|
شبكة النبأ: ".. يوم عاشوراء على
الأبواب، ونصيحة للشيعة لا تلعبوا بالنار في مصر". هكذا يوجه المدعو
وليد إسماعيل، رئيس ما يسمى "ائتلاف الدفاع عن الصحابة والآل"، خطابه
الينا، والى كل من يفكر بالتعبير عن عقيدته في هذا اليوم بالذات.. ومصر
التي يفترض انها خرجت من تجربة ديمقراطية فاشلة، وتحاول تجربة التعددية
السياسية، وليست القطبية الحزبية والايديولوجية، يبدو انها تواجه محنة
جديدة في أحد اهم مفاهيم الدولة العصرية، وهي "الحرية". وهذا تحديداً
ما دفع أعضاء لجنة "الخمسين لأن يجتمعوا ويقروا تعديلات على الدستور
المصري، وبعد اجتماع الاسبوع الماضي، أعلن محمد سلماوي المتحدث اللجنة،
أن التعديل تضمن ثلاث مواد من باب "الحقوق والحريات"، واوضح خلال مؤتمر
صحافي إلى أن "هذه المواد تتعلق بالكرامة الإنسانية والتعذيب والمساواة
والحرية الشخصية"، موضحاً أن "المادة رقم 37 التي تنص على أن الكرامة
حق لكل إنسان لا يجوز المساس به، وتلتزم الدولة باحترامه وضمان حمايته"
هي "بمثابة نقلة نوعية في الدستور المصري".
لكن هذه "الحرية"، و "الكرامة" المكفولة في الدستور المصري لا تشمل
من يبدي عقيدته بالامام الحسين، عليه السلام، بعد أن فعل الشيء نفسه
كبار الأدباء والمفكرين المسلمين وغير المسلمين في العالم. ما السبب في
ذلك يا ترى..؟
التيار السلفي الذي تدعمه الاموال السعودية في مصر، يؤشر بالبنان
الى "الحسينيات" على أنها الهاجس القاتل له، لذا يجد المسألة حياة وموت،
ولا مجال للمناقشة والحوار، وهذا ما عبّر عنه صراحة ناصر رضوان،
القيادي السلفي، إنهم "لن يسمحوا بإقامة أي حسينيات شيعية في مصر"،
وأضاف: "لو رصدنا إقامة أي حسينية سوف نخاطب الجهات المسؤولة، ونعلمهم
بذلك، وإذا لم تقم تلك الجهات بدورها سنتجه إلى الفعاليات الميدانية
كبديل لمنعها". وربما يقصد بالفعاليات الميدانية، ذلك المشهد الدموي
والهمجي الذي خلقته السلفية بالهجوم على دار الشيخ حسن شحاته،
والاعتداء عليه مع ثلاثة من رفاقه، وقتلهم بتلك الطريقة الشنيعة.
من المعروف أن الحسينيات.. هذا المكان الذي يتضمن المنبر، وبعض
المفروشات ومظاهر الحزن ولوحات الرثاء والسواد، تمثل مركزاً للنشر
الفكري والثقافي، ومناقشة الموضوعات الاجتماعية والتاريخية، بقصد
الاصلاح والتغيير والبناء الذاتي، ولو لم تكن هذه الرسالة الانسانية
واضحة المعالم في بلادنا الشيعية، لما احتضنتها بلاد الغرب البعيدة،
وحتى البلاد التي تقطنها الاقلية الشيعية، أما "الفتنة" التي يتحدث
عنها السلفيون في مصر، فهي في إثارة دفائن العقول و رواسب الأذهان من
حقائق تاريخية مشوهة، او حتى جهل مطبق عن هوية اصحاب يوم عاشوراء، بل
هنالك جهل واضح في الدين بشكل عام لدى شريحة لا بأس بها في مصر، كما في
سائر بلادنا الاسلامية، وتأتي "الحسينيات" لتزيل تلكم الرواسب وتمزق
الحجب وتكشف الحقائق التاريخية التي تتحدث عنها المصادر المعروفة، عن
الظلم والانحراف في الأمة، ودور الامام الحسين، عليه السلام، في التصدي
لهذا الانحراف، ثم الانفجار في نهضة دامية ومدوية لهزّ الضمائر والنفوس
وتعبئتها ضد ذلك الظلم والانحراف والطغيان.
وهذا تحديداً ما يخشاه السلفيون، فقد أكد لنا المطلعون من رموز
الشيعة في مصر، أن مشكلة التشيع في مصر، هي جهل الناس بالتشيع، لذا نجد
الانتشار السريع والقناعة والتبني لقضايا أهل البيت، عليهم السلام،
لاسيما قضية عاشوراء، لانها تمس الوجدان والضمير، ولا علاقة لها بالجدل
السياسي او العقائدي، إنما المسألة انسانية بامتياز، فما كان يدعو اليه
الامام الحسين ، عليه السلام، يبحث عنه المسلمون في كل مكان، في
مقدمتها الحرية والكرامة، وهو ما شحت عنه سائر التيارات الفكرية
والعقائدية، بل نجد العكس تماماً، لاسيما من التيار السلفي، حيث أثبت
للمسلمين وللعالم أنه غير معني بحرية الانسان وكرامته وقناعاته، إنما
بقواعد وأطر يعدونها ممثلة للدين، حسب تصوراتهم وقناعاتهم، لذا يحصل
التقاطع والتضارب، بينهم وبين عامة الناس، ومن ثم يكون السهم الأخير هو
التكفير والقتل والسحل والذبح.
