جنيف 2... خطوة للأمام واثنتين للخلف!

متابعة: كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تبدو آفاق السلام المرجوة من المؤتمر الدولي المسمى بـ جنيف الثاني قاتمة، بسبب الخلافات بين القوى العالمية وانقسامات المعارضة وتشبث كل من الرئيس السوري بشار الأسد والمتمردين بمواقفه، مما ينذر بإجهاض المؤتمر الذي اقترحته موسكو وواشنطن.

فكما يبدو ان طلاسم الغموض والشكوك مازالت تحوم حول ماهية وتوقيت مؤتمر السلام جنيف2 على الرغم من الجهود الرامية من لدن القوى الدولية الكبرى وخاصة امريكا ورسيا، لذا يبدو ان حدوث انفرجة او اتفاق حول عقد جنيف 2 صعبة التحقيق على المدى القريب، ويرى الكثير من المحللين انه كلما طال أمد هذا الصراع في سوريا كلما اصبح معقدا أكثر فأكثر ولهذا السبب كثفت الجهود مجددا لدفع عملية السلام في جنيف.

فيما يرى بعض المحللين ان المعارضة السورية تبدو المنقسمة بشدة لذا فهي تسعى بجهد جهيد لرسم سياسة إستراتيجية جديدة باتفاق على قيادة جديدة في محاولة لتوحيد صفوفها قبل محادثات سلام مزمعة، لكن جميع المؤشرات تضفني بأن هذه المعارضة المتشرذمة تواجه شبح الفشل بعد ان اخفق معارضو النظام السوري في التوصل لاتفاق داخلي رغم الاجتماعات المكثفة في الاونة الاخيرة من اجل توحيد رؤيتهم، حيث أنها تبدو أكثر انقساما وتشرذما في الرؤى مما تظهر عليه او تبينها وسائل الإعلام غير المنصفة للقضية الشعب السوري.

فقد وضعت المعارضة السورية شروطا لحضور محادثات السلام الرامية لإنهاء الحرب السورية في خطوة من شأنها التسبب في مزيد من الارتباك في المحادثات المقترحة بعد أن قال المبعوث الدولي إنه لن تكون هناك شروط مسبقة.

ويرى هؤلاء المحللين انه من شأن النفوذ المتنامي للمقاتلين الإسلاميين المتشددين وتمزق القوات المتمردة أن شعرت القوى الغربية بالحذر إزاء تدخلها مباشرة في الحرب عبر تقديم الأسلحة أو الجنود، وبينما ينبع بعض التوترات من النظرات الفكرية المتعارضة يتركز معظم القتال على السيطرة على الأراضي والتهريب وغير ذلك من مغانم الحرب، واستبعد مسؤولون عرب وغربيون خلال الاونة الماضية أن تحقق القوى الدولية هدف عقد المحادثات في نوفمبر تشرين الثاني الحالي.

بينما تتركز بعض الخلافات بشأن المؤتمر حول توجيه الدعوة إلى ايران الحليف الرئيسي للأسد لحضور المحادثات. وعبرت طهران عن استعدادها للمشاركة، كما دبت انقسامات مريرة في صفوف المعارضة التي تقاتل منذ عامين ونصف للاطاحة بالأسد.

ومن شأن نتيجة الصراع في سوريا أن تغير ميزان التنافس بين طهران داعم سوريا والرياض داعم الجماعات المسحلة في سوريا على النفوذ في العالم العربي، وقد هددت السعودية بعدم التعاون مع الولايات المتحدة احتجاجا على ما ترى أنه عدم تحركها بشكل فعال فيما يخص الحرب في سوريا وجهودها الجديدة للتقارب مع إيران، وجعل التشاحن الدبلوماسي المعارضة السورية تشعر بانها اكثر ضعفا كما زاد ممانعتها لبحث المشاركة في مؤتمر جنيف 2، ولم يتضح كيف يمكن للولايات المتحدة وروسيا الراعيتين للمحادثات التوفيق بين المطالب المتعارضة للاطراف المختلفة حتى يتسنى عقد المؤتمر، وكانت الولايات المتحدة التي تدعم المعارضة وروسيا مورد السلاح الرئيسي للأسد اتفقتا في مايو أيار على العمل على ترتيب محادثات جنيف 2 على أساس اجتماع سابق استضافته المدينة السويسرية العام الماضي ودعا إلى انتقال سياسي في سوريا دون ان يحدد وضع الأسد فيه، وعليه جل المعطيات انفة الذكر تقلص من نجاح مؤتمر جنيف 2، في ظل تصاعد الأزمة السورية لتبقى حلبى بالاضطرابات حتى إشعار آخر.

