شبكة النبأ: يفتقر الاعلام العربي الى
الحرية في الانتقاد واعلان الرأي المعرض للسلطة، هذه الظاهرة لا يكاد
يختلف عليها اثنان، لان السلطة في الدول العربية والاسلامية ايضا
لايجوز الاقتراب من حدودها، ومثالنا الاقرب على ذلك الاعلامي المصري
الشهير باسم يوسف المعروف ببرنامجه الساخر الذي تعرض فيه الى شخصيات
سياسية كبيرة واحزاب وحركات مختلفة، كما فعل ذلك مع الرئيس المصري
المعزول محمد مرسي وحركة الاحوان المسلمين، حيث اصدرت السلطات الحكومية
آنذاك امرا بالتحقيق مع باسم يوسف بعد ان اتهموه بالتجاوز على شخصية
الرئيس وتم ايقاف برنامجه، وهي علامة واضحة لتكميم الاعلام وتقييد حرية
الرأي، والمفارقة ان الشيء نفسه يحدث في عهد النظام السياسي الجديد في
مصر والذي اطاح بمرسي والاخوان، حيث عاد باسم يوسف الى تقديم برنامجه
بعد توقف دام قرابة 100 يوم، ليفاجأ الجمهور المصري المتابع لبرنامجه،
بالسخرية من بعض رموز النظام العسكري بقيادة السيسي وزير الدفاع والرجل
الاول في مصر، وقد اعلنت السلطات تقديم الاعلامي نفسه للقضاء للتحقيق
معه في تهم تم توجيهها له بحجة الاساءة لشخصيات سياسية ولشعب مصر!
الامر الذي يدل بوضوح عن غياب الحرية في انتقاد السلطة ورموزها، وهكذا
يبدو ان السلطة مهما اختلفت تبقى تكن العداء الشديد لمن يشير الى
اخطائها، في سرعان ما تضيق ذرعا بمن ينتقد رموز النظام السياسي كما حصل
فعلا مع الاعلامي الشهير باسم يوسف في ظل نظامين متناقضين، نظام
الاخوان الاسلامي ونظام العسكر الجديد!.
في سياق متصل امر النائب العام المصري المستشار هشام بركات بفتح
تحقيق مع الاعلامي الساخر باسم يوسف الذي اثار برنامجه غضب انصار
السلطات الحالية التي اقامها الجيش بعد عزل الرئيس الاسلامي السابق
محمد مرسي، وكلف النائب العام المحامي العام لنيابة استئناف القاهرة
بالتحقيق في بلاغ يتهم باسم يوسف ب"العمل على اشاعة الفوضى في البلاد
واثارة الفتنة وتهديد الامن والسلم الاجتماعي".
كما اتهم البلاغ يوسف ب"السخرية من الشعب المصري باكمله والقوات
المسلحة والاستهزاء من كافة الرموز الوطنية الشريفة في المجتمع المصري
دون احترام للاعراف والتقاليد"، ويتعلق البلاغ بفقرة في برنامج
"البرنامج" يظهر فيها ممثل كوميدي يؤدي دور امراة، ترمز للشعب المصري،
تشكو من زواجها التعيس، في اشارة الى السنة التي حكم فيها مرسي البلاد،
ينقذها منه ابن عمها الضابط كما افاد مصدر قضائي.
وسخر الاعلامي الشهير ايضا من السلطات الجديدة بدءا بالرئيس الموقت
عدلي منصور الذي يبدو ان احدا لا يتذكر اسمه في حين يمجد كثيرون الفريق
اول السيسي الى درجة ان متجرا لبيع الحلويات صنع نوعا من الشوكولا اطلق
عليه اسم "شوكولا السيسي". بحسب فرانس برس.
