لماذا لا يجرّم المال السعودي؟

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: رغم الادلة والبراهين على دور المال السعودي في تغذية الجماعات الارهابية – التكفيرية التي توغل في دماء الابرياء في غير بلد عربي واسلامي، إلا ان هذه اليد الطويلة ما تزال بعيدة عن الإدانة والضرب من قبل المنظمات الدولية والانسانية، او حتى من العواصم المعنية في المنطقة، بسبب عدم وجود أرقام دقيقة عن الملايين التي تتدفق من هذا البلد  العائم على بحيرة من النفط، الى الجماعات الارهابية والدموية في البلاد  الاسلامية.

وليس غريباً هذا الغموض، لأن المال المتجه نحو الجماعات الارهابية، أو لإرشاء هذا الضابط وذاك المسؤول لإثارة الاضطرابات والازمات، إنما تمر من دهاليز المخابرات السعودية، فهي التي أجرت الاتصال مع طارق الهاشمي، منذ أيامه الاولى في منصبه نائباً للرئيس الجمهورية في العراق، ممثلاً الحزب الاسلامي، حيث تشير الدلائل الى أن السعودية كانت وراء ترغيبه للاستقالة من الحزب، ليكون مستقلاً بعلاقاته مع الرياض. وهي التي تموّل السلفي اللبناني المتطرف "أحمد الأسير"، كما هي التي تمول "جبهة النصرة" في سوريا، و موّلت وزير الدفاع المصري "عبد الفتاح السيسي"، لينقلب على الرئيس محمد مرسي، بعد عام واحد على انتخابه رئيساً للجمهورية.

ولابد من التذكير هنا؛ الى ان خلق الفتن الطائفية والسياسية في المنطقة، لا يرتبط بالاحداث الراهنة فقط، إنما له خلفية طويلة من المؤامرات والدسائس في الشرق الأوسط، والبداية كانت في افغانستان، خلال الاحتلال السوفيتي في الثمانينات، على أمل إيجاد موطئ قدم سعودي هناك. وفي فترة التسعينات وجد المال السعودي طريقه الى الجمهوريات الاسلامية الحديثة الاستقلال عن موسكو، ومن هناك انتشرت الافكار الوهابية والسلفية، ومن المدارس الدينية هناك نشأ المتطرفون الارهابيون الذين نجدهم اليوم في سوريا وغيرها يقومون بعمليات انتحارية. ومن أبرز الامثلة على ذلكن ما جاء في لسان عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري، خلال حوار أجرته معه قناة "العربية" السعودية، بعد إعلان انشقاقه ولجوئه الى فرنسا عام 2005، حيث تحدث بصراحة عن مقترح قدمه الى الرئيس السوري بشار الأسد، بأن تدعم سوريا تنظيماً سياسياً خاصاً بالطائفة السنيّة في لبنان، مستشهداً بوجود تنظيمات سياسية لها مليشيات مسلحة في لبنان، "فما المانع من أن يكون للسنّة في لبنان تنظيماً ومليشيات مسلحة". وربما كان رفض الأسد هذه الفكرة، احد اسباب تخلّيه عن منصبه وعن سوريا بشكل كامل.

نعم؛ هنالك اعترافات وتصريحات بين فترة واخرى تصدر من هذا المسؤول او ذاك، كان آخرها ما كشف عنه حسن العلوي النائب في البرلمان العراقي، ضمن قائمة يترأسها اياد علاوي وكانت تضم طارق الهاشمي، وفي زيارة الى السعودية كان الاخير بالقرب من الملك السعودي عبد الله، فقال له الملك بصوت مسموع: "اعطيتك ملياري دولار وما يزال الشيعة في الحكم...". والهاشمي هذا، مدان من قبل الشرطة الدولية، ولها الحق بأن تلقي القبض عليه أينما كان في العالم، بعد ثبوت التهم بمسؤوليته عن عمليات ارهابية عديدة في العراق، لكن نجد في المقابل هنالك صمت او تهميش لهذه القضية من قبل العواصم الدولية المعنية، ومعها المنظمات الدولية التي لا تبرح عن التأثر بضغوطاتها.

مثال ذلك، مجلس الأمن الدولي، الذي يعرف كيف يوجه سهامه الى منظمات تقاوم الاحتلال مثل "حماس" في فلسطين، و"المقاومة" في لبنان، وتسعى للبحث عن مصادر تمويل هذه المنظمات وفرض عقوبات على الجهات والدول التي تتعاون معها، لأنها تنظر اليها – كما هي نظرة الغرب- على أنها "ارهابية". ففي عام 1999 تشكلت لجنة فرعية من مجلس الأمن بناء على قرار رقم (1267) تشرف على تطبيق العقوبات التي يفرضها المجلس على مؤسسات وكيانات لها علاقة بتنظيم "طالبان" أو "القاعدة" أو  "اسامة بن لادن".

