الامن المفقود وصناعة الفراعنة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك شعوب تصنع الطغاة!، هذه مقولة يذكرها كثير من الكتاب والمفكرين المعنيين بالشأن العربي والاسلامي، بمعنى اوضح هناك تهمة يُرمى بها العرب وكذلك تطال المسلمين عموما، هذه التهمة تقول، إن العرب والمسلمين يصنعون الطغاة، ويخلقون الفراعنة!.

نُرى الى أي مدى تثبت الوقائع صحة هذه المقولة، وهل هناك أدلة على وجودها الفعلي في واقعنا العربي الاسلامي؟.

إن أقرب مثال على حقيقة خلق الفراعنة او صناعة الطغاة، ما يحدث في مصر الآن، ومع اننا تابعنا بقلق وشيء من الفرح ما تم تصحيحه في مصر، عندما تعرضت (مدنية) الدولة المصرية الى الخطر، إلا أننا لم نكن على ثقة تامة بأن النظام السياسي الجديد سوف يكون مدنيا بالكامل، لاسيما ان العسكر هم الذين قاموا بالتغييرات الجوهرية في النظام السياسي المصري.

ومما لا شك فيه، ان تقييد الاعلام من عدمه يشكل معيارا أساسيا يمكننا القياس في ضوئه مدنية الدولة، ومدى الحريات والحقوق الممنوحة للشعب فيها، لقد عانى الاعلام في ظل نظام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي هجمة شرسة في عهده، او السنة الوحيدة التي حكم فيها مصر، وتعرض الاعلام لأخطر هجمة حاولت ان تحصر مساره في اتجاه واحد لا غير، فضلا عن مهاجمتها للاعلام والاعلاميين وتقديمهم للقضاء، كما حصل مع الاعلامي الشهير (باسم يوسف) الذي كان يقدم برنامجا شهيرا ساخرا ينتقد فيه بصورة ساخرة شخصيات النظام المصري السابق، وقد ادى ذلك الى توقف برنامجه 100 يوم تقريبا، وعندما عاد الى البث لم يكن الامر مختلفا مع النظام السياسي الجديد في مصر (نظام العسكر)، فقد تمت ملاحقة الاعلامي نفسه بتهمة الاساءة الى رموز سياسية وعسكرية، فضلا عن اتهامه بالاساءة للشعب المصري، كما جاء في بلاغات ضده تم على اثرها احالته للتحقيق!، فما الذي تغير إذاً ؟!، لقد تغيرت الوجوه فقط، اما السلطة ومقتها للاعلام وتكميمها للرأي، فقد ظلّت كما هي في العهدين (عهد الاخوان المسلمين السابق، وعهد العسكر اللاحق)، لقد أكد يوسف في برنامجه الذي اعيد بثه مجددا، انه ليس مع الاسلاميين الذين هاجموه ووصفوه بالكفر وطالبوا علانية بسجنه، وأضاف انه في نفس الوقت ليس مع "النفاق أو تأليه الافراد وخلق فراعنة." وقال  بوضوح تام (انه يخشى ان تحل الفاشية باسم الوطنية محل الفاشية باسم الدين).

هكذا تتمثل خطورة خلق الفراعنة، ومشاركة المجتمع نفسه في هذه الصناعة وكأنها حالة سلوك لا يمكنهم التخلص منها، فضلا عن رغبتهم بحالة الاستعباد التي تطال حقوقهم وحرياتهم، كما يبدو ذلك من حالة التمجيد والتضخيم الكبرى التي أُسبغِتْ على شخصية عبد الفتاح السيسي، فيما نسي الشعب المصري اسم رئيسه الجديد (عدلي منصور)، إذ سخر باسم يوسف في برنامجه من هذا الرئيس الذي يبدو ان احدا لا يتذكر اسمه، في حين يمجد كثيرون الفريق اول السيسي الى درجة ان متجرا لبيع الحلويات صنع نوعا من الشوكولا، اطلق عليه (شوكولا السيسي).

لقد عانت المجتمعات العربية والاسلامية من انظمة سياسية مستبدة، حكمتها بالحديد والنار، وتحملّت هذه المجتمعات ظلم وجور حكامها الطغاة، ولكن عندما نعود الى حقيقة الامر، فإننا سنكتشف دور الناس أنفسهم في خلق الفرعون الذي سيذيقهم المر والعلقم بقسوته وحكمه الجائر، كما لاحظنا ذلك في القيادات التي استثمرت الكفاح المدني للشعب المصري، لتعيد صياغته بطريقة تصب في تمجيد الفرد، ومثالنا عن ذلك هو عبد الفتاح السيسي، الذي يُنظر إليه اليوم كمنقذ، قادر على يمنح الامن المفقود للشعب المصري، لكنه كممثل للسلطة لم يتسع صدره لرأي اعلامي يوجه انتقادا صريحا للنظام المصري الجديد، عندما أكد باسم يوسف (على أنه ضد استبدال فاشية تتم باسم الدين بفاشية تتم باسم الأمن القومي).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تشرين الثاني/2013 - 28/ذو الحجة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م