أمريكا تأبى لحلفائها الانتصار لوحدهم

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ربما يغيب عن أذهان المسؤولين في كل من العراق وباكستان، أن تنظيم "القاعدة" الذي يخوضون معه اليوم مواجهة مفتوحة ومحتدمة، كان في البداية العدو التي تسلط الضوء عليه الدوائر المخابراتية والعسكرية في الولايات المتحدة، منذ نسف السفارتين الامريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، ثم أضافت واشنطن عدواً جديداً هو "طالبان"، هذه الحركة التي تعود بالأصل الى حلقات الدروس الدينية التي كان يتسوّر حولها شباب افغان في باكستان، و تدرجت فيما بعد الى حلقات دروس ايديولوجية  تحمل افكاراً متطرفة وتكفيرية، فتحول الطلاب الى "طالبان". ويكفي الامريكيين احتضان هؤلاء للقاعدة في افغانستان في تسعينيات القرن الماضي، لأن تجعل هذه الحركة صنواً للتنظيم الذي تحول الى النشاط الدولي ومدّ أذرعه الى أوربا وروسيا وافريقيا وامريكا، وذلك بعد أن كرّس وجوده في العراق ثم سوريا وشمال افريقيا. واذا أخذنا بنظر الاعتبار الخسائر الامريكية في صفوف الجنود وضباط المخابرات، الى جانب أحداث "11 أيلول 2001"، فان الرسالة الامريكية غير المكتوبة، واضحة جداً الى باكستان والعراق بأن التعامل مع هذا التنظيم الغامض والرهيب، لن ينجح إلا بمشاركة امريكية بامتياز.

ربما يرى البعض أنه مجرد صدفة أن يتزامن توقيت الضربة الصاروخية من طائرة من دون طيار، وبشكل دقيق لمكان استقرار زعيم "طالبان" في باكستان، "حكيم الله محسود" ومصرعه، مع محادثات يجريها رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في نفس اليوم مع المسؤولين الامريكيين خلال زيارة له للولايات المتحدة دامت ثلاثة ايام. فقد تفاجأت السلطات المخابراتية وايضاً السياسية في باكستان بهذا الانتهاك الامريكي الفاضح للسيادة الباكستانية، وتنفيذ هكذا عملية اغتيال دون علمهم، مع معرفة باكستان بحجم الاتهامات الامريكية التي تطارد محسود، إلا ان ما أغاض المسؤولين في اسلام آباد، أنهم كانوا يعولون على هذه الشخصية الطالبانية بأن تكون جسراً للوصول الى حل سياسي للصراع الدائر بينهم وبين "طالبان" الباكستانية، وقد أكد وزير الداخلية الباكستانية أن هذا الفرع من الحركة لا يرتبط عضوياً بـ "القاعدة"، وهو ما كان يشجع على مد جسور الحوار معهم لتحقيق القدر الأكبر من الأمن والاستقرار في باكستان.

وفي واشنطن، لم تنفجر هنالك قنبلة، إنما حصل العكس، فالبرود والفتور كان سيّد الموقف خلال لقاء المالكي بالرئيس الامريكي باراك أوباما، ففي رده على الانجازات بمواجهة القاعدة في العراق، وطلب المساعدة للقضاء على هذا الخطر، أعرب الرئيس الامريكي عن خيبة أمله بأن يستعيد التنظيم نشاطه في العراق، وأفصح أوباما للصحفيين بعد ساعة ونصف من المحادثات مع ضيفه العراقي في مكتبه البيضاوي: "للاسف، ما يزال تنظيم القاعدة نشطاً في العراق وهذا النشاط زاد مؤخرا"، مؤكدا انه بحث مع رئيس الوزراء العراقي في "كيفية التنسيق بيننا للتصدي لهذه المنظمة الارهابية". بينما كان المالكي يتوقع رداً ايجابياً وواضحاً من مضيفه، بل وجميع المسؤولين المعنيين في واشنطن، على طلبه الموافقة بتزويد العراق معدات عسكرية متطورة لمواجهة القاعدة، وابرزها المروحيات القتالية من طراز "اباشي" القادرة على تنفيذ مهامها تحت جنح الظلام.

عبارة "التنسيق" التي جاءت على لسان أوباما، أدرجت في البيان المشترك للقاء القمة بين المالكي و أوباما، حيث جاءت عبارة "تنسيق الجهود لمحاربة القاعدة في العراق.."، وهنا تكمن الرسالة الامريكية بأن مواجهة "القاعدة" في العراق، لن تنجح عراقياً.. بمعنى أن العراق، رغم ما قام وفعل، فانه لن يتمكن من صوت نفسه من هجمات وطعنات هذا التنظيم، وليس أدل على توالي الهجمات بالسيارات المفخخة وحصد مئات الابرياء من الشوارع والمناطق السكنية في أنحاء مختلفة من العراق، حتى بات الموت أمراً مألوفاً في بغداد على وجه التحديد. إحدى الاحصائيات الرسمية تتحدث عن سقوط اكثر من (5400) شخصاً منذ بداية العام بينهم 964 في تشرين الاول الماضي وحده.