وواضح من التوقيت أنه يأتي بعد عام واحد على الهجوم الذي تعرضت لها سفارتي امريكا في تنزانيا وكينيا على يد "القاعدة"، فيما كانت "طالبان"، وهي تفرض هيمنتها وقوتها في افغانستان، تتباهى أنها تحتضن تنظيم القاعدة في الاراضي الافغانية. وهذا ما لا يروق للمصالح الامريكية في المنطقة.

لكن بقي السؤال محيراً؛ ما هي مصادر تمويل "طالبان" و "القاعدة" طيلة السنوات الماضية..؟ هل لديهم مشاريع اقتصادية وتجارية؟ وإن كان كذلك، فهل يعصي على الامريكيين تعقّب سير هذا التمويل والشركات او المؤسسات التي ترتبط بهؤلاء الارهابيين؟ فهذا ما فعلته تماماً مع الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع تنظيمي "حماس" و"حزب الله".

من خلال متابعة المواقف الامريكية والغربية بشكل عام، نلاحظ حرص واضح على إبعاد اسم "السعودية" عن أي حديث عن تمويل الجماعات الارهابية في الشرق الاوسط، بل نلاحظ في الوقت نفسه، الإكثار من الحديث عن قوة وانتشار "القاعدة" وتعاظم خطرها، ليس في المنطقة وحسب، وإنما في اوروبا وحتى امريكا نفسها. وحسب مراقبين؛ فان الامريكيين نجحوا بايجاد العدو الوهمي الذي يبحثون عنه لتغذية نزعتهم العدوانية والتوسعية في العالم. فبعد الحكام المتظاهرين بمواجهة "الامبريالية" و"الاستكبار" وغيرها من الشعارات، وفي مقدمتهم "صدام"، جاء اليوم دور التنظيمات الدينية المتطرفة، التي ترفع شعار التكفير والقتل على الهوية بأبشع الصور. لكن لابد للامريكيين من التغطية على مصادر تمويل هذه الجماعات التي تنفق ملايين الدولارات على عملياتها الارهابية في العراق وسوريا وباكستان وافغانستان، ثم امتدت اذرعها لتصل العواصم الاوربية. ثم لا ننسى أن ظروف التخفّي والسرية هو الآخر يحمّل التنظيم الارهابي تكاليف اخرى باهظة.

لذا يبدو ان الامريكيين وجدوا المخرج في إلصاق تهمة الاتجار بالمخدرات وتنفيذ عمليات القرصنة البحرية والخطف بهدف الابتزاز، كوسائل لتوفير السيولة النقدية لتلكم التنظيمات الارهابية، مع علمنا بامكانية تنفيذها هكذا اعمال، لكن ليس المعقول بالمرة، أن تكون هذه الوسائل كافية لتغطية النفقات الكبيرة للتنظيمات الارهابية، مثل عمليات اقتحام مباني حكومية محصنة أو تفخيخ سيارات أو زرع عبوات وغيرها.

وفي ندوة عقدتها وزارة الخزانة الامريكية عام 2011 تحدث نائب وزير المالية السابق، أن تنظيم "القاعدة"، "واجه أسوأ أزمة مالية عام 2010، واصبح الموقف المالي لها غير مستقر، وتؤكد أجهزة الاستخبارات أن التنظيم يكرس اهتماماً وجهداً كبيراً لجمع الاموال وإدارة الميزانية عن طريق الخطف بهدف الابتزاز". وقال: "لدينا معلومات أن تنظيم القاعدة حصل على عشرات الملايين من الدولارات عن طريق الخطف والحصول على فدية في عمليات بافريقيا".

ومع ان "القاعدة" شهدت توسعاً تنظيمياً وتفرعت منها جماعات ارهابية وتكفيرية في العراق وسوريا ولبنان وفي شمال افريقيا. وهذا ما يزيد حجم التكاليف لتغطية رواتب واحتياجات هذه التنظيمات التي لا تظهر الى العلن إلا في عمليات ارهابية. إلا ان المسؤولين الامريكيين ما يزالون يبعدون المتهم الرئيس في العمليات الارهابية التي تطال المئات من الابرياء، وهو "المال السعودي" بالدرجة الاولى. ولعل الحرج الكبير الذي تخشاه واشنطن والمؤسسات المالية والمخابراتية هناك، أن القسم الأكبر من الأرصدة التي تضم مليارات الدولارات موجودة في البنوك الامريكية، وأي حديث عن مسؤولية السعودية بشكل رسمي عن تلكم العمليات الارهابية، يعني توجيه التهمة والادانة الى تلكم المليارات الدسمة الموجودة في قبضة الساسة الامريكان، الذين تربطهم صلات وثيقة بأصحاب مصارف وبنوك وشركات نفط ، يديرون استثمار الاموال السعودية في الخارج.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/تشرين الثاني/2013 - 29/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م