ولكن الضحك على "الهوس بالسيسي" الذي اصاب بعض المصريين لم يعجب
الكثيرين وقدمت عدة بلاغات ضد باسم يوسف منذ بث هذه الحلقة من
"البرنامج" الذي يلقى نسبة مشاهدة عالية في مصر، ووفقا للنظام القضائي
المصري تقدم البلاغات الى النائب العام الذي يقرر ما اذا كانت هناك
اسباب كافية لفتح تحقيق. ويمكن ايداع المتهمين الحبس خلال هذه المرحلة
من التحقيق، وكان الاسلاميون يعتبرون باسم يوسف خصما خطيرا لهم بسبب
انتقاداته اللاذعة مساء كل جمعة للرئيس المعزول والقيادات الاسلامية
عموما. وتوقف برنامجه قبل اربعة اشهر ليستأنف، وسبق ان تعرض باسم يوسف
للتحقيق بتهمة "اهانة" مرسي عندما كان في السلطة.
حيث كان الجميع ينتظر عودته خصوصا في بلد اصبحت فيه معظم وسائل
الاعلام تدعم الجيش، ولكن باسم يوسف الاعلامي الساخر الاشهر في العالم
العربي اثار في اول حلقة له بعد اربعة اشهر من الغياب غضب الجميع.
مساء الجمعة ورغم حظر التجول الذي يبدأ في السابعة مساء في القاهرة،
كانت المقاهي داخل الاخياء مكتظة بالمشاهدين الذين تجمعوا لمتابعة
برنامجه "البرنامج" فيما كان كثيرون يتساءلون "هل سيجرؤ على انتقاد
الجيش؟".
وبعد اولى حلقات برنامجه الذي استأنفه بعد عطلة دامت اربعة اشهر
استقطب باسم يوسف، الذي كان الاسلاميون يعتبرونه خصما خطيرا لهم بسبب
انتقاداته اللاذعة مساء كل جمعة للرئيس المعزول محمد مرسي والقيادات
الاسلامية عموما، خصوما جددا وهم مؤيدو وزير الدفاع وقائد الجيش الفريق
اول عبد الفتاح السيسي الذي اطاح بمرسي في الثالث من تموز/يوليو الماضي
اثر تظاهرات حاشدة طالبت برحيله في 30 حزيران/يونيو.
وتناول باسم يوسف هذه الفترة ساخرا من معظم قنوات التلفزيون المحلية
وخصوصا مبالغاتها في اعداد المشاركين في تظاهرات الثلاثين من
حزيران/يونيو عارضا مشاهد لبرامج يقول مقدموها ان عدد الذين نزلوا الى
الشوارع لمطالبة مرسي بالرحيل بعشرين او ثلاثين مليونا بل ب 70 مليونا،
وعرض باسم يوسف بطريقة ساخرة كذلك السجال بين انصار مرسي ومؤيدي الجيش
حول ما اذا كانت اطاحة مرسي ثورة ام انقلاب فقال وكأنه يتحدث بلسان
جماعة الاخوان المسلمين "عندما تحلم بالسلطة لمدة 80 عاما وتخسرها في
لحظة فانه انقلاب"، ولكنه يتقمص فورا بعد ذلك شخصية بعض النشطاء الذين
يصفون ما حدث بانه "انقلاب ناعم" فيقول، ممسكا بزهرة حمراء في يده،
"مرسي حبيبي لم تعد رئيسا ليست هذه غلطتنا بل غلطتك انت".
ويسخر الاعلامي الشهير بعد ذلك من السلطات الجديدة بدءا من الرئيس
المؤقت عدلي منصور الذي يبدو ان احدا لا يتذكر اسمه في حين يمجد كثيرون
الفريق اول السيسي الى درجة ان متجرا لبيع الحلويات صنع نوعا من
الشوكولا اطلق عليه "شوكولا السيسي".
ولكن الضحك على "هوس السيسي" الذي اصاب بعض المصريين لم يعجب
الجميع. خصوصا ، كما يقول المسؤول السابق في المخابرات المصرية اللواء
متقاعد سامح سيف اليزل، ان عشرات الجنود ورجال الشرطة قتلوا في هجمات
تضاعفت اخيرا ضدهم.
