السينما العربية... نتاجات بطعم المعاناة

 

شبكة النبأ: على من الرغم الصعوبات والمشاكل الكبيرة التي تعاني منها السينما العربية فهي لاتزال تهتم بقضايا الانسان و المجتمع العربي من خلال طرح وانتاج بعض الافلام مختلفة التي تحاكي الواقع العربي والتي تقدم في بعض المهرجانات و التظاهرات الفنية المختلفة كما يقول بعض اصحاب الاختصاص، الذين اكدوا على ضرورة توعية المجتمع ودعم وتطوير وتوسيع الحركة السينمائية في الوطن العربي، وفيما يخص بعض تلك الاعمال فلا شيء يجمع بين شخصيات فيلم سطوح باب الواد للمخرج الجزائري مرزاق علواش سوى المكان الذي يعيش فيه هؤلاء البشر اليائسون الذين يحيون ويموتون فوق تلك السطوح المطلة على البحر بينما تضيق المدينة البيضاء بهم كما يضيق الأمل في بلد متروك لخيبة الظن بعد سنوات العنف والضياع. وينتقد المخرج في فيلمه جزائر اليوم عبر كوميديا سوداء ساخرة وصادقة، النفاق والزيف المجتمعي والديني في عاصمة يقف شبابها على حافة الموت والانهيار والجنون.

في "سطوح" الذي يشارك في المسابقة الدولية لمهرجان ابو ظبي السينمائي للفوز بجوائز اللؤلؤة السوداء الى جانب اربعة عشر فيلما دوليا ، يعود مرزاق علواش لتناول العاصمة وتحديدا حي باب الواد الشعبي الذي ولد فيه وصوره في اكثر من عمل واوضح مرزاق علواش قبيل عرض فيلمه صورت سطوح في خمسة عشر يوما بكلفة بسيطة وكاميرا رقمية صغيرة مع اربعين شابا مجددا التأكيد ان الشباب الجزائري لا يملك شيئا وانه يريد الاعتماد على طاقة هؤلاء الشباب ليجدد في عمله السينمائي وليقترب اكثر من الواقع.

وقد ادى عدد من الممثلين الشباب الذين سبق وشاركوا في عمليه السابقين ادوارا في العمل الجديد ومن ابرزهم عديلة بن دمراد ونبيل العسلي الذي لعب دور البطولة في "التائب" فيلم علواش السابق. ويقدم الفيلم رؤية شديدة الارتباط بالواقع الجزائري العبثي الحزين في بلد يحبط مشاريع أهله جميعا بينما ترتكب جميع الجرائم باسم من يدعون الدين والايمان مثل الشيخ الذي بحجة الوعظ يقارب النساء او الاسلاميين الذين يتاجرون بالحشيش الافغاني.

عبر قصص خمس مجموعات من الشباب يصور علواش شرائح المجتمع الجزائري ويقدم بورتريه لعاصمة بلد عربي متوسطي يتخبط بالفراغ والعنف على ايقاع الصلوات الخمس التي ترتفع بمواقيتها من مآذن الاحياء الشعبية في العاصمة. وعلى مدى اليوم تنطلق فصول الفيلم من الاذان الذي يعلو لتصور الانسان الجزائري وهو يقتل ويغتصب ويسرق ويضرب اقرب الناس اليه بين دعوة واخرى للصلاة.

فيسقط الشباب مجددا في دائرة العنف مهما حاول التسلل الى خارجها بينا يسخر الدين للمصالح الشخصية ويسيطر الفساد على مدينة محكومة بماضيها من الاستقلال الى اليوم. وقد استفزت هذه الرؤية السينمائية الجريئة والثاقبة لجزائر اليوم بعض الحضور ممن اتوا مزنرين بالعلم الجزائري معتبرين ان الصورة التي قدمها علواش عن بلادهم مسيئة وغير ايجابية. ورد علواش على منتقديه مدافعا عن الفيلم الذي كان حاز دعما على انجازه من وزارة الثقافة الجزائرية، بانه سيصور جزائر جميلة متى تصبح بلاده جميلة. وقال نحن في الجزائر لدينا مشكلة مع صورتنا منذ بوضياف الى اليوم ولا نستطيع النظر الى انفسنا.

وسطوح هو الفيلم الثالث للمخرج للعام الثالث على التوالي وفيه عاد للعاصمة الجزائر بعدما صور فيلمه "التائب" العام الماضي في وهران منتقدا فيه "قانون المصالحة الوطنية" الذي عفا عن مجرمي السنوات السوداء في الجزائر فيما تناول فيلمه "نورمال" تساؤلات شباب الجزائر في مواجهة "الربيع العربي". واعتمد علواش المخضرم في الافلام الثلاثة نهجا خاصا يقضي بالتصوير بأبسط المعدات والامكانيات وعبر كاميرا رقمية صغيرة مع شباب من الفنانين المتحمسين والراغبين بالعمل باجور بسيطة بدل انتظار الدعم المالي. بحسب فرانس برس.

