التجسس الأمريكي الأصدقاء قبل الأعداء

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في احدث تطور لفضيحة التجسس الامريكية على الحلفاء والأصدقاء، كشفت مجلة بانوراما الإيطالية أن وكالة الأمن القومي الأميركية تجسست قبل أشهر على الكرادلة أثناء تحضرهم لاختيار بابا جديد، بمن فيهم ربما الكاردينال الأرجنتيني خورخي برغوليو، الذي اختير لاحقًا ليكون البابا فرانسيس. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل أماطت المجلة النقاب عن أن عمليات التجسس الخاصة بالوكالة على الفاتيكان طالت أيضًا البابا السابق بيندكت السادس عشر.

وأضافت المجلة: "ثمة خوف من أن تكون وكالة الأمن القومي الأميركية قد استمرت في اعتراض المحادثات الخاصة بالقساوسة حتى نهاية الاجتماع السري في الثاني عشر من آذار (مارس) الماضي". ولفتت المجلة في هذا السياق إلى أن الكاردينال برغوليو كان مثار اهتمام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية منذ العام 2005.

وتزامنت تلك الأنباء مع مزاعم نشرها موقع Crytome الأميركي، وتحدثت عن أن الولايات المتحدة قامت بمراقبة 46 مليون مكالمة هاتفية في ايطاليا خلال العام الماضي.

وذكرت بانوراما أنه تم التجسس على المكالمات التي كان يجريها البابا السابق، بيندكت السادس عشر، الذي استقال من منصبه في شباط (فبراير) الماضي، حيث ثبت أيضًا أن الوكالة كانت تخترق المكالمات التي تصل وتصدر من الفاتيكان.

 كما قيل إن الوكالة قامت أيضًا بمراقبة محادثات اختيار رئيس جديد لبنك الفاتيكان. وأشارت المجلة إلى أن الجواسيس الأميركيين قاموا بتقسيم المعلومات التي كانوا يتحصلون عليها من الفاتيكان إلى أقسام: نوايا القادة، التهديدات التي تطال النظام المالي، أهداف السياسة الخارجية، وحقوق الإنسان.

وأوضحت المجلة الايطالية، استنادًا إلى وثائق تعود للعام 2010 سربها الموظف السابق ادوارد سنودن، أن خلية سرية مكونة من عناصر تابعة لوكالتي الأمن القومي والاستخبارات المركزية الأميركيتين استمرت في العمل من خارج السفارة الأميركية في روما. وهي المزاعم التي نفاها مسؤولو وكالة الأمن القومي نفيًا قاطعًا.

وكانت فضيحة التجسس على عدد من الدول قد اندلعت بعد كشف موقع صحيفة لوموند على الانترنت استنادًا إلى وثائق سرّبها العميل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية (إن إس ايه) إدوارد سنودن في حزيران/يونيو أن الوكالة الأميركية سجلت 70.3 مليون تسجيل لمعطيات هاتفية للفرنسيين طيلة ثلاثين يومًا بين 10 كانون الأول/ديسمبر 2012 و8 كانون الثاني/يناير 2013.

فبعض ارقام الهاتف في فرنسا، تقوم بتفعيل اشارة تطلق تلقائيًا عملية تسجيل بعض المكالمات. كذلك شمل التنصت الرسائل الهاتفية القصيرة ومضمونها بالاستناد إلى كلمات مفاتيح. واخيرا، تحتفظ وكالة الامن القومي الاميركية بشكل منهجي بسجل الاتصالات لكل رقم مستهدف.

تعطي الوثائق المسربة ايضاحات كافية تدفع إلى الاعتقاد بأن اهداف وكالة الامن القومي الاميركية تشمل اشخاصًا يشتبه في علاقتهم المفترضة بنشاطات ارهابية، او لمجرد انتمائهم إلى وساط الاعمال أو السياسة أو إلى الادارة الفرنسية.

يندرج هذا النشاط التجسسي في برنامج يو اس-985 دي، التي قالت لوموند إنه لم يعرف معناه بدقة حتى الآن، استنادا لوثائق سنودن، ولا من عناصر سابقة في وكالة الامن القومي الاميركية. ومن باب المقارنة، ذكرت الصحيفة العناوين التي استخدمتها الوكالة الاميركية لطريقة الرصد نفسها التي استهدفت المانيا وهي "يو اس-987 ال ايه" و"يو اس-987 ال بي".

