السلطات البحرينية تقتل معارضيها دون ضجيج

باستخدام الغازات المسيلة للدموع

عباس سرحان/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 

يبدو أن الصمت الدولي حيال الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان التي تمارسها السلطات البحرينية ضد المحتجين السلميين شجعها على التمادي في استخدام العنف ضد مواطنيها المطالبين بالإصلاح السياسي، ففي يوم الجمعة الماضي أكدت المتحدثة باسم الحكومة البحرينية سميرة رجب، صحة الأنباء التي تحدثت عن عزم حكومتها شراء ما يزيد على مليون ونصف المليون قنبلة غازية وصوتية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية.

وقالت رجب في تصريح لوسائل الإعلام" البحرين لم تخالف القوانين الدولية بالإعلان عن مناقصة لشحن أكثر من مليون ونصف المليون قنبلة غازية وصوتية" زاعمة أن هذه الخطوة تندرج ضمن المساعي الحكومية لمواجهة "الإرهاب في البحرين".

وربما يأتي تأكيد السيدة رجب على أن بلادها لم تنتهك القوانين حين تعاقدت على شراء هذه الكمية الكبيرة من الغازات والقنابل الصوتية، من كونها تستند الى التصنيف العلمي القديم لهذه القنابل، حيث ما زالت (القنابل المسيلة للدموع) تصنف على انها اقل ضررا ولن يؤدي استخدامها في فض التجمعات البشرية إلى الموت.

لكن مجموعة من الأبحاث أجريت في السنوات الأخيرة على الغازات المسيلة للدموع أثبتت أن أنواعا منها (وهي تُصنّع في 15 نوعا) تحوي على مواد سامة بنسب متفاوتة يمكن أن تلحق ضررا بالغا بحياة الأشخاص وسلامتهم البدنية والنفسية، فقبل سنوات نشر مكتب الاستشارات الخاصة الأمريكي دراسة حول استخدام مكتب التحقيقات الفيدرالي غاز سي إس(الاسم المختصر للغازات المسيلة للدموع) ضد مقر الطائفة البروتستانتية المعروفة بالطائفة الداوودية في 1993 والذي اودى بحياة عشرات الأشخاص، وخلصت الدراسة إلى أن هناك عاملان يحددان إمكانية حدوث الوفاة نتيجة لاستخدام هذا الغاز هما استخدام أقنعة الغاز من عدمه، وما إذا كان من يتعرضون للهجوم بالغاز موجودين في منطقة مفتوحة أم مكان مغلق. واعتبرت الدراسة عدم استخدام قناع الغاز، الى جانب وجود من يتعرضون له في مكان مغلق سببا في الوفاة بشكل مباشر، واوصت بتغيير التصنيف الخاص بالغاز واعتباره خطرا وقد يفضي الى الموت.

وجاء التنبيه الذي أطلقته منظمة هيومن رايتس ووتش من مغبة تصدير المزيد من شحنات الغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية لحكومة البحرين منسجما مع ما تستشعره المنظمة من المخاطر التي قد يتسبب بها هذا الغاز، وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة "جو ستورك "لا ينبغي لأية حكومة أن تصرح بشحن الغاز المسيل للدموع إلى البحرين حتى تظهر السلطات البحرينية أنها لن تستخدمه لتهديد حياة الأفراد".

السلاح القاتل دون ضجيج

وتعد ثورة البحرين التي اندلعت أولا للمطالبة بإصلاحات سياسية في منتصف شباط 2011 من الثورات العربية السلمية القليلة التي لم يستخدم فيها المتظاهرون العنف ضد قوات النظام على الرغم من لجوء القوات البحرينية المدعومة من قوات درع الجزيرة الخليجية الى استخدام القوة بشكل مفرط ضد المتظاهرين.

وفي حين لم تتعرض السلطات البحرينية لانتقادات دولية ذات قيمة بسبب استخدامها العنف المفرط ضد مواطنيها المطالبين بالإصلاح، اكتفت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي لعام 2013 بإفراد عدة صفحات لتقييم الأوضاع الإنسانية والقانونية الخاصة بثورة البحرين منتقدة السلطات بسبب استمرار عمليات الاعتقال العشوائية وعمليات التعذيب ومصادرة الحريات العامة والاستخدام المفرط للقوة ومن اساليب هذه القوة استخدام الغازات المسيلة للدموع.

وجاء في التقرير أن " قوات الأمن واصلت انتهاج اساليب القوة المفرطة، مستخدمة طلقات بنادق الخرطوش والغاز المسيل للدموع ضد المحتجين، وأحياناً في أماكن مغلقة" واعتبر التقرير الأطفال من أكثر الفئات العمرية تضررا من الغازات المسيلة للدموع وخصوصا حين يتم قذفها داخل المنازل والأماكن الضيقة، وأكد وفاة "طفلين بالغازات المسيلة للدموع ووفاة اثنين آخرين فارقا الحياة إثر إصابتهم بطلقات من بنادق الخرطوش" مطلع العام الحالي.

وكان العديد من الأشخاص قد قتلوا واعتقل العشرات وتعرض آخرون للاختناق بسبب استنشاق الغازات المسيلة للدموع في الفترة التي أعقبت صدور تقرير منظمة العفو الدولية منتصف العام الحالي.