إن القيم والمبادئ السامية التي أضيئت في صحراء كربلاء سنة 61
للهجرة، يجب أن تأخذ مكانتها الحقيقية في المجتمع والأمة، ولا تنحصر
بين جدران بناية تحمل اسم "حسينية"، مع الدور الذي تقوم به في التوعية
والتثقيف، فالحديث عن القضية الحسينية، وإقامة الشعائر الحسينية، أمور
ظاهرية على السطح، نشهدها بشكل مركز في بعض بلادنا الاسلامية، وبشكل
آخر في بلاد أخرى، إلا اننا نشهد افتقاراً واضحاً للثقافة الحسينية في
الشارع والحياة العامة، فمظاهر من قبيل الفساد الإداري والظلم
والمحسوبية وكبت الحريات والتمييز، يجب أن يتحدث عنها الناس في كل
مكان، وليس فقط يسمعونها من على المنبر، لأن الخطيب شخص واحد، بينما
الآخرون، وهم بالعشرات، وربما بالمئات، جلوس صامتون.
فاذا تحولت القضية الحسينية، قضية كل انسان مسلم، لن يكون بوسع
السلفيين ولا حتى أكبر منهم، كما عجز الحكام بقدراتهم وامكاناتهم
العظيمة ، من قمع وإسكات هذه القضية العالمية، لاسيما اذا كانت الارضية
خصبة للتفاعل والاستجابة، كما نلاحظه في مصر وبلاد اسلامية اخرى تعيش
ظمأ الفكر النهضوي الأصيل الذي يحملهم الى بر الأمان، وليس فقط التظاهر
والاحتجاج تحت شعارات سياسية لامعة، تخفي خلفها مصالح سياسية وفئوية.
وهذا ما نلاحظه في ردود الفعل السريعة والشديدة من جماعات شيعية في مصر
على الاستفزاز السلفي الاخير، منها ما صرح به السيد الطاهر الهاشمي،
رئيس "تجمع آل البيت"، بان "الشعب المصري لن يسمح بعد اليوم لأي أحد
بتنفيذ مشاريع الفتنة والخراب وإحداث التوتر والقلق بما يضر بأمن
البلاد".
و وجّه الهاشمي، رسالة إلى السلفيين: "يا من تعودتم على إثارة الفتن
المذهبية والطائفية، اتقوا الله تعالى في مصر وشعبها، ولا تحاولوا جرها
إلى ما يشتت أمرها، ويضعف وحدتها، ويخدم أعداءها، فمصر بعد 30 يونيو
تختلف عما كانت قبلها". فيما أكد عبد الله الناصر، أمين عام القوى
الصوفية، و وكيل مؤسسي حزب آل البيت، أن قرار الأوقاف بغلق الحسينيات،
ومنع الشيعة من ممارسة شعائرهم، حجر على حرية العقيدة وهو ما لا يمكن
قبوله. كما أشار الناصر إلى ضرورة احترام المذهب أو العقيدة التي ينتمي
لها كل شخص، فمن حق أي شخص أن يعتنق أي مذهب أو يتبع أي ديانة، الأمر
الذي يتنافى مع قرار الأوقاف الذي أراه ظالمًا". وأوضح الناصر أنه بهذا
القرار سيلجأ الشيعة إلى اتباع مذهبهم وممارسة شعائرهم في الخفاء، مما
يولد الضغينة والكراهية الشديدة بين فصائل الشعب، مما يزرع بدايات
للعنف الطائفي مرة أخرى. كما وصف محمد زارع، الناشط الحقوقي، قرار
الإفتاء بحظر الحسينيات، وملاحقة الشيعة بـ”الظالم” وليس له أساس
قانوني، لأنهم في الأساس مسلمون ولكنهم مختلفون مع السنة في المذهب.
وليس أدلّ على المخاوف من أن يتحقق الامتداد الشيعي – الحسيني في
الاوساط الاجتماعية، حظر أي تمثيل للشيعة في "لجنة الخمسين" الخاصة
بتعديل الدستور، فيما حظي حزب النور السلفي بحضور فاعل في هذه اللجنة،
وهو ما عدّه السيد الطاهر الهاشمي، بانه «استعداء» للتيار الإسلامى
السمح صاحب الرسالة الوسطية و«إرضاء آل سعود». واشار الى العلاقة بين
السلفية وبين "القاعدة" ونهجها التكفيري – الارهابي، بمعنى ان هنالك
خشية واضحة من الثقافة الحسينية في مصر، لانها تمثل البلسم والدواء
الناجع لظاهرة العنف والصدام التي أبتلي به الشعب المصري المتطلع الى
التغيير والحرية. |