الا ان هذا النهج ضمن لعلواش على مدى عامين متتاليين (2011 و2012) الجائزة الكبرى في مهرجان الدوحة -ترايبكا. وكان "سطوح" الفيلم العربي الوحيد الذي شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان البندقية الاخير. وجاءت افلام علواش الثلاثة الاخيرة بعد انقطاع طال عن صنع الافلام لكنها ووجهت بنقد عنيف في صحف الجزائر. وكان علواش احد ابرز المخرجين الجزائريين والعرب، استهل مسيرته الفنية بفيلم "عمر قتلته الرجولة" (1976) الذي تحول الى علامة في تاريخ السينما العربية وقدم في عشرات المهرجانات من تاريخه الى اليوم. ويعيد مهرجان ابو ظبي عرضه في نسخة مرممة ضمن تظاهرة "الفيلم الاول".

فرش وغطا

في السياق ذاته قدم المخرج المصري أحمد عبد الله فيلمه الروائي فرش وغطا في مهرجان أبوظبي السينمائي في عرضه الأول في الشرق الأوسط، متطرقا الى ثورة 25 يناير بعيدا عن الحوار المعتاد. الفيلم المستعار اسمه من قرض شعري صوفي عريق، يستند إلى واقعة فتح السجون بعد ثلاثة أيام من انطلاق ثورة 25 يناير 2011 في مصر، حيث فر المساجين بدون معرفة سبب إطلاق سراحهم بهذه العبثية، وعبر تتبعه رحلة هروب أحد السجناء يؤدي دوره آسر ياسين وسط فوضى عارمة وقتل مجاني، يكشف حجم الفساد والتسلط والعنف المتفشي.

يلتقي السجين برجل مصاب بطلق ناري فيساعده على الاختباء في كوخ معزول، ولعدم توفر وسيلة نقل يتركه مع هاتفه النقال الذي سجل فيه مقاطع لحادث فتح السجون ويعده بالعودة إليه، وعبر رحلة طويلة وصعبة يصل إلى بيته فتستقبله أمه واخته ولكن زوج أخته المقيم في البيت لا يرحب بعودته، فيجد ملاذا مع بعض الناشطين في مكان يبدو أنه تكية دراويش حيث يداوون الجرحى على وقع الانشاد الصوفي.

غير أن السلطات لا تتهاون مع الجرحى فتأخذهم عنوة، فيهرب السجين مرة أخرى وهذه المرة إلى المقابر التي يعيش فيها الأحياء إلى جوار الأموات، وهناك أيضا يبرع في تصليح الكهربائيات ويستعيد الصوفيون صوتهم، فيما يعرض عليهم الفيديو المسجل على الهاتف، فيبحثون عن الرجل المصاب فلا يجدونه. وتتطور الأحداث فيعرف أن صاحب الهاتف مسيحي وقد أقامت له اسرته عزاء، فيقرر السجين عرض الفيلم على صحيفة تطلب أفلاما عن ما يحدث، وعندها يقع هجوم على بيت الرجل المسيحي. وفي محاولته لإنقاذ ابن المتوفى تنطلق رصاصة نحوه وترديه قتيلا.

يحدث كل هذا بدون حوار حقيقي تقريبا، ما عدا بضع جمل قصيرة هنا وهناك لربط الأحداث أو تقديم إضافة للصورة، فيما اعتمد الفيلم على مادة فيلمية ثرية لمقاطع مصورة بكاميرات هاتف أو كاميرات منزلية شكلت مادة توثيقية للثورة المصرية. ويقول المخرج أحمد عبد الله الفيلم ليس عن الثورة المصرية بل لماذا حدثت من وجهة نظري، وهي أسباب مستمرة، وأتوقع أن تستمر زمنا أطول بحيث لو صورنا فيلما آخر بعد 10 سنوات سيكون الأمر على ما هو عليه اليوم.

وفسر عبد الله تخليه عن الحوار في الفيلم بقوله ليس لدي إجابات عن الوضع في بلادي، ولا أعرف كيف يمكن أن يتصرف أي رجل تحت ظروف مماثله، لقد تركت البطل يتصرف بمصداقيه دون أن أضع على لسانه أي أفكار من طرفي، وهذا ما سمح للشخصيات التي لا تحمل أسماء أن تعبر عن نفسها بحرية. بحسب فرانس برس.

