بين واشنطن والرياض... نوايا مبيته وأجندات متناقضة

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية التي تعتبر حليفا اساسيا للاميركيين، حاليا تجاذبات حادة حول السياسية الخارجية لامريكا تجاه الشرق الاوسط وخاصة في القضية السورية والتقارب الاميركي مع ايران خلال الاونة الاخيرة.

حيث أبدت واشنطن قدرا من الاستعداد للمجازفة بتوتر علاقاتها مع الحلفاء لتحقيق هدفي الولايات المتحدة وهما تجنب التدخل العسكري في سوريا والسعي للتوصل الى اتفاق نووي مع ايران، لكن رسالة الرياض في الأسابيع الأخيرة كانت صريحة وعلنية على نحو غير معهود حيث تحدث رئيس المخابرات السعودية بندر بن سلطان عن ابتعاد كبير عن الولايات المتحدة، أضافةً الى اعلان السعودية رفض مقعد في مجلس الامن الدولي، وقد اهتزت ثقة ابرز حليف لواشنطن في المنطقة اثر تحولات في السياسة الاميركية دفعت بالسعودية التي طالما تبنت نهجا محافظا الى التخلي عن دبلوماسيتها الهادئة.

لكن سارعت واشنطن الى تقويض هذه الخلافات السياسة والدبلوماسية مع الرياض بإرسال وزير الخارجية الامريكي جون كيري في جولة شرق اوسطية-خليجية طويلة، بدأت في السعودية، فمن شأنها كسر الفتور بين العلاقات الاميركية السعودية، بسبب الملف السوري والتقارب الاميركي مع ايران.

لكن السعوديين لم يقتنعوا فيما يبدو، إذ يخشى قادة السعودية من أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تعد تصغ الى المملكة خاصة فيما يتعلق بالحرب في سوريا والخلاف النووي مع ايران، وهم يعتقدون أن هذا يهدد بانتقال الهيمنة الإقليمية الى عدوهم اللدود طهران.

وعلى الرغم من أن علاقة واشنطن بالسعودية حيوية مع ما تشهده المنطقة من تغيرات وتحديات واضطرابات كبرى، كما تشعر السعودية بغضب من واشنطن بسبب ما تعتبره ضعفا في السياسة الخارجية الأمريكية ترى انه سمح باستمرار بناء المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية واستمرار الصراع في سوريا.

وتستند بواعث قلق السعودية في جانب منها لمخاوف من ان تقود مساعي الرئيس الامريكي باراك اوباما لتحسين العلاقات مع إيران إلى منح غريمتها الرئيسية فرصة لتوسيع نطاق نفوذها في الدول العربية.

فيما يرى الكثير من المحللين أن القضية الاكثر إثارة للخلاف قرار الولايات المتحدة هي التراجع عن قصف سوريا واشنطن على عملية دبلوماسية للتخلص من ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية، وتعتبر الأسرة الحاكمة ان سوريا ميدان حرب على الهيمنة الإقليمية بين تحالف شيعي تدعمه ايران وتحالف من الدول السنية يدعمه الغرب ويضم دول الخليج ومصر وتركيا.

ويرى هؤلاء المحللين ان كيري يحاول تحسين العلاقات مع السعودية لكن الخلافات واضحة، حيث زار كيري السعودية في مهمة لتهدئة الخلافات التي امتدت ايضا لتشمل سياسة الولايات المتحدة بشأن ايران ومصر والقضية الفلسطينية ولكن على الرغم من الاستعراض العلني للصداقة لا تزال هناك خلافات كبيرة بين الدولتين.

وهذه أول زيارة لكيري منذ تصاعد الغضب السعودي على قرار الولايات المتحدة الخاص بعدم قصف سوريا في أعقاب الهجوم بأسلحة كيماوية على ضواحي دمشق في أغسطس اب. وقال أمير رفيع في ذلك الوقت ان الرياض ستجري تغييرا كبيرا في علاقاتها مع واشنطن.

وتستند بواعث قلق السعودية في جانب منها لمخاوف من ان تؤدي مساعي الرئيس الامريكي باراك اوباما لتحسين العلاقات مع إيران إلى منح غريمتها الرئيسية فرصة لتوسيع نطاق نفوذها في الدول العربية.