فيما سجلت منظمة"شيعة رايتس ووتش" في تقريرها الشهر الماضي عشرات التجاوزات التي استخدمت فيها القوات البحرينية القنابل المسيلة للدموع أدى بعضها الى حدوث الوفاة ومما جاء في التقرير" اعتدت قوات النظام البحريني على متظاهرين سلميين طالبوا بحقوقهم المشروعة غرب العاصمة المنامة مستخدمةً الغازات السامة والقنابل الصوتية لتفريقهم، فيما أشارت معلومات إلى تعرض بعضهم للاختناق".

واضاف التقرير أن أحد المتظاهرين أصيب إصابة بليغة في الرأس بعبوة غاز مسيل للدموع أطلقت بشكل عشوائي على المتظاهرين.

وتضاف عشرات حالات الاختناق التي سجلتها منظمة" شيعة رايتس ووتش" إلى حالات مماثلة سجلتها منظمة العفو الدولية التي أكدت في تقريرها الأخير مقتل 20 شخصا واستمرار السلطات بالتضييق على الحريات السياسية وهدم دور العبادة من مساجد وحسينيات خاصة بالأكثرية الشيعية، واعتقال سجناء الرأي بسبب ما وصفته السلطات علاقتهم بالاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح وجاء في التقرير أن" منتقدي الحكم مازالوا خلف القضبان بعد أن أدانتهم السلطات بتشكيل مجموعات إرهابية للإطاحة بالحكم وتغيير الدستور" وانتقدت المنظمة السلطات البحرينية بسبب إصدارها أحكاما وصفتها بالقاسية في ظل غياب أدلة تؤكد قيام المعارضين باستخدام العنف أو الدعوة إليه.

وبسبب ما تلحقه الغازات المسيلة للدموع من أضرار جسيمة بمن يتعرضون لها يصدق وصفها بالقاتل الصامت، فهي إن لم تؤد إلى الموت السريع، فقد تسببت بمعاناة مزمنة لعشرات وربما مئات الأشخاص تعرضوا لها ويعانون اليوم من مشاكل في التنفس.

لابد من تحريم الغازات المسيلة للدموع

على الرغم من أن الانتهاك الواضح لحقوق الانسان والاستخدام المفرط للقوة والإفراط باستخدام الغازات المسيلة للدموع قد اودى بحياة عشرات الاشخاص العزل الا ان السلطات البحرينية ما زالت تستثمر علاقاتها المتينة بالدول المؤثرة في القرارات الدولية للإفلات من الانتقادات والتحصّن خلف تلك العلاقات للتهرب من التزاماتها ومسؤولياتها ازاء مواطنيها.

والمطلوب في ظل الدراسات التي أثبتت المخاطر الجسيمة للغازات المسيلة للدموع أن تصدر قرارات دولية تحرم استخدام هذه الغازات ضد التجمعات البشرية في ظروف قد تؤدي إلى الوفاة أو الإصابة بأضرار صحية ونفسية جسيمة.

اذ وطالما اثبتت البحوث العلمية أن انواعا من الغازات المسيلة للدموع تسبب الموت نظرا لما تلحقه من أضرار مباشرة بالجهاز التنفسي للإنسان، أو تصيب الجهاز الهضمي والكبد بأضرار مماثلة، الى جانب تسببها بالإجهاض عند الحوامل لابد من مراجعة دولية للموقف من هذه الغازات والنظر في:

أولا- تحريم الغازات المسيلة للدموع كونها ما زالت تستخدم بشكل واسع من قبل العديد من الأنظمة الاستبدادية وفي مقدمها النظام البحريني بذريعة أنها غير ضارة بشكل مباشر ولن تؤدي إلى الوفاة، في حين ان هذه الغازات تحوي نسبة من غاز الكلور السام.

ثانيا- اجيز استخدام الغازات المسيلة للدموع في 1928 لأول مرة في الولايات المتحدة في ضوء تقارير طبية أكدت في وقتها ان هذه الغازات لاتؤدي الى الوفاة. ولكن في ظل تطور العلوم والأبحاث وتغير أساليب الحياة بشكل كبير منذ ذلك التاريخ صار لزاما على المجتمع الدولي أن يجري ابحاثا معمّقة على هذه الغازات لإعادة تقييمها من جديد خصوصا وأنها باتت تصنع في عشرات الدول وبأنواع تزيد على الـ 15 نوعا.

ثالثا- معاقبة الأنظمة التي تستخدم هذه الغازات ضد مواطنيها بشكل مفرط دون مراعات للأعمار التي تستخدم ضدهم هذه الغازات والأماكن التي تستخدم فيها، فمعلوم أن هذه الغازات أشد ضررا بالنسبة للصغار وحديثي الولادة كما هي مميتة حين تستخدم ضد أشخاص في مناطق مغلقة أو ضيقة كالمنازل والمباني.

رابعا- إلزام السلطات التي تستخدم هذه الغازات ضد مواطنيها بتحمل تكاليف العلاج والتعويض عن المخاطر التي تنجم عن استخدام هذه الغازات.

.....................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

موبايل/009647712421188

http://adamrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تشرين الثاني/2013 - 5/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م