هذا النشاط الدموي الملحوظ للقاعدة – ومعه أذرعه الارهابية في العراق- أشار اليه الامريكيون خلال اجتماعهم بالمالكي، لذا فان المراقبين يرون أن الامريكيين يريدون من الاخير توضيح الاسباب ومعالجتها سياسياً، قبل معالجتها عسكرياً وامنياً، كما يريد المالكي نفسه. فهو يتصور أن فكرة "الصحوات" تمثل قاعدة اجتماعية وسياسية يمكن التعكّز عليها لاحتواء المكوّن السني في المحافظات الاربعة؛ الانبار والموصل وديالى وصلاح الدين. علماً أن الفكرة والسيناريو، ورثه من الامريكيين خلال تواجدهم العسكري في العراق، وهي النصيحة التي طالما يؤكد عليها الساسة الامريكيين للعراقيين، ليس اليوم، إنما منذ حقبة "بول بريمر"، إلا أن داء التسلّط والهيمنة لدى بعض الافراد والجماعات في العراق، هو الذي جعل فكرة التعايش واستيعاب الجميع، بعيدة عن أرض الواقع، فبدلاً من ايجاد اطار واسع وكبير يجمع العراقيين بأجمعهم، ويلتقوا عند قاسم مشترك، لتحصينهم على الأقل من الدسائس الخارجية والفتن الطائفية، بات الهمّ على التوظيف السياسي لفكرة "الصحوات"، ويعتقد الكثير أن بداية التجربة كانت مثمرة، حيث شهد العراق استقراراً أمنياً ملحوظاً في المناطق الساخنة، لكن ما لبثت الايام أن أعادت الى العراق الاشلاء الممزقة والدماء المسفوحة على الأرض، فيما يشهد الجميع في الداخل والخارج، المعارك الكلامية والتجاذبات السياسية في أروقة السلطة التنفيذية والتشريعية في بغداد، وهذا ما مكّن "القاعدة" والجهات التي تحتضنها في العراق، لأن تستفيد من الثغرة، وتوجد لها موطئ قدم في الساحة السياسية من خلال تشكيل ما يسمى بـ "ساحات الاعتصام"، كما لو أنهم يقولون: اذا كان للسياسيين صوتهم ومصالحهم، فنحن ايضاً لدينا مصالح ومطالب..

وهذا ما نبه اليه أوباما خلال لقائه المالكي في مكتبه، حيث قال: "على العراق أن يتخذ مزيداً من الخطوات نحو بناء نظام ديمقراطي شامل، مثل الموافقة على قانون للانتخابات، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة العام المقبل، حتى يتمكن الناس من حل الخلافات من خلال السياسة بدلاً من العنف". واستدرك بالقول: ان الولايات المتحدة تريد للعراق ان يكون بلدا "جامعاً وديموقراطياً ومزدهرا".

إذن؛ اوباما واضحاً مع المالكي في نقده للسياسة التي يتبعها داخلياً لمكافحة الارهاب والطائفية و"القاعدة"، ثم فرض هيمنته السياسية على العراق، في حين يريد الامريكيون أن يبذل المالكي بعض "السياسة" للقاعدة الجماهيرية أو للشعب العراقي بشكل عام، وإن تبقى شيئاً لبعض  المكاسب والانتصارات، فهذا أمر يمكن تأجيله الى حين، ولن يخسر المالكي او غيره شيئاً إن كان المكسب السياسي آجلاً وليس عاجلاً.

أما المراقبون والمتابعون يرون أن الاستقبال الامريكي للمالكي وما صدر عنه من مواقف وملاحظات، إنما يندرج ضمن الضغوط على المالكي بشكل خاص، بأن لا يطلق لطموحاته السياسية العنان، ويفكر بالهيمنة والسيطرة بعيداً عن المصالح الامريكية في العراق والمنطقة. فالمسوؤلون الامريكيون الذين يتحدثون عن الثغرات في المنهج السياسي بالعراق، من قبيل إبعاد المكون السنّي عن القرار السياسي أو تغليب الحل العسكري والامني على الخيار السياسي، فهم على دراية كاملة بأنه ليس من السهل تعديل هذه المنهجية في ظل بناء قائم على المحاصصة السياسية وعلى سياسة الترضية والبحث عن المكاسب السياسية . بمعنى أن الامريكيين لن يهمهم إن استمر الارهاب والعنف الطائفي على دمويته ينهش بالجسد العراقي، إنما يبحث عمن يضمن لهم مصالحهم قبل مصالحه الخاصة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/تشرين الثاني/2013 - 30/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م