وعلى الرغم من ذلك وبينما اعتبر كل من كيري ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ان الخلافات الأخيرة بخصوص الاساليب وانه لا توجد خلافات رئيسية على الاهداف فانهما أكدا مواقفهما التي تعكس خلافا كبيرا حول رؤيتهما للشرق الأوسط، فالرياض تعتبر الحرب السورية سباقا حاسما للتفوق الاقليمي بين التحالف الشيعي المدعوم من ايران والتحالف السني الموالي للغرب والذي يضم دول الخليج وتركيا ومصر، وضغطت الرياض على واشنطن منذ أكثر من عام لتتخذ دورا أكثر فاعلية في الصراع سواء بالضربات الجوية وفرض منطقة حظر طيران او بتدريب المعارضة وتسليحها.

لكن الولايات المتحدة تراجعت عن تلك الخيارات غير راغبة في التورط في حرب أهلية فوضوية وخشية ان ينتهي الأمر بسقوط أي مساعدة تقدمها لمقاتلي المعارضة في أيدي المتشددين الاسلاميين.

ويرى محللون آخرون ا ذا كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد زار الرياض ليطمئن قيادة المملكة العربية السعودية بأن غضبها من سياسات بلاده في الشرق الأوسط لا أساس له فإن عليه بذل المزيد من الجهد.

وجمع الملك السعودي عبد الله الذي يبلغ من العمر 90 عاما ونادرا ما يجتمع مع المسؤولين الذين يزورون المملكة كبار الأمراء ليحضروا المحادثات مع كيري، وعبر هذا الترتيب عن احترامه للتحالف القديم مع الولايات المتحدة وكذلك عن غضبه من تحركات واشنطن في الآونة الأخيرة.

وقدم كيري تطمينات للرياض قائلا إنه يجب على الرئيس السوري بشار الاسد ان يرحل وإنه سيتم إطلاع السعوديين على تطورات المحادثات النووية مع ايران اولا بأول، وقال كيري بعد اجتماعه مع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل "علاقتنا استراتيجية وثابتة" وأضاف "من الطبيعي أن تشهد سياساتنا ووجهات نظرنا اتفاقا في بعض المساحات واختلافا في غيرها"، وقال مصطفى العاني المحلل في مركز أبحاث الخليج "هذا هو الشعور السائد في الدائرة المقربة، يرحبون بزيارته ويحترمون رغبته في مقابلة الملك، لكنه جاء ومعه كوب نصف ممتلىء ونصف فارغ".

قال الأمير سعود إن أغلب الخلافات بين المملكة والولايات المتحدة في الأساليب لكن كان واضحا أن نقاط خلاف رئيسية ظهرت بين كيري والملك عبد الله الذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي بأنه صديق "مخلص".

وحضر الاجتماع الى جانب الملك عبد الله والامير سعود ولي العهد الامير سلمان والنائب الثاني لرئيس الوزراء الأمير مقرن ووزير الداخلية الامير محمد بن نايف ووزير الحرس الوطني الامير متعب بن عبد الله، وهذه المجموعة تضم أغلب الأعضاء الكبار في الأسرة الحاكمة، وقال محلل سعودي مطلع على اسلوب التفكير الرسمي "هذا يظهر موقفا موحدا ويبعث برسالة قوية مفادها الرفض".

وأعلنت القيادة السعودية منذ البداية إنه لا يمكن الوصول الى حل دون رحيل الأسد لكن على الرغم من تأكيد كيري أن هذا لايزال هدف واشنطن ايضا تتشكك الرياض في التزام الولايات المتحدة به، وقال روبرت جوردان الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في الرياض منذ عام 2001 الى 2003 في عهد الرئيس السابق جورج بوش "كيري يقول إن الأسد يجب أن يرحل. لكن (الأمريكيين) يقولون هذا منذ وقت طويل وتصرفاتهم لم تدعم هذا"، وأشار جوردان الى تصريحات كيري المتكررة عن عدم رغبة الولايات المتحدة في التدخل عسكريا في سوريا.

وصف مقال لغسان الامام صحيفة الشرق الأوسط المملوكة لسعوديين سياسات أوباما بأنها "كارثية" وانتقد بشدة ما وصفه "بالانهزامية" في مواجهة إيران، إنها وجهة نظر يقول العاني إن القيادة السعودية تتبناها على نطاق واسع وتخشى الا يشاركها أوباما القناعة بأن ايران تحاول بجرأة الهيمنة على العالم العربي.