أما بطل الفيلم آسر ياسين فيرى أن عدم إظهار الجريمة التي تسببت بدخول السجين إلى الحبس يدلل على رسالة الفيلم بخصوص السجناء الذين لهم حقوق يجب أن تحترم، فالكثير من السجناء الذين أطلق سراحهم وجدوا على قارعة الطريق بملابسهم الداخلية في حالة ميؤوس منها لأنهم دفعوا إلى الفرار، وهم من الناس الذين يتم تجاهلهم ونسيانهم فقط لأنهم سجناء. ويضيف ياسين أن الفيلم يعتبر من الأفلام التي تسجل اللحظة الراهنة والانجاز الحقيقي للفيلم أنه تم إنجازه بحسب قوله.

افلام لبنانية

من جانب اخر يدخل اللبناني ماهر قصير الفيلم الوثائقي ليال بلا نوم من خلال كليشيهات فوتوجرافية أكلها الاصفرار وصورة يقظة في قدحتي والدته مريم سعيدي التي تبدو فاقدة لجزء من ماضيها الفردي كأن إخفاء ابنها محا صلاتها بما يحوطها فراحت تجرجر مأساتها وحسرتها بترفع يخونه غضب عرضي.

ويقوم فيلم المخرجة اللبنانية إليان الراهب الذي يعرض في الصالات اللبنانية حاليا ومدته 128 دقيقة على شبه مواجهة بين الأم والمسؤول السابق في مخابرات القوات اللبنانية أسعد شفتري الذي تحمله وزر فقد ابنها المراهق والمقاتل في صفوف الحزب الشيوعي اللبناني في 17 يونيو حزيران 1982. وفقد ماهر قصير في معركة كلية العلوم في الحدث وهي إحدى مناطق خطوط التماس بين المنطقة الغربية ذات الغالبية الاسلامية والشرقية ذات الغالبية المسيحية في بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

وخلال الحرب الاهلية التي استمرت 15 عاما هام اهالي المخطوفين والمختفين قسرا والبالغ عددهم 17 الفا سنوات طويلة بحثا عن اثر لابنائهم بعدما غسل المسؤولون عن الحرب الاهلية ايديهم من حصادها المرير. وكان ماهر ضمن هؤلاء غير ان لا احد يذكر التاريخ لا المقاتلين من الخصوم والرفاق ولا المسؤولين الرسميين ولا الجريدة الحزبية. سقط ابن الخامسة عشرة "سهوا" من قائمة "الحوادث الكبرى" التي تستحق التأريخ وغيرها مجرد هوامش.

وتسعى المخرجة الراهب الى كسر ميثاق صمت غير معلن يكمم الأفواه منذ انقضاء الحرب الأهلية في 1990. وتختار لهذا الغرض مرافقة شفتري المنغمس بتمارين الاعترافات العلنية بما اقترفه في الحرب والتي تتبدى في الفيلم الوثائقي عرجاء وناقصة. وعندما تسأل الراهب "كم شخص تورطت في اختفائهم؟" يرد لا أعرف. ويتحفظ شفتري على الإدلاء بما يعرفه في شأن ماهر قصير حماية لآخرين ويحاول مرارا استدراج الوثائقي الى ساحته هو.

فعندما يجوب منطقة الكرنتينا حيث المقر الحزبي السابق وحيث طمرت أرواح كثيرة يرفض القبول بتعبير "مقبرة جماعية" ويفضل عليها تعبير "مكان تكديس الجثث". تأكيد اضافي ان حرب المفاهيم التي اكتنفت الحرب الأهلية لم يخمد أوارها. ما تعجز الراهب عن اخراجه بلسان شفتري من تفاصيل وحيثيات تذهب إليه مواربة على نحو استعاري من طريق لقاء المحيطين به. نرافق شفتري خلال رحلة صيد في وسط رفاق السلاح القدامى وأبنائهم حيث يجري اصطياد أرنب ثم تقطيع أطرافه ورأسه كأنه خرقة. يسأل أحد المراهقين عن احساسه عندما قنص الحيوان فيجيب بالفرنسية "تشعر انك فخور عندما تقتل الأرنب".

في الفيلم شفتري متعدد. شفتري مؤنسن بداية يشكو من ان تجربة الفيلم بالنسبة الى المخرجة مجرد مشروع بينما ستتركه بلا نوم. وشفتري الباحث عن التكفير لاحقا خلال لقائه "العدو" السابق المتعاطف مع الفلسطينيين المطران غريغوار حداد ممددا على فراش المرض. لكن اللحظة لا تستمر وتفسح المكان لأسعد شفتري آخر معتد بنفسه يسطو على الجزء الأكبر من الوثائقي. ويروي انه قتل أحدهم بسكين بعدما طلب منه ذلك ويستغرب انه لم يشعر آنذاك بشيء. لا يذكر الملامح أو الإسم، يذكر انه باغته من الخلف فحسب.

