيرة التي لم تشهد العنف كثيرا والتي تعتمد على السياحة.

وقال توماس جوسلين المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن عن المفجر الانتحاري "حين كنا نرى ذلك في الماضي.. في سوريا أو غيرها.. فانه عادة ما يكون نذير سوء بأفعال ستأتي. انه يمثل تصعيدا ملموسا في الأساليب التي يعتزم الجهاديون استخدامها، ويحمل مسؤولون جماعة أنصار الشريعة -المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي النشط في شمال افريقيا- المسؤولية عن الهجوم.

لكن في المقاهي والمساجد بالأحياء الفقيرة بتونس -حيث عادة ما يتحدث للناس وعاظ جماعة أنصار الشريعة- لا يزال الغضب الذي غذى اقتحام السفارة الامريكية في سبتمبر ايلول عام 2012 على أشده، وهذا يزيد من احتمال لجوء مزيد من التونسيين للسلاح ليس باعتبارهم ركيزة صلبة لجهاديين ينتهجون العنف لكن لأنهم حتى الآن أعضاء سلميون في حركات سلفية متشددة أوسع نطاقا، وقال شاب وصف نفسه بأنه سلفي أمام مسجد في تونس قبل أسابيع من هجوم "ماذا يحدث مع القمع. الأمور تسير نحو السرية. لكل فعل رد فعل. اذا قطعت لساني وقيدت ذراعي كيف سأرد."

وقال سلفي آخر كان يعيش في المنفى بأوروبا قبل عام 2011 انه كان غاضبا بشدة أن يكون عرضة للاعتقال على ايدي حكومة اسلامية بعد فرض حظر على جماعة أنصار الشريعة، وأضاف "حين كان بن علي يشن حملات كان الأمر عاديا لأنه كان دكتاتورا. الاحباط الذي كنت تراه في أوساط الجماعات الجهادية تراه الآن في أوساط السلفيين المعتدلين. لا يمكن للجميع التحلي بالصبر."

وعلى خلاف الحال في ليبيا واليمن حيث يسيطر مقاتلون اسلاميون على مساحات من الأراضي فان أنصار الشريعة يمثلون تحديا محدودا للغاية للدولة فيما يبدو. فالجماعة تزعم انها تضم أعضاء يقدرون بعشرات الالاف ولم تحشد أكثر من 20 ألفا في بعض المسيرات.

وتقلل مصادر أمنية محلية من تأثير أنصار الشريعة في تونس المستعمرة الفرنسية السابقة وتقدر ركيزتها العنيفة بخلايا صغيرة قليلة العدد انتشرت في البلاد منذ حظر الجماع، وجماعة أنصار الشريعة مرتبطة بجماعات متشددة اخرى في شمال افريقيا مثل تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي واسلاميين ليبيين. وهذا قد يضع تونس على خط النار ويسبب اضطرابات لصناعة السياحة التي بدأت تتعافى حاليا من انتفاضة عام 2011.

ولحزب حركة النهضة -المنقسم داخليا بين محافظين ومعتدلين- اتجاه متردد ازاء السلفيين الذين يفضلون تطبيقا أكثر تشددا لأحكام الشريعة والعادات الاجتماعية. وفي مسعى لاستيعاب آرائهم في ديمقراطيتها الجديدة سجلت تونس مئات من الجمعيات الخيرية السلفية وحزبا سياسيا سلفيا يدعو الى اقامة دولة اسلامية.

ويقول أعضاء جماعة أنصار الشريعة انها غير عنيفة وانها تركز على الاعمال الخيرية والتعاليم الروحية. وفي بعض الضواحي توفر الأمن. وعلى الرغم من ذلك فان زعيمها الهارب سيف الله بن حسين المعروف باسم أبو عياض قاتل في أفغانستان. وأعلن أن الديمقراطية كفر. وقبل حظر الجماعة أكد بوضوح انحيازه لتنظيم القاعدة، وقال عضو في جماعة أنصار الشريعة يدعى أحمد في ضاحية بتونس في الأسابيع التي أعقبت الحظر "علينا ان نجعل من تونس -وليس تونس فقط بل كل مكان- دولة اسلامية. انه السبيل الوحيد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تشرين الثاني/2013 - 7/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م