وربما جاء أوضح تعبير عن اختلاف الأولويات في تصريح كيري بأن التدخل الإيراني في الدول العربية أقل إلحاحا من حل الخلاف النووي، وكان الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني قد صرح بأنه يريد حل النزاع الممتد منذ عشر سنوات بشأن البرنامج النووي الايراني الذي تؤكد طهران أنه سلمي، ويقول جوردان السفير الامريكي السابق في السعودية إن الرياض تخشى امتلاك طهران سلاحا نوويا او أن يسمح أوباما لإيران بأن تصبح دولة لا تملك القنبلة النووية لكنها تملك القدرة على إنتاج واحدة بسرعة شديدة اذا أرادت ذلك، وقال العاني إن الرياض ترى أن الملف النووي الإيراني أقل إلحاحا من التدخل الإيراني في سوريا وغيرها،  وأضاف "الملف النووي مهم لكنه لا يقتل 200 شخص في سوريا يوميا".

فيما أوضحت صحيفة آراب نيوز اليومية التي تصدر بالانجليزية اسباب الاحباط السعودي، وكتب جمال دوماني في الصحيفة "ابتعاد الرياض عن حليفتها نابع من احجام الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة عن العمل على التوصل لتسوية سلمية في فلسطين والاهم السياسة الضعيفة التي تنتهجها في سوريا".

وقال مصطفى علاني المحلل بمركز أبحاث الخليج "لن يتغير الموقف السعودي حتى يثبت على أرض الواقع أن الولايات المتحدة تغير سياستها"، وأضاف علاني ان الاسرة الحاكمة احبطت نتيجة جهود كيري لابرام اتفاق لازالة ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية في اغسطس آب عقب هجوم بالاسلحة الكيماوية في دمشق.

وتابع "يريدون التزاما واضحا من الجانب الأمريكي بان (محادثات السلام) جنيف 2 لن تتحول إلى 3و4و5 وانه في حالة فشل المحادثات في تحقيق هدفها بإزاحة الأسد فان الولايات المتحدة ستغير توجهها الدبلوماسي كي يتغير ميزان القوى على الارض"، وقال عبد العزيز بن صقر رئيس معهد الخليج للابحاث لوكالة فرانس برس"لقد تخلت المملكة عن الدبلوماسية الهادئة بعد ان تفهمت مطولا الدوافع الاميركية وراء الفيتو على تسليح المعارضة السورية رغم تلقيها وعودا لكن شيئا لم يتحقق".

وحول ما تردد عن رفض السعودية استقبال الموفد الدولي الى سوريا الاخضر الابراهيمي، قال "اعتقد ان اللقاء بين وزير الخارجية سعود الفيصل والابراهيمي في باريس كان كافيا فقد اوضح للمملكة الكثير من مواقفه"، وقد اعتبر الابراهيمي خلال زيارته الاخيرة الى دمشق ان "مشاركة ايران في جنيف 2 امر ضروري".

لكن السعودية ترفض مشاركة ايران وترى ان "الحل يكمن في مشاركة منظمات اقليمية مثل الجامعة العربية والتعاون الاسلامي في المؤتمر بدلا من طهران"، بحسب بن صقر الذي اعتبر ان مشاركة ايران "تبرر مشروعية تدخلها في الشان العربي".

لكن دبلوماسيا اوروبيا في الخليج اكد لفرانس برس انه "ليس بامكان احد الحلول مكان الولايات المتحدة في مسالة امن المملكة لا توجد قوة اوروبية قادرة على ذلك لا فرنسا ولا بريطانيا"، واضاف رافضا الكشف عن اسمه "هناك مشكلة بين الرياض وواشنطن بسبب ايران وسوريا لكنني لا اعتقد انها ستؤثر بشكل كبير على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين (...) ستبقى الامور بينهما تحت سقف الانضباط".

وتابع ان "السعودية عاتبت واشنطن لانها تخلت عن الضربة العسكرية التي كانت تعلق امالا كبيرة عليها لتغيير الاوضاع ميدانيا لكنها تعمل الان مع فرنسا على تحقيق تقدم ميداني قبل مؤتمر جنيف2 عبر تسليح المعارضة غير المتطرفة اسلاميا".

من جهته، قال الاكاديمي والباحث خالد الدخيل لفرانس برس "لا اعتقد ان من صالح السعودية الابقاء على التوتر مع الولايات المتحدة التي ما تزال القوة الابرز في العالم. لا بد من التوصل الى نقطة وسط فهذه ضرورة للطرفين"، واضاف "اذا ارادت السعودية النجاح في مساعيها فلا يجب ان تفكر في القطيعة مع واشنطن لان هذا لن يؤدي سوى الى مزيد من الخسارة (..) ليس من الضروري تقديم تنازلات لكن بالامكان التوصل الى تفاهمات"، وتابع الدخيل "توجد هوة واسعة بالنسبة للمواقف حول سوريا (...) تصورات كل طرف تعكس مصالحه".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تشرين الثاني/2013 - 5/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م