في أحد مشاهد الوثائقي سيناريو وانتاج نزار حسن تصافح عين الرائي صور مفقودي الحرب اللبنانية الذين خصصت لهم جمعية "أمم للتوثيق والأبحاث" معرضا في شاحنة صغيرة بلا سقف تنقلهم على أنغام "يا مسافر وحدك". تلمس وجوه المفقودين الهواء تواقة الى الخروج الى الضوء الى العودة الى الذاكرة من نسيان قسري. وتشدد المخرجة على مقاربة فيلمها فنيا وهذا حق لكن المحاولة عسيرة عندما يتعلق الموضوع بوجع بهذا القدر. تستدرج الحرب المشاهد الى حيث لا يرغب فيطغى هول ما حدث فعليا على أهمية السؤال كيف حدث؟".

وينتهي الوثائقي في أسفل درج كلية العلوم عند مساحة من الأرض قطرها 30 مترا مكان مقبرة جماعية حيث روى مقاتل من حزب القوات اللبنانية المسيحي نسمعه ولا نراه ان ماهر وآخرين دفنوا. لكن الاكتشاف يخلف حسرة لأنه يبدو في السياق اللبناني مجانيا. لا يشبه الخروج من "ليال بلا نوم" المجيء إليه. تضغط الحكاية على الأنفاس مثقلة بما صنع منها جثثا ودما حارا وفظائع اقترفت بدم بارد.

في السياق ذاته ومن خلال قصة ولد مصاب بمتلازمة داون ينزعج منه أهل قريته، يطرح فيلم "غدي" اللبناني، الذي يبدأ عرضه في بيروت ، مسألة الإختلاف في المجتمع، ويقدّم نماذج عدة على "التخلف" المتمثل في عدم تقبل الآخر، معالجا قصة إنسانية بأسلوب يأخذ المشاهد إلى أقصى درجات التأثر، وسرعان ما يرده إلى الحد المقابل، اي إلى الضحكة. وتعكس هذه المزاوجة في المشاعر العاطفية شخصية كاتب سيناريو الفيلم وبطله جورج خباز، الذي اشتهر في أدوار ونصوص كوميدية تلفزيونية ومسرحية، لكنه برع في الوقت نفسه في تجسيد الأدوار ذات البعد الدرامي والشحنات الإنسانية الكثيفة.

وتدور أحداث الفيلم، الذي تولى إخراجه أمين درة، في قرية لبنانية أطلق عليها في الفيلم إسم "مشكل"، وهي بمثابة نموذج مصغر للمجتمع اللبناني، بتنوع أهلها واختلافاتهم ومشاكلهم. وجورج خباز، في دور لابا، هو الراوي، ومن خلال عينيه، صغيرا ثم كبيرا، يتابع المشاهد تطور الأحداث. ولابا هذا لم يكن طفلا عاديا، إذ كان كان يعاني من تأتاة ، وكان لذلك محط سخرية رفاقه في المدرسة، لكنه عوض عن الكلام بالكتابة. وتبدلت حياته حين "حط" البيانو في قريته، ودرس العزف على "الاستاذ فوزي"، فساعده حب الموسيقى والغناء على التخلص من مشكلة النطق لديه.

وعندما كبر لابا، بات هو أستاذ تعليم الموسيقى غناء وعزفا. وباسلوب كوميدي وبلقطات سريعة فيها شعر ورومانسية على طريقة السينما الايطالية، تزوج، ورزق ولدا مصابا باعاقة سماه "غدي". وكان "غدي" يجلس على نافذة المنزل ويصدر اصواتا غريبة مما اثار انزعاج اهالي القرية وغضبهم، وكان بعضهم يرى أن "الشيطان يسكنه".

ولكن، بلباسه الابيض كبراءته، وبابتسامته القريبة من القلب، كان "غدي" في نظر والده "ملاكا من دون جناحين". وبمساعدة "مختلفين" آخرين عن مجتمع القرية، منهم المثلي والخلاسي والهامشي والمسيحية التي احبت مسلما، سعى لابا إلى أن يثبت لأهل قريته أن ابنه ملاك. ولكن، على غرار اجواء القرية في مسرحيات الأخوين رحباني، ثمة من يريد ان يخرب ما يسعى إليه لابا.