وعلى فيسبوك كتب سيف اليزل تعليقا على اولى حلقات باسم يوسف "لقد
هالنى ما شاهدته وسمعته من اسفاف وتلميحات جنسيه فاضحه وتعليقات لم
يجانبها التوفيق على قيادات القوات المسلحه وصلت الى حد الاساءه
الواضحة، بل ما اعتبرته هجوما مباشرا على القائد العام للقوات المسلحه،
مما يصب بكل تأكيد فى صالح جماعه الاخوان المسلمين ومن يساندونهم خاصه
وان هذا البرنامج يحظى بنسبه مشاهده عاليه على المستويات المحلية
والعربيه بل والدولية لدى الجاليات المصريه والعربيه المقيمة بالخارج
مما يسيء الى ثوره الثلاثين من يونيو والقوات المسلحه التى ساندتها"،
وفي مقهى بحي المقطم حيث كان مقر قيادة جماعة الاخوان المسلمين قبل
اطاحة مرسي، قال رامي عادل ومو موظف في احد البنوك " يبدو ان باسم يوسف
لا هدف له الا السخرية من النظام القائم" مضيفا "انه لا يريد الا
الاضرار بصورة السيسي والجيش هذا شئ فظيع".
اما احمد عبد العليم الذي كان يتابع "البرنامج" على نفس المقهي فوجد
ان الحلقة كانت "رائعة" وان باسم يوسف "نجح في تلخيص ما يحدث على
الساحة السياسية المصرية بشكل موضوعي وشجاع". وقال "لقد انتقد الجميع
حتى السيسي ولا احد يجرؤ على ذلك"، ولم يتوقف الاعلامي الشهير، الذي
تعرض لملاحقة قضائية في عهد مرسي بسبب انتقاداته للرئيس السابق، عن
السخرية من القيادات الاسلامية التي تشكو الان من الاقصاء عارضا مقطعا
من خطاب لمرسي يقول فيه انه لا مانع من "التضحية بشوية ناس" من اجل ان
تسير البلد ولقطة اخرى للقيادي الاسلامي المحتجز حاليا صفوت حجازي يؤكد
فيه انه لو كان صاحب قرار "لاغلق كل قنوات التلفزيون" التي تهاجم
الاسلاميين.
ولم تر ليلى ابراهيم التي كانت في المقهى ذاته في برنامج باسم يوسف
الذي وصفته ب "المهرج" الا هذا الجزء. وقالت ان "انه لشئ مخزي ان تسخر
من اشخاص يوجدون الان في السجن، من الخسة ان تهاجم اناسا لا يستطيعون
الدفاع عن انفسهم".
ومازالت القلوب والعقول في مصر ملتهبة خصوصا ان الاستباكات
والاعتداءات اوقعت منذ اب/اغسطس الماضي اكثر من الف قتيل وشبكات
التواصل الاجتماعي شاهد على جدل حاد بين الاسلاميين وانصار الجيش.
وعلى شبكة فيسبوك، ظهرت على الفور مطالب بمحاكمة باسم يوسف، اما
الاعلامي نفسه فقال على حسابه على تويتر "تقول الاسطورة ان الشعب
المصري ابن نكتة و يتقبل السخرية .هذا صحيح لكن اضف للجملة +اللي على
مزاجه فقط+" اي فقط تلك التي تستهويه.
وعليه يبدو أن باسم يوسف، حتى مع محاولته لأن يكون موضوعياً
ومتوازناً، سيظل المعادلة الصعبة أمام السلطة الجديدة والجيش المصري،
صاحب النفوذ الأقوى فيها. فكيف ستتصرف القيادة المصرية الجديدة وخصوصا
المؤسسة العسكرية مع هذه الظاهرة الاعلامية المثيرة للجدل؟. |