ورجحت أن تكون سلسلة الارقام تلك تطابق الدائرة التي تصفها الولايات المتحدة بانها الطرف الثالث الذي تنتمي اليه فرنسا والمانيا، وكذلك النمسا وبولندا او بلجيكا. أما الطرف الثاني فهو مجموعة البلدان الانغلو-ساكسونية القريبة تاريخيًا من واشنطن، مثل المملكة المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا، والمعروفة باسم "فايف آيز" أو العيون الخمس، بينما يشير الطرف الاول إلى اجهزة الاستخبارات السرية الاميركية.

وبحسب المعلومات الواردة في الصحيفة البريطانية، فإن وكالة الامن القومي "راقبت المحادثات الهاتفية لـ35 زعيمًا حول العالم بعدما سلمها مسؤول في الادارة الاميركية ارقامهم الهاتفية".

وسنودن المستشار السابق في وكالة الامن القومي لاجئ في روسيا منذ حزيران/يونيو، وقد طالبت واشنطن مرارًا موسكو بتسليمها اياه لمحاكمته في الولايات المتحدة بتهمة التجسس بعدما سرّب وثائق سرية تابعة للوكالة.

وبحسب وثيقة الغارديان والمؤرخة في 27 تشرين الاول/اكتوبر 2006 ،فإن وكالة الامن القومي "تشجع كبار المسؤولين في فروع السلطة التنفيذية التي تعتبر من بين +زبائنها+ البيت الابيض ووزارة الخارجية والبنتاغون، على أن يتشاركوا الدفاتر الهاتفية مع الوكالة".

وتضيف الوثيقة أن مسؤولي الوكالة اشادوا بإقدام مسؤول كبير في الادارة، من دون أي اشارة الى اسمه أو وظيفته، على تسليم الوكالة "200 رقم هاتفي، بينها 35 رقماً لزعماء في العالم"، موضحين في الوقت نفسه أن التنصت على هذه الارقام لم يوفر معلومات وفيرة.

ومن فرنسا الى اسبانيا جاء في وثيقة قيل ان المحلل السابق في وكالة الامن القومي الاميركية ادوارد سنودن كشف عنها واعادت نشرها (ال موندو) ، ان هذه الوكالة "تجسست على 60,506,610 اتصالات هاتفية" في اسبانيا بين 10 كانون الاول/ديسمبر 2012 و8 كانون الثاني/يناير 2013.

واوضحت الصحيفة ان وكالة الامن القومي الاميركية "لم تسجل مضمون الاتصالات، بل الرقم المتسلسل للهواتف، واماكن وجودها ورقم هاتف بطاقات اس.اي.ام المستخدمة ومدة الاتصال".

ولم يقتصر الامر على الدول الاوربية الحليفة بل تعدى ذلك الى دول أمريكا اللاتينية حيث اعلن الصحافي غلين غرينوولد الذي نشر ما كشفه ادوارد سنودن حول نظام المراقبة الالكترونية الامريكي، ان الولايات المتحدة تجسست على جميع دول اميركا اللاتينية.

وقال الصحافي الاميركي خلال مشاركته في مؤتمر في الجمعية ال69 للهيئة الاميركية للصحافة، ان "جميع دول اميركا اللاتينية كانت عرضة للتجسس من قبل الحكومة الاميركية".

وقال ان "العديد من الاجتماعات الاميركية اللاتينية" ومن بينها اجتماعات منظمة الدول الاميركية وكذلك "المحادثات حول معاهدات التبادل الحر" كانت عرضة للتجسس ولكنه لم يعط المزيد من الايضاحات.

واوضح الصحافي الذي استقال من صحيفة الغارديان البريطانية، انه سيكشف امورا جديدة حول نظام المراقبة العالمي الاميركي الذي تديره وكالة الامن القومي الاميركية.

وردا على تلك الفضيحة اعلن دبلوماسيون أمميون ان المانيا والبرازيل تعملان على ا عداد قرار في الامم المتحدة حول حماية الحريات الفردية في غمرة المعلومات التي كشفت عن برنامج التجسس الدولي للولايات المتحدة.