باختصار، "غدي" عمل سينمائي مميز بقصته وحواراته وتصويره وأغنيته المؤثرة "صار عندن خي"، وهو قادر في آن واحد على انتزاع ضحكة المشاهد ودمعته. ويجعل "غدي" كثرا يسخرون من انفسهم بسبب عدم تقبلهم الاخر. ويندرج الفيلم في اطار الفانتازيا المتخيلة المنطلقة من الواقع . ويعتمد تركيبة ناجحة تجذب الجمهور هي الكوميديا الاجتماعية الواقعية.

ويحضر جورج خباز في الفيلم كممثل بارع في الأداء السهل الممتنع، والمضحك المبكي، و وفي السيناريو المطبوع بأسلوبه في معالجة القضايا الانسانية بعمق، ولكن ببساطة وطرافة، وهذا ما تميز به في المسرح والتلفزيون. ومن نقاط قوة الفيلم ايضا انه يضم ممثلين رموزا، على غرار انطوان ملتقى في دور الاستاذ فوزي، والكاتب المسرحي والتلفزيوني والممثل كميل سلامة، والكاتبة التلفزيونية والممثلة منى طايع. وادى دور "غدي" ايمانويل خيرالله.

ويروي جورج خباز انه عمل مع احدى الجمعيات اللبنانية التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة. ويقول تقربت منهم واختبرت في الوقت نفسه الى اي مدى يهمشهم المجتمع ويكون ظالما بحقهم وبحق اهلهم ويضيف ثمة نظرة فوقية ونظرة شفقة حيالهم، واحببت ان اسلط الضوء على هذا الامر، ومن خلاله على الاختلاف. ويصف خباز فيلمه بأنه صادق وغير مدع، يحمل رسالة انسانية راقية. ويشير الى انه يضيء على النظرة إلى المختلف بكل انواعه. ويتابع غدي رمز للاختلاف بكل انواعه، في العرق والمذهب والمعتقد، وهذه الفكرة الرئيسية في الفيلم. ويقول هذه مشكلتنا الاساسية في لبنان والعالم العربي، اذا لا نستطيع ان نتقبل طفلا ولد مختلفا، فكيف يمكننا ان نتقبل شخصا من غير دين او لون او معتقد؟"

أما مخرج الفيلم امين درة فيقول في هذا الصدد يا للأسف، البعض في مجتمعنا يعتبر المعاق شيطانا، وثمة من يخجل بولده المعاق حتى اليوم ويخبئه. ويشير الى ان غدي رمز لمفهوم تقبل الاخر مهما كان مختلفا. ودرة، الذي يعتبر "غدي" اول فيلم روائي طويل له، بعدما أخرج مسلسل "شنكبوت" الذي عرض على شبكة الانترنت، نجح في نسج لغة بصرية سلسة فيها خيال وجمالية، تعكس ثقافته السينمائية في الكثير من اللقطات والمشاهد. ويقول درة استوحيت اجواء الفيلم من السينما الايطالية لانها قريبة من اجوائنا المتوسطية، وفيها شاعرية ورومانسية، ومن الافلام الاميركية المستقلة، عبر المقاربة الفنية واللغة الجديدة في التعبير السينمائي.

وعن تاثره بالافلام التي عالجت موضوع المعاقين، ومنها "اليوم الثامن" للبلجيكي جاكو فان دورمايل، يقول درة ثمة افلام كثيرة عالجت هذا الموضوع ربما تاثرت بها في اللاوعي، لكن مجتمعنا مختلف. و انا لا اصور الاعاقة في ذاتها بل محيطها ونظرة مجتمعنا الى المختلف التي تختلف عن المجتمع الغربي، اذ ان نظرتنا متخلفة يا للأسف. بحسب فرانس برس.

وكانت اللجنة الإستشارية لشؤون السينما التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية أوصت بأن يتم ترشيح فيلم "غدي" لتمثيل لبنان في جوائز الأوسكار السينمائية، لكنها عادت واعتمدت ترشيح فيلم "قصة ثواني" بعدما تبيّن أن ترشيح "غدي" متعذر بسبب عدم انطلاق عروضه في الصالات اللبنانية. ووصف وزير الثقافة اللبناني غابي ليون فيلم "غدي" بأنه " جيد جدا ويستحق تمثيل لبنان أيضا، واصفاً كاتب السيناريو والممثل جورج خباز بأنه "فنان ممتاز". وأضاف إذا لم نر إنتاجا آخر مهما خلال السنة المقبلة، قد يكون غدي هو المرشح باسم لبنان في السنة المقبلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تشرين الثاني/2013 - 28/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م