في سياق ذاته قال رئيس الائتلاف المعارضة السورية أحمد الجربا إن المعارضة لن تحضر المحادثات مالم يكن هناك إطار زمني واضح لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وأضاف أن المعارضة لا تقبل أيضا حضور إيران.

وقال الجربا في اجتماع طاريء لوزراء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية في القاهرة "لا جنيف 2 من دون وضوح في هذا الهدف (رحيل الأسد) مقرونا بجدول زمني محدد ومحدود ولا لحضور المحتل الإيراني على طاولة التفاوض"، وتساند إيران حكومة الأسد، وقال المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي إنه لا يزال يأمل في عقد المؤتمر في الأسابيع القليلة المقبلة رغم العقبات، ورغم أنه قال في الماضي إنه يعتقد أن الأسد لن يكون جزءا من الحكومة الانتقالية التي ستحاول جنيف 2 تشكيلها قال إن تصريحاتها لا تعد تحاملا على إجراءات المؤتمر، وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية متحدثا قبل زيارة الوزير جون كيري للقاهرة والرياض إن الوزير سيوضح للسعوديين إن إيران لن يكون مرحبا بحضورها المحادثات السورية ما لم تقر اتفاقا سابقا يدعو الأسد لترك للسلطة، وأضاف المسؤول "إيران لم تفعل ذلك ولن يكون ممكنا حتى بحث إمكانية مشاركته بدون ذلك"، وشدد على أن الأمر يتعلق "بمجرد التأكد من أنهم يفهمون التفاصيل التي تؤكد كم نتخذ موقفا حازما".

وفي القاهرة جاء في مشروع بيان لاجتماع وزراء الخارجية العرب أن الاجتماع يدعو المعارضة السورية لحضور المؤتمر، وجاء في مشروع البيان أن الاجتماع "يقرر دعوة جميع أطراف المعارضة السورية بقيادة التحالف الوطني السوري إلى التجاوب مع الجهود المبذولة لعقد مؤتمر جنيف والتعجيل بتشكيل وفدها المفاوض لحضور هذا المؤتمر"، وطالب الجربا بإمداد المعارضة السورية بالسلاح لقتال الأسد في الصراع الذي أوقع أكثر من مئة ألف قتيل إلى الآن، وقال لوزراء الخارجية العرب في جلسة افتتاحية لاجتماعهم "نطالبكم بقرار واضح بمد الشعب السوري بالسلاح لمواجهة احتلال وعدوان يزداد شراسة ساعة بعد ساعة ونتعهد بل نحن على استعداد لتقديم كل الضمانات ألا يصل هذا السلاح إلى الأيدي الخطأ"، وحتى إذا حضر الجربا اجتماعات جنيف 2 فإنه لا سلطة له على القوات المتمردة التي تقاتل للإطاحة بالأسد. وقالت القوات المتمردة الرئيسية إنه تعارض المؤتمر إذا لم يكن من شأنه إقصاء الأسد.

فيما وجهت صحيفة حكومية سورية انتقادات لاذعة للموفد الدولي الاخضر الابراهيمي غداة انهائه زيارة لدمشق، قائلة انه "ذو عين واحدة وألسن متعددة"، ومعتبرة ان سعيه الى عقد مؤتمر جنيف 2 لحل الازمة خلال اسابيع هو "تسرع في غير موضعه".

وكتبت صحيفة "الثورة" على صفحتها الاولى تحت عنوان "الابراهيمي عين واحدة وألسن متعددة"، ان الموفد الدولي الذي انهى امس زيارة لدمشق، "غرد (...) داخل السرب وخارجه، وكأنه يريد ان يرضي جميع الاطراف على حد سواء، متناسيا (ان) دوره كوسيط أممي يستوجب منه الحيادية وعدم الانحياز لطرف دون آخر".