لكن القرار الذي سيرفع الى لجنة حقوق الانسان في الجمعية العامة للامم المتحدة لن يشير تحديدا الى الولايات المتحدة.

وسيهدف الى توسيع الشرعة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية التي اقرتها الامم المتحدة العام 1966 ودخلت حيز التطبيق في 1976 لحماية الحقوق الفردية، بحيث تشمل الانشطة على الانترنت.

وقال دبلوماسي اوروبي ان "دبلوماسيين المانا وبرازيليين واوروبيين ومن اميركا اللاتينية التقوا لمناقشة مشروع القرار".

واضاف المصدر نفسه رافضا كشف هويته ان "الهدف هو توجيه رسالة الى جميع من يستغلون النظام".

وتأمل البرازيل والمانيا في ان تشير المادة السابعة عشرة من الشرعة الى موضوع الانترنت، علما بانها تورد الاتي "لن يتعرض اي شخص لتدخل تعسفي او غير قانوني في حياته الخاصة وعائلته ومنزله او بريده، ولاي مساس غير قانوني بكرامته او سمعته".

وفي السياق نفسه، طلب البرلمان الاوروبي من المفوضية الاوروبية تعليق العمل باتفاقية بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حول نقل المعطيات المصرفية، وذلك ردًا على تراكم فضائح التجسس، الذي مارسته وكالة الامن القومي الاميركية.

لكن المفوضية رفضت هذه الدعوة، مذكرة مرة اخرى في بيان بانها لا تملك اي دليل يشير الى انتهاك النص الموقع في 2010.والاتفاق المذكور يتناول مراقبة تمويل الإرهاب. وينص على نقل معطيات مالية من الاتحاد الاوروبي الى الولايات المتحدة، لكنه يحدد ان هذه المعلومات لا يمكن استخدامها الا في مكافحة الارهاب.

وفي قرارهم الذي اعتمدوه  بغالبية بسيطة (موافقة 280 صوتًا ومعارضة 254 وامتناع 20) وهو غير ملزم، حضّ النواب الاوروبيون المفوضية على عدم السماح بتمرير هذا الانتهاك المفترض لمعاهدة نقل المعطيات المصرفية. واضافة الى تعليق المعاهدة، طلب النواب ايضًا اجراء تحقيق تقني للتحقق من صحة المزاعم بالتجسس. وصدر القرار من اقتراح مشترك للاشتراكيين والليبراليين والخضر. وكان المحافظون في البرلمان الاوروبي عرضوا نصًا يفرض من جهته توضيحات، ولكنه يطلب "لاسباب امنية" عدم تعليق العمل بالاتفاق مع الولايات المتحدة. وبحسب هؤلاء النواب، فان اجراء التعليق يجب ان تبدأه المفوضية في الشكل، ثم يدعمه تصويت الدول الاعضاء بغالبية الثلثين.

وردت هيلين فلوت من كتلة النواب الخضر بالقول "لقد حان الوقت لوضع حد لمناخ الإفلات من العقاب الذي يحيط بمكافحة الارهاب من قبل الولايات المتحدة على اراضي الاتحاد!". وردت المفوضة المكلفة الشؤون الداخلية سيسيليا مالمستروم "لا نملك مؤشرات" تفيد ان "الاتفاق انتهك، لكننا ما زلنا ننتظر ضمانات خطية مكملة طلبتها المفوضية من الولايات المتحدة". وفي الانتظار، اوضحت في بيان ان بنود الاتفاق "ستبقى كما هي".

والاتفاق مع الولايات المتحدة يتضمن قيودا وضمانات صارمة جدًا، وخصوصًا لتفادي الوصول غير المسموح به الى هذه المعطيات او نشرها او خسارتها او معالجة باي طريقة غير مسموح بها. وبعد اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، سلمت شركة سويفت في بادئ الأمر هذه المعطيات سرًا. وبعدها طالب الاوروبيون باتفاق اثار الجدل فترة طويلة لضعفه ثم رفض، واعيد النظر فيه، وصادق عليه البرلمان الاوروبي اخيرا في تموز/يوليو 2010.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تشرين الثاني/2013 - 28/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م