وفي افتتاحيتها، قالت الصحيفة انه "بين قدومه الى دمشق ومغادرته لها وصولا الى بيروت (التي انتقل اليها الجمعة) تبدلت لغة الابراهيمي، وهناك من رصد تغيرا في الكثير من مفرداتها"، وقال الموفد الدولي خلال مؤتمر صحافي مقتضب في بيروت "لم نلق في اي بلد معارضة لفكرة المؤتمر"، وذلك ردا على سؤال عن اعتراض السعودية التي لم يزرها الابراهيمي، على جنيف 2، واعتبرت الصحيفة انه "يصعب على منطق عاقل ان يتقبل ان السعودية مثلا مع الحل السياسي، وهي التي تجاهر برفضه وتجاهر بدعمها للارهاب"، في اشارة الى المعارضة المسلحة، وكان وزير الاعلام السوري عمران الزعبي سارع الى انتقاد الابراهيمي بعيد مغادرته دمشق، معتبرا انه "ليس لديه لغة واحدة (...) في سوريا يتحدث بمنطق وعندما يخرج من سوريا يتحدث بمنطق آخر"، سائلا عن جدوى دعوة السعودية وتركيا الداعمتين للمعارضة السورية، الى جنيف 2، وكان الابراهيمي قال في دمشق ان المؤتمر لن يعقد في حال رفضت المعارضة المشاركة فيه، متحدثا عن سعي لعقده خلال "الاسابيع المقبلة وليس العام القادم".

ورأت "الثورة" ان "ما وجد فيه الابراهيمي فيه مؤشرا على مواعيد زمنية قادمة قد تحددها بضعة اسابيع، يرى في آخرون معطيات غير كافية للجزم، وبعضهم لا يخفي هواجسه من تسرع في غير موضعه"، وتأتي هذه الانتقادات بعد يومين من اشادة صحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم، بالابراهيمي، واصفة زيارته ب "الايجابية". بحسب فرانس برس.

والزيارة هي الاولى يقوم بها الابراهيمي الى دمشق منذ كانون الاول/ديسمبر 2012، والتي اتبعتها دمشق والاعلام الرسمي بانتقادات حادة، وقالت صحيفة "الوطن" في حينه ان الرئيس الاسد انهى اجتماعه بالابراهيمي بعدما "تجرأ" الاخير على سؤاله عن احتمال ترشحه للانتخابات الرئاسية في العام 2014.

في الوقت نفسه عبر مبعوث الامم المتحدة إلى سوريا الأخضر الابراهيمي عن أمله في إمكانية عقد مؤتمر سلام - تأجل مررا - خلال الأسابيع القليلة المقبلة بالرغم من العقبات التي تعرقل عقده منذ شهور، وتكرر تأجيل ما يسمى بمؤتمر جنيف 2 الذي يهدف إلى جمع الأطراف المتحاربة في سوريا على مائدة التفاوض بسبب النزاعات بين القوى العالمية والانقسامات في صفوف المعارضة والمواقف غير المرنة التي يبديها الطرفان.

من جهته قال كريس فيليبس وهو محاضر متخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة لندن "المشكلة هي ما يعتقد كل جانب أنه سيخرج به من جنيف. المعارضة والخليج يريان الهدف هو ازاحة الأسد. والأسد لن يقبل ذلك بطبيعة الحال خصوصا وهو في موقف القوة الآن"، وأضاف أن الولايات المتحدة تتخذ الآن "موقفا واقعيا" من التعامل مع الأسد برغم جهود حلفائها الخليجيين لحثها على تقديم دعم عسكري فعال لمقاتلي المعارضة.

ورغم وضع الأسد القوي نسبيا في الوقت الراهن فهو يقول ان وضع شروط للتفاوض لن يفضي إلى محادثات للسلام مشيرا إلى دعم السعودية والولايات المتحدة "للارهابيين" وزاعما ان الائتلاف الوطني السوري يمثل قوى خارجية لا السوريين، ويتقاتل معارضوه في معارك جانبية فيما بينهم حيث تخوض جماعات اسلامية معتدلة معارك مع جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة في الشمال الذي تخضع اجزاء كبيرة منه لسيطرة المعارضة.

من جانب آخر اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان تهديدات مجموعات مقاتلة من المعارضة السورية حيال الذين سيشاركون في مؤتمر جنيف 2 للسلام في هذا البلد "مشينة"، وقال لافروف "من المشين ان يباشر بعض هذه المنظمات المتطرفة، الارهابية التي تقاتل القوات الحكومية في سوريا باطلاق تهديدات، وهي ليست المرة الاولى"، واضاف ان "هذه التهديدات موجهة الى الذين سيتجرأون على الذهاب الى مؤتمر جنيف الذي اقترحته روسيا والولايات المتحدة". بحسب فرانس برس.

واشار لافروف الى ان روسيا تعرضت لتهديدات من جانب معارضين سوريين، وقال "حذروا من ان ممثلياتنا الدبلوماسية، ودبلوماسيينا في الخارج سيكونون اهدافا مشروعة"، وخلص لافروف الى القول ان "كل ذلك مشين وغير مقبول، ومسؤولية كل ذلك تقع على عاتق الذين يمولون ويسلحون هذه المجموعات المعارضة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/تشرين الثاني/2